3 من 3
ومن ماهية المثال الأعلى ينتج — فيما يتصل بكل نظر ينطوي على الحرص على الذات — «أن الذي يعنى بأن يكون مسلكه عن حرص وبصيرة سواء كان ذلك في أموره الخاصة أو في الأمور العامة، لا بد أن يكون هذا المثال (أي المثال الذي يُسَمَّى بالخير لأنه يجعل ماهية المثال ممكنة) نصب عينيه وأمام بصره.»٩٩ (الجمهورية، ٥١٧ﺟ، ٣ / ٤) من شاء أن يعمل أو يريد في عالم يحدده «المثال» فلا غنى له قبل كل شيء عن النظر إلى المثال، وفي هذا تكمن أيضًا ماهية «البايدايا» التي تقوم على تحرير الإنسان وشد أزره لكي يكون قادرًا على النظر الواضح الثابت إلى الماهية، ولما كان الهدف من «رمز الكهف» حسب تفسير أفلاطون له هو تصوير ماهية «البايدايا» في صورة حية، فلا بد أيضًا أن يحكي (لنا) عن الصعود والارتفاع للنظر إلى المثال الأعلى.
هل معنى هذا أن «رمز الكهف» لا يهتم أساسًا «بالأليثيا»؟ بالطبع لا، ومع ذلك فمن الثابت أن هذا «الرمز» ينطوي على «نظرية» أفلاطون عن الحقيقة، ذلك أنه يقوم على الحدث الضمني الذي يبين سيطرة «الأيدايا» على «الأليثيا»،١٠٠ إن الرمز يقدم لنا صورة عما يقوله أفلاطون عن «مثال الخير»: إنه هو نفسه سيد،١٠١ لأنه يضمن اللاتحجب (لما يظهر نفسه) كما يضمن إدراك (المتحجب) (الجمهورية ٥١٧ﺧ، ٤)، إن «الأليثيا» تقع في نير «الأيدايا»، وإن أفلاطون عندما يقول عن «الأيدايا» إنه هو السيد الذي يسمح باللاتحجب، فإنما يشير بذلك إلى شيء لم يقله، وهو أن ماهية الحقيقة لم تعد تنفتح (أو تتجلَّى) كماهية للاتحجب عن فيض ماهيتها، بل تزحزحت (عن مكانها الأصلي) إلى ماهية «الأيدايا»، إن ماهية الحقيقة قد تخلَّت عن خاصية اللاتحجُّب الأساسية.
إذا كان المهم في كل مسلك (متعلق) بالموجود هو النظر١٠٢ إلى «المنظر»،١٠٣ فلا بد أن يتركز كل جهد على التمكين من مثل هذا النظر، وهذا يستلزم النظر الصحيح،١٠٤ وعندما ينصرف المتحرر — الذي لا يزال داخل الكهف — عن الظلال ليتجه إلى الأشياء، فإننا نجده يلتفت ببصره إلى ما هو «أكثر وجودًا» من الظلال: «فإن اتجه إلى ما هو أكثر وجودًا، أُتيح له أن ينظر نظرة أسلم»١٠٥ (٥١٥د. ٣ / ٤)، إن الانتقال من وضع إلى آخر يقوم على النظر نظرة أسلم، كل شيء يتوقف على سلامة النظرة (أو صوابها وصحتها)، وبفضل هذه النظرة الصحيحة تصح الرؤية والمعرفة، بحيث يتجهان مباشرةً إلى المثال الأعلى، ويثبتان على هذا الاتجاه بحيث يتوافق الإدراك مع ما يتعين رؤيته، وهذا هو «منظر» الموجود، وينشأ عن هذا التوافق بين الإدراك — بوصفه نظرًا١٠٦ — وبين المثال تطابق١٠٧ بين المعرفة والموضوع، وهكذا ينشأ عن تقدم «المثال»١٠٨ و«النظر»١٠٩ في الرتبة على «الأليثايا» تحول في ماهية الحقيقة، وتصبح الحقيقة هي صواب (أورثوتيس)١١٠ الإدراك والتعبير.
في هذا التحول الذي يطرأ على ماهية الحقيقة يتم في نفس الوقت تحول في مكان الحقيقة، صحيح أنها باعتبارها لاتحجبًا، لا تزال تمثل خاصية أساسية من خصائص الموجود نفسه، ولكنها — باعتبارها صواب النظرة — ستصبح ميزة يختص بها المسلك الإنساني من الموجود.
بَيْدَ أن أفلاطون مضطر على نحو من الأنحاء إلى إثبات الحقيقة باعتبارها خاصية (من خصائص) الموجود؛ لأن الموجود من جهة وجوده (أو حضوره وكينونته) يكون له وجود في أثناء ظهوره، وهذا الموجود يأتي معه باللاتحجب، ولكن السؤال عن المتحجب ينتقل في نفس الوقت إلى سؤال عن ظهور المنظر، وبالتالي إلى النظر (أو الرؤية) المتصلة بهذا المنظر وصحة هذه الرؤية وصوابها، ومن أجل هذا نجد في نظرية أفلاطون ازدواجية ضرورية، وهذه الازدواجية نفسها هي التي تؤيد ما لم نقله من قبل وما ينبغي أن نقوله الآن عن التحول في ماهية الحقيقة، وتتضح الازدواجية بكل حدتها إذا عرفنا أن أفلاطون يتناول «الأليثيا» ويتحدث عنها في الوقت الذي يقصد فيه الأورثوتيس (الصحة والصواب) ويضعها موضع المقياس الملزم، وكل هذا يتم في نفس السياق الفكري.
ويمكن أن نستخلص هذه الازدواجية في تحديد أفلاطون لماهية الحقيقة من عبارة واحدة ترد في الفقرة التي تتضمن تفسيره الخاص لرمز الكهف (٥١٧ب، ٧ إلى ﺟ، ٥)، والفكرة الأساسية في هذه العبارة هي أن المثال الأعلى هو الذي يحكم النير الذي يشد المعرفة إلى الموضوع الذي تعرفه، ولكن هذه العلاقة (بين المعرفة والمعروف) تُفهم من جهتين، ففي البداية يقول أفلاطون هذه العبارة الهامة: «إن مثال الخير هو علة كل صحيح وكل جميل»١١١ (أي علة إمكان الماهية)، ثم يقول بعد ذلك إن مثال الخير هو «السيد الذي يكفل (تحقيق) اللاتحجب كما يكفل الإدراك»،١١٢ وهاتان العبارتان لا تسيران في خطَّيْن متوازيين، بحيث تطابق «الأليثيا» (اللاتحجُّب) «الأورثا» (الصحيح والصائب) ويُطابق النوس (العقل أو الفهم) «الكالا»١١٣ (الجميل)، وإنما يتم هذا التطابق بطريقة التقاطع؛ فالصحيح أو الصائب (أورثا) وصحته أو صوابه يطابقه الإدراك الصحيح، والجميل يطابقه اللامحتجب، ذلك أن ماهية الجميل تكمن في أنه هو الظاهر أو المتجلي بذاته ومن ذاته أشد ظهور وأنقاه،١١٤ وأنه هو الذي يظهر المنظر وبذلك يكون لامتحجبًا، وكلا العبارتين تتحدثان عن صدارة مثال الخير أو تقدمه في الرتبة باعتبار أنه هو الذي يجعل صحة المعرفة ولا تحجب المعروف أمرًا ممكنًا، فالحقيقة هنا لا تحجب وصحة (أو صواب) في آن واحد، وإن كان هذا (لا يمنع) أن اللاتحجب لا يزال خاضعًا لنير «الأيدايا» (المثال).
