عبدالرحيم مركزو - فاشر السلطان والصراع الخفي..!!

لا يخفى لأحد طبيعة النزاع في إقليم دارفور منذ بداية أيام تمرد نخبة من مثقفي الإقليم ذوي الأصول الأفريقية، سبق ذلك التمرد و الخروج عن سلطان الدولة منذ منتصف التسعينات غبن مبطن تجاه سكان الإقليم من الأصول العربية الذين يمتهنون الرعي كحرفة رئيسية وهو صراع منشأه الراعي و المزارع أساسه "الماء و الكلاء" و هما عنصران ضروريان لاستمرارية حياة البداوة ... مع مرور الوقت و ما طراء في تغيير مناحي الحياة و نمط العيش، تطور النزاع و تحول من صراع حول المراعى من أجل الحصول على الماء و الكلاء إلى نزاع حول الحواكير و جوهره امتلاك الأرض لما تزخر به من معادن نفيسة كالذهب و اليورانيوم و الحديد و النحاس و غيرها غير المكتشف، علاوة على الأرض الخصبة و ما فيها من مياه جوفية هائلة و سهول خصبة بين شعاب الجبال والوديان... لطبيعة حياة الرعاة وهي التنقل بحثاً عن الماء والكلاء هذا مما دفع في بداية الثمانينات عناصر رعوية من دول أخرى إلى التوغل في أعماق تراب الإقليم لعوامل الجفاف و التعرية في مناطق حزام الصحراء الكبرى "تشاد، النيجر، موريتانيا و أفريقيا الوسطى" بسبب التغيير المناخي بالإضافة إلى عوامل بيئية أخرى حيث وفرة و سهولة سبل كسب العيش.
إقليم دارفور أراضيه شاسعة و مفتوحة و لها تداخلات جغرافية و اقتصادية و اجتماعية ساعدت على حركة السكان و خاصة الرعاة، وهي مناطق لها حدود مجاورة لعدة دول بها نفس المكون السكاني "القبلي" والموروث الثقافي المشترك ، تربطهم عواصر الدم و تجمع بينهم وشائج الحمية القبلية سواء كانت من أصول أفريقية أو تلك التي من أصول عربية.
المعارك حامية الوطيس التى تدور رحاها حول الفاشر، يتجلى فيها بوضوح طبيعة الصراع الخفي و لكنه بتمظهر في تصريحات قادة حركات دار فور المسلحة التى تقف إلى جانب القوات المسلحة السودانية من خلال نبرة الغضب وهو تار قديم حسب العرف القبلي السائد في المنطقة ... تكوينات الحركات المسلحة الدارفورية صبغ عليها لونية الانتماء القبلي للعرق الزنجي ، مقابل ذلك تصددت لها تكوينات قبلية من ذوات أصول عربية لإخماد جذوة الثورة المسلحة بإيعاذ و دعم من الحكومة المركزية في الخرطوم و هي سياسة فرق تسد و نجحت بقدر كبير في إزكاء العداء و روح الانتقام بين المكونات القبلية بصورة أشد في دار فور.
تعد مدينة الفاشر و هي حاضرة إقليم شمال دارفور هي المدينة الوحيدة التي تبقت تحت حماية الجيش و سلطان الدولة و هي أيضاً بؤرة ملتهبة اتخذتها قوات حركات دارفور قاعدة للدفاع عن ما تبقى من مدن الإقليم... ستشهد الفاشر معارك ضارية بين المهاجمين عليها من قوات الدعم السريع و المدافعين عنها من قوات الجيش و القوات المشتركة و المستفرين.. هجوم عنيف و دفاع مستميد لا تجد أذن صاغية رغم النداءات و المناشدات المتكررة "سياسة العصا و الجزرة" من قادة دول و مسؤولين أمميين كبار للطرفين بضرورة وقف العمليات الحربية و إفساح المجال لمنظمات الغوث الإنساني بإدخال المساعدات الإنسانية لملايين المواطنين الذين يوجهون خطر الموت جوعاً،حيث تعتبر جرائمها ضد الإنسانية و جرائم حرب يعاقب عليها القانون الدولي ... محاولات إرساء دعائم السلام لا تخمد نار الصراع حول امتلاك الأرض "صراع الموارد و الهوية"، و هو صراع مستمر، و حرب وجودية ؟! ما لم ينشد الجميع المواطنة المتساوية بعيداً عن أي تدخلات، لن تضع الحرب أوزارها و يخمد سعيرها الملتهب.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى