منى محمد صالح - صوتٌ آخر

جلست (...) على عتبة الباب الخلفي لحديقة البيت، مكان صغير يضيء بهواجس عزلتها من وقت لآخر. تدخّن سيجارتها بحذرٍ لذيذ، مشوبٍ بالكثير من الهدوء، يرافقها ذلك المساء الرمادي الثقيل، والمكان من حولها صامتٌ ووحيد. كانت تُراقب السماء التي تغيّرت زرقتها، تجول بنظرها بين السحب التي تلبّدت بغيماتٍ بعيدةٍ ومتفرقةٍ تفصل بينها مسافاتٌ شاسعة، وكأنها تُودّع آخر بريق أمل هناك.

ارتعشت بحّة صوتها قليلًا، وشعورٌ عميق بأنها تتخلى عن جزءٍ أصيل من روحها، حتى أن الهواء الذي كان يحاكي أنفاسها بدا باردًا وثقيلًا على صدرها، يحمل الكثير الذي لم ينتهِ بعد.

– هل كنتُ أجهل نفسي إلى هذا الحد؟

لم يكن مجرد سؤال عابر، بل لحظة قاسية كشفت عن قرارٍ فطَر قلبها إلى أكثر من شقين. كانت لحظة واحدة فقط لتغادر ذلك المنتصف المُميت، لتُحكم حزمة حزنها في ربطةٍ واحدة متماسكة، لا تزيد ولا تقل.

لكن، هل هذا ما تريده حقًا؟

بدت جميلة في هشاشتها وموجوعة، إمرأة قادرة على إشعال حرائقه يتمايل الحزن معها كلما مشيت، وهي الآن تُعانق دفء الوداع الأخير، تنتقل به إلى نواصي ذاكرتها البعيدة، وقد تحوّل إلى ألوان أخرى، لها طعمٌ وملمسٌ ورائحة، كما عرفته للمرة الأولى؛ حميمًا قابضًا على زند قلبها.

في تلك اللحظة، طوت ذلك الحنين في قلبها برفق. لم يعد هناك ما يجبرها على الالتفات أو أن تكون "فرصة قابلة للتجديد" لأحدهم.

– الحب ليس كل شيء!

أومأت برأسها، بينما تواترت عليها وخزات القلب من جديد. أخذت نفسًا عميقًا، شعرت به يسري عبر صدرها، يتبعه صوتٌ آخر، يمرّ هادئًا أكثر من ذي قبل. هذه المرة، تكاد تسمعه بوضوحٍ شديد، يتسلل عبر حواف المكان، كما لو أنه يخترق قلبها.

قالتها لنفسها أكثر من مرة حتى كادت تصدقها:

"أنتِ لستِ فرصة ثانية لأحد، ابقِ مع من يتباهى بكِ كأنكِ أعظم ما حدث له من إنجازات."

منى محمد صالح
15 نوفمبر 2024

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...