ونفس هذه الازدواجية في تحديد ماهية الحقيقة نجدها سائدة عند أرسطو؛ ففي الفصل الختامي من الكتاب السابع من الميتافيزيقا (كتاب الثيتا، ١٠، ١٠٥١أ، ٣٤ وما بعدها) الذي يصل فيه تفكير أرسطو عن وجود الموجود إلى ذروته، نجد أن اللاتحجُّب هو الطابع الأساسي الغالب على الموجود، ومع ذلك فإن أرسطو يقول: «ليس الكذب «الباطل» والصدق «الحق» في الأشياء «الموضوعات» نفسها وإنما هو في الفهم»،١١٥ (الميتافيزيقا، باب الإيتا، ١٠٢٧ب، ٢٥ وما بعدها).
إن حكم الفهم هو موطن الحقيقة والبطلان١١٦ والفارق بينهما، وتكون العبارة حقيقية (صادقة) بقدر ما تتطابق مع الموضوع، أي بقدر ما تكون تطابُقًا (هومويوزيس)،١١٧ هذا التحديد لماهية الحقيقة لم يعد يتضمَّن أية إهابة «بالأليثيا» مفهومة بمعنى اللاتحجب، وإنما أصبحت «الأليثيا» بوصفها الضد المقابل «للبسويدوس» — أي للكذب أو عدم الصحة — على العكس من ذلك تُفهم بمعنى الصحة أو الصواب، ومنذ ذلك الحين أصبحت صياغة مفهوم الحقيقة بوصفها صحة التصوُّر المعبر عنه بالقول هي الصياغة الملزمة للفكر الغربي كله، ويكفي أن نستشهد على هذا بالقضايا الأساسية التي تمثِّل الصيغة المعبِّرة عن ماهية الحقيقة في العصور الرئيسية التي تعاقَبَت على الميتافيزيقا.
ففي العصر المدرسي الوسيط نجد عبارة توماس الأكويني: «توجد الحقيقة بمعناها الصحيح في العقل (الفهم) البشري أو العقل الإلهي»١١٨ (مسائل الحقيقة، السؤال الأوَّل، المادة الرابعة، الإجابة). إن مكانها الأساسي في العقل، ولم تعد الحقيقة هنا هي «الأليثيا» (اللاتحجب) وإنما أصبحت هي «الهومويوزيس» (التطابق أو التوافق)،١١٩ وفي بداية العصر الحديث نجد ديكارت يقول في عبارة تفوق العبارة السابقة حدة: «إن الحقيقة (الصدق) أو البطلان (الكذب) بمعناها الصحيح لا يمكن أن توجد إلا في العقل (الفهم) وحده»١٢٠ (قواعد لهداية الذهن، القاعدة الثامنة، الاعتراض العاشر، ٣٩٦). ومع بداية اكتمال العصر الحديث نجد نيتشه يقول في عبارة تفوق العبارة الأخيرة أيضًا في حدَّتِها: «إن الحقيقة هي ذلك النوع من الخطأ الذي لا يستطيع نوعٌ معين من الكائنات الحية أن يعيش بدونه.» إن قيمة الحياة هي الشيء الحاسم في نهاية الأمر (من خاطرة دوَّنها نيتشه في سنة ١٨٨٥م، إرادة القوة، الحكمة ٤٩٣).
إذا كانت الحقيقة في نظر نيتشه نوعًا من الخطأ، فإن ماهيتها تكمن في طريقة التفكير التي قضى عليها بأن تزيف الواقع كلما اتجه التصور (العقلي) إلى تثبيت «الصيرورة» الدائمة،١٢١ وبذلك تدَّعي أن هذا الذي تثبَّته هو الواقع، مع أنه لا يتطابق مع الصيرورة السيالة (المتدفقة)، أي أنه بالنسبة إليها مخالفٌ للصواب بل خطأ بيِّن، وتحديد نيتشه للحقيقة بأنها عدم صواب الفكر ينطوي على الرضا بالتحديد التقليدي لماهية الحقيقة بأنها صواب (صحة) القول (لوجوس)،١٢٢ ومفهوم نيتشه عن الحقيقة يعكس النتيجة النهائية التي تمخَّض عنها ذلك التحوُّل الذي تم في ماهية الحقيقة فجعلها تنتقل من لاتحجُّب الموجود إلى صواب النظر، وقد تحقَّق التحوُّل نفسه في تحديد الموجود (أي كينونة الكائن أو حضور الحاضر كما يفهمه الفكر اليوناني)١٢٣ بأنه أيدايا (مثال).
والنتيجة التي نستخلصها من هذا التفسير للموجود هي أن الكينونة (الحضور) لم تَعُد — كما كانت في بداية الفكر الغربي — هي استشراف١٢٤ المتحجب للاتحجُّب، مع العلم بأن هذا اللاتحجب نفسه، باعتباره تكشُّفًا أو انكشافًا، يعبِّر عن الخاصية الأساسية للكينونة، إن أفلاطون يفهم الكينونة (حضور الماهية أو الأوزيا)١٢٥ بوصفها مثالًا (أيدايا)، ولكن هذا المثال لا يخضع للاتحجُّب ولا يمكن أن نقول عنه: إنه يظهر اللامتحجب أداء لخدمة له،١٢٦ وإنما الأولى أن يُقال إنه يحدِّد الظهور (التجلِّي) الذي قد يجوز — في إطار ماهيته نفسها وبالرجوع إلى ذاته وحدها — أن يُسَمَّى لاتحجُّبًا، إن «الأيدايا» (المثل) لم تعد هي المجال١٢٧ الذي تعبِّر فيه «الأليثيا» عن نفسها، وإنما أصبح الأساس الذي يجعلها ممكنةً، ولكن حتى (هذا التفسير) يجعل «الأيدايا» تصرُّ على شيءٍ من الماهية الأصلية — التي لا تزال غيرَ معروفة — «للأليثيا».
لم تَعُد الحقيقة إذن — بوصفها لاتحجُّبًا — هي الطابع الأساسي للوجود، وإنما أصبحَت — نتيجة لخضوعِها لنير المثال — صحةً وصوابًا، كما أصبحَت بعد ذلك خاصيةً مميزة (لطريقة) معرفة الموجود، ومنذ ذلك الحين بدأ النزوع إلى «الحقيقة» بمعنى صحة النظر وصواب (حكمه)، منذ ذلك الحين أصبح اكتساب النظرة الصائبة إلى المثل هو الأمر الحاسم في كل المواقف الأساسية من الموجود، ومن أجل هذا ارتبط التفكير في «البايدايا» بالتحوُّل الذي تم في ماهية «الأليثيا» كما ارتبطا بنفس الحكاية التي يصوِّرها رمز الكهف عن الانتقالِ من مستوى (للإقامة) إلى مستوى آخر.
والفارق بين مستويي الإقامة١٢٨ في داخل الكهف وخارجه هو (في الواقع) فارق في «الصوفيا»،١٢٩ وتدل هذه الكلمة بوجه عام على الإحاطة به ومعرفته وتفهُّمه، ولكن معناها الأصيل هو الإحاطة بما (يكون في حالة) اللاتحجب، وبهذه الكينونة يتم له كيان ثابت، وهذه الإحاطة أو المعرفة تختلف عن مجرد تحصيل المعارف والمعلومات، إنها تدل على الاستقرار في مقام١٣٠ يستند بادئ ذي بَدْء إلى كيان ثابت.
