مجدي جعفر - مقاربة نقدية في ديوان ( سفر الخروج ) لمحمد فكري...

عرفت الحياة الثقافية والأدبية محمد فكري شاعرا مجيدا، وقاصا مقتدرا، وناشطا ثقافيا، وعن الهيئة العامة لقصور الثقافة صدر له من شعر العامية المصرية الديوان / القصيدة الواحدة ( سفر الخروج )، والقصيدة الديوان تتكون من ( 132 ) رباعية، منفصلة .. متصلة، وهذا نهج جديد للشاعر الذي أراد أن يخلص القصيدة من اللغو والثرثرة والحشو والزوائد والفضول، ووجد ضالته في الرباعيات التي تتسم بالاختزال والتكثيف الشديدين،وتأخذ رباعياته شكلا وقالبا يختلف عن الشكل والقالب الذي صب فيه صلاح جاهين رباعياته الشهيرة، واختلف أيضا عن رباعيات الخيام الأكثر شهرة، ولا مجال في هذه القراءة العجلى والمتقضبة للمقاربة والمقارتة بين رباعيات فكري ورباعيات الرائدين الكبيرين، يقول الشاعر في إحدى رباعياته في صدارة الديوان يوضح فيها الشكل والقالب الذي اختاره:

(مِن بين فنون الشِّعر والأوْزان

اختَرت شَكل الأربعة في اتنين

واحــِد يـواسـي تـالِــت الأحــزان

والرَّابِـع المَخـتـوم يـروح لِاتنين )

وقد ألزم الشاعر نفسه ببحر واحد في كل الرباعيات وهو بحر ( السريع ) وهو البحر الذي ينظم عليه الشعراء الموضوعات المتعلقة بالعاطفة، يقول مستعرضا تفعيلات البحر السريع وإيثاره النظم عليه، وهو يجري على لسانه، وثمة ( سرعة في النطق به ) كما يقول الخليل بن احمد، وتعود سرعته كما يقول نقادنا إلى تفعيلاته، ففي كل ثلاثة منها ( سبعة أسباب بموجب الدائرة، والأسباب كما هو معلوم أسرع من الأوتاد في النطق بها ) :

(مستفعلــــــن مستفعلــــــن فــاعِــــل

تَفعيلَـــــــة حِلْــــوة ورِزقهــــا عالي

فيه ناس تشوفها تُنْصُب الفاعِل

ونــــاس كـــلامـهـا ومَـهْــرَها غالي )

.....................................................................

محاولة قراءة العنوان وفقا للمنهج السيميولوجي :

( سفر الخروج ) من العناوين المراوغة، وقد يحيل القارئ إلى واحد من أشهر الكتب المقدسة عند اليهود، والذي يسرد حياة النبي موسى عليه السلام، منذ طفولته حتى هروبه من مصر، وعودته إليها مرة أخرى لينقذ أبناء إسرائيل من جبروت وبطش فرعون واستعباده لهم، وخروج بنو إسرائيل يشكل الحدث الرئيس في هذا الكتاب، وأخذ اسمه من هذا الحدث المهم، فهل ثمة علاقة بين سفر خروج محمد فكري الشاعر والأديب وبين سفر خروج النبي موسى عليه السلام؟ وهل هناك روابط بين الأحداث في السفرين؟ قد تتقاطع الأحداث وتلتقي، وقد تتماس، وقد تتوازى، وقد .. وقد ..، وكل الأسئلة مشروعة للقارئ الذي يُعمل عقله، ويسعى لإيجاد علاقة ما حتى لو كانت خفية وغير ظاهرة بين السفرين، وربما بعد قراءة الديوان يحاول من جديد أن يُقابل بين السفرين، أو ينصرف تماما عن هذه الفكرة التي أرقته، ويقنع نفسه بأن العناوين قد تتشابه أحيانا.

....................................................................

الراوي الشعبي :

ويعيد لنا الشاعر، الراوي الشعبي أو القوّال، فيستهل قصيدته كما يفعل المداح أو القوّال أو الراوي الشعبي بذكر الله والصلاة على المصطفى، فيقول :

(أبـــدأ كــلامــي بَـعــــد ذِكـــر الله

ألْفين صلاة عَ المُصطفى الهادي

الآتـــي ذِكْـــرُه فيـــه كتيـــر مِ الآه

شـاهِــــد عَلـيـه البحــــــر والـــوادي ) " رباعية رقم ( 1 ) ص 9 "

هل الشاعر يخاطب جمهور افتراضي مُتخيل، وهو الجمهور الذي يتحلق حول رواة السير؟!

