محمد محمود غدية - مركب موشك على الغرق

ضاق ذرعا بحظه، وهو الميسور الحال، لديه الكثير والكثير مما يحلم به الآخرين، مضاربات فى البورصة، وأرصدة تتزايد فى البنوك، وزوجة تشاركه العيش، بقلب عامر بأسمى العواطف وأنبلها، قلب يحنو ويبذل ويضحي
فى سبيل إسعاد الزوج والأبناء، راعه منها فيض شبابها وسحر جمالها، وتوقد ذهنها وإقتران الأنوثة فيها، بجاذبية الفكر الراجح المتزن العميق، دائرة رمادية صلبة تكاد تخنق الأب، وهو يتذكر حياته الجافة الخشنة، فعلت فيه سنوات العمر الشيء الكثير، من جوع وتعب وجهد، حتى وصل الى ماهو فيه الآن، كان لابد أن يتوقف أمام التفاصيل الصغيرة،
الإبنة التى كبرت وردودها الجافة، متكبرة عنيدة، ترفض الذهاب الى الجامعة بسيارة موديل العام الماضي، درجات التحصيل الجامعي متواضعة، تعيش اللامبالاه، تحيط بها شلة من الغوغاء، الذين يبددون الوقت، فى أعياد ميلاد يختلقونها من اجل السهرات ورحلات السفاري،
لا تمتثل لنصح الأهل، حين واجهها الأب لم تنكر، هى فقط مثل الآخريات تعيش حياتها، فالأعمار قصيرة كالزهور، ماتلبث أن تذبل، والإبن صورة بالكربون من شقيقته، فقد تخلى عن دراسة الهندسة، واختار معهد السينما، يقضي معظم أوقاته فى سهرات الفنانين التي تمتد حتى خطوط الفجر، لايكف عن إزعاج والده فى مشاركته لإنتاج أفلام، تدر عليه المكسب والشهرة، والأب مدهوش أمام الملايين التي يطلبها الإبن، أربدت السماء غيوما كثيفة، المركب يوشك على الغرق، وضياع الأبناء،
لن يفعل مثل الفئران التي تقفز من المركب عند أول عاصفة، لابد من المواجهة ودفع هذا السيل الجارف، ومغالبة الأفكار المتردية،
يتألم وهو يرى زوجته، قد إعتلاها الشحوب، بعد أن كانت مثل الفاكهة النضرة، فرت من حياتهما السعادة تدريجيا، أمام إنتكاسات الإبن والإبنة، تعب الأب وسقط من الإعياء، ليجد نفسه مقيدا بالخراطيم وأجهزة التنفس، صرخ فى زوجته والأبناء : النوافذ المغلقة لا تروق لي، إفتحوها لماذا أنا هنا، أخبروني ماحدث ؟
الطبيب نادى الزوجة والأبناء خارج حجرة المستشفى :
قائلا : الحالة تسوء ويحتاج للراحة التامة، بعيدا عن الإنفعالات لضررها البالغ،
الأم خلعت من يديها الأساور الذهب، وطلبت من الأبناء بيعها على الفور لسداد رسوم المستشفى، وأضافت أن والدهم خسر كل مايملكه فى البورصة، والفيلا مرهونة لسداد الديون، سننتقل لشقة متواضعة، الأبناء فى حالة إرتباك وتعثر، قررا بيع سياراتهما لتعويض بعض الخسائر التى لحقت بهم، إنتقلت الأسرة الى الشقة الجديدة، وتعافى الأب، علم الإبن من والدته أنه كان سبب فى مرض والده، فعاد الى كلية الهندسة، والإبنة هجرت شلة الغوغاء، ونجحت بتقدير جيد جدا أهدته لوالدها، وتزوجت من زميلها،
ثلاث سنوات قضتهم الأسرة فى حياة لينة ليست خشنة، أنجبت الإبنة طفلة مثل القمر، الحياة إكتحلت وتعطرت وتزينت وتجملت، بعدها إعتذر الأب للأبناء قائلا :
سنعود للفيلا التى لم تكن مرهونة، ولا خسارة فى البورصة، وماقاله الطبيب كان متفق عليه، السيارات ستعود والشقة هديتي للحفيدة، مافعلته كان لإسترداد أبنائي .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...