إن المعرفة أو الإحاطة التي يعتد١٣١ بها هناك في الكهف السفلي (أو إيكاي صوفيا، الجمهورية، ٥١٦ﺟ، ٥)١٣٢ تتفوَّق عليها «صوفيا» أو معرفة أخرى، وهذه «الصوفيا» أو المعرفة الأخيرة تتجه قبل كل شيء لرؤية وجود الموجود في «المثل»، وهي إلى جانب هذا تتميز — بالقياس إلى تلك «الصوفيا» المأخوذ بها في داخل الكهف — بذلك الدافع الذي يدفعها لتجاوز الكائن (الحاضر) القريب والتماس المقام في الكيان الثابت الذي يُظهر نفسه بنفسه، إن هذه «الصوفيا» في ذاتها محبة وصداقة (فيليا)١٣٣ «المثل» التي تتضمن اللاتحجب، هذه الصوفيا التي يؤخذ بها خارج الكهف هي الفلسفة،١٣٤ والفلسفة كلمة عرفتْها لغة اليونان قبل عهد أفلاطون واستخدمتها بوجه عام للدلالة على المحبة (أو الميل) لمعرفة صحيحة، وقد كان أفلاطون هو أول من أطلق الكلمة على معرفةٍ معينةٍ بالموجود تحدد١٣٥ في نفس الوقت وجود الموجود بأنه مثال، ومنذ أفلاطون أصبح التفكير في الوجود «فلسفة»؛ لأنه تطلع إلى «المثل» (أو نظر يحاول استشرافها)، ولكن «الفلسفة» التي بدأت مع أفلاطون قد احتفظت من بعده بطابع ذلك الذي سمِّي في وقت متأخر «ميتافيزيقا»، وأفلاطون نفسه يقدِّم لنا الصورة الأساسية للميتافيزيقا في الحكاية التي يحكيها رمز الكهف، بل إن كلمة «الميتافيزيقا» نفسها قد سبق أفلاطون إلى صياغتها صياغة أولية في رمز الكهف.
فعندما يصور لنا (الجمهورية، ٥١٦) تعود النظر على المثل نجده يقول (٥١٦ﺟ، ٣): إن الفكر يتجاوز١٣٦ ذلك الذي لا يعرف إلا معرفة الظل والانعكاس (ويعلو فوقه) «إلى»١٣٧ هذه، أي إلى «المثل»، إنها١٣٨ هي فوق المحسوس الذي يرى من خلال الرؤية غير الحسية، وهي وجود الموجود الذي لا يمكن أن يفهم بأدوات الجسد، وأسمى ما في مجال «فوق المحسوس» هو ذلك «المثال» الذي يوصف بأنه «مثال المثل» ويظل لهذا السبب هو علة ظهور كل وجود وثبات كيانه، ولما كان هذا «المثال» هو علة كل (شيء)، فإنه لهذا السبب هو «المثال» الذي يُسَمَّى «بالخير»، هذه العلة التي تُعتبر أسمى العلل وأولها يسميها أفلاطون كما يسميها أرسطو «الإلهية» (توثيون)١٣٩ ومنذ أن فسر الوجود بأنه «إيدايا» (مثال) أصبح التفكير في وجود الموجود تفكيرًا ميتافيزيقا، كما أصبحت الميتافيزيقا لاهوتية،١٤٠ إن اللاهوت معناه هنا تفسير «علة» الموجود بأنه هو «الإله»، ونقل الوجود إلى هذه العلة التي تحوي في ذاتها الوجود كما تسمح له بالصدور عن ذاتها؛ لأنها هي أعلى الموجودات رتبةً في الوجود.
ونفس هذا التفسير للوجود بأنه (إيدايا) — وهو تفسير يرجع الفضل في أهميته وصدارته إلى التحوُّل الذي تمَّ في ماهية «الأليثيا» — يستلزم نظرة متميزة١٤١ إلى المثل، وهذا التميز يتناظر مع الدور الذي تقوم به «البايدايا» أو «صياغة» الإنسان؛ ومِنْ ثَمَّ غلب على الميتافيزيقا الاهتمام بوجود الإنسان ووضعه بين الموجودات.
وبداية الميتافيزيقا في تفكير أفلاطون تمثِّل في الوقت نفسه بداية «النزعة الإنسانية»، ونحن نستخدم الكلمة الأخيرة في هذا السياق بمعناها الجوهري، أي بأوسع معانيها، وتدل «النزعة الإنسانية» بهذا المعنى على ذلك الحدث الذي ارتبط ببداية الميتافيزيقا وتطوُّرها١٤٢ ونهايتها، وهو حلول الإنسان — من وجهات نظر متفاوتة ولكن عن علم وقصد — في وسط الموجودات (ومركزها)، دون أن يستلزم هذا بالضرورة أن يكون هو أعلى الموجودات، نقول «الإنسان» وقد نقصد به زُمْرة بشرية معينة أو البشرية كلها، فردًا أو جماعةً، شعبًا أو مجموعة من الشعوب، والمقصود به في كل الأحوال، وفي إطار سياق ميتافيزيقي أساسي يضم الموجودات، هو الأخذ بيَد الإنسان الذي تحددت (ماهيته) بهذه الطريقة — أي الحيوان الناطق١٤٣ — ومساعدته على تحرير إمكاناته وبلوغ اليقين عن مصيره والأمان في «حياته»، ويتم هذا على هيئة صياغة للسلوك «الأخلاقي»، وخلاص للنفس الخالدة، وتفتح للطاقات للبدعة، وتهذيب للعقل، ورعاية للشخصية، وإيقاظ للإحساس بالقضايا العامة، وصقل للجسد، وقد يتم أيضًا على صورة تشابك بين بعض هذه «النزعات الإنسانية» أو بينها جميعًا، وفي كل حالةٍ يتحقَّق نوع من الدوران الميتافيزيقي المحدد حول الإنسان في فلك ضيق أو واسع، ومع اكتمال الميتافيزيقا تلحُّ «النزعة الميتافيزيقية» أيضًا (أو الأنثروبولوجيا بالمفهوم اليوناني) على أشدِّ «الأوضاع» تطرُّفًا وأكثرها في نفس الوقت إطلاقًا.
إنَّ تفكير أفلاطون يخضع للتحوُّل الذي تمَّ في ماهية الحقيقة، هذا التحوُّل الذي أصبح فيما بعدُ تاريخ الميتافيزيقا التي بدأت تحقق اكتمالها المطلق في تفكير نيتشه؛ ولهذا فلا يمكن أن تكون «نظرية» أفلاطون عن الحقيقة قطعةً من الماضي، إنها «حاضر» تاريخي، ونحن لا نقصد هذا بمعنى التأثير التاريخي اللاحق فحسب «لنظرية» من النظريات، ولا نقصده أيضًا بمعنى بعث الروح القديمة أو محاكاتها، ولا مجرد الحفاظ على التراث المأثور (إن الأمر لَأكبر من هذا بكثير)، فذلك التحوُّل في ماهية الحقيقة «قطعة من» الحاضر؛ لأنه هو الواقع الأساسي الراسخ منذ أقدم الأزمنة، هو الواقع الذي يتغلغل في كل شيء ويغلب على كل شيء، واقع تاريخ الكرة الأرضية الذي لا تزال عجلته دائرة حتى الزمن المعاصر.
كل ما يعرض للإنسان التاريخي من أحداث فإنما هو نتيجة مترتبة على قرارٍ حاسم عن ماهية الحقيقة، وهو قرار اتخذ من قبل ولم يتوقَّف أبدًا على «إرادة» الإنسان نفسه، هذا القرار الفاصل هو الذي كان يبيِّن في كل مرةٍ نوع الحقيقة التي «ينبغي» البحث عنها وإثباتها، أو نبذها وإسقاطها، وذلك على ضوء الماهية التي تم تحديدها للحقيقة.
والحكاية التي يرويها رمز الكهف تُعطينا صورة دقيقة عما يحدث الآن أو سوف يحدث في تاريخ البشرية المطبوعة بالطابع الغربي: إن الإنسان يفكِّر في كل ما هو موجود وفي ذهنِه أن ماهية الحقيقة هي صواب التصوُّر (العقلي) أو صحته، ولهذا نجده يفكِّر في كل موجود على أساس «المثل» كما يقدِّر كل واقع على أساس «القيم»، وليس المهم في هذا هو نوع المثل والقيم التي يضعها «نصب عينيه»، وإنما المعيار الوحيد الفاصل في هذا هو أن الواقع قد أصبح يفسَّر على أساس «المثل» وأن العالم يوزَن بميزان «القيم».