الشاعر يضع نفسه موضع المدّاح أو الراوي الشعبي، ويخاطب جمهوره الافتراضي المتخيل، فيقول لهم بذوق عال وأدب جم " لو تسمحوا "، ومحاولة اجتذابهم ولفت انتباههم والإصغاء لما يقوله :

(يـا حـاضِـريـن لــو تِسْمـحـوا سـاعــة

هانْزِل في بَحر الضَّاد لِحَدّ السِّين

مِسْـتَـكـتـريــن تِـسْتَحمـلـوا ســاعـــة

طَب يعمل ايه اللي غَرَز في السِّين ) " رباعية رقم ( 4 ) ص 10 "

ولكن القُراء / الجماهير سرعان ما تكتشف أنها أمام راو وقوّال مختلف، شاعر مُعاصر لا يقدم سيرة بطل شعبي خارق، ولكنه يقدم سيرة إنسان / أسرة / قرية / وطن، ويرصد في رباعياته التحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية والنفسية.

..................................................................

البطل شاعرا :

اختار فكري قوّالا وشاعرا بطلا لنصه، ويتوقف في أكثر من رباعية له على رحلة بطله مع الأدب والفن، وكيف وجد الاحتضان الحنون من الأدباء والشعراء الكبار الذين آمنوا بموهبته :

(سِمعُوني مَرَّة قالوا ليه مَخْزُون

حابِس هَوَاك والحَرف فيك وافِر

على فِطرِتَك كاتِب كلام مَوْزُون

ولا تِعرَف الكامِل مِن الوافِر!! ) " رباعية رقم ( 115 ) ص 75 "

إذن هو شاعر مطبوع وموهوب، ولأن الموهبة وحدها لا تكفي، فنصحوه بضرورة صقلها بالقراءة والدراسة :

(فَتَحوا لي باب المَعنى والقَواميس

والــتَّـــفْــعـيـلات والــبَــحــر والأَوْزان

نارت شَوَارعي، لمعت الفَوانيس

وبَــقـيـت احُـط الـكِـلْـمة عَ الميزان ) " رباعية رقم ( 116 ) ص 75 "

والشاعر البطل مُمتن لكل من وقف بجانبه، وساهم في إنضاج تجربته الشعرية، ويهدي ديوانه إلى :

( أول من ابتسم في وجهي ودعاني إلى منصة الإلقاء، محمود سلام أبو مالك، شكرا جزيلا ) ص 7.

ويسلط محمد فكري كاميراته على طفولة شاعره البطل، ومولده بإحدى قرى مصر ونشأته، وأسرته : الأب والأخوة ( بنت وولدان ) والجد، ويمكن للقارئ أن يراجع الرباعيات رقم ( 7 ) ص 12، ورقم ( 9 ) ص 13، وغيرها من الرباعيات التي قدم فيها أسرة بطله الشاعر، وقد اهتم بتلك الفترة المهمة في حياته، فترة البواكير وتفتح الوعي لديه، والبطل الذي وصل إلى سن الأربعين في الرباعية رقم ( 11 ) ص 14، يستعيد لنا الآثار الطيبة التي تركتها تلك الفترة في نفسه، فيصف لنا أخلاق الأب الحميدة في الرباعية رقم ( 20 ) ص 19، وحب المكان / القرية وعشقه للأب في الرباعية رقم ( 21 ) ص 20، والكرم : رقم ( 22 ) ص 21، والسعي على الرزق في البكور : رقم (24 ) ص23، والمصطبة والحوش والقسم بهما : رقم ( 78 ) ص 55، قدم لنا في رباعيات سريعة وخاطفة، وبإيجاز غير مُخل الحياة كاملة في القرية المصرية، ومضات تكشف عن الجوانب المضيئة والمشرقة والقيم والعادات والأخلاق المتوارثة من جيل إلى جيل، ويوازن الشاعر بين القرية والمدينة، ويتمنى أن تأخذ المدينة طباع وأخلاق القرية : رقم ( 89 ) ص 61، وأخذ يشعر بالغربة : رقم ( 13 ) ص15، ويستعيد دائما الأب والجد والمصطبة والحوش والحقل والمزروعات والحصاد وجلسات السمر والسهر حتى السحر، واحترام الصغير للكبير، وعطف الكبير على الصغير، ومراعاة حق الجار، والإحسان إلى الفقير والمسكين وابن السبيل واليتيم والأرملة، و .. و ..وهو في حنين دائم إلى القرية كما في الرباعية رقم ( 130 ) ص 78.

