أمل محمد منشاوي - إنما كنت أمزح...!

تسللت البرودة في أنحاء جسدي، تصلبت أطرافي ويداي أصبحتا مبسوطتان، ما عدت قادرا على الحركة، لا أدري كم مر من الوقت منذ أن فكرت في هذه المزحة السخيفة، ولا أذكر كيف قفزت إلى عقلي هذه الفكرة المقيتة؟ المكان حولي ضيقا اكاد الفظ انفاسي من قلة الهواء، كم أنا أحمق!
كنت أراهم بوضوح وهم يبكون بحرقة بينما كنت أضحك من قلبي.
عندما أقبلت اختي الصغرى لتوقظني ادعيت الموت، راحت تصرخ وتولول، لطمت وجهها وقطعت شعرها، ومن ورائها جاءت أمي وزوجتي، وأبي كذلك كان يبكي... لم أطق بكاء أبي، نهضت من الفراش ملتاعا واتجهت نحوه، احتضنت رأسه وقبلته لكنه لم يكف عن البكاء، جريت نحو أمي أخبرها أنني بخير، لم تسمعني وظلت تبكي بحرقة، هرولت نحو زوجتي... أختي... أخي الذي أقبل مفزوعا بعد ساعة من مهاتفتهم له، وقفت أمامهم أصرخ بأعلى صوتي " أنا حيّ" ولكنهم أبدا لم ينتبهوا إلي، لم تكن مزحتي الأولى معهم... فلماذا لا يصدقونني هذه المرة؟.
امتلأ البيت وغص بصنوف البشر، الجميع يبكون وأنا وحيد بينهم أضحك حينا وأشرد آخر، تسلل الشك إلى قلبي تبعه خوف مريع، الحركة من حولي أصبحت غريبة وسريعة، امتدت أياد وحملتني... جردتني من ثيابي وغمرتني بماء دافئ كدموع العين، وأنا أنظر إليهم بذهول، أقول بفزع: ماذا تفعلون؟ ولكنهم لا يجيبون.
قاومت كثيرا حتى خارت قواي ثم استسلمت، حتى عندما وضعوني في هذه الغرفة المظلمة وراحوا يحثون التراب فوق جسدي الممدد... لم أتكلم، صوت خطواتهم على الأرض الرطبة من فوقي يبتعد شيئا فشيئا لم يبق غير نحيب أبي يأتيني من خلف الجدران... يمزق قلبي، سالت على وجهي البارد دمعة دافئة، قلت بصوت لم يسمعه أحد غيري... لماذا تركوني... إنما كنت أمزح!
أمل

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...