الجزء الثاني
إنني مولع جداً بالاشتقاقات وأرغب في تذكيركم فأنا واثق من أنكم تعرفون في هذه الأمور أكثر مني بكثير ببعض الاشتقاقات المثيرة للفضول إلى حد ما. فلدينا في الإنكليزية، على سبيل المثال، الفعل to teaser يضايق، يسخر، يزعجه، إنها كلمة خبيثة. تعني نوعاً من المزاح ولكنها في الإنكليزية القديمةtesan»، تعني «إحداث جرح بالسيف». ولكي نأخذ كلمة أخرى من الإنكليزية القديمة breat»، يمكننا أن نستنتج من خلال الأبيات الأولى في بیوولف Beowulf أن هذه الكلمة تعني جمع حشد غاضب هذا يعني سبب التهديد threat بالإنكليزية). ويمكننا أن نواصل على هذا النحو بصورة غير محدودة.
ولكن لنتأمل الآن، بصورة محددة بعض الأشعار وآخذ أمثلتي من الشعر الإنكليزي، لأنني أشعر بعاطفة خاصة تجاه الأدب الإنكليزي، مع أن معرفتي به محدودة دون شك.
هناك حالات تبدع فيها القصيدة نفسها بنفسها. فمثلاً، لا أعتقد أن كلمتي راحة وخنجر quietus و bodkins جميلتان بصورة خاصة. وأنا أقول بالفعل إنهما أقرب إلى الفجاجة ولكننا إذا ما فكرنا في « When he himself might his quietus
make With a bare bodkin عندما يجد المرء راحة نفسه في متناول يده / على حد الخنجر العاري - لنتذكر مداخلة هاملت الكبرى - هكذا يخلق السياق شعراً من هاتين الكلمتين: كلمتان لا يجرؤ أحد على استخدامهما اليوم، لأنهما لن تكونا إلا اقتباساً. هناك أمثلة أخرى، وربما هي أكثر بساطة. فلنأخذ عنوان أحد أكثر الكتب شهرة في العالم ، النبيل العبقري دون كيخوتي دي لامانتشا كلمة hidalgon» نبيل) لها اليوم وقار خاص بحد ذاتها، ولكن عندما كتبها ثربانتس كانت كلمة hidalgon تعني سيد من الريف». أما بالنسبة للاسم كيخوتي، فكانت الكلمة تعتبر أقرب إلى أن تكون مضحكة، مثلما كثير من أسماء شخصيات ديكينز ( «بيكويك Pickwick سوفيلير Swiveller ، شزلویت Chuzzlewit تویست Twist سكويرز Squears ، كويل Quil وأسماء أخرى من هذا القبيل). ولديكم أيضاً دي لا مانتشا»، التي لها اليوم وقع نبيل بالقشتالية، ولكن ثربانتس عندما كتبها، ربما كان يسعى لأن يكون لها وقع شبيه بما لو أنه كتب دون كيخوتي دي كينساس سيتي، وأطلب المعذرة من أي مقيم في هذه المدينة موجود معنا هنا أترون كيف تغيرت هذه الكلمات، كيف أنها اكتست بالنبل. ولاحظوا هذا الحدث الغريب: لأن الجندي القديم ميغيل دي ثربانتس سخر قليلاً من لامانتشا، صارت الامانتشا تشكل الآن جزءاً من الكلمات الخالدة في الأدب.
ُثربانتسُثربانتس
فلنتناول مثالاً آخر من أبيات تبدلت إنني أفكر في سوناتا لروزيتي، سوناتا تتصاعد بصورة مثقلة تحت الاسم غير الجميل كثيراً «Inclusiveness كلية / شمول. وتقول السوناتا
What man has bent o'er his son's sleep to brood
How that face shall watch his when cold it lies?-
Or thought, at his own mother kissed his eyes,
Of what her kiss was, when his father wooed?
