سميتُ حمار دارا؛ لأني أعيش في خربة دارا من خرب مدينة مصراتة الليبية القديمة.
في كل صباح، كان صاحبي البصير الشيخ مفتاح يصعد على ظهري وأنقله إلى دكانه، الذي يقع على طرف مدينة مصراتة، يبيع فيه المكانس اليدوية، والحصر، وسلال القش، وأعود به في المساء إلى بيته في دارا.
كان الناس في دارا يقدروني كثيرًا، ليس لأني أقوم بواجبي نحو صاحبي، بل لأن صاحبي الشيخ مفتاح رجل ورع تقي، يحافظ على صلاته وصيامه، ولا يؤذي أحدًا. السكان يتقربون منه، ويتبركون به، حتى إن بعضهم يعدونه من أولياء الله الصالحين، مثل السيدة عائشة التي لها مزار في مدينة تاورغاء، أو الشيخ أحمد الزروق في قرية الزروق بمصراتة، أو الشيخ عبد السلام الأسمر الفيتوري في مدينة زليطن.
كان دكان صاحبي بين مجموعة من الدكاكين التي يملكها بلعيد القبرصي وأبناؤه، الذين يقال إنهم يرجعون في أصولهم إلى فرسان الهيكل، الذين كان لهم دور قذر في الحروب الصليبية. أو من بقايا الحملات الصليبية التي انطلقت من قبرص.
في صباح ذلك اليوم، سمعت بلعيد وأبناءه يتهامسون عن صاحبي بأنه ليس له ورثة غير حمار دارا، أي أنا، ويتساءلون عن موته الذي طال انتظارهم له. لم أهتم بذلك؛ لأني أعلم أن الأعمار بيد الله، فلا يقدمون من أعمارنا ولا يؤخرون. لكن حدث عند المساء، قبل موعد عودتنا إلى بيتنا في دارا ما لم أكن أتخيله.
كان الشيخ مفتاح يتلمس طريقه ليصعد على ظهري عندما تقدم مني أحد أبناء بلعيد وفرك في أنفي مادة لاذعة كالفلفل. انتابتني نوبة عطس شديدة، أثرت في قلب الشيخ مفتاح فراح يمسد على عنقي، ويدعو الله أن يزيل عني الألم ويخفف حدة العطاس. حاولت أن أتحمل الألم؛ حتى لا أوجع صاحبي، أو أؤخره عن العودة إلى بيته، فهدأت وصعد على ظهري، وانطلقت به كالعادة.
لم أنس ما فعله ابن بلعيد، فعزمت أن ابتعد عن طريقه، وأتجنب شره.
بعد أيام، حملت الشيخ مفتاح إلى دكانه، وكان بلعيد وأبناؤه في انتظارنا. تقدم مني أحدهم ولكمني في رأسي. شعرت بالدوار وكدت أسقط، وخشيت أن يتأذى الشيخ مفتاح بسقوطي؛ فتمالكت وبقيت واقفًا. بعد أن ترجل الشيخ مفتاح؛ لعله أحس بألمي، فسمعته يسألني بهمس:" ما يضايقك يا صاحبي؟"
ماذا أفعل لإنقاذ نفسي وإنقاذ صاحبي؟ لقد تمادى بلعيد وأبناؤه في عدوانهم علينا. فكرت في أن أهاجمهم، وهم يتناولون طعام الإفطار، الذي يكون عادة سلطة من البندورة والفلفل وزيت الزيتون، يصنعها أحد أبنائه، وهي من الأكلات، التي يتمتعون بها في الصباح. لكني عدلت عن ذلك؛ فليس من إنسانية الحمار أن يهاجم عدوه وهو يأكل. وأقنعت نفسي بالصبر على أذى قوم بلعيد؛ فالصبر من شيم أمثالي حتى إني لقبت بأبي صابر.
بعد أيام، وأنا قادم بصاحبي إلى محل عمله شاهدت بلعيد نفسه يعترض طريقنا. أدركت أنه ينوي الشر، فوقفت وصرت أتحرك حركات، فهمها الشيخ مفتاح بأني لم أحتمل بقاءه على ظهري؛ فترجل عني، وهو يقول:" أتعبتك يا صاحبي؛ سأجلس على قارعة الطريق حتى تستريح مني"
تركته ومشيت نحو بلعيد. عندما اقتربت منه عدوت بقوة، وأدرت خلفي ورفسته في رأسه. فطار ليهبط على صخرة. تحركت نحوه وتأكدت من موته.
بعد ساعة من وصولنا إلى الدكانة، انتشر الخبر بأن بلعيد القبرصي سقط عن صخرة عالية، وتوفي في الحال.
أغلق صاحبي دكانه تعاطفًا مع أولاد بلعيد، وجاءني لنعود إلى البيت، وهو في غاية السعادة. أيقنت بأنه على علم بما قمت به؛ فقبل أن يصعد ظهري مسد على رقبتي، وقبلني بين عيني، وهمس في أذني:" هذا قدرنا يا صاحبي!"