.............................................................

الحس الديني :

= ويبدو الحس الديني جليا وعاليا لدي الشاعر، فيستهل أول رباعياته بذكر الله والصلاة على المصطفى : رقم ( 1 ) ص 5، وسورة " يس " حاضرة في الرباعية رقم ( 6 ) ص 11:

(«يَــس» يــا رُبْـع الذِّكْر فـي التَّرتيب

يـا نُصـرِة المَغلـوب فـي سـاعِـة هَـمْ

هـاقـراكِ مـش عَلَشان يموت الدِّيب

هــاقـرا بِنيِّة الهُـدَى واللَّم ) " رباعية رقم ( 6 ) ص 11 "

والشاعر لا يقرأ سورة ( يس ) كما هو في المعتقد الديني الشعبي بالدعاء على الظالم، ولكنه يقرأها راجيا من المولى عز وجل هدايته، ويعود عن ظلمه وجبروته.

، ورقم ( 31 ) ص 29، ورقم ( 32 ) ص 29، وحمد الله وشكره : رقم ( 37 ) ص 32، ورقم ( 50 ) ص 41، والتسليم بقضاء الله وقدره : رقم ( 44 ) ص 36، وعطاءات الله وهباته : رقم ( 46 ) ص 37، والدعاء إلى الله بالصبر على المكروب : رقم ( 55 ) ص 44، وذكر الله والتسليم بقضائه : رقم ( 69 ) ص 51، والرضا بحكم الله : رقم ( 77 ) ص55، وأسماء الله الحسنى وآداب النبوة : رقم ( 92 ) ص 63، والتبتل والدعاء إلى الله : رقم ( 96 ) ص 65، التسمية باسم الله الأعظم : رقم ( 101 ) ص 67، وآذان الفجر : رقم ( 122 ) ص 79.

........................................................

مسار حركة البطل في محيطه الاجتماعي :

= يتحرك البطل في مجتمعه في تعاملاته وتصرفاته وسلوكياته وفقا لما استقر في وجدانه ورسخ في قلبه من قيم وأخلاق القرية والتي تتفق في معظمها مع المقاصد العليا للشريعة الإسلامية، فيتذكر تجمع الأسرة : رقم ( 16 ) ص 16

(كـــانـــوا وكُــنَّــا وكـانِـت اللـمَّـة

مَنْصُوبَة طول العام بِدون فاصِل

الــخــــالَـــة جَنْـب الـجِــدّ والعَــمَّـة

الـنُّـوم يـاخُـدنا الفَـجـر نِتْواصِل )" رقم ( 16 ) ص 16 "

، ولائحة العيب والأصول : رقم ( 17 ) ص 17،

ووضع الطفل في الأسرة : رقم ( 18 ) ص17:

(عُـمْـر الصَّغِيـر بيننـا كـبـيـر فـي الكُــلّ

مَفتـوح لُـه دَفْـتَـر هيبــة ألْــف حـسـاب

يـــا مِنْـحَـة مِــن رَبِّ الـعِــبـاد بـِتّـــطُـــلّ

مِن غير حِساب على فيس ولا واتْساب )

والجيران والأخ : رقم ( 28 ) ص 27،

واكرام الضيف والزائر :

(مَـطْـرَحْـنـا يِـفْـرِح كُــــلّ مَــنْ زارنـا

وانّ زارنا مين.. لا بُدّ يوم هَيْعُود

إن عَــدَّا صُـدْفَـة مِـــن أمـام دارنا

يِسْمَع في قلبُه لَحن نبض العود )

والنهي عن الكلام في السر : رقم ( 29 ) ص 28، والعطاء للقفراء والمساكين: رقم ( 32 ) ص29، السيرة العطرة للإنسان في حياته وبعد مماته : رقم ( 33 ) ص 30.