أي رجل انحنى على وجه ابنه ليفكر كيف سينحني هذا الوجه هذا المحيا عليه وهو ميت؟ أو فكر، حين قبلت أمه عينيه في ما كانت عليه قبلتها حين كان أبوه يغازلها ؟ ربما تبدو هذه الأبيات اليوم، حسب اعتقادي، أكثر زخماً مما كانت عليه عندما كتبت قبل نحو ثمانين سنة، لأن السينما دربتنا على متابعة مشاهد سريعة من الصور البصرية في البيت الأول What man has bent o'er his son's sleep to
brood، نجد الأب منحنياً على وجه الطفل النائم. وعلى الفور في البيت الثاني، كما في فيلم جيد، نجد الصورة نفسها مقلوبة نرى الابن منحنياً على وجه هذا الرجل الميت وجه أبيه.
وربما كانت دراستنا قريبة العهد لعلم النفس قد جعلتنا أكثر حساسية لهذا الأبيات:
Or thought, as his own mother kissed his eyes,
Of what her kiss was, when his father wooed?
نجد هنا، بكل تأكيد، جمالية الألفاظ الإنكليزية الرقيقة في broods و wooed. والجمالية المضافة إلى هذه الـ wooed
المتوحدة ليس wooed here ، وإنما ببساطة wooed» فقط. الكلمة ما زالت تواصل الرنين هناك أيضاً نوع مختلف من الجمال. فلنمعن النظر في نعت كان ذات مرة مبتذلاً لستُ أعرف اليونانية، ولكنني أظن أنه في اليونانية : Oinopa pontos وترجمته الإنكليزية الأكثر شيوعاً هي the wine-dark sean بحر النبيذ القاتم). يخيل إلي أن كلمة dark قد أدخلت برشاقة لتسهيل الأمر على القارئ.
كان يمكن لها أن تكون the wine sea «البحر النبيذي)، أو شيئاً من هذا القبيل. إنني واثق من أن هوميروس (أو الإغريقين الكثيرين الذين تشير إليهم كلمة هوميروس) عندما كتب ذلك، كان يفكر في البحر فقط؛ وكان النعت عادياً، ولكن إذا ما كتب أحدنا اليوم في قصيدة، بعد أن يجرب نعوتا كثيرة غريبة: the wine-dark sea فلن يكون ذلك مجرد تكرار لما كتبه الإغريق. بل ستكون إشارة إلى تقليد كلاسيكي .
نتحدث عن بحر بلون النبيذ، نفكر في هوميروس وفي الثلاثين قرناً الممتدة بينه وبيننا. وهكذا، حتى لو كانت الكلمات نفسها، فإننا عندما نكتب البحر الذي بلون النبيذ فإننا إنما نكتب في الواقع، شيئاً مختلفاً جداً عما كتبه هوميروس ذلك أن اللغة تتبدل؛ وقد كان اللاتينيون يعرفون ذلك جيداً.
والقارئ أيضاً يتبدل. هذا يذكرنا باستعارة الإغريق القديمة الاستعارة، أو بكلمة أدق الحقيقة في أنه لا يمكن لرجل أن ينزل مرتين إلى النهر نفسه. أظن أنه يوجد هنا قدر من الخوف. ففي البداية نفكر، عادة، في تدفق النهر وحسب نفكر أجل النهر يبقى، ولكن الماء يتبدل وبعد ذلك، وبإحساس متزايد بالخوف، ننتبه إلى أننا نحن أيضاً نتبدل، وأننا عرضة للتحول وأننا عابرون كما النهر.
ولكننا لسنا بحاجة إلى أن نقلق كثيراً على مصير الكلاسيكيين، لأن الجمال يرافقنا دوماً. أحب أن استشهد في هذه النقطة بقصيدة أخرى، لبراوننيغ ، وهو شاعر يكاد يكون منسياً في أيامنا، تقول: Just when we're safest, there's a sunset-touch, A fancy from a flower-bell, some one's death, A chorus-ending from Euripides.