من يومها عزمت على مواجهة أبناء بلعيد واحدًا واحدًا.
في كل صباح، كان صاحبي البصير الشيخ مفتاح يصعد على ظهري وأنقله إلى دكانه، الذي يقع على طرف مدينة مصراتة، يبيع فيه المكانس اليدوية، والحصر، وسلال القش، وأعود به في المساء إلى بيته في دارا.
كان الناس في دارا يقدروني كثيرًا، ليس لأني أقوم بواجبي نحو صاحبي، بل لأن صاحبي الشيخ مفتاح رجل ورع تقي، يحافظ على صلاته وصيامه، ولا يؤذي أحدًا. السكان يتقربون منه، ويتبركون به، حتى إن بعضهم يعدونه من أولياء الله الصالحين، مثل السيدة عائشة التي لها مزار في مدينة تاورغاء، أو الشيخ أحمد الزروق في قرية الزروق بمصراتة، أو الشيخ عبد السلام الأسمر الفيتوري في مدينة زليطن.
كان دكان صاحبي بين مجموعة من الدكاكين التي يملكها بلعيد القبرصي وأبناؤه، الذين يقال إنهم يرجعون في أصولهم إلى فرسان الهيكل، الذين كان لهم دور قذر في الحروب الصليبية. أو من بقايا الحملات الصليبية التي انطلقت من قبرص.
في صباح ذلك اليوم، سمعت بلعيد وأبناءه يتهامسون عن صاحبي بأنه ليس له ورثة غير حمار دارا، أي أنا، ويتساءلون عن موته الذي طال انتظارهم له. لم أهتم بذلك؛ لأني أعلم أن الأعمار بيد الله، فلا يقدمون من أعمارنا ولا يؤخرون. لكن حدث عند المساء، قبل موعد عودتنا إلى بيتنا في دارا ما لم أكن أتخيله.
كان الشيخ مفتاح يتلمس طريقه ليصعد على ظهري عندما تقدم مني أحد أبناء بلعيد وفرك في أنفي مادة لاذعة كالفلفل. انتابتني نوبة عطس شديدة، أثرت في قلب الشيخ مفتاح فراح يمسد على عنقي، ويدعو الله أن يزيل عني الألم ويخفف حدة العطاس. حاولت أن أتحمل الألم؛ حتى لا أوجع صاحبي، أو أؤخره عن العودة إلى بيته، فهدأت وصعد على ظهري، وانطلقت به كالعادة.
لم أنس ما فعله ابن بلعيد، فعزمت أن ابتعد عن طريقه، وأتجنب شره.
بعد أيام، حملت الشيخ مفتاح إلى دكانه، وكان بلعيد وأبناؤه في انتظارنا. تقدم مني أحدهم ولكمني في رأسي. شعرت بالدوار وكدت أسقط، وخشيت أن يتأذى الشيخ مفتاح بسقوطي؛ فتمالكت وبقيت واقفًا. بعد أن ترجل الشيخ مفتاح؛ لعله أحس بألمي، فسمعته يسألني بهمس:" ما يضايقك يا صاحبي؟"
ماذا أفعل لإنقاذ نفسي وإنقاذ صاحبي؟ لقد تمادى بلعيد وأبناؤه في عدوانهم علينا. فكرت في أن أهاجمهم، وهم يتناولون طعام الإفطار، الذي يكون عادة سلطة من البندورة والفلفل وزيت الزيتون، يصنعها أحد أبنائه، وهي من الأكلات، التي يتمتعون بها في الصباح. لكني عدلت عن ذلك؛ فليس من إنسانية الحمار أن يهاجم عدوه وهو يأكل. وأقنعت نفسي بالصبر على أذى قوم بلعيد؛ فالصبر من شيم أمثالي حتى إني لقبت بأبي صابر.
بعد أيام، وأنا قادم بصاحبي إلى محل عمله شاهدت بلعيد نفسه يعترض طريقنا. أدركت أنه ينوي الشر، فوقفت وصرت أتحرك حركات، فهمها الشيخ مفتاح بأني لم أحتمل بقاءه على ظهري؛ فترجل عني، وهو يقول:" أتعبتك يا صاحبي؛ سأجلس على قارعة الطريق حتى تستريح مني"
تركته ومشيت نحو بلعيد. عندما اقتربت منه عدوت بقوة، وأدرت خلفي ورفسته في رأسه. فطار ليهبط على صخرة. تحركت نحوه وتأكدت من موته.
بعد ساعة من وصولنا إلى الدكانة، انتشر الخبر بأن بلعيد القبرصي سقط عن صخرة عالية، وتوفي في الحال.
أغلق صاحبي دكانه تعاطفًا مع أولاد بلعيد، وجاءني لنعود إلى البيت، وهو في غاية السعادة. أيقنت بأنه على علم بما قمت به؛ فقبل أن يصعد ظهري مسد على رقبتي، وقبلني بين عيني، وهمس في أذني:" هذا قدرنا يا صاحبي!"
من يومها عزمت على مواجهة أبناء بلعيد واحدًا واحدًا.