وينتقد الشاعر البطل الذي انتقل إلى المدينة في تسعينيات القرن الماضي التحولات والتغيرات التي طرأت على البشر والناس، فينتقد طباع البشر التي انحرفت عن فطرتها السوية : رقم ( 52 ) ص 42، ودخول الشيطان ووسوته للناس وبث الفرقة بينهم : رقم ( 53 ) ص 43، وحضور الشيطان وتربصه الدائم للإنسان : رقم ( 80 ) ص 56، والإيمان الذي وهن في قلوب الناس، وعدم صبرهم على الابتلاء والمكتوب : رقم ( 54 ) ص 43، وينتقد ناكري الجميل : رقم ( 59 ) ص45، واسناد المنصب لغير أهله : رقم ( 61 ) ص 47، وأصحاب الكروش والقروش، والذي أصبح الجنيه لديهم في السيد : رقم ( 62 ) ص 47، وخائن الأمانة والعهد : رقم ( 64 ) ص 48، ورقم ( 86 ) ص 59، والمغالاة في الزواج : رقم ( 93 ) ص 63، وعدم رد السلام : رقم ( 106 ) ص 70، وينتقد لبس شباب اليوم : رقم ( 107 ) ص 70، وبنات اليوم : رقم ( 108 ) ص 71، ورقم ( 109 ) ص : 71، ويرصد الشاعر التحولات الكبرى التي حدثت في تسعينيات القرن الماضي، وهي الفترة التي عني الشاعر بالتوقف عندها ورصدها رصدا دقيقا وأمينا، ويمكن للقارئ أن يطالع الرباعية رقم ( 110 ) ص 72 وغيرها.

.........................................................

الحس الموسيقي :

العلاقة بين الموسيقى والشعر علاقة وثيقة، ولا يمكن فصم عراها، فكلاهما فن سمعي، يعتمدان على الأداء الصوتي، وإذا كان الشاعر ينظم فالموسيقار يلحن، إذن الموسيقى والشعر يكمل كل منهما ألاخر، كما الشاعر والموسيقار، والموسيقى كما يعتبرها السواد الأعظم من الشعراء والنقاد من أساسيات الشعر، بل بدونها يطرد الشاعر من جنة الشعر، ويذهب إلى حديقة النثر، والجرس الموسيقي من ضروريات الشعر، والالتزام به في حكم الفرض، وجاءت رباعيات الشاعر ملتحمة بأنفاس الناس، لم يكن شاعرا وحسب، ولكنه كان موسيقيا أيضا، يعي التراث الموسيقي، وخاصة التراث الموسيقي الشرقي والعربي، ففي العديد من الرباعيات نطالع غرام الشاعر بالموسيقى وبآلاتها ومقاماتها ومذاهبها ومدارسها، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يذكر لنا من المقامات ( السيكاه والبيات ) في الرباعية رقم ( 9 ) ص13، وهي من المقامات الشرقية الشهيرة، وإذا كان مقام ( البيات ) هو الأكثر ذيوعا وانتشارا فإن مقام ( السيكاه ) هو الأكثر تعبيرا عن لوعة الحب وعذاب الفراق، هو المعبر خير تعبير عن المكتوين بنار العشق، ونصغي إلى الغناء على التصفيق في الرباعية رقم ( 10 ) ص 13، ويخطف لحن العود الجميل آذاننا في الرباعية رقم ( 14 ) ص 15، ويعرفنا أيضاعلى أوتار العود الخمسة في الرباعية ( 15 ) ص 16، وصولو الكمنجة أيضا رقم ( 35 ) ص 31، ومقام ( النهاوند ) المعبر عن الشجن والحزن : رقم ( 36 ) ص 32. والعود والكمنجة من الآلات الوترية، وكان رائعا في استعادة ( الكمنجة )، والمعروف أن ( الصولو) من أجمل الجُمل الموسيقة، وهو العزف المنفرد التي تفردت به موسيقانا، وكأنه يستعيد لنا سيدة الغناء العربي ( أم كلثوم ) والموسيقار النابغة ( بليغ حمدي ) وهما يقدمان ( الصولو الطربي )

............................................................

