فوزية العلوي - رسالة إلى امرأة مجنونة...

كنت أدفأ قليلا لو أن الريح
أشفقت بالنجوم
أو أن بيتنا غدا طينيا كما كان
أو أن صباح الخير لم تصبها هذا التشقق
وظلت على طراوة العجين
الذي يعطّر االروح كلما هبّت أمي من ظلمتها
كنت أدفا مثل الطيور الصغيرة
وأتكوّر كالهرر المدللة
لو أن المكان لم ينحرف بي
لأرى كل هذه الطرق الوعرة
وهذا الركام الذي به أصابع الحديد
والأبواب المفقوءة الأعين
والقمصان التي بلا اذرع
والسيقان التي تنقصها الاحذية
والشفاه التي طارت قبلاتها لتلتصق بالمدافع
والمدافع التي تحولت الى حقول
تعشش فيها الحساسين
والاطباق التي تكسرت عصافيرها
وساح دم درّاقها على التراب...
كانت الشمس تمكث في بطني
فلا يصيبني هذا المغص
ولا أشعر بالثلج يمخرني كخيل مجنونة
لو أن نوافذ بيتنا لم يصبها هذا الهلع
فانفتحت على المدائن البعيدة
وكشفت لنا كل هذا اللهيب
الذي يجعل البيوت تتهاوى كالاكاذيب
والجبال تشيب من الحزن
والأطفال يكبرون بلا سبب
والنسوة يصبن بالزمان المثقوب
أيتها الحرب
من طلّقك من زوجك الشيطان
كي تطيري إلينا وتمزقي كل دفاترنا
وما أعددناه لامتحان التاريخ
وتبعثري كل صناديق الاسرار
بخواتمها واقراطها وعودها وسخابها
ومرشات العطر ومسابح العنبر والكهرمان
ودبابيس الشعر العتيقة وحبوب الضغط والصداع وحبات النفطلين والمصاحف الكوفية وشالات الحرير والصوف ومفاتيح الدهاليز وشهائد الميلاد وحجج الملكية والمواثيق الغليظة.
من جرّأك علينا
أيتها المومس العمياء كي تهتكي جدراننا
فتنفتح بيوتنا على الصراخ والفراغ
وما هذا الذي يدوي هناك فلا أجد يدي هنا
ولا اعرف اي المسالك أعبر
حتى أستعيد ساق أختي
وقلادة امي التي غدت بلا رقبة....
أيتها الثكلى ....
من افقدك كل صغارك دفعة واحدة
واسكنك محلات الرماد
وملأ اسنانك بكل هذه الاسلاك الشائكة
حتى تلتهمي كل هذه المآذن
والقباب
من فجرك كي تجري وانت تعبرين
كل ذاك الصخب والحنين والغناء
أمس رايت كمنجة معلقة في الهواء
أصابعها تعزف نشيدا
انا سمعته في مكان ما من العالم
ورايت شجرة تلبس جوربا شفافا
ورشاشا يعتمر شالا
ورأيتك تجثمين كالرخ في مدخل المدينة
بشعر محروق
وعين مثقوبة واضراس ترحي الحجر
اغربي لم يعد في هذا العالم ما تلتهمين

فوزية العلوي
......تونس

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...