براونينغبراونينغ
وعندما نشعر أننا أكثر أمناً، بالضبط، يأتي غروب الشمس، فتنة تويج زهرة ميتة ما، خاتمة كورال ليوربيدس. البيت الأول كاف: وعندما نشعر أننا أكثر أمناً، بالضبط، يأتي غروب الشمس...»، هذا يعني الجمال دوماً بانتظارنا. يمكن له أن يتبدى لنا في عنوان فيلم؛ يمكن له أن يتمثل لنا في كلمات أغنية شعبية؛ يمكن لنا أن نجده حتى في صفحات كاتب كبير أو مشهور. وبما أنني تحدثت عن واحد من أساتذتي المتوفين رافائيل كانسينوس – آسينس ربما تكون هذه هي المرة الثانية التي تسمعون فيها اسمه؛ ولا أستطيع أن أفهم لماذا أسلم للنسيان أتذكر أن كانسينوس - آسينس كتب قصيدة نثر بالغة الجمال يطلب فيها من الله أن يحميه، وأن ينجيه من الجمال، لأن هناك كما يقول، فائض من الجمال في العالم. لقد كان يفكر في أن الجمال يغمر العالم. ومع أنني لا أذكر إذا ما كنت رجلاً سعيداً بصورة خاصة آمل أن أكون سعيداً وأنا في سني المتقدمة سبع وستين سنة، فإنني ما زلت أفكر في أننا محاطون إلى بالجمال أن تكون القصيدة قد كتبت أو لم تكتب من قبل شاعر كبير، أمر ليس له أهمية إلا عند مؤرخي الأدب. فلنفترض، من أجل مواصلة تأملنا المنطقي، أنني كتبت بيتاً جميلاً من الشعر؛ ولنعتبره فرضية عمل. وبعد أن أكون قد كتبته، لا يجعلني هذا البيت من الشعر شاعراً جيداً، فهذا البيت، مثلما قلتُ للتو، تلقيته من الروح القدس، أو من الأنا غير الواعي، أو ربما من كاتب آخر. كثيراً ما أكتشف أنني إنما أستشهد بأحد ما، قرأته قبل زمن، وعندئذ تتحول القراءة إلى إعادة اكتشاف. ربما من الأفضل ألا يكون للشاعر اسم.
لقد تكلمت عن بحر اللون النبيذي، وحيث أن ولعي هو اللغة الإنكليزية القديمة أخشى إذا ما امتلكتم الشجاعة أو الصبر للعودة إلى إحدى محاضراتي أن أثقل عليكم من جديد بالإنكليزية القديمة، أحب أن أذكركم ببضعة أبيات تبدو لي جميلة. وسوف أقولها بالإنكليزية أولاً، وبعد ذلك بإنكليزية القرن التاسع الصارمة والصائتة It snowed from the north rime bound the fields;
hail fell on earth, the coldest of seeds Norpan sniwde hrim hrusan bond
hægl feol on eorpan corna caldast.
أثلجت من الشمالل الصقيع طوق الحقول البرد سقط على الأرض الأبرد من البذور.
هذا يحيلنا إلى ما قلته عن هوميروس: عندما يكتب الشاعر هذه الأبيات، يخلّف فقط برهاناً عن شيء قد حدث. ولا شك أن ما كان مستغرباً جداً في القرن التاسع، عندما كان الناس يفكرون ضمن حدود الميثولوجيا، هو الصور الرمزية (الأليغورية) وأشياء من هذا القبيل. لقد كان هوميروس يروي أشياء طبيعية بالمطلق فقط. ولكننا اليوم، عندما نقرأ:
It snowed from the north; rime bound the fields;
hail fell on earth, the coldest of seeds... نجد عنصراً شاعرياً مضافاً، أظن أننا نجد شعرية سكسوني بلا اسم يكتب هذه الأبيات على ضفاف بحر الشمال، في نورثمبريا؛ وشعرية أن هذه الأبيات تصل إلينا بهذا الوضوح، وبهذه البساطة، وبهذا التأثير عبر القرون. لدينا إذن حالتان: حالة وهي لا تستحق أن أتوقف عندها أن الزمن يحط من قصيدة وأن الكلمات تفقد جمالها؛ وحالة أخرى يُغني الزمن فيها القصيدة، بدل أن يحط منها لقد تحدثت في البدء عن تعريفات. ولكي أنهي أرغب في.
