لا شيء في التنّور إلاّ رماد الليل
ومدينة الصّلصال غافية على أسوارها . ..
نامت غزالات الضّحى ،
لم يبق في الوديان من كمإ وما…
عادت مياه النّبع صافية كما .
هذي جذوع الطّلح أخوتها الرّياح
ومواقد الرّهبان شاهدة على أخبارها…
لم ترتعب تلك العجوز
لحفيف أطيار نحاف
ستهشّها إن أقدمت ببنانها .
لا برّ في الغربال كي تهوي عليه ْ
أو حنطة حتى ترابط عندها .
ستقول للرّعيان إن حلّوا هنا
فلتأخذوا أصوافكم ولترحلوا
وقرون ماعزكم ،
ولتجعلوا من صوتها حطبا
يدفّئ قرّّكم هذا الشتاء ْ.
ولتذكروا عند التحام النار بالأخبارْ
ما كان من أمر البسوسْ
بادت خيوط الشمس في الأشفاقْ
وتحطّمت في قاع صفصفها التّيوس ْ
وتساقطت كتل الحمام على الحمامْ
والرنّة الزرقاء تعطو للغمام
وصغارها عند انتهاء النبع ثاغية !
لا ظلّ بالطّرفاء كي تأوي إليه
لا ماء بالحصباء ْ!
والشمس جاثية ترتّق بردها ،
والخيل تكتم غيظها في نحرها
سكنت دواحسها،
لكنّما الغبراء أعدمها المجوس ْ!
والهدهد الحيران
متكوّم في الغيب يقتله العبوسْ…
هذي بلاد الحسن تنشئها النّساء
فتطيعها زمر من الأشياع
وتجيئها من كلّ بادية عروس ْ
أن باركينا بلقيس يا بلقيسْ….
وهبي لنا من زيت جمّتك فتيل اللّيل ْ
وضعي لنا نجما يؤانسنا .
لم تبق من سبإ لنا
حتى نسافر مرّتينْ
ونعيد للآكام سنبلها الثمينْ.
لم يبق من سعف لنا
حتى نطرّز ليلنا
ونعدّ للأسحار لغو الطّير!
كم هدهد نسي الكلام ْ
من قبل أن يدع الوصيّة؟
كم نخلة نفضت غدائر عمرها
من قبل أن تصل الثرياّ؟
كم قصّة نقشت معالمها النساء ْ
لكنّما الجرذانْ
قرضت سواري البيتْ
وأريق خمر بالدّنان ْ
وتبدّدت من قبل موسمها جرار الزيتْ ؟
الصّخر أعتى في النّزال
أم لمسة الأيّام؟
*****
ستجيئكم تلك العجوز
والطّمي يكسو وجهها ،
ستمدّ إصبعها لقرن الشمس
وتقول في صوت شحيح:
كانت غصون الدّوح وارفة هنا،
عود الأراك والقات والصّفصافْ
كانت جداءٌ تعتلي هام الصّخورْ
وتدقّ بالأظلافْ …
مالي أرى الأجداث فاغرة
والأثل والصبّار ترجفه السّمومْ
والطّير هامدة
نسيت إناثها أن تزقّ الفخت ْ
ومراتع الغزلان
مالي أراها أقفرت عند الضّفافْ؟
الماء أعتى في النّزالْ
أم لمسة الأيّام ؟
سيجيئها جرذ حكيمْ
ويقول ياأمتاه ،
أنا لم أكن أنوي خرابا للدّيارْ…
هي عادة أدمنتها
من قبل أن يلج النّهار حصن اللّيل،
هي عدّتي كي أستعيد شهامتي
وأخوض في أصل الترابْ …
لتراب مأرب نكهة الجوز العجوز ْ
والموز والعلــّيقْ،
لحصاها يا أمتاه
روح البساتين الظليلهْ
لنسائها إن أدبرت أو أقبلتْ
طرق على قلبي الصغيرْ،
لصدى الأعراس في جنّاتها
ما يرجف الأمواتْ !
وأنا لعقت الطّين بالفجوات ْ
وأكلت من درّ الحصى
وبنيت أسواري على حجر السّما،
وأنا بمأرب لا بما حمّلت من جبروت هذا الماءْ
ولصوت مأرب في عروقي رنّة ٌ
ولحسنها خبب اللّيالي المقمراتْ
ولروحها من أصل روحي
لكنـّه صلف المياهْ
ورغاء ذاك السّيل في الفلواتْ….
