محمد علي شمس الدين - دخان القرى...

هو القلبُ أم حَفنةٌ من دخان القرى؟
قال لي صاحبي:
نشأنا معاً وضحكنا معاً وشربنا معاً وحل أقدامنا
فهل أنت مثلي غداً ميتٌ في المدينة؟
قلت: هذا اتجاهي من النهر حتى احتراقاته في الخليج جنوباً، جنوباً، جنوبا وكل الجهات التي حددتني غدت واحدة
قال لي: أنت لا تعرف الأرض والآخرين
قلت: أمي نهتني عن الموت إلا على صدرها
قال: خذ رقم قبري وغاب
ولما التقينا بكينا معاً فوق صدر التراب.
هو القلبُ أم حَفنةٌ من دخان القرى؟
كان لي صاحبٌ واقفٌ في الظهيرة
بين متراسه وبين الدموع الصغيرة
طفلةٌ لا تنام
حين غنت لها أمها في الظلام
أغلقت بابها خشية العابرين
ثم قالت لها:
عمّمَ الجند بين البيوت
أن تغني إذن أن تموت.

هو القلبُ أم حَفنةٌ من دخان القرى؟
كان لا يشتري التبغ قبل الرصاص
ولكنه حين مات
شاهدوا بين عينيه شكلاً غريباً
على شتلة التبغ أو صورة الكفّ
خضراءَ خضراء
وفي نقطة من زوايا الجسد
بقعة للدخان.
هو القلبُ أم حفنةٌ من دخان القرى؟
مرّة زارني في العشاء الأخير
كان صحني مليئاً بأشياءَ
لا أذكر الآن منها
سوى شاهدين: دمي والجريدة
قرأنا عناوين كل المساكين تحت الجسورْ
قرأنا سطور الجثثْ
وما خبأ الموت بين السطور
قرأنا معاً شاهدات القبور
وموتاً فموتاً، عبرنا إلى دورة الخبز بابَ المدينة
طاب لي أن أغني على بابها:
«بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه
وأيقن أنا لاحقان بقيصرا
فقلت له لا تبك عينك إنما
نحاول خبزاً أو نموت فنُعذرا»
بكى من غنائي وقال:
هو الخبز أم دورة للمغني؟

ولما هوى مال نحو الغناء.
هو القلبُ أم غابةٌ من دخان القرى؟
محبونَ كانوا هنا ثم غابوا
ولم يتركوا غير أسمائهم
جلسنا نعدّ احتمالات أقدامهم في المدينة وسرنا معاً..
وجدنا الحوانيت تمشي إلى فندقٍ في الضواحي
وجدنا الضواحي توابيتَ للنائمين
وفوق الثرياتِ لحمٌ طريّ
وأهدابها أعينٌ للطغاة
غرسنا على جمجمات الطواغيت أعلامنا وعُدنا نغني لمن لا ينام:
سلامٌ إلى مطلع الفجر وقْعُ الخُطا
سلام إلى مغرب الشمس وقْعُ الغمام.
هو القلبُ أم نجمةُ القطب للتائهين؟
يجيئون مثل الطيور الأخيرة
على جانحٍ نجمةٌ
بقعةٌ من دمٍ مثل نجم المساءْ
على جانحٍ شارةٌ للذي وحّدَته الدماء
كان لي صاحبٌ واقفٌ في العراءْ
بين يافا وامتداداتها في الشرايين
لا تقطعوا
كل جذرٍ لنا موصلٌ للسماءْ
كل جذرٍ لنا موغلٌ في السماءْ.





أعلى