القول إننا نقترف خطأ شائعاً جداً عندما نظن أننا نجهل شيئاً لأننا غير قادرين على تعريفه. وإذا ما كنا نتمتع بمزاج تشيسترتوني أظن أنه من أفضل المزاجات التي يمكن الشعور بها نقول إننا لا نستطيع تعريف شيء إلا عندما لا نعرف أي شيء عنه.
نعرف ما هو الشعر. نعرف ذلك جيداً إلى حد لا نستطيع معه تعريفه بكلمات أخرى، مثلما نحن عاجزون عن تعريف مذاق القهوة، واللون الأحمر أو الأصفر، أو معنى الغضب الحب، الكراهية، الفجر، الغروب أو حب بلادنا.
فإذا كان علي، على سبيل المثال، أن أُعرف الشعر، وليس لدي الشعر كله، وكنت أشعر بأنني غير متأكد، فإنني سأقول شيئاً من نوع: الشعر هو التعبير عن الجمال بكلمات محبوكة بصورة فنية. يمكن لهذا التعريف أن ينفع في معجم أو في كتاب تعليمي، أما نحن فيبدو لنا قليل الإقناع فهناك شيء أكثر أهمية بكثير... شيء لا يشجعنا فقط على مواصلة تجريب الشعر، وإنما الاستمتاع به كذلك والإحساس بأننا نعرف كل شيء عنه.
هذا يعني أننا نعرف ما هو الشعر. نعرف ذلك جيداً إلى حد لا نستطيع معه تعريفه بكلمات أخرى، مثلما نحن عاجزون عن تعريف مذاق القهوة، واللون الأحمر أو الأصفر، أو معنى الغضب الحب، الكراهية، الفجر، الغروب أو حب بلادنا. هذه الأشياء متجذرة فينا بحيث لا يمكن التعبير عنها إلا بهذه الرموز المشتركة التي نتداولها. وما حاجتنا إلى مزيد من الكلمات؟
قد لا تتفقون مع الأمثلة والنماذج التي اخترتها. ربما تخطر لي غداً أمثلة أفضل، وربما فكرتم في أنه علي الاستشهاد بأشعار أخرى. ولكن، يمكن لكم أنتم أيضاً أن تختاروا أمثلتكم الخاصة، وليس عليكم أن تهتموا كثيراً بهوميروس، أو بالشعراء الأنجلوسكسونيين أو .روزيتي. لأن الجميع يعرفون أن يجدوا الشعر. وعندما يظهر يشعر أحدنا بحفيف الشعر بهذه الرعشة الخاصة.
كي أنهي لدي عبارة للقديس أغوسطين، أظنها تتفق إلى حد الكمال مع ما أعنيه. يقول القديس أغوسطين: «ما هو الزمن. إذا لم تسألوني ما هو، فإنني أعرفه وإذا ما سألتموني ما هو فإنني لا أعرفه. وأنا أعتقد الشيء نفسه في الشعر.
أحدنا لا تهمه كثيراً التعريفات إنني أمضي في هذه اللحظة مشوشاً بعض الشيء، لأني لا أتحكم تماماً بالفكر المجرد. ولكنني في المحاضرات التالية - إذا تلطفتم بتحملي – سأورد مزيداً من الأمثلة الملموسة. سأتحدث عن الترجمة الشعرية، وعن فن رواية القصص، أي عن الشعر الملحمي، سأقدم أنماط الشعر وربما أكثرها حاجة للجهد وسأنهي بشيء، لا أكاد أحدسه الآن بالذات. سأنهي بمحاضرة بعنوان معتقد الشاعر، أهتم فيها بتبرير حياتي والثقة التي يمكن أن يمحضني إياها بعضكم، على الرغم من هذه المحاضرة الأولى المتعثرة والمتلعثمة.
* يمكن الاطلاع على الجزء الأول عبر الضغط هنا.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* الجزء الثاني من نص محاضرة ألقاها بورخيس في جامعة هارفارد، في خريف 1967. وهذه المحاضرة هي من ضمن ست محاضرات أخرى ألقاها بورخيس عن الشعر ضمن برنامج نورتون لكتشرز. وقد ألقيت المحاضرة الأولى "لغز الشعر" في 24 تشرين الأول 1976، وتدور حول الطبيعة الأنطولوجية للشعر.