الأمثال والحكم والمعتقدات الشعبية :

= في الرباعية رقم ( 15 ) ص : 16، طرد الحسد في المعتقد الشعبي بالرقم ( 5 ) و ( خمسة وخميسة ) في عين العدو.

= وللبومة رمز التشاءم في المعتقد الشعبي حضورها، ( بوم المصاطب زعقت ... ) : رقم : ( 39 ) ص 33، و ( إناث البوم .. ) : رقم ( 43 ) ص 36.

= والسمكة التي ترمز في المعتقد إلى الرزق : رقم ( 48 ) ص 39.

= توظيف المثل الشعبي ( هذا الشبل من ذاك الأسد ) : رقم ( 47 ) ص 38

= توظيف المثل الشعبي ( الزن على الودان أمر من السحر ) : رقم ( 57 ) ص 45.

= إعادة توظيف المثل الشعبي ( ضرب الحبيب زي أكل الزبيب ) : رقم ( 70 ) ص 51.

= توظيف المثل الشعبي ( ما يملا عين ابن آدم غير التراب ) : رقم ( 74 ) ص 53.

= توظيف المثل الشعبي ( اللي فات مات ) : رقم ( 124 ) ص 80.

= توظيف بيت الشعر ( ضاقت ثم ضاقت ولما استحكمت حلقاتها فُرجت وكنت أظنها لا تفرج ) : رقم ( 71 ) ص 52.

= وهناك رباعيات تسري مسرى الحكم : رقم ( 51 ) ص 42، وغيرها.

............................................................

الصراع :

الصراع هو جوهر الدراما،وتوافر في نص ( سفر الخروج ) كل أنواع الصراع.

أ - الصراع الداخلي الموّار ( نفسي أو عقلي / ذهني ) :

محاسبة النفس وتأنيب الضمير : رقم ( 84 ) ص 58 ،

وجلد الذات : رقم ( 90 ) ص 62.

والصراع مع الحزن والنكد : رقم ( 103 ) ص 68.

ب - الصراع الخارجي غير المتكافئ :

رقم ( 38 ) ص 33.

ج - الصراع العنيف :

رقم ( 40 ) ص 34، ورقم ( 41 ) ص 34.

د - الصراع المتكافئ :

رقم ( 42 ) ص35.

...................................................

الحب والحس الصوفي:

يذوب الشاعر رقة وعذوبة، ويقطر قلبه بالحب الصافي الخالص، والحب عنده يصل حد العبادة، فهو من الفروض مثل الصوم :

(كُلِّ الكَواكِب في المَدار سايرَة

والكون نِظام مَحكُوم لِآخِر يُوم

الــوِرْث دار بِتْدُور كَما الدَّايرَة

والحُبّ فيها فَرض زَيّ الصُّوم ) " رقم ( 26 ) ص 25 "

والحياة على كوكب الأرض لا تكون جنة إلا بالحب، ويمتد الحب لكل الناس :

(النَّاس في جَنَّة لو تِعِيش لِلنَّاس

والـجَـنَّـة مَـثْـوَى يــا أُولي الألْباب

دَوَّر في رُوحَك عن حبيب وَنَّاس

إن هَــبّ ريـح يِـجْــرِي يِـسِـد الباب ) " رقم ( 30 ) ص 28 "

وأنظر الرباعيات : رقم ( 25 ) ص 24، رقم ( 27 ) ص26، ورقم ( 58 ) ص 45 وغيرها.

وحب الشاعر يمتد لكل الكائنات والموجودات، والشاعر أقرب إلى الصوفي الذي تصالح مع الله والكون والإنسان، وتماهي مع هذا الكون وأصبح مفردة من مفرداته، يُسمعنا في رباعيات كثيرة همسات الورد والزرع ويُنطق الجمادات، وسنشير في عجالة كيف أنسن الجدران على سبيل المثال.

..........................................................

