خليل حاوي - الأُمّ الحزينة...

"ليس في الأُفْقِ سوى دخنةِ فحمٍ
من مُحيطٍ لِخَليجْ”…
“صَدِئَتْ في خِيَمِ المنفى المفاتيحُ
بِأَيدي العائِدينْ”…
“ما وُحوشٌ تَدَّعي الميزانَ والعرشَ
وتَزْهو وتُغالي؟”…


ما لِوَجهِ اللهِ صحراءٌ
وصمتٌ يترامى عِبرَ صحراءِ الرمالْ؟
ما لِضَيفٍ غاضبٍ يوقدُ نارَهْ؟
حَوْلَه الآفاقُ جدرانُ مغارَهْ،
حولَه أيدي الرجالْ
غابةٌ تمشي
ويمشي معَها تِيهُ الصحارى والبِطاحْ،
ويُمَحّي دربَها
موجٌ من الرملِ المُدَوّي في الرياحْ.
ما تُرى تَحكي الرياحْ
عن جراحٍ فاتَها الثأرُ
وما يَسكبُ من ضوءٍ ومسكٍ
في الجراحْ؟
ما لِبَيتِ القدسِ، بيتِ اللهِ،
مِعراجِ النجومْ؟
ما له لم يَحمِهِ سيفُ ملاكٍ
يمتطي الريحَ وأبراجَ التخومْ؟
يَضربُ الكفّارَ، أبناءَ الأفاعي
من سَدومْ.
ما حُماةُ البيتِ، والعارُ المغنّي،
والضحايا تُستَباحْ،
لم تَرَ الجَنّةَ في ظلّ الرماحْ؟
ويًظلُّ العارُ حيّاً،
في جفونِ المَيْتِ حيّاً،
تَجلدُ الميتَ رؤاهُ وتُذِلُّهْ.
لن تُرَوّي قبرَهُ
راحةُ الغارِ وظلُّهْ.

ما لثقلِ العارِ،
هل حُمِّلْتُهُ وحدي؟
وهل وَحدي، تُرى، كفّنتُ وَجهي بالرمادْ؟
اَلجنازاتُ التي يَحملها الصبحُ
تُدَوّي في جنازاتِ السهادْ.
اَلجباهُ ٱنطفأتْ، وٱنطفأ السيفُ
وأضواءُ البُروجْ،
ليس في الأُفْقِ سوى دخنةِ فحمٍ
من محيطٍ لِخَليجْ،
ليس في الأُفْقِ
سوى ضفّةِ نهرٍ، وبيوتٍ لا تَبينْ.
صَدِئتْ في خِيَمِ ٱلمنفى ٱلمفاتيحُ
بأيدي العائدينْ.
ليس في الأُفْقِ سوى صمتِ السؤالْ
عن حُماةِ القدسِ،
والعارِ المغنّي خلفَ آثارِ النعالْ.
وضميرُ اللهِ صحراءٌ
وصمتٌ يترامى عبرَ صحراءِ الرمالْ…

ما لأُمّ شَيَّعت ألفَ مسيحٍ ومسيحْ
وأراقَتْ دمَها المجنونَ في أعيادِ حزنٍ
وٱنتشَتْ بالحزنِ وٱشتَفَّتْ جُنونَهْ؟
ما لها الأُمّ الحزينَهْ
ترتمي صخراً على الصخرِ
سوى شَعرٍ يلوحْ،
خُصَلٍ تنفضُها الريحُ وتُلقيها
على طفلٍ ذبيحْ؟
ما وُحوشٌ تَدَّعي الميزانَ والعرشَ
وتزهو وتُغالي،
تَدفعُ الأرضَ إلى كهفٍ
تَضلّ الشمسُ عنهُ، ومصابيحُ الليالي؟
ما التماعُ النابِ والحربةِ
في وجهي المُدَمَّى؟
حَسرَتي، لَحمي، دَمي،
أرضي التي يمتصُّها كابوسُ حُمّى؟
ما جدارُ الصمتِ في وجهِ إلهٍ
يتناءى عبرَ صحراء الأعالي؟
… في عُروق الأُمِّ صمتٌ حَجَريٌّ لا يُبالي.
أعلى