* عن موقغ ثقافات
إنني مولع جداً بالاشتقاقات وأرغب في تذكيركم فأنا واثق من أنكم تعرفون في هذه الأمور أكثر مني بكثير ببعض الاشتقاقات المثيرة للفضول إلى حد ما. فلدينا في الإنكليزية، على سبيل المثال، الفعل to teaser يضايق، يسخر، يزعجه، إنها كلمة خبيثة. تعني نوعاً من المزاح ولكنها في الإنكليزية القديمةtesan»، تعني «إحداث جرح بالسيف». ولكي نأخذ كلمة أخرى من الإنكليزية القديمة breat»، يمكننا أن نستنتج من خلال الأبيات الأولى في بیوولف Beowulf أن هذه الكلمة تعني جمع حشد غاضب هذا يعني سبب التهديد threat بالإنكليزية). ويمكننا أن نواصل على هذا النحو بصورة غير محدودة.
ولكن لنتأمل الآن، بصورة محددة بعض الأشعار وآخذ أمثلتي من الشعر الإنكليزي، لأنني أشعر بعاطفة خاصة تجاه الأدب الإنكليزي، مع أن معرفتي به محدودة دون شك.
هناك حالات تبدع فيها القصيدة نفسها بنفسها. فمثلاً، لا أعتقد أن كلمتي راحة وخنجر quietus و bodkins جميلتان بصورة خاصة. وأنا أقول بالفعل إنهما أقرب إلى الفجاجة ولكننا إذا ما فكرنا في « When he himself might his quietus
make With a bare bodkin عندما يجد المرء راحة نفسه في متناول يده / على حد الخنجر العاري - لنتذكر مداخلة هاملت الكبرى - هكذا يخلق السياق شعراً من هاتين الكلمتين: كلمتان لا يجرؤ أحد على استخدامهما اليوم، لأنهما لن تكونا إلا اقتباساً. هناك أمثلة أخرى، وربما هي أكثر بساطة. فلنأخذ عنوان أحد أكثر الكتب شهرة في العالم ، النبيل العبقري دون كيخوتي دي لامانتشا كلمة hidalgon» نبيل) لها اليوم وقار خاص بحد ذاتها، ولكن عندما كتبها ثربانتس كانت كلمة hidalgon تعني سيد من الريف». أما بالنسبة للاسم كيخوتي، فكانت الكلمة تعتبر أقرب إلى أن تكون مضحكة، مثلما كثير من أسماء شخصيات ديكينز ( «بيكويك Pickwick سوفيلير Swiveller ، شزلویت Chuzzlewit تویست Twist سكويرز Squears ، كويل Quil وأسماء أخرى من هذا القبيل). ولديكم أيضاً دي لا مانتشا»، التي لها اليوم وقع نبيل بالقشتالية، ولكن ثربانتس عندما كتبها، ربما كان يسعى لأن يكون لها وقع شبيه بما لو أنه كتب دون كيخوتي دي كينساس سيتي، وأطلب المعذرة من أي مقيم في هذه المدينة موجود معنا هنا أترون كيف تغيرت هذه الكلمات، كيف أنها اكتست بالنبل. ولاحظوا هذا الحدث الغريب: لأن الجندي القديم ميغيل دي ثربانتس سخر قليلاً من لامانتشا، صارت الامانتشا تشكل الآن جزءاً من الكلمات الخالدة في الأدب.
ُثربانتسُثربانتس
فلنتناول مثالاً آخر من أبيات تبدلت إنني أفكر في سوناتا لروزيتي، سوناتا تتصاعد بصورة مثقلة تحت الاسم غير الجميل كثيراً «Inclusiveness كلية / شمول. وتقول السوناتا
What man has bent o'er his son's sleep to brood
How that face shall watch his when cold it lies?-
Or thought, at his own mother kissed his eyes,
Of what her kiss was, when his father wooed?