أنسنة الأشياء :

البطل الشاعر الذي عاد من سفره وترحاله إلى الحي والقرية والبيت القديم، يتعامل برهافة شديدة مع أبواب وجدران وأسقف البيت الذي شهد أخصب وأزهي فترات حياته، وسأترك للقارئ بدون تعليق الرباعيات أرقام : 125، 126، 127، 128، 129، 130، 131، 132 ص ص : 80 - 84

( جــاي لَــك رســالــة حُــــــــب مِ الأحــبــاب

فـيـهـا أمــارة انِّـي ابـن صـاحـب الـبـيـت

مكتوب أسامي النَّاس في ضهر الباب

فــوق بــعــضـهــا بِـعَــدَد شــروخ الـبـيـت )

( صَرَخِت حيطان البيت على اللي راح

فَـانْـشَـق سـقـف الـبـيـت بـقـى نُـصّـيـن

مـا فـضِـلْـش غــر برواز من اللي راح

وعــنــيــهــم الاتــنــيــن لِــنــا بــاصّــيـن )

( فـي كُـلّ حـيـطـة شَـق شَـق الـرُّوح

مكتوب عليه ذكرى وفاة صاحبُه

ماشي معانا منين ما رُوحنا تروح

حــالِـف يـرافِـق قـلـبـي ويـصـاحـبُه )

( فـي كُـلّ حـيـطـة شَـرخ بـايِـن لـي

جُوّاه دموع وأهات وشوق وحَنين

قَــرَّبْــت، دَمْـعُـه سـال وبَـيِّـن لـي

حـجـم الألَم عـدَّى السِّنين بِسنين )

( طبطبت بِايدي عَ الشّقوق حَنِّت

بـعــد امَّـا كـانـت مِـنِّـي زعـلانـة

فِـرْحِـت كـإِنَّـهـا بِـكْــر وِاتْـحَـنِّـت

والـعَـصـر بُـكْـــرة يـتِـم مَــوْلانــا)

( يـا دار صـحـابـك فـاتـوا مغـصُـوبين

الـمـوت مِـقَـدَّر والــفُـــراق مَـكـتــوب

هَتْلُومي عَ اللي مات سَنَة تِسعين

وَلَّا اللــي سـافـر يِـشـتـرِيلِك طـوب )

( يا قلبي داري الدَّمع، شـد الحيل

وبــلاش تِـسَـلِّم لِلـخـيـال والـزِّيـف

انفُض هُمُومَك واجري زَي الخيل

ما تصيبش رُكن الذِّكريات بِنَزيف )

( يا ذِكريات مدفونة في الأركان

قُــــومي اسنِديه ورَجَّعـيه يِـلْمَع

مَـدفـون معــاكِ إذاعـة الـقُـرآن

لكن صداها لم يزل يُسمع )

......................................................

التضخيم والتكبير:

أنظر على سبيل المثال لا الحصر الرباعية رقم ( 76 ) ص 54، بينما يودع البيت وجدرانه وبابه وأحبابه قبل سفره، كان أخوف ما يخافه أن دموعه تغرق الكوكب! وفي الرباعية رقم ( 60 ) ص 46، يصف أحماله التي تنوء من حملها الجمال، بأنها أثقل من جبال " الألب "!!

وفي الرباعية رقم ( 20 ) ص 19 : يصف قلب الأب الطيب المُحب بأنه يسع " ألفين " رغم أنه ليس بعمدة!!

وانظر رقم ( 70 ) ص 51، رقم ( 81 ) ص 57، رقم ( 84 ) ص 59.

فالشاعر عموما يقوم بتكبير المشهد وتضخيمه حتى يكون أكثر دلالة وأبعد تأثيرا في النفس وفي التعبير عن الواقع.

..................................................................

وبعد

أرجو أن أكون قد نثرت ولو القليل من قطرات الضوء على الديوان / القصيدة المطولة، التي كتبها شاعرنا في رباعيات منفصلة .. متصلة، كما أرجو أن أعود إليها لاحقا في قراءة أخرى أكثر عمقا واكثر تفصيلا، فالرباعيات لم تبح بعد بكل أسرارها، فضغط الوقت، والمساحة المحددة لهذه المقالة، لا تسمح لنا بالإحاطة بها من كل الجوانب، والنظر إليها من كل الزوايا، فالشكر كل الشكر لشاعرنا الجميل الموهوب، الذي حقق لي في رباعياته البديعة والماتعة والمائزة الإقناع والإمتاع.

........................................................

( ورقة نقدية لمؤتمر الزقازيق الأدبي لليوم الواحد – العاشر من رمضان في مساء الجمعة المصادف 9 / 8 / 2024م )

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى