مارا أحمد - صورة داعية...

في زمن ما صعب أن تحدده باليوم والسنة؛ لكنه ظهر في هيئة لائقة بالعصر، يتقن عدة ألسن، دارس للفيزيقا والبيولوجيا وعلم السيسيولوجيا والأنثروبولوجيا، وكثير عن علم الجمال والفلسفة والكتب المقدسة وديانات الشرق وما يعبد الهندي الأحمر، إنه داعية حليق الذقن والشارب يرتدي الجينز والشميز، وسيم في أناقة.

انقسم متابعوه بين معجب ورافض، مريدوه من الشباب، من طبقات اجتماعية مختلفة، من بلدان متنوعة، وقارات بلغات عدة.

يعزف الجيتار ويقوم بتلحين بعض الأغنيات التي تتسم بالكلمة الراقية التي تخاطب عقلك وقلبك في هدوء؛ إنه لا يمتهن الدعوة كمهنة بل هي هواية أو بالأحرى رسالة.

شيء يثير بداخلك الغضب أو التساؤل على حسب ثقافتك أو تعصبك تجاه هجوم كثير من الدعاة الممتهنين الدعوة كمصدر للرزق عليه: هل هي حرب مخطط لها مدفوعة الأجر؛ ترعاها هيئات معينة في محاولة لإبقاء العقول تحت سيطرة الخوف والخرافة…؟ أم هو ثأر يفور داخل الصدور من كل تغيير وتطوير للأفضل، وحرب ضد العلم وسلطة اليد العليا؟ أم هي حرب لأجل البقاء؛ فوجود هذا الداعية يهز صورة هؤلاء المرتدين الزي الكهنوتي والعقلية المغلقة والمنغلقة التي لا تسعى إلا لتوسيع سلطتها ورأس مالها وممتلكاتها ونيل رضا السلطان؟

نجح في إعادة الكتب السماوية إلى مكانها الطبيعي التي نزلت لأجله؛ وهو تنسيق التعامل الإنساني مع نفسه ومع الآخر ومع المجتمع كما كتالوج لأحد الأجهزة الكهربائية.

فكل جهاز يأتي معه كتالوج لتشغيل الجهاز وكيفية التعامل معه وصيانته وكذلك مكوناته وتحذيرات من سوء الاستخدام، فلا قدسية إلا لله ومن بعده حياة الإنسان، والكتب هذه وسيط كتابي بين الإله والبشر كما الدستور.

إنه لم يقل بشيء يخالف ما نزل بالكتب من أن الآيات ليست للحفظ فحسب بل لتحويلها إلى سلوك، ولكن إن قدست تلك النصوص وحفظتها ورددتها دون فعل أو سلوك معدل للأفضل؛ فهي الوثنية، فلقد تم تقديسها، وهذا نفي لدورها الذي حدد لها، وهذا نوع من الشرك.

نحن في حاجة إلى تكريس جهودنا لدراسة العلم لأجل الاستمتاع بالحياة، كانت ندوته مختلفة؛ لم تكن للوعظ، ولا لمنح صك الغفران لعاص؛ بل كانت نقاشا لآخر النظريات في علم الفيزيقا ونظرية الكوانتم التي أطلقها أينشتاين وصحبه، ونظرية الثقوب السوداء.

نجح هذا الداعية في الوصول للعقلية الغربية والشرقية؛ فلقد كان صورة لداعية مجدد ومتحفظ، فلقد تحدث إليهم بلغتهم، كانت جمله مقتبسة من آخر النظريات العلمية والاكتشافات المعاصرة؛ لم يمسك كتابا من أرفف عتيقة لم يتم الإضافة إليها بشيء من لغة العصر أو مخترعات طفت على السطح، فهو خليط حلال بين الدين والعلم، وليس بعمامة وككولا تقليدية تسجد لكل ما هو متوارث، فلا اجتهاد ولا بذل مجهود عقلي في قراءة النصوص الدينية بما يتلاءم واحتياجات العصر، فلا يجوز أبدا أن نحيا في زي قديم ضاق فلم يعد يناسب قامتنا الشابة.

بعد عدة أسابيع يختفي ذلك الواعي وتتبعه الشائعات والتهم المعولبة، ويطفو على السطح ذلك الجهبذ الذي يقرأ من كتاب ورقاته صفراء عن حرمة كشف المرأة لرأسها، وحرمة السلام باليد وحق الرجل في الزواج من أربع لحل أزمة العنوسة، والتبرك ببول الجمل، ونكاح السبايا.

يقف شاب ويسأله بدلا من زواج الرجل بأربعة، لماذا لا يتكفل ذلك القادر بتزويج شاب وفتاة بدلا من استفراده بكل النساء لنفسه، عندها سيكسب ثواب تزويج اثنين؟

تنحنح الشيخ وعاد ليردد ما تم سطره من أحكام كان من كتبها يتنقل في سفراته بالناقة، وإن أخبرته بأن هناك وسيلة اتصال بلا سلك وأن هناك من صعد القمر ودراسات لأجل تهيئة المريخ للسكنى، لنعتك بالجنون أو ربما بالنبوة.

ثم تتبعه فتاة بسؤال آخر: ماذا فعل الفقهاء لإيجاد حلول لمشاكل المجتمع من عنوسة ورشوة واحتكار؟ وتكمل حديثها بأن الدين لم يخلق للتضيق على الإنسان، بل لتذليل الصعاب التي تواجهه ولحل مشكلاته واستمتاعه تحت غطاء الرضا من الله ومن المجتمع.

أخرج الداعية الذي يتلقى راتبه من هيئة رسمية منديلا ورقيا – فرض وجوده بديلا عن المنديل القماش – ليجفف به عرقه، تنهض الفتاة وتستأذن أن تقول كلمة أخيرة: الحركة مرادف للحياة والثبات مرادف الموت، وانصرفت. ليصفق القليل وتلعنها الغالبية، فتمسك بيد الشاب ويخرجان من القاعة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...