أي رجل انحنى على وجه ابنه ليفكر كيف سينحني هذا الوجه هذا المحيا عليه وهو ميت؟ أو فكر، حين قبلت أمه عينيه في ما كانت عليه قبلتها حين كان أبوه يغازلها ؟ ربما تبدو هذه الأبيات اليوم، حسب اعتقادي، أكثر زخماً مما كانت عليه عندما كتبت قبل نحو ثمانين سنة، لأن السينما دربتنا على متابعة مشاهد سريعة من الصور البصرية في البيت الأول What man has bent o'er his son's sleep to
brood، نجد الأب منحنياً على وجه الطفل النائم. وعلى الفور في البيت الثاني، كما في فيلم جيد، نجد الصورة نفسها مقلوبة نرى الابن منحنياً على وجه هذا الرجل الميت وجه أبيه.
وربما كانت دراستنا قريبة العهد لعلم النفس قد جعلتنا أكثر حساسية لهذا الأبيات:
Or thought, as his own mother kissed his eyes,
Of what her kiss was, when his father wooed?
نجد هنا، بكل تأكيد، جمالية الألفاظ الإنكليزية الرقيقة في broods و wooed. والجمالية المضافة إلى هذه الـ wooed
المتوحدة ليس wooed here ، وإنما ببساطة wooed» فقط. الكلمة ما زالت تواصل الرنين هناك أيضاً نوع مختلف من الجمال. فلنمعن النظر في نعت كان ذات مرة مبتذلاً لستُ أعرف اليونانية، ولكنني أظن أنه في اليونانية : Oinopa pontos وترجمته الإنكليزية الأكثر شيوعاً هي the wine-dark sean بحر النبيذ القاتم). يخيل إلي أن كلمة dark قد أدخلت برشاقة لتسهيل الأمر على القارئ.
كان يمكن لها أن تكون the wine sea «البحر النبيذي)، أو شيئاً من هذا القبيل. إنني واثق من أن هوميروس (أو الإغريقين الكثيرين الذين تشير إليهم كلمة هوميروس) عندما كتب ذلك، كان يفكر في البحر فقط؛ وكان النعت عادياً، ولكن إذا ما كتب أحدنا اليوم في قصيدة، بعد أن يجرب نعوتا كثيرة غريبة: the wine-dark sea فلن يكون ذلك مجرد تكرار لما كتبه الإغريق. بل ستكون إشارة إلى تقليد كلاسيكي .
نتحدث عن بحر بلون النبيذ، نفكر في هوميروس وفي الثلاثين قرناً الممتدة بينه وبيننا. وهكذا، حتى لو كانت الكلمات نفسها، فإننا عندما نكتب البحر الذي بلون النبيذ فإننا إنما نكتب في الواقع، شيئاً مختلفاً جداً عما كتبه هوميروس ذلك أن اللغة تتبدل؛ وقد كان اللاتينيون يعرفون ذلك جيداً.
والقارئ أيضاً يتبدل. هذا يذكرنا باستعارة الإغريق القديمة الاستعارة، أو بكلمة أدق الحقيقة في أنه لا يمكن لرجل أن ينزل مرتين إلى النهر نفسه. أظن أنه يوجد هنا قدر من الخوف. ففي البداية نفكر، عادة، في تدفق النهر وحسب نفكر أجل النهر يبقى، ولكن الماء يتبدل وبعد ذلك، وبإحساس متزايد بالخوف، ننتبه إلى أننا نحن أيضاً نتبدل، وأننا عرضة للتحول وأننا عابرون كما النهر.
ولكننا لسنا بحاجة إلى أن نقلق كثيراً على مصير الكلاسيكيين، لأن الجمال يرافقنا دوماً. أحب أن استشهد في هذه النقطة بقصيدة أخرى، لبراوننيغ ، وهو شاعر يكاد يكون منسياً في أيامنا، تقول: Just when we're safest, there's a sunset-touch, A fancy from a flower-bell, some one's death, A chorus-ending from Euripides.