ذكرنا القارئ فيما سبق بالماهية الأصلية للحقيقة، وقد تبيَّن أن اللاتحجُّب هو الخاصية الأساسية للموجود، والتذكير بالماهية الأصلية للحقيقة يقتضي بالضرورة أن نفكر في هذه الماهية تفكيرًا أكثر أصالة، ولهذا فلا يمكن أبدًا أن نقف «في فهمنا» للاتحجب عند المعنى الذي فهمه أفلاطون منه عندما أخضعه «للأيدايا» (المثال)، والسبب في هذا هو أن اللاتحجُّب كما يفهمه أفلاطون يظل متعلِّقًا بالنظر، والإدراك، والفكر، والقول، والتقيُّد بهذه العلاقة معناه التخلِّي عن ماهية اللاتحجُّب.
وكل محاولة لوضع ماهية اللاتحجب في «العقل» أو «الروح» أو «الفكر» أو «اللوجوس» أو تأسيسها على أي نوع آخر من أنواع «الذاتية» لن تُفلح في إنقاذ ماهية اللاتحجُّب، ذلك أن هذا الذي يحتاج إلى تأسيسٍ، وهو ماهية اللاتحجُّب نفسه، لم يتم السؤال عنه هنا سؤالًا كافيًا، إن ما سنفعله في كل الأحوال لن يخرج عن «تفسير» نتيجة مترتبة على ماهية اللاتحجُّب التي لم تفهم على الوجه الصحيح.
لا غنى لنا قبل هذا عن تقدير (الجانب) «الإيجابي» الكامن في الماهية «السلبية» «للأليثيا» (أو اللاتحجب)، ولا غنى لنا عن الإحساس بأن هذا «الجانب الإيجابي» هو الخاصية الأساسية للوجود نفسه، ولا بد أن تأتي المحنة التي لا يُكتفى فيها بالسؤال عن الموجود وحده، وإنما يصبح الوجود لأول مرة موضعَ السؤال، ولما كانت هذه المحنة وشيكة الوقوع، فإن الماهية الأصلية للحقيقة لا تزال راقدةً في أصلها١٤٤ المحتجب الخفي.
٩٩ في الأصل باليونانية: ὅτι δεῖ ταύτην ἰδεῖν τὸν μέλλοντα ἐμφρόνως πράξειν ἢ ἰδίᾳ ἢ δημοσίᾳ (517c-4 / 5) «هو تي ديء تاوتين إيداين تون ميلونتا امفرونوس براكمساين أي أيديا أي ديموزيا».
١٠٠ في الأصل باليونانية، وقد سبق ذكرهما (أي سيطرة المثال على مفهوم الحقيقة بوصفها لا تحجُّبًا).
١٠١ في الأصل باليونانية: αὐτὴ κυρία ἀλήθειαν καὶ νοῦν παρασχομένη «أوتي كوريا اليثايان كاي نون باراسخوميني».
١٠٢ في الأصل باليونانية: ἰδεῖν (إيداين) أي الرؤية أو البصر والنظر.
١٠٣ في الأصل باليونانية: ἰδέα (أيدايا) المثال.
١٠٤ أو النظرة السليمة التي تعرف كيف تدرك الماهية.
١٠٥ في الأصل باليونانية: πρὸς μᾶλλον ὄντα τετραμμένος ὀρθότερον βλέποι «بروس ماللون أونثا تترامينوس أورثوتيرون بليبوى».
١٠٦ في الأصل باليونانية، وقد سبق ذكرهما.
١٠٧ في الأصل باليونانية: ὁμοίωσις (هومويوزيس).
١٠٨ في الأصل باليونانية: ἰδέα (أيدايا).
١٠٩ في الأصل باليونانية: ἰδεῖν (أيداين).
١١٠ في الأصل باليونانية: ὀρθότης (أورثوتيس).
١١١ في الأصل باليونانية، وقد سبق ذكر النص اليوناني.
١١٢ في الأصل باليونانية، وقد سبق ذكر النص اليوناني.
١١٣ في الأصل باليونانية: καλά.
١١٤ يذكر هيدجر الكلمة اليونانية التي تُفيد هذا الظهور والجلاء وهي (إكفانستون ἐκφανέστατον).
١١٥ في الأصل باليونانية: οὐ γάρ ἐστι τὸ ψεῦδος καὶ τὸ ἀληθὲς ἐν τοῖς πράγμασιν […] ἀλλ’ ἐν διανοίᾳ (Met. E, 4, 1027b, 25sq).
١١٦ أو الصدق والكذب.
١١٧ في الأصل باليونانية: ὁμοίωσις.
١١٨ في الأصل باللاتينية: Veritas proprie invenitur in intellectu humano vel divina.
١١٩ في الأصل باللاتينية: Adaequatio (توافق، تطابق، تعادل، تكافؤ).
١٢٠ في الأصل باللاتينية: veritatem proprie vel falsitatem non nisi in solo intellectu esse posse (Regulae ad directionem ingenii, Reg. VIII, opp. X, 396).
١٢١ أي أن كل تصور عقلي لا بد أن يزيف الواقع لأنه يضطر إلى تثبيته، في حين أنه في صيرورة متصلة.
١٢٢ العبارة في الأصل باليونانية: λόγος.
١٢٣ هذه محاولة للاقتراب من المعنى الأصلي الذي يقصده هيدجر من كلمة An-wesung التي أشرت في هامش سابق إلى صعوبة ترجمتها. والكينونة والحضور قريبتان من المعنى الأصلي، بشرط ألَّا ننسى أن الكائن أو الموجود يكون ويحضر في ماهيته، أو يعلنها ويُفصح عنها ويظهر.
١٢٤ أو تطلُّعه إليه وطلوعه في نوره.
١٢٥ الكلمة الأصلية هي οὐσία وتُعرف عادةً بالجوهر أو الماهية.
١٢٦ أو امتثالًا لأمره. والمعنى كما سبق أن المثال (المنظر أو المظهر) لم يعد يخضع للحقيقة بوصفها لاتحجبًا ولم يعد يقف منها موقف الطاعة، وإنما أصبح يُخضع الحقيقة أو اللاتحجب الأصلي لنفسه. أي للظهور والتجلي ومن ثم يُخضعه لحكم النظر وصحته وصوابه.
١٢٧ الكلمة الأصلية معناها المقدمة أو مقدمة المسرح الذي يصوِّر الحقيقةَ، وهي العكس من الخلفية.
١٢٨ أو بين المقامين (مكاني الإقامة).
١٢٩ في الأصل باليونانية: Σοφία (محبة الحكمة والشوق إلى معرفة الصوفون أو الواحد والمعنى والكل) وإن كان هيدجر يفسرها بمعنى آخر هو حكمة الحب ويرجع بها إلى أصلها الاشتقاقي.
١٣٠ أي الاستحواذ على مكان للإقامة.
١٣١ أي التي تكون بمثابة المقياس الملزم.
١٣٢ في الأصل باليونانية: ἡ ἐκεῖ σοφία.
١٣٣ في الأصل باليونانية: φιλία.
١٣٤ في الأصل باليونانية: φιλοσοφία.
١٣٥ أي المعرفة.
١٣٦ الكلمتان الأصليتان هما: ميت إكينا εἰς ταῦτα (فوق أو وراء ذلك).
١٣٧ الكلمتان الأصليتان هما: أيس تاوتا μετ’ ἐκεῖνα (أي إلى هذه).
١٣٨ أي المثل.
١٣٩ τὸ θεῖον (الإلهي).
١٤٠ حرفيًّا: ثيولوجية أو إلهية (لاحظ أنها تأتي من الكلمة السابقة «ثيون»).
١٤١ حرفيًّا: يستلزم تميُّز النظر إلى المثل.
١٤٢ حرفيًّا: تفتُّحها.
١٤٣ في الأصل باللاتينية: animal rationale.
١٤٤ أو مستقرة وكامنة في مبدئها المحجوب.
