فوز حمزة - رذاذ زهرة الأوركيد...

فتحتُ عينيّ ببطءٍ شديد، هديرُ أمواج البحر القادم من النافذة، كان أول ما تناهى إلى سمعي وحينئذ تذكرت حالما درتُ ببصري في أرجاء الغرفة أنني لستُ في بيتي، لستُ في فراشي.
نهضتُ، بحذرٍ أبصر هذا العالم الغريب الذي وجدتُ نفسي فيه، كانتْ الأرض رخوة تحت قدميّ والفراشات تملأ المكان. هل أنا في حلم؟.
ومتى كانت الأحلام هكذا جميلة؟!.
عشرات من الزهور كانت معي في ال غرفة، ألوانها، عطرها، ملمسها، منحوني إحساسًا متفردًا، لكنْ زهرة الأوركيد ذات اللون الأزرق كانت أجملهنّ، اقتربتُ منها، ثمة رسالة معلقة بين وريقاتها تتمايلُ كلما هبتْ نسمة هواء.
كان الظرفُ بلونٍ قرمزي وكذلك ورقة الرسالة التي كُتبت سطورها بخط جميل ينبعثُ منه عطر مميز أغراني بقراءتها :
حبيبتي، سأروي لكِ القصة كاملة، سأخبركِ عما حصل تلك الليلة عند وصولكِ إلى منزلي بعد منتصف الليل، كنتِ متعبة من الطريق ومرهقة أيضًا؛ لأنكِ طوال الطريق كنتِ تفكرين في مشاكلكِ والضغوطات التي تعرضتِ لها في حياتكِ.
تركتكِ تنامين على سريرٍ مريح، فراشه ناعم في غرفة معطرة بعطر منعش جدًا.
دخلتُ عليكِ صباح اليوم الثاني أحملُ في يدي مشروبكِ المفضل، وضعتُ فنجان الشاي على حافة النافذة بجانب زهرة الأوركيد السحرية.
كنتِ تجلسين مبتسمة على كرسي بجانب النافذة، سارحة بخيالكِ في المناظر الطبيعية الصافية العذبة و اللذيذة.
همستُ لكِ: ابتسامتكِ رائعة، حافظي عليها كما تحافظ الطبيعة على طقوس الحب و السلام.
حينما سألتني: مَنْ أنتَ؟ لم أحزنْ، بل طلبتُ منكِ أن لا ترتبكي أو تغضبي مما سأخبركِ، قلت لكِ :
هذا هو اليوم الثالث على تواجدكِ هنا في منزلي، لكنكِ لا تتذكرين اليومين الماضيين، لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل نسيتِ كيف غادرتِ بيتكِ ونسيتِ ما شاهدته في طريقكِ بل ونسيت الأحداث التي حصلت لكِ في حياتكِ.
نسيتِ كل الماضي والمكان الذي كنتِ تنتمي إليه، كل ما تفاعل معي من تعابير وجهكِ هما عيناكِ المتلألئة البريئة وكأنهما تبحثان عن شيء ما وتحاول البحث عن إجابةٍ تساعدها في تذكر أية تفاصيل، أنتِ لا تتذكرين حتى اسمكِ وكلما أسألكِ عنه تخبريني باسم يختلف عن المرة السابقة.
الشيء الذي تأكدتُ منه الآن هو أنك فقدتِ ذاكرتكِ تمامًا.
كان خطئي منذ البداية حينما نسيت إخبارك عن سرٍ خطير: أن زهرة الأوركيد الموجودة على النافذة ينبعث منها رذاذ عطر سحري، هذا العطر يمسح ذاكرة أي شخص يستنشقه ويفقده الإحساس بالزمان و المكان.
في الحقيقة أنتِ معي .. معي فقط.
أصبحنا أنا وأنت روح واحدة قادمة من أزمنة سحيقة، روح لا تجيد الرقص إلّا في الظلام، لا تأبه للحياة فاختلطتْ عندها الحدود بالمسافات .. ارتقتْ أعالي السماء لتصبح شبيهة العلا.
عندما انتهيتُ من القراءة، جلستُ على حافة الفراش، احتضن الرسالة ورغبة شديدة في النوم تمكنت مني.
سأعود إلى واقعي أو ربما سأعاود الحلم.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...