براونينغبراونينغ
وعندما نشعر أننا أكثر أمناً، بالضبط، يأتي غروب الشمس، فتنة تويج زهرة ميتة ما، خاتمة كورال ليوربيدس. البيت الأول كاف: وعندما نشعر أننا أكثر أمناً، بالضبط، يأتي غروب الشمس...»، هذا يعني الجمال دوماً بانتظارنا. يمكن له أن يتبدى لنا في عنوان فيلم؛ يمكن له أن يتمثل لنا في كلمات أغنية شعبية؛ يمكن لنا أن نجده حتى في صفحات كاتب كبير أو مشهور. وبما أنني تحدثت عن واحد من أساتذتي المتوفين رافائيل كانسينوس – آسينس ربما تكون هذه هي المرة الثانية التي تسمعون فيها اسمه؛ ولا أستطيع أن أفهم لماذا أسلم للنسيان أتذكر أن كانسينوس - آسينس كتب قصيدة نثر بالغة الجمال يطلب فيها من الله أن يحميه، وأن ينجيه من الجمال، لأن هناك كما يقول، فائض من الجمال في العالم. لقد كان يفكر في أن الجمال يغمر العالم. ومع أنني لا أذكر إذا ما كنت رجلاً سعيداً بصورة خاصة آمل أن أكون سعيداً وأنا في سني المتقدمة سبع وستين سنة، فإنني ما زلت أفكر في أننا محاطون إلى بالجمال أن تكون القصيدة قد كتبت أو لم تكتب من قبل شاعر كبير، أمر ليس له أهمية إلا عند مؤرخي الأدب. فلنفترض، من أجل مواصلة تأملنا المنطقي، أنني كتبت بيتاً جميلاً من الشعر؛ ولنعتبره فرضية عمل. وبعد أن أكون قد كتبته، لا يجعلني هذا البيت من الشعر شاعراً جيداً، فهذا البيت، مثلما قلتُ للتو، تلقيته من الروح القدس، أو من الأنا غير الواعي، أو ربما من كاتب آخر. كثيراً ما أكتشف أنني إنما أستشهد بأحد ما، قرأته قبل زمن، وعندئذ تتحول القراءة إلى إعادة اكتشاف. ربما من الأفضل ألا يكون للشاعر اسم.
لقد تكلمت عن بحر اللون النبيذي، وحيث أن ولعي هو اللغة الإنكليزية القديمة أخشى إذا ما امتلكتم الشجاعة أو الصبر للعودة إلى إحدى محاضراتي أن أثقل عليكم من جديد بالإنكليزية القديمة، أحب أن أذكركم ببضعة أبيات تبدو لي جميلة. وسوف أقولها بالإنكليزية أولاً، وبعد ذلك بإنكليزية القرن التاسع الصارمة والصائتة It snowed from the north rime bound the fields;
hail fell on earth, the coldest of seeds Norpan sniwde hrim hrusan bond
hægl feol on eorpan corna caldast.
أثلجت من الشمالل الصقيع طوق الحقول البرد سقط على الأرض الأبرد من البذور.
هذا يحيلنا إلى ما قلته عن هوميروس: عندما يكتب الشاعر هذه الأبيات، يخلّف فقط برهاناً عن شيء قد حدث. ولا شك أن ما كان مستغرباً جداً في القرن التاسع، عندما كان الناس يفكرون ضمن حدود الميثولوجيا، هو الصور الرمزية (الأليغورية) وأشياء من هذا القبيل. لقد كان هوميروس يروي أشياء طبيعية بالمطلق فقط. ولكننا اليوم، عندما نقرأ:
It snowed from the north; rime bound the fields;
hail fell on earth, the coldest of seeds... نجد عنصراً شاعرياً مضافاً، أظن أننا نجد شعرية سكسوني بلا اسم يكتب هذه الأبيات على ضفاف بحر الشمال، في نورثمبريا؛ وشعرية أن هذه الأبيات تصل إلينا بهذا الوضوح، وبهذه البساطة، وبهذا التأثير عبر القرون. لدينا إذن حالتان: حالة وهي لا تستحق أن أتوقف عندها أن الزمن يحط من قصيدة وأن الكلمات تفقد جمالها؛ وحالة أخرى يُغني الزمن فيها القصيدة، بدل أن يحط منها لقد تحدثت في البدء عن تعريفات. ولكي أنهي أرغب في.
القول إننا نقترف خطأ شائعاً جداً عندما نظن أننا نجهل شيئاً لأننا غير قادرين على تعريفه. وإذا ما كنا نتمتع بمزاج تشيسترتوني أظن أنه من أفضل المزاجات التي يمكن الشعور بها نقول إننا لا نستطيع تعريف شيء إلا عندما لا نعرف أي شيء عنه.