* من كتاب: (نداء الحقيقة: مع ثلاثة نصوص عن الحقيقة لهيدجر)
ومن ماهية المثال الأعلى ينتج — فيما يتصل بكل نظر ينطوي على الحرص على الذات — «أن الذي يعنى بأن يكون مسلكه عن حرص وبصيرة سواء كان ذلك في أموره الخاصة أو في الأمور العامة، لا بد أن يكون هذا المثال (أي المثال الذي يُسَمَّى بالخير لأنه يجعل ماهية المثال ممكنة) نصب عينيه وأمام بصره.»٩٩ (الجمهورية، ٥١٧ﺟ، ٣ / ٤) من شاء أن يعمل أو يريد في عالم يحدده «المثال» فلا غنى له قبل كل شيء عن النظر إلى المثال، وفي هذا تكمن أيضًا ماهية «البايدايا» التي تقوم على تحرير الإنسان وشد أزره لكي يكون قادرًا على النظر الواضح الثابت إلى الماهية، ولما كان الهدف من «رمز الكهف» حسب تفسير أفلاطون له هو تصوير ماهية «البايدايا» في صورة حية، فلا بد أيضًا أن يحكي (لنا) عن الصعود والارتفاع للنظر إلى المثال الأعلى.
هل معنى هذا أن «رمز الكهف» لا يهتم أساسًا «بالأليثيا»؟ بالطبع لا، ومع ذلك فمن الثابت أن هذا «الرمز» ينطوي على «نظرية» أفلاطون عن الحقيقة، ذلك أنه يقوم على الحدث الضمني الذي يبين سيطرة «الأيدايا» على «الأليثيا»،١٠٠ إن الرمز يقدم لنا صورة عما يقوله أفلاطون عن «مثال الخير»: إنه هو نفسه سيد،١٠١ لأنه يضمن اللاتحجب (لما يظهر نفسه) كما يضمن إدراك (المتحجب) (الجمهورية ٥١٧ﺧ، ٤)، إن «الأليثيا» تقع في نير «الأيدايا»، وإن أفلاطون عندما يقول عن «الأيدايا» إنه هو السيد الذي يسمح باللاتحجب، فإنما يشير بذلك إلى شيء لم يقله، وهو أن ماهية الحقيقة لم تعد تنفتح (أو تتجلَّى) كماهية للاتحجب عن فيض ماهيتها، بل تزحزحت (عن مكانها الأصلي) إلى ماهية «الأيدايا»، إن ماهية الحقيقة قد تخلَّت عن خاصية اللاتحجُّب الأساسية.
إذا كان المهم في كل مسلك (متعلق) بالموجود هو النظر١٠٢ إلى «المنظر»،١٠٣ فلا بد أن يتركز كل جهد على التمكين من مثل هذا النظر، وهذا يستلزم النظر الصحيح،١٠٤ وعندما ينصرف المتحرر — الذي لا يزال داخل الكهف — عن الظلال ليتجه إلى الأشياء، فإننا نجده يلتفت ببصره إلى ما هو «أكثر وجودًا» من الظلال: «فإن اتجه إلى ما هو أكثر وجودًا، أُتيح له أن ينظر نظرة أسلم»١٠٥ (٥١٥د. ٣ / ٤)، إن الانتقال من وضع إلى آخر يقوم على النظر نظرة أسلم، كل شيء يتوقف على سلامة النظرة (أو صوابها وصحتها)، وبفضل هذه النظرة الصحيحة تصح الرؤية والمعرفة، بحيث يتجهان مباشرةً إلى المثال الأعلى، ويثبتان على هذا الاتجاه بحيث يتوافق الإدراك مع ما يتعين رؤيته، وهذا هو «منظر» الموجود، وينشأ عن هذا التوافق بين الإدراك — بوصفه نظرًا١٠٦ — وبين المثال تطابق١٠٧ بين المعرفة والموضوع، وهكذا ينشأ عن تقدم «المثال»١٠٨ و«النظر»١٠٩ في الرتبة على «الأليثايا» تحول في ماهية الحقيقة، وتصبح الحقيقة هي صواب (أورثوتيس)١١٠ الإدراك والتعبير.
في هذا التحول الذي يطرأ على ماهية الحقيقة يتم في نفس الوقت تحول في مكان الحقيقة، صحيح أنها باعتبارها لاتحجبًا، لا تزال تمثل خاصية أساسية من خصائص الموجود نفسه، ولكنها — باعتبارها صواب النظرة — ستصبح ميزة يختص بها المسلك الإنساني من الموجود.
بَيْدَ أن أفلاطون مضطر على نحو من الأنحاء إلى إثبات الحقيقة باعتبارها خاصية (من خصائص) الموجود؛ لأن الموجود من جهة وجوده (أو حضوره وكينونته) يكون له وجود في أثناء ظهوره، وهذا الموجود يأتي معه باللاتحجب، ولكن السؤال عن المتحجب ينتقل في نفس الوقت إلى سؤال عن ظهور المنظر، وبالتالي إلى النظر (أو الرؤية) المتصلة بهذا المنظر وصحة هذه الرؤية وصوابها، ومن أجل هذا نجد في نظرية أفلاطون ازدواجية ضرورية، وهذه الازدواجية نفسها هي التي تؤيد ما لم نقله من قبل وما ينبغي أن نقوله الآن عن التحول في ماهية الحقيقة، وتتضح الازدواجية بكل حدتها إذا عرفنا أن أفلاطون يتناول «الأليثيا» ويتحدث عنها في الوقت الذي يقصد فيه الأورثوتيس (الصحة والصواب) ويضعها موضع المقياس الملزم، وكل هذا يتم في نفس السياق الفكري.
ويمكن أن نستخلص هذه الازدواجية في تحديد أفلاطون لماهية الحقيقة من عبارة واحدة ترد في الفقرة التي تتضمن تفسيره الخاص لرمز الكهف (٥١٧ب، ٧ إلى ﺟ، ٥)، والفكرة الأساسية في هذه العبارة هي أن المثال الأعلى هو الذي يحكم النير الذي يشد المعرفة إلى الموضوع الذي تعرفه، ولكن هذه العلاقة (بين المعرفة والمعروف) تُفهم من جهتين، ففي البداية يقول أفلاطون هذه العبارة الهامة: «إن مثال الخير هو علة كل صحيح وكل جميل»١١١ (أي علة إمكان الماهية)، ثم يقول بعد ذلك إن مثال الخير هو «السيد الذي يكفل (تحقيق) اللاتحجب كما يكفل الإدراك»،١١٢ وهاتان العبارتان لا تسيران في خطَّيْن متوازيين، بحيث تطابق «الأليثيا» (اللاتحجُّب) «الأورثا» (الصحيح والصائب) ويُطابق النوس (العقل أو الفهم) «الكالا»١١٣ (الجميل)، وإنما يتم هذا التطابق بطريقة التقاطع؛ فالصحيح أو الصائب (أورثا) وصحته أو صوابه يطابقه الإدراك الصحيح، والجميل يطابقه اللامحتجب، ذلك أن ماهية الجميل تكمن في أنه هو الظاهر أو المتجلي بذاته ومن ذاته أشد ظهور وأنقاه،١١٤ وأنه هو الذي يظهر المنظر وبذلك يكون لامتحجبًا، وكلا العبارتين تتحدثان عن صدارة مثال الخير أو تقدمه في الرتبة باعتبار أنه هو الذي يجعل صحة المعرفة ولا تحجب المعروف أمرًا ممكنًا، فالحقيقة هنا لا تحجب وصحة (أو صواب) في آن واحد، وإن كان هذا (لا يمنع) أن اللاتحجب لا يزال خاضعًا لنير «الأيدايا» (المثال).