من أين جاء السيل
من أين جاء السّيل يا أمتاه ؟
فلتسألوا الرّعيان والكهّان
عن أصل هذا الماء؟
فأنا رأيت الشمس فاتنة
والأزرق الدريّ مبثوثا على فلق المدى
والأحمر الرمّان وتبرّج التفّاح ْ
وحسان مأرب يقتطفن شفاهه
ويضعن في سعف على الأكتاف ْ.
وشهدت أسرار النساء وقد سرتْ
ومراتع الغزلان باللّيل المباحْ.
.وأنا رأيت السدّ يا أمتاه
متبرّجا كاللّيثْ
ولمحت تاج صخوره
وسمعت اصوات الرّجال وقد علت ْ:
ها قد هزمنا الماءْ
واللّج صيـّرناه ملك يميننا
والغيم طوّعناهْ!
وأنارأيت أقداح النبيذ وقد ربت ْ
والفاتنات وقد وجأن دنانه
ورأيت أقوام الشمال تجيئنا
بالسكّر الدرّي والعنبر المسحور ْ
وفراء أيل الغالْ
ومباخر الرّهبان من دير العبورْ…
ولكم عشقت السدّ ياأمتي
وسكنت في أحجاره
ورجوت أبنائي بأن لا يسرفوا
لكنّما الطّوفان فاجأنا
ومياه ذاك السيلْ…
من أين جاء الماء ياأمتي
من أين جاء الماءْ؟
أتكون أظفاري أنا قد شجّت الأحجار
ورمت بذورا للخراب ولم أع؟
ألفرط ما عشقت عروقي ترابه
نزف التراب ولم أع ؟
لا تسرفي في اللّوم يا أمتي
لا تسرفي في اللّوم !
أنا لم أكن أنوي خرابا للدّيارْ،
هي عادة أدمنتها
من قبل أن يلج النّهار حصن اللّيل ْ
هي عدّتي كي أستعيد شهامتي
وأخوض في أصل الترابْ
فلتسألي الأيّام يا أمتي إذن
فلتسألي الأيام عن أصل الخراب ْ!
فوزية العلوي
تونس
ومدينة الصّلصال غافية على أسوارها . ..
نامت غزالات الضّحى ،
لم يبق في الوديان من كمإ وما…
عادت مياه النّبع صافية كما .
هذي جذوع الطّلح أخوتها الرّياح
ومواقد الرّهبان شاهدة على أخبارها…
لم ترتعب تلك العجوز
لحفيف أطيار نحاف
ستهشّها إن أقدمت ببنانها .
لا برّ في الغربال كي تهوي عليه ْ
أو حنطة حتى ترابط عندها .
ستقول للرّعيان إن حلّوا هنا
فلتأخذوا أصوافكم ولترحلوا
وقرون ماعزكم ،
ولتجعلوا من صوتها حطبا
يدفّئ قرّّكم هذا الشتاء ْ.
ولتذكروا عند التحام النار بالأخبارْ
ما كان من أمر البسوسْ
بادت خيوط الشمس في الأشفاقْ
وتحطّمت في قاع صفصفها التّيوس ْ
وتساقطت كتل الحمام على الحمامْ
والرنّة الزرقاء تعطو للغمام
وصغارها عند انتهاء النبع ثاغية !
لا ظلّ بالطّرفاء كي تأوي إليه
لا ماء بالحصباء ْ!
والشمس جاثية ترتّق بردها ،
والخيل تكتم غيظها في نحرها
سكنت دواحسها،
لكنّما الغبراء أعدمها المجوس ْ!
والهدهد الحيران
متكوّم في الغيب يقتله العبوسْ…
هذي بلاد الحسن تنشئها النّساء
فتطيعها زمر من الأشياع
وتجيئها من كلّ بادية عروس ْ
أن باركينا بلقيس يا بلقيسْ….
وهبي لنا من زيت جمّتك فتيل اللّيل ْ
وضعي لنا نجما يؤانسنا .
لم تبق من سبإ لنا
حتى نسافر مرّتينْ
ونعيد للآكام سنبلها الثمينْ.
لم يبق من سعف لنا
حتى نطرّز ليلنا
ونعدّ للأسحار لغو الطّير!
كم هدهد نسي الكلام ْ
من قبل أن يدع الوصيّة؟
كم نخلة نفضت غدائر عمرها
من قبل أن تصل الثرياّ؟
كم قصّة نقشت معالمها النساء ْ
لكنّما الجرذانْ
قرضت سواري البيتْ
وأريق خمر بالدّنان ْ
وتبدّدت من قبل موسمها جرار الزيتْ ؟
الصّخر أعتى في النّزال
أم لمسة الأيّام؟
*****
ستجيئكم تلك العجوز
والطّمي يكسو وجهها ،
ستمدّ إصبعها لقرن الشمس
وتقول في صوت شحيح:
كانت غصون الدّوح وارفة هنا،
عود الأراك والقات والصّفصافْ
كانت جداءٌ تعتلي هام الصّخورْ
وتدقّ بالأظلافْ …
مالي أرى الأجداث فاغرة
والأثل والصبّار ترجفه السّمومْ
والطّير هامدة
نسيت إناثها أن تزقّ الفخت ْ
ومراتع الغزلان
مالي أراها أقفرت عند الضّفافْ؟
الماء أعتى في النّزالْ
أم لمسة الأيّام ؟
سيجيئها جرذ حكيمْ
ويقول ياأمتاه ،
أنا لم أكن أنوي خرابا للدّيارْ…
هي عادة أدمنتها
من قبل أن يلج النّهار حصن اللّيل،
هي عدّتي كي أستعيد شهامتي
وأخوض في أصل الترابْ …
لتراب مأرب نكهة الجوز العجوز ْ
والموز والعلــّيقْ،
لحصاها يا أمتاه
روح البساتين الظليلهْ
لنسائها إن أدبرت أو أقبلتْ
طرق على قلبي الصغيرْ،
لصدى الأعراس في جنّاتها
ما يرجف الأمواتْ !
وأنا لعقت الطّين بالفجوات ْ
وأكلت من درّ الحصى
وبنيت أسواري على حجر السّما،
وأنا بمأرب لا بما حمّلت من جبروت هذا الماءْ
ولصوت مأرب في عروقي رنّة ٌ
ولحسنها خبب اللّيالي المقمراتْ
ولروحها من أصل روحي
لكنـّه صلف المياهْ
ورغاء ذاك السّيل في الفلواتْ….
من أين جاء السيل
من أين جاء السّيل يا أمتاه ؟
فلتسألوا الرّعيان والكهّان
عن أصل هذا الماء؟
فأنا رأيت الشمس فاتنة
والأزرق الدريّ مبثوثا على فلق المدى
والأحمر الرمّان وتبرّج التفّاح ْ
وحسان مأرب يقتطفن شفاهه
ويضعن في سعف على الأكتاف ْ.
وشهدت أسرار النساء وقد سرتْ
ومراتع الغزلان باللّيل المباحْ.
.وأنا رأيت السدّ يا أمتاه
متبرّجا كاللّيثْ
ولمحت تاج صخوره
وسمعت اصوات الرّجال وقد علت ْ:
ها قد هزمنا الماءْ
واللّج صيـّرناه ملك يميننا
والغيم طوّعناهْ!
وأنارأيت أقداح النبيذ وقد ربت ْ
والفاتنات وقد وجأن دنانه
ورأيت أقوام الشمال تجيئنا
بالسكّر الدرّي والعنبر المسحور ْ
وفراء أيل الغالْ
ومباخر الرّهبان من دير العبورْ…
ولكم عشقت السدّ ياأمتي
وسكنت في أحجاره
ورجوت أبنائي بأن لا يسرفوا
لكنّما الطّوفان فاجأنا
ومياه ذاك السيلْ…
من أين جاء الماء ياأمتي
من أين جاء الماءْ؟
أتكون أظفاري أنا قد شجّت الأحجار
ورمت بذورا للخراب ولم أع؟
ألفرط ما عشقت عروقي ترابه
نزف التراب ولم أع ؟
لا تسرفي في اللّوم يا أمتي
لا تسرفي في اللّوم !
أنا لم أكن أنوي خرابا للدّيارْ،
هي عادة أدمنتها
من قبل أن يلج النّهار حصن اللّيل ْ
هي عدّتي كي أستعيد شهامتي
وأخوض في أصل الترابْ
فلتسألي الأيّام يا أمتي إذن
فلتسألي الأيام عن أصل الخراب ْ!
فوزية العلوي
تونس