نعرف ما هو الشعر. نعرف ذلك جيداً إلى حد لا نستطيع معه تعريفه بكلمات أخرى، مثلما نحن عاجزون عن تعريف مذاق القهوة، واللون الأحمر أو الأصفر، أو معنى الغضب الحب، الكراهية، الفجر، الغروب أو حب بلادنا.
فإذا كان علي، على سبيل المثال، أن أُعرف الشعر، وليس لدي الشعر كله، وكنت أشعر بأنني غير متأكد، فإنني سأقول شيئاً من نوع: الشعر هو التعبير عن الجمال بكلمات محبوكة بصورة فنية. يمكن لهذا التعريف أن ينفع في معجم أو في كتاب تعليمي، أما نحن فيبدو لنا قليل الإقناع فهناك شيء أكثر أهمية بكثير... شيء لا يشجعنا فقط على مواصلة تجريب الشعر، وإنما الاستمتاع به كذلك والإحساس بأننا نعرف كل شيء عنه.
هذا يعني أننا نعرف ما هو الشعر. نعرف ذلك جيداً إلى حد لا نستطيع معه تعريفه بكلمات أخرى، مثلما نحن عاجزون عن تعريف مذاق القهوة، واللون الأحمر أو الأصفر، أو معنى الغضب الحب، الكراهية، الفجر، الغروب أو حب بلادنا. هذه الأشياء متجذرة فينا بحيث لا يمكن التعبير عنها إلا بهذه الرموز المشتركة التي نتداولها. وما حاجتنا إلى مزيد من الكلمات؟
قد لا تتفقون مع الأمثلة والنماذج التي اخترتها. ربما تخطر لي غداً أمثلة أفضل، وربما فكرتم في أنه علي الاستشهاد بأشعار أخرى. ولكن، يمكن لكم أنتم أيضاً أن تختاروا أمثلتكم الخاصة، وليس عليكم أن تهتموا كثيراً بهوميروس، أو بالشعراء الأنجلوسكسونيين أو .روزيتي. لأن الجميع يعرفون أن يجدوا الشعر. وعندما يظهر يشعر أحدنا بحفيف الشعر بهذه الرعشة الخاصة.
كي أنهي لدي عبارة للقديس أغوسطين، أظنها تتفق إلى حد الكمال مع ما أعنيه. يقول القديس أغوسطين: «ما هو الزمن. إذا لم تسألوني ما هو، فإنني أعرفه وإذا ما سألتموني ما هو فإنني لا أعرفه. وأنا أعتقد الشيء نفسه في الشعر.
أحدنا لا تهمه كثيراً التعريفات إنني أمضي في هذه اللحظة مشوشاً بعض الشيء، لأني لا أتحكم تماماً بالفكر المجرد. ولكنني في المحاضرات التالية - إذا تلطفتم بتحملي – سأورد مزيداً من الأمثلة الملموسة. سأتحدث عن الترجمة الشعرية، وعن فن رواية القصص، أي عن الشعر الملحمي، سأقدم أنماط الشعر وربما أكثرها حاجة للجهد وسأنهي بشيء، لا أكاد أحدسه الآن بالذات. سأنهي بمحاضرة بعنوان معتقد الشاعر، أهتم فيها بتبرير حياتي والثقة التي يمكن أن يمحضني إياها بعضكم، على الرغم من هذه المحاضرة الأولى المتعثرة والمتلعثمة.
* يمكن الاطلاع على الجزء الأول عبر الضغط هنا.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* الجزء الثاني من نص محاضرة ألقاها بورخيس في جامعة هارفارد، في خريف 1967. وهذه المحاضرة هي من ضمن ست محاضرات أخرى ألقاها بورخيس عن الشعر ضمن برنامج نورتون لكتشرز. وقد ألقيت المحاضرة الأولى "لغز الشعر" في 24 تشرين الأول 1976، وتدور حول الطبيعة الأنطولوجية للشعر.
* عن موقغ ثقافات