ونفس هذه الازدواجية في تحديد ماهية الحقيقة نجدها سائدة عند أرسطو؛ ففي الفصل الختامي من الكتاب السابع من الميتافيزيقا (كتاب الثيتا، ١٠، ١٠٥١أ، ٣٤ وما بعدها) الذي يصل فيه تفكير أرسطو عن وجود الموجود إلى ذروته، نجد أن اللاتحجُّب هو الطابع الأساسي الغالب على الموجود، ومع ذلك فإن أرسطو يقول: «ليس الكذب «الباطل» والصدق «الحق» في الأشياء «الموضوعات» نفسها وإنما هو في الفهم»،١١٥ (الميتافيزيقا، باب الإيتا، ١٠٢٧ب، ٢٥ وما بعدها).
إن حكم الفهم هو موطن الحقيقة والبطلان١١٦ والفارق بينهما، وتكون العبارة حقيقية (صادقة) بقدر ما تتطابق مع الموضوع، أي بقدر ما تكون تطابُقًا (هومويوزيس)،١١٧ هذا التحديد لماهية الحقيقة لم يعد يتضمَّن أية إهابة «بالأليثيا» مفهومة بمعنى اللاتحجب، وإنما أصبحت «الأليثيا» بوصفها الضد المقابل «للبسويدوس» — أي للكذب أو عدم الصحة — على العكس من ذلك تُفهم بمعنى الصحة أو الصواب، ومنذ ذلك الحين أصبحت صياغة مفهوم الحقيقة بوصفها صحة التصوُّر المعبر عنه بالقول هي الصياغة الملزمة للفكر الغربي كله، ويكفي أن نستشهد على هذا بالقضايا الأساسية التي تمثِّل الصيغة المعبِّرة عن ماهية الحقيقة في العصور الرئيسية التي تعاقَبَت على الميتافيزيقا.
ففي العصر المدرسي الوسيط نجد عبارة توماس الأكويني: «توجد الحقيقة بمعناها الصحيح في العقل (الفهم) البشري أو العقل الإلهي»١١٨ (مسائل الحقيقة، السؤال الأوَّل، المادة الرابعة، الإجابة). إن مكانها الأساسي في العقل، ولم تعد الحقيقة هنا هي «الأليثيا» (اللاتحجب) وإنما أصبحت هي «الهومويوزيس» (التطابق أو التوافق)،١١٩ وفي بداية العصر الحديث نجد ديكارت يقول في عبارة تفوق العبارة السابقة حدة: «إن الحقيقة (الصدق) أو البطلان (الكذب) بمعناها الصحيح لا يمكن أن توجد إلا في العقل (الفهم) وحده»١٢٠ (قواعد لهداية الذهن، القاعدة الثامنة، الاعتراض العاشر، ٣٩٦). ومع بداية اكتمال العصر الحديث نجد نيتشه يقول في عبارة تفوق العبارة الأخيرة أيضًا في حدَّتِها: «إن الحقيقة هي ذلك النوع من الخطأ الذي لا يستطيع نوعٌ معين من الكائنات الحية أن يعيش بدونه.» إن قيمة الحياة هي الشيء الحاسم في نهاية الأمر (من خاطرة دوَّنها نيتشه في سنة ١٨٨٥م، إرادة القوة، الحكمة ٤٩٣).
إذا كانت الحقيقة في نظر نيتشه نوعًا من الخطأ، فإن ماهيتها تكمن في طريقة التفكير التي قضى عليها بأن تزيف الواقع كلما اتجه التصور (العقلي) إلى تثبيت «الصيرورة» الدائمة،١٢١ وبذلك تدَّعي أن هذا الذي تثبَّته هو الواقع، مع أنه لا يتطابق مع الصيرورة السيالة (المتدفقة)، أي أنه بالنسبة إليها مخالفٌ للصواب بل خطأ بيِّن، وتحديد نيتشه للحقيقة بأنها عدم صواب الفكر ينطوي على الرضا بالتحديد التقليدي لماهية الحقيقة بأنها صواب (صحة) القول (لوجوس)،١٢٢ ومفهوم نيتشه عن الحقيقة يعكس النتيجة النهائية التي تمخَّض عنها ذلك التحوُّل الذي تم في ماهية الحقيقة فجعلها تنتقل من لاتحجُّب الموجود إلى صواب النظر، وقد تحقَّق التحوُّل نفسه في تحديد الموجود (أي كينونة الكائن أو حضور الحاضر كما يفهمه الفكر اليوناني)١٢٣ بأنه أيدايا (مثال).
والنتيجة التي نستخلصها من هذا التفسير للموجود هي أن الكينونة (الحضور) لم تَعُد — كما كانت في بداية الفكر الغربي — هي استشراف١٢٤ المتحجب للاتحجُّب، مع العلم بأن هذا اللاتحجب نفسه، باعتباره تكشُّفًا أو انكشافًا، يعبِّر عن الخاصية الأساسية للكينونة، إن أفلاطون يفهم الكينونة (حضور الماهية أو الأوزيا)١٢٥ بوصفها مثالًا (أيدايا)، ولكن هذا المثال لا يخضع للاتحجُّب ولا يمكن أن نقول عنه: إنه يظهر اللامتحجب أداء لخدمة له،١٢٦ وإنما الأولى أن يُقال إنه يحدِّد الظهور (التجلِّي) الذي قد يجوز — في إطار ماهيته نفسها وبالرجوع إلى ذاته وحدها — أن يُسَمَّى لاتحجُّبًا، إن «الأيدايا» (المثل) لم تعد هي المجال١٢٧ الذي تعبِّر فيه «الأليثيا» عن نفسها، وإنما أصبح الأساس الذي يجعلها ممكنةً، ولكن حتى (هذا التفسير) يجعل «الأيدايا» تصرُّ على شيءٍ من الماهية الأصلية — التي لا تزال غيرَ معروفة — «للأليثيا».
لم تَعُد الحقيقة إذن — بوصفها لاتحجُّبًا — هي الطابع الأساسي للوجود، وإنما أصبحَت — نتيجة لخضوعِها لنير المثال — صحةً وصوابًا، كما أصبحَت بعد ذلك خاصيةً مميزة (لطريقة) معرفة الموجود، ومنذ ذلك الحين بدأ النزوع إلى «الحقيقة» بمعنى صحة النظر وصواب (حكمه)، منذ ذلك الحين أصبح اكتساب النظرة الصائبة إلى المثل هو الأمر الحاسم في كل المواقف الأساسية من الموجود، ومن أجل هذا ارتبط التفكير في «البايدايا» بالتحوُّل الذي تم في ماهية «الأليثيا» كما ارتبطا بنفس الحكاية التي يصوِّرها رمز الكهف عن الانتقالِ من مستوى (للإقامة) إلى مستوى آخر.
والفارق بين مستويي الإقامة١٢٨ في داخل الكهف وخارجه هو (في الواقع) فارق في «الصوفيا»،١٢٩ وتدل هذه الكلمة بوجه عام على الإحاطة به ومعرفته وتفهُّمه، ولكن معناها الأصيل هو الإحاطة بما (يكون في حالة) اللاتحجب، وبهذه الكينونة يتم له كيان ثابت، وهذه الإحاطة أو المعرفة تختلف عن مجرد تحصيل المعارف والمعلومات، إنها تدل على الاستقرار في مقام١٣٠ يستند بادئ ذي بَدْء إلى كيان ثابت.
إن المعرفة أو الإحاطة التي يعتد١٣١ بها هناك في الكهف السفلي (أو إيكاي صوفيا، الجمهورية، ٥١٦ﺟ، ٥)١٣٢ تتفوَّق عليها «صوفيا» أو معرفة أخرى، وهذه «الصوفيا» أو المعرفة الأخيرة تتجه قبل كل شيء لرؤية وجود الموجود في «المثل»، وهي إلى جانب هذا تتميز — بالقياس إلى تلك «الصوفيا» المأخوذ بها في داخل الكهف — بذلك الدافع الذي يدفعها لتجاوز الكائن (الحاضر) القريب والتماس المقام في الكيان الثابت الذي يُظهر نفسه بنفسه، إن هذه «الصوفيا» في ذاتها محبة وصداقة (فيليا)١٣٣ «المثل» التي تتضمن اللاتحجب، هذه الصوفيا التي يؤخذ بها خارج الكهف هي الفلسفة،١٣٤ والفلسفة كلمة عرفتْها لغة اليونان قبل عهد أفلاطون واستخدمتها بوجه عام للدلالة على المحبة (أو الميل) لمعرفة صحيحة، وقد كان أفلاطون هو أول من أطلق الكلمة على معرفةٍ معينةٍ بالموجود تحدد١٣٥ في نفس الوقت وجود الموجود بأنه مثال، ومنذ أفلاطون أصبح التفكير في الوجود «فلسفة»؛ لأنه تطلع إلى «المثل» (أو نظر يحاول استشرافها)، ولكن «الفلسفة» التي بدأت مع أفلاطون قد احتفظت من بعده بطابع ذلك الذي سمِّي في وقت متأخر «ميتافيزيقا»، وأفلاطون نفسه يقدِّم لنا الصورة الأساسية للميتافيزيقا في الحكاية التي يحكيها رمز الكهف، بل إن كلمة «الميتافيزيقا» نفسها قد سبق أفلاطون إلى صياغتها صياغة أولية في رمز الكهف.
فعندما يصور لنا (الجمهورية، ٥١٦) تعود النظر على المثل نجده يقول (٥١٦ﺟ، ٣): إن الفكر يتجاوز١٣٦ ذلك الذي لا يعرف إلا معرفة الظل والانعكاس (ويعلو فوقه) «إلى»١٣٧ هذه، أي إلى «المثل»، إنها١٣٨ هي فوق المحسوس الذي يرى من خلال الرؤية غير الحسية، وهي وجود الموجود الذي لا يمكن أن يفهم بأدوات الجسد، وأسمى ما في مجال «فوق المحسوس» هو ذلك «المثال» الذي يوصف بأنه «مثال المثل» ويظل لهذا السبب هو علة ظهور كل وجود وثبات كيانه، ولما كان هذا «المثال» هو علة كل (شيء)، فإنه لهذا السبب هو «المثال» الذي يُسَمَّى «بالخير»، هذه العلة التي تُعتبر أسمى العلل وأولها يسميها أفلاطون كما يسميها أرسطو «الإلهية» (توثيون)١٣٩ ومنذ أن فسر الوجود بأنه «إيدايا» (مثال) أصبح التفكير في وجود الموجود تفكيرًا ميتافيزيقا، كما أصبحت الميتافيزيقا لاهوتية،١٤٠ إن اللاهوت معناه هنا تفسير «علة» الموجود بأنه هو «الإله»، ونقل الوجود إلى هذه العلة التي تحوي في ذاتها الوجود كما تسمح له بالصدور عن ذاتها؛ لأنها هي أعلى الموجودات رتبةً في الوجود.
ونفس هذا التفسير للوجود بأنه (إيدايا) — وهو تفسير يرجع الفضل في أهميته وصدارته إلى التحوُّل الذي تمَّ في ماهية «الأليثيا» — يستلزم نظرة متميزة١٤١ إلى المثل، وهذا التميز يتناظر مع الدور الذي تقوم به «البايدايا» أو «صياغة» الإنسان؛ ومِنْ ثَمَّ غلب على الميتافيزيقا الاهتمام بوجود الإنسان ووضعه بين الموجودات.
وبداية الميتافيزيقا في تفكير أفلاطون تمثِّل في الوقت نفسه بداية «النزعة الإنسانية»، ونحن نستخدم الكلمة الأخيرة في هذا السياق بمعناها الجوهري، أي بأوسع معانيها، وتدل «النزعة الإنسانية» بهذا المعنى على ذلك الحدث الذي ارتبط ببداية الميتافيزيقا وتطوُّرها١٤٢ ونهايتها، وهو حلول الإنسان — من وجهات نظر متفاوتة ولكن عن علم وقصد — في وسط الموجودات (ومركزها)، دون أن يستلزم هذا بالضرورة أن يكون هو أعلى الموجودات، نقول «الإنسان» وقد نقصد به زُمْرة بشرية معينة أو البشرية كلها، فردًا أو جماعةً، شعبًا أو مجموعة من الشعوب، والمقصود به في كل الأحوال، وفي إطار سياق ميتافيزيقي أساسي يضم الموجودات، هو الأخذ بيَد الإنسان الذي تحددت (ماهيته) بهذه الطريقة — أي الحيوان الناطق١٤٣ — ومساعدته على تحرير إمكاناته وبلوغ اليقين عن مصيره والأمان في «حياته»، ويتم هذا على هيئة صياغة للسلوك «الأخلاقي»، وخلاص للنفس الخالدة، وتفتح للطاقات للبدعة، وتهذيب للعقل، ورعاية للشخصية، وإيقاظ للإحساس بالقضايا العامة، وصقل للجسد، وقد يتم أيضًا على صورة تشابك بين بعض هذه «النزعات الإنسانية» أو بينها جميعًا، وفي كل حالةٍ يتحقَّق نوع من الدوران الميتافيزيقي المحدد حول الإنسان في فلك ضيق أو واسع، ومع اكتمال الميتافيزيقا تلحُّ «النزعة الميتافيزيقية» أيضًا (أو الأنثروبولوجيا بالمفهوم اليوناني) على أشدِّ «الأوضاع» تطرُّفًا وأكثرها في نفس الوقت إطلاقًا.
إنَّ تفكير أفلاطون يخضع للتحوُّل الذي تمَّ في ماهية الحقيقة، هذا التحوُّل الذي أصبح فيما بعدُ تاريخ الميتافيزيقا التي بدأت تحقق اكتمالها المطلق في تفكير نيتشه؛ ولهذا فلا يمكن أن تكون «نظرية» أفلاطون عن الحقيقة قطعةً من الماضي، إنها «حاضر» تاريخي، ونحن لا نقصد هذا بمعنى التأثير التاريخي اللاحق فحسب «لنظرية» من النظريات، ولا نقصده أيضًا بمعنى بعث الروح القديمة أو محاكاتها، ولا مجرد الحفاظ على التراث المأثور (إن الأمر لَأكبر من هذا بكثير)، فذلك التحوُّل في ماهية الحقيقة «قطعة من» الحاضر؛ لأنه هو الواقع الأساسي الراسخ منذ أقدم الأزمنة، هو الواقع الذي يتغلغل في كل شيء ويغلب على كل شيء، واقع تاريخ الكرة الأرضية الذي لا تزال عجلته دائرة حتى الزمن المعاصر.
كل ما يعرض للإنسان التاريخي من أحداث فإنما هو نتيجة مترتبة على قرارٍ حاسم عن ماهية الحقيقة، وهو قرار اتخذ من قبل ولم يتوقَّف أبدًا على «إرادة» الإنسان نفسه، هذا القرار الفاصل هو الذي كان يبيِّن في كل مرةٍ نوع الحقيقة التي «ينبغي» البحث عنها وإثباتها، أو نبذها وإسقاطها، وذلك على ضوء الماهية التي تم تحديدها للحقيقة.
والحكاية التي يرويها رمز الكهف تُعطينا صورة دقيقة عما يحدث الآن أو سوف يحدث في تاريخ البشرية المطبوعة بالطابع الغربي: إن الإنسان يفكِّر في كل ما هو موجود وفي ذهنِه أن ماهية الحقيقة هي صواب التصوُّر (العقلي) أو صحته، ولهذا نجده يفكِّر في كل موجود على أساس «المثل» كما يقدِّر كل واقع على أساس «القيم»، وليس المهم في هذا هو نوع المثل والقيم التي يضعها «نصب عينيه»، وإنما المعيار الوحيد الفاصل في هذا هو أن الواقع قد أصبح يفسَّر على أساس «المثل» وأن العالم يوزَن بميزان «القيم».
