إبراهيم الديب - إجازة...

علم سعد بنزول صديقه المقرب من نفسه وعقله مدحت أجازة من الجيش، فأرسل اليه صغيرا لطلبه, وبعد حضور مدحت طلب منه سعد على الفور بعد الترحيب به ودون تخطيط مسبق: الذهاب لأي مكان احتفاء بعودته من الجيش بعد فترة طويلة،فلم يعقب مدحت علامة موافقته ،وكان الوقت ظهر فاستقلا تاكسي و جلسا صامتين لعل كل منهما لم يستقر من أين يبدأ حديثه مع الآخر وأي من الأشياء المشتركة يستحق المناقشة ،ولكن لا شئء يهم طالما أنهما معا ،فوجد سعد ان التاكسي قريبا من مولد ابو المعاطي فطلب من السائق ان المولد وجهتهما دون أن :يستشير مدحت لأنه سعيد لمجرد لقائه والتجول معه و يشعر أنه يكتمل به دون حديث أو مناقشة نفس شعور سعد بوجوده مع مدحت في أي مكان، نزل الاثنان المولد فلم يجدا غير عربات الحمص مغطاة ويتمدد بجوارها البائعينو بعضهم يغط في نوم عميق ومن حولهم أطفالهم الصغار يلعبون ويمرحون ويبيعون، واشتري سعد كيسين منهما ناول أحدهما لمدحت، ولكن الريبة التي شعر بها من يقدمون الالعاب السحرية في ليل المولد الساهر الفاجر ،والثلاث ورقات من وجودهما وصمتهما والجدية المرسومة على ملامحهما، ليبدأ بعدها همس بين الجميع ترامى لأذني مدحت وسعد أن هذين الشخصين لن يخرجا عن ضباط شرطة واستيقظ أغلب من كان يغيبه النعاس وزاد الهمس وتحول لنقاش ان شرطة المدينة ستعقب زيارة رجليها الغامضين فنظر لسعد مبتسماً لمدحت الذي بادله ابتسامة خفيفة يفهم منها انهما افسدا دون قصد أو تخطيط على هؤلاء نومهم بوجودهم في هذا الوقت ثم صمت ومواصلة المسير.

فعرج سعد على مقهى وتبعه مدحت موافقا لأنه يلبي رغبته وكأنه قرأ افكاره للجلوس لبعض الوقت يستظلان من حرارة الشمس وتناول الماء البارد وكوبا من القهوة السادة ،وجلس كل منهما هائم في ملكوته او انه لم يجد في نفسه رغبة في الحديث و أن لا شئء يستحق النقاش ، وحضر صاحب المقهى في حفاوة شديدة دون طلب من أحدهما: يحمل صينية عليها زجاجتين كندا دراي وزجاجة ماء والثلاثة مشبرين فنظر مدحت لسعد نظرة مفادها أن صحاب المقهى رجل ذكي اريب وابن سوق لقراءته سريرة كل منهما لما هم في حاجة إليه من مشاريب في مثل الجو الحار، الساقع والبارد أفضل من تناول الشاي التي يتناوله سعد بصورة مستمرة لا يفصل بين الكوب والذي يليه الا فترة قصيرة، ومن قهوة مدحت السادة العاكف أكثر وقته وكأنه خلق من أجل تناول اكبر كمية منها وبعد تناولهما الكند دراي والماء البارد المشبر مواصلين صمتهما الوقور ،سألهما عامل المقهى رغبتهما تناول مشروبات ساخنة فطلب مدحت قهوة سادة وشاي لصديقه سعد الذي التفت حوله ليجد الجميع ينظر اليهما وعند انصرافهما من المقهى أخرج سعد ورقة نقدية فنهض المعلم صاحب القهوة من على مكتبه وأقسم أنه لن يتناول قرشاً من البهوات فهي المرة الأولى التي يشرفان فيها المقهى وبعد عدة محاولات من سعد ولكن الرجل رفض بشدة .
وأشار اسعد لتاكسي وكان هو نفس السائق ولم يعقب أي منهما على ما حدث ولم يكن هناك رغبة لمناقشة أحدهما الآخر فكل منهم سعيد بمرافقة الآخر وكان في حاجة لتغيير جو ومكان وخروج من النفس، ونزلا من التاكسي وفارق كل منها الآخر لبيته وتقابلا آلاف المرات بعد ذلك وكان من عادتهما عندما يحدث مثل مر بهما أن يناقشاه فيما بعد ولكن اين منهنا لم يذكره للآخر الى، وكأن ما حدث يومها يفسده الشرح والتفسير...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...