صبري موسى - قصة الوولف...

أخذ الكلب الكبير الوولف يهز ذيله ثم عاود النباح دون أن يعنى بنباح أحداً. كان ينبح في الأرض الرملية الخالية، حيث لا إنس ولا جان يمكنه التواجد في تلك الساعة المتأخرة من الصباح حيث يشتد القيظ…

لعله كان مدركاً طول الوقت أنه ينبح فى لا أحد، وإنما يستمر في النباح ليزيل عن نفسه الشعور بالتوحد… فقد كان الصيف في ذلك المكان موحشاً فعلاً.. كثبان من الرمال وراء كثبان.. وهناك على البعد البعيد يظهر السراب الذي يضم في باطنه البحر..

وقد توقف الوولف عن هز ذيله ثم انطلق يغرز قوائمه الأربعة الرفيعة في الكثبان ويجتازها في حماس، حتى وصل إلى شاطئ البحر وهو يلهث، ثم اندفع يخوض في الماء…

لطمته الأمواج البيضاء القادمة من قلب البحر، وغمرته مياهها وغطته ولكنه كان يخلص رأسه المدببة ويرفع أنفه إلى السماء كأنه يلعب لعبة.

كان الشاطئ في ذلك المكان خاليًا تقريباً، ليس ثمة إلا قارب مهجور على الشط، وحفنة من الصيادين مشغولون في صيد القواقع، وقد أخذ الوولف يحوم حولهم محاذرًا في البداية، وهو يهز جسده لينفض عنه الماء، ثم بدأ يحوم مقتربا وهو يراقب طريقتهم في العمل.. وحين تدفقت على الشط حبات أم الخلول الرصاصية ، دس الوولف أنفه فيها ليتعرف عليها .. فأزاحه… بعيدا بقدمه واحد من الصيادين.. فلوى الوولف وجهه المدبب مزمجرا .. ثم أدار لهم مؤخرته وراح يسرح بعينيه العميقتين في الشاطئ.

في عمق البعيد كان سطح الماء الأخضر يشرب من السماء زرقتها فيببدو.. غامقًا… وكلما اقترب من الصحراء يصفر لونه، ويعلو موجه فيرغى ويزيد… حتى يصل رقراقًا إلى الشاطئ الرملي فيوشيه بدانتيلا من نديفه الأبيض. ووقف الوولف يراقب التحام الماء بالرمل ويداعبه بأقدامه.. كلما انزاح الرمل تحت الماء وانغرست قوائم الوولف فيه، خلصها وهو متعب، وقفز بعيدا عن الشاطئ.

وقد جاءت كرة المطاط من الخلف وسقطت أمامه على الماء فاندفع ناحيتها وأخذ يتعرف عليها بفمه، ثم قضمها فانفلتت منه، فمضى يتابعها … لكن الرجل جاء وأخذ الكرة وضربها بمضريه للمرأة التي يلاعبها على البعد كان الرجل يرتدى مايوها أحمر، وجسده مغطى بالشعر – وعلى عينيه نظارة شمس سوداء كبيرة.. وكانت المرأة ترتدي شورتا من الكتان الأبيض. وبلوزة خضراء.

ولم تكن المرأة تجيد لعبة الراكت على الإطلاق لكنها كانت تحب ما تعطيه لها من الحرية لتحرك ساقيها في وضح النهار في ذلك الشاطئ شبه الخالي، وفى تلك الأيام من أخريات الصيف.

ضربت الكرة بمضربها ضربة فانحرفت كالعادة وذهبت بعيداً.

واستدار الرجل ذو النظارة، والشعر الكثيف، ومشى جادا ناحية الكرة وعاد بها ثم.. وهكذا .. وهكذا..

ظل الوولف يراقب اللعبة غير المتكافئة ويتابع بعينيه ووجهه الطويل المدبب كرة المطاط وهى تروح وتجيء بين المضربين.. لكن الكرة انحرفت ناحيته وانحدرت بين قوائمه، فأخذ يناوئها بفمه لكن ذلك الشاب الجاد ذا الشعر والنظارة، صاح فيه غاضبًا من بعيد ولوح له مهددًا بمضربه وهو يقترب فابتعد الوولف عن الكرة وهو يزوم ويزمجر محنقاً لمنعه من اللعب.

كان كل شيء على الشاطئ يبدو ضاحكا .. وقد مضى الوولف هنا وهناك، فعثر على امرأة ترتدي بيكينى منقوشاً بالزهور ممددة على الرمال وقد غطت وجهها .. فمضى يدور حولها وهو يهز رأسه وذيله، فرفعت المرأة الغطاء عن وجهها وابتسمت له ..مرحبة. لكنه استدار مسرعًا يرقب الكرة وهي تروح وتجيء بين الفتى والفتاة وعندما انحرفت الكرة ناحيته عن له أن يلعب معهما ، فأخذ الكرة بين أسنانه وجرى بها ، ثم وقف بعيداً كأنه يدعوهما أن يأتي أحدهما ويأخذها.. فاتجه الشاب ناحيته.. وحين اقترب حملها الوولف بين أسنانه وجرى بها مبتعداً عن الشاب كأنه يحاوره.. فضحكت الفتاة واستبد الحماس بالشاب الجاد فمضى يطارد الوولف والوولف يراوغه، فيبطئ حتى يلحق به الشاب ثم يقفز وينفلت منه.. فتضحك الفتاة بمرح.

وسخن الدم في عروق الشاب المتحمس من الغضب فاحتد في المطاردة. وقد أعجبت الوولف تلك اللعبة، وأعجبت الفتاة أيضًا لدرجة أن الكلب كان يمكنه الاختباء خلفها من الشاب الذي يجد في مطاردته..

وشاعت على الشاطئ روح المرح.. لكن الشاب الكثيف الشعر اندفع فجأة ثم صوب مضربه إلى الكلب وأطلقه بحركة مفاجئة فأصابه في إحدى قوائمه.

وقد عوى الوولف متألما فانطلقت كرة المطاط من فمه.. فأخذها الشاب وعاد جادًّا إلى الفتاة ليواصل اللعب وعلى وجهه ابتسامة النصر..!

لكن الفتاة كانت ذاهلة والشاطئ أيضًا كان ذاهلاً .. والوولف قبع على الرمال يتحسس قائمته المضروبة بفمه ويطلق أنينا خافتا

وقالت الفتاة : إن الكلب يبكى.

كانت تسيل من عينيّ الوولف دموع حقيقية. شعر الشاب الجاد بالخجل ففكر أن يعيد الكرة للكلب، لكنه ما كاد يقترب حتى نهض الوولف من مكانه في خوف، ثم تراجع مبتعدا ، واستدار عائدا تجاه الصحراء دون أن ينظر خلفه.
أعلى