ذكرنا القارئ فيما سبق بالماهية الأصلية للحقيقة، وقد تبيَّن أن اللاتحجُّب هو الخاصية الأساسية للموجود، والتذكير بالماهية الأصلية للحقيقة يقتضي بالضرورة أن نفكر في هذه الماهية تفكيرًا أكثر أصالة، ولهذا فلا يمكن أبدًا أن نقف «في فهمنا» للاتحجب عند المعنى الذي فهمه أفلاطون منه عندما أخضعه «للأيدايا» (المثال)، والسبب في هذا هو أن اللاتحجُّب كما يفهمه أفلاطون يظل متعلِّقًا بالنظر، والإدراك، والفكر، والقول، والتقيُّد بهذه العلاقة معناه التخلِّي عن ماهية اللاتحجُّب.
وكل محاولة لوضع ماهية اللاتحجب في «العقل» أو «الروح» أو «الفكر» أو «اللوجوس» أو تأسيسها على أي نوع آخر من أنواع «الذاتية» لن تُفلح في إنقاذ ماهية اللاتحجُّب، ذلك أن هذا الذي يحتاج إلى تأسيسٍ، وهو ماهية اللاتحجُّب نفسه، لم يتم السؤال عنه هنا سؤالًا كافيًا، إن ما سنفعله في كل الأحوال لن يخرج عن «تفسير» نتيجة مترتبة على ماهية اللاتحجُّب التي لم تفهم على الوجه الصحيح.
لا غنى لنا قبل هذا عن تقدير (الجانب) «الإيجابي» الكامن في الماهية «السلبية» «للأليثيا» (أو اللاتحجب)، ولا غنى لنا عن الإحساس بأن هذا «الجانب الإيجابي» هو الخاصية الأساسية للوجود نفسه، ولا بد أن تأتي المحنة التي لا يُكتفى فيها بالسؤال عن الموجود وحده، وإنما يصبح الوجود لأول مرة موضعَ السؤال، ولما كانت هذه المحنة وشيكة الوقوع، فإن الماهية الأصلية للحقيقة لا تزال راقدةً في أصلها١٤٤ المحتجب الخفي.
٩٩ في الأصل باليونانية: ὅτι δεῖ ταύτην ἰδεῖν τὸν μέλλοντα ἐμφρόνως πράξειν ἢ ἰδίᾳ ἢ δημοσίᾳ (517c-4 / 5) «هو تي ديء تاوتين إيداين تون ميلونتا امفرونوس براكمساين أي أيديا أي ديموزيا».
١٠٠ في الأصل باليونانية، وقد سبق ذكرهما (أي سيطرة المثال على مفهوم الحقيقة بوصفها لا تحجُّبًا).
١٠١ في الأصل باليونانية: αὐτὴ κυρία ἀλήθειαν καὶ νοῦν παρασχομένη «أوتي كوريا اليثايان كاي نون باراسخوميني».
١٠٢ في الأصل باليونانية: ἰδεῖν (إيداين) أي الرؤية أو البصر والنظر.
١٠٣ في الأصل باليونانية: ἰδέα (أيدايا) المثال.
١٠٤ أو النظرة السليمة التي تعرف كيف تدرك الماهية.
١٠٥ في الأصل باليونانية: πρὸς μᾶλλον ὄντα τετραμμένος ὀρθότερον βλέποι «بروس ماللون أونثا تترامينوس أورثوتيرون بليبوى».
١٠٦ في الأصل باليونانية، وقد سبق ذكرهما.
١٠٧ في الأصل باليونانية: ὁμοίωσις (هومويوزيس).
١٠٨ في الأصل باليونانية: ἰδέα (أيدايا).
١٠٩ في الأصل باليونانية: ἰδεῖν (أيداين).
١١٠ في الأصل باليونانية: ὀρθότης (أورثوتيس).
١١١ في الأصل باليونانية، وقد سبق ذكر النص اليوناني.
١١٢ في الأصل باليونانية، وقد سبق ذكر النص اليوناني.
١١٣ في الأصل باليونانية: καλά.
١١٤ يذكر هيدجر الكلمة اليونانية التي تُفيد هذا الظهور والجلاء وهي (إكفانستون ἐκφανέστατον).
١١٥ في الأصل باليونانية: οὐ γάρ ἐστι τὸ ψεῦδος καὶ τὸ ἀληθὲς ἐν τοῖς πράγμασιν […] ἀλλ’ ἐν διανοίᾳ (Met. E, 4, 1027b, 25sq).
١١٦ أو الصدق والكذب.
١١٧ في الأصل باليونانية: ὁμοίωσις.
١١٨ في الأصل باللاتينية: Veritas proprie invenitur in intellectu humano vel divina.
١١٩ في الأصل باللاتينية: Adaequatio (توافق، تطابق، تعادل، تكافؤ).
١٢٠ في الأصل باللاتينية: veritatem proprie vel falsitatem non nisi in solo intellectu esse posse (Regulae ad directionem ingenii, Reg. VIII, opp. X, 396).
١٢١ أي أن كل تصور عقلي لا بد أن يزيف الواقع لأنه يضطر إلى تثبيته، في حين أنه في صيرورة متصلة.
١٢٢ العبارة في الأصل باليونانية: λόγος.
١٢٣ هذه محاولة للاقتراب من المعنى الأصلي الذي يقصده هيدجر من كلمة An-wesung التي أشرت في هامش سابق إلى صعوبة ترجمتها. والكينونة والحضور قريبتان من المعنى الأصلي، بشرط ألَّا ننسى أن الكائن أو الموجود يكون ويحضر في ماهيته، أو يعلنها ويُفصح عنها ويظهر.
١٢٤ أو تطلُّعه إليه وطلوعه في نوره.
١٢٥ الكلمة الأصلية هي οὐσία وتُعرف عادةً بالجوهر أو الماهية.
١٢٦ أو امتثالًا لأمره. والمعنى كما سبق أن المثال (المنظر أو المظهر) لم يعد يخضع للحقيقة بوصفها لاتحجبًا ولم يعد يقف منها موقف الطاعة، وإنما أصبح يُخضع الحقيقة أو اللاتحجب الأصلي لنفسه. أي للظهور والتجلي ومن ثم يُخضعه لحكم النظر وصحته وصوابه.
١٢٧ الكلمة الأصلية معناها المقدمة أو مقدمة المسرح الذي يصوِّر الحقيقةَ، وهي العكس من الخلفية.
١٢٨ أو بين المقامين (مكاني الإقامة).
١٢٩ في الأصل باليونانية: Σοφία (محبة الحكمة والشوق إلى معرفة الصوفون أو الواحد والمعنى والكل) وإن كان هيدجر يفسرها بمعنى آخر هو حكمة الحب ويرجع بها إلى أصلها الاشتقاقي.
١٣٠ أي الاستحواذ على مكان للإقامة.
١٣١ أي التي تكون بمثابة المقياس الملزم.
١٣٢ في الأصل باليونانية: ἡ ἐκεῖ σοφία.
١٣٣ في الأصل باليونانية: φιλία.
١٣٤ في الأصل باليونانية: φιλοσοφία.
١٣٥ أي المعرفة.
١٣٦ الكلمتان الأصليتان هما: ميت إكينا εἰς ταῦτα (فوق أو وراء ذلك).
١٣٧ الكلمتان الأصليتان هما: أيس تاوتا μετ’ ἐκεῖνα (أي إلى هذه).
١٣٨ أي المثل.
١٣٩ τὸ θεῖον (الإلهي).
١٤٠ حرفيًّا: ثيولوجية أو إلهية (لاحظ أنها تأتي من الكلمة السابقة «ثيون»).
١٤١ حرفيًّا: يستلزم تميُّز النظر إلى المثل.
١٤٢ حرفيًّا: تفتُّحها.
١٤٣ في الأصل باللاتينية: animal rationale.
١٤٤ أو مستقرة وكامنة في مبدئها المحجوب.
* من كتاب: (نداء الحقيقة: مع ثلاثة نصوص عن الحقيقة لهيدجر)