فاطمة البسريني - لعنة العالم...

ما أوسع الزمن وما أضيق فرحي بك .
عندما تتألق عيناك ، ينشر إلي وميضهما ، أحدس أحزانك الهفهافة ، وها أنا أمشي على هذا الرصيف ، شجرة ولوعة ، يسكن صدرها الحب الأبيض واللهفة ، ولكنها بقدر ما تحبك تكرهك.
هذه أغصاني وفروعي الملتفة حولي ، صنعتها لنفسي بنفسي ، وقلبي يرتعش تحت الشمس العارية .
من ألوف الأعوام ، عرفت مدى أحزانك السرية ، ومدى توقك لاعتناقي، لكن عينيك المتوهجتين أطفأتهما آلاف النساء قبلي وما حبنا البائس إلا صورة احتجاج على زمن يلوي قمة الشجرة الصابرة ، المكابرة ، ويقضم بأسنانه الكريهة كلماتها ومواقفها ، ويكتم صوتها المخنوق في عالم مظلم حالك ، وينزع أغصانها ، أطفالها .
هاذي الشجرة ترقد على منضدة ، وهذا رجل بشري ، يفسر لها:
ــ السعر غير مرتفع ، يجب أن تتخلصي مما تحملينه هذا الأسبوع على الأكثر ، لا تنسي أنك شجرة أمها الوحيدة التعاسة ، وهذا زمن مفاجئ ،
وهنا في رحمك ، يكبر شيء ما ...
ــ عودي إلينا وسط الأسبوع ..
في ذلك الشتاء الحزين تضم أغصانها بزهو وشقاء بديع ..
وسارت إلى الرصيف ، وهي منكسة الرأس ، تحس بالذل ينخر صدرها، على قارعة الطريق صارت شجرة معبأة بالهوان والانتهاك ..
وفي ذلك اليوم الخاص من وسط الأسبوع ، كانت المشارط تعمل في رحم الشجرة بقوة الريح العاصفة وكان دمها ودم طفلها يسيل
كانت الشجرة تسبح في غيبوبتها الناتجة عن المخدر الذي وضعته تلك المرأة السمينة ، القاسية الملامح في ذراعها ، كانت تعرف أنها تنشطر بين ماض ومستقبل..
وكانت خارج الحاضر أيضا ..
وفتح الرجل الماهر ، الذي لا يبتسم ، أغصان الشجرة وربطها بقوة بعيدا بأشرطة بيضاء ..
وكانت هناك مشارط وسكاكين ، وكان سيوف وقنابل وزلازل وتحطيم وتدمير وتهشيم ، و انتزاع من الحياة إلى الموت .
وسمعت الشجرة قهقهة الموت وأصابها دوار عنيف يقترب من جدعها بكل طقطقة الحديد .
وفتحت عينيها أخيرا ، لترى نهاية القهقهة الكبيرة على فم الرجل الحجري الصلب ، الذي لا يرتاع لمنظر كتل اللحم الصغيرة والدم الممزق في طبق من الألومنيوم .
انتهى كل شيء أيتها الشجرة ، فعودي بهدوء إلى الرصيف المعهود وانتظري بجدع خال ، مقفر إلا من رياح همجية تجول وتصول فيه ولتحل بك لعنة هذا العالم العليل .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...