أبو نواس - ياساحِرَ الطّرْفِ! أنت الدّهرَ وَسنانُ...

يا ساحِرَ الطّرْفِ! أنت الدّهرَ وَسنانُ ، = سرُّ القلوبِ لدَى عَينَيكَ إعْلانُ
إذا امتَحَنْتَ بطَرْفِ العينِ مُكتَتَماً، = ناداكَ مِنْ طَرْفِهِ بالسرّ تِبْيانُ
تَبدو السّرائرُ إنْ عَيناكَ رَنّقَتا، = كأنّما لكَ في الأوْهامِ سُلطانُ
مالي وما لَكَ ، قـد جَزّأتَني شِيَـعـاً ، = وأنتَ مِمّا كَساني الدّهرُ عُرْيانُ
أرَاكَ تَعمَلُ في قَتلي بِلا تِرَة ٍ، = كأنّ قَتلـي عـتـد الــلهِ قَـرْبــانُ
غَادِ المدامَ، وإنْ كانتْ محَرَّمَة ً، = فلِلْكَبائِرِ عِندَ الله غُفْرانُ
صَهباءُ، تَبني حَباباً كلّما مُزِجتْ، = كأنّهُ لُؤلُؤٌ يَتلُوهُ عِقيانُ
كانتْ على عَهدِ نُوحٍ في سَفينَتِهِ، = من حَرّ شَـحنَـتِهـا ، والأرْضُ طـوفانُ
فلَمْ تَزَلْ تَعجُمُ الدّنيا، وتعجُمُها = حتى تَـخَـيّرَها للخَـبْءِ دْهْـقــانُ
فصانَها في مَغارِ الأرْضِ، فاختَلَفتْ = على الدّفينَة ِ أزْمانٌ وأزْمَانُ
ببَلدَة ٍ لم تَصِلْ كَلْبٌ بها طُنُباً = إلى خِباءٍ، ولا عَبْسٌ وذُبْيانُ
لَيسَتْ لِـذُهْـلٍ ، ولا شيبانِها وَطَنـاً ، = لكِنّهـا لبَني الأحـرارِ أوطـانُ
أرْضٌ تَبَنّى بهـا كِـسْـرى دَسَـاكِرَهُ ، = فمـا بهـا مِنْ بني الـرّعْـناءِ إنْسـانُ
وما بها مِنْ هَشيمِ العُرْبِ عَرْفَجة ٌ، = ولا بها مِنْ غِذاءِ العُرْب خُطبانُ
لكنْ بها جُلّنَارٌ قد تَفَرّعَهُ، = آسٌ ، وَكَـلّلَـهُ وَرْدٌ وسـوسـانُ
فـإنْ تَنَـسّـمَـتْ مِـنْ أرْواحِها نَسَماً = يَوْماً تَنَسّمَ في الْخَيْشُوم رَيحانُ
يالَيلَـة َ طَلَعَتْ بالسّعْدِ أنْجُمُها ، = فباتَ يفتكُ بالسّكـرانِ سكـرانُ
بِتْـنـا نَـدينُ لإبْـليـسٍ بطـاعَتِـهِ ، = حتى نَعَى اللّيْلَ بالنّاقوسِ رُهْبانُ
فقامَ يَسحَبُ أذْيالاً مُنَعَّمَة ً، = قـد مَسّهـا مِـنْ يَـدي ظُـلْمٌ وعـدوانُ
يقـولُ : يا أسَفي ، والدّمْـعُ يغلِبُـهُ ، = هتَكتَ منّي الذي قد كانَ يُصْطانُ
فـقلتث : لَيثٌ رأى ظَبْـياً فـواثَـبَـهُ ، = كَـذا صُـرُوفُ لَيـالي الدّهـر ألـوانُ !
أعلى