نشروا صورًا لجثة رجلٍ ملقاةٍ على الأرض ، وقالوا إنها له ، ارتجف قلبي وكاد أن يتوقف ، لا إنه ليس هو . إنها صورٌ مفبركة ، وتلك عادتُهم في صناعةِ الأكاذيب .
دققتُ في الصور ، إنها لرجلٍ بزي محارب ، وأنا أعرفُ أنه لا ينزلُ ميادينَ القتالِ ، ولا يحملُ السلاحَ ليشاركَ في العملياتِ ، فهو القائدُ الداهية الذي يعمل برأسِه لا يدِه ، ويعرف تمامًا كيف يفسدُ محاولاتِهم في الوصولِ إليه والنيلِ منه ، ويعرف كيف يفلتٌ من وسائلِهم الحديثةِ في التجسسِ والاختراق. لا إنه ليس هو .
أيضًا هو ورفاقًه لا يرتدون الملابس العسكرية في مُهماتِهم .
لا إنه ليس هو ، إنها صورٌ مفبركة .
يأكُلني الخوفُ ، فأعيدُ النظرَ ، إنها تبدو كملامِحه ، أسنانِه ، جمجمِته ، صدرِه المميز وجسمِه ، إنه مشجوجُ الرأسُ . الرأسُ المدبرُ لهزيمتِهم ، الرأس الذي طالما تمنّوا العثورَ عليه لقطعِه بعد أن فشِلوا في استغلالِه لصالحِهم أثناء أسره في سجونهم ، فعالجوه من مرضٍ قاتل ، وردوه إلى الحياة .
لا إنه ليس هو . لو كان هو لأسروه وما أفلتوا الفرصة .
أخذتني الذاكرة إلى عام 2011م ، حيث الصفوفُ الطويلةُ من الأسرى الذين أُفرج عنهم مقابلَ شاليطهم . وكان منهم ، يقف في شموخ الجبل ، يطل بملامحٍ شكلتها قسوةُ العيش في ظل وحشية الاحتلال وإجرامه ، ونظراتٍ مشحونةٍ بالعنادِ والتحدي والصمودِ والصلابة ، ظلت تتعاظمُ معه منذ أن عصفت بطفولته البريئة الدباباتُ والمدافع ، تطردهم من ديارهم وتستولي على أرضهم ، وتلقي بهم في مخيماتٍ ، لاجئين مشردين ، يعيشون ليلَ نهارَ في فقرٍ وتنكيلٍ وذلٍ وقتلٍ وإبادة . تعجبتُ حينها وأنا أتابع كلَ هذه الأعدادِ التي تعدت ألفَ أسير ، أكلُ هذا مقابلُ ضابط واحد ؟! ما هذا الصلفُ والغرورُ . فهل الواحدُ عندهم بألفٍ منا !
تُرى ، هل يكونُ هو ؟ لا ..إنه ليس هو .
في اليوم التالي نشروا صورةً لملثمٍ ، يجلسُ على مقعدٍ في بيتٍ مهدمٍ خرب . تقترب طائرتُهم منه ، تقتربُ وتقتربُ ، يقذفهم بعصا قبل أن يرجِعَ إلى ربه .
قالوا إنه هو .. يزداد خوفي أنه هو ويزداد يقيني أنه ليس هو ، إنها حكايةٌ مفبركة .
يا إلهي إنه هو ، تبدد خوفي وزال جزعي ، إنه هو ..كأنني لم أكن أعرفه من قبل . تواترت إلى ذهني كلُ صورِ المعجزاتِ ، وكلُ قصصِ الأنبياء . محمدُ في الغار ، ويوسفُ في الجُب ، وموسى في اليمِ . ووجدتُني أردد قولَه تعالى :
" وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ " .
أجل ، إنه هو ، ذهب وقد كتب على وجهِ العالمِ قبل الرحيل ، أن الرجلَ لدينا ليس بألفٍ ، بل بأمة .
ثناء محمود قاسم
أستاذ بكلية دار العلوم – جامعة الفيوم
دققتُ في الصور ، إنها لرجلٍ بزي محارب ، وأنا أعرفُ أنه لا ينزلُ ميادينَ القتالِ ، ولا يحملُ السلاحَ ليشاركَ في العملياتِ ، فهو القائدُ الداهية الذي يعمل برأسِه لا يدِه ، ويعرف تمامًا كيف يفسدُ محاولاتِهم في الوصولِ إليه والنيلِ منه ، ويعرف كيف يفلتٌ من وسائلِهم الحديثةِ في التجسسِ والاختراق. لا إنه ليس هو .
أيضًا هو ورفاقًه لا يرتدون الملابس العسكرية في مُهماتِهم .
لا إنه ليس هو ، إنها صورٌ مفبركة .
يأكُلني الخوفُ ، فأعيدُ النظرَ ، إنها تبدو كملامِحه ، أسنانِه ، جمجمِته ، صدرِه المميز وجسمِه ، إنه مشجوجُ الرأسُ . الرأسُ المدبرُ لهزيمتِهم ، الرأس الذي طالما تمنّوا العثورَ عليه لقطعِه بعد أن فشِلوا في استغلالِه لصالحِهم أثناء أسره في سجونهم ، فعالجوه من مرضٍ قاتل ، وردوه إلى الحياة .
لا إنه ليس هو . لو كان هو لأسروه وما أفلتوا الفرصة .
أخذتني الذاكرة إلى عام 2011م ، حيث الصفوفُ الطويلةُ من الأسرى الذين أُفرج عنهم مقابلَ شاليطهم . وكان منهم ، يقف في شموخ الجبل ، يطل بملامحٍ شكلتها قسوةُ العيش في ظل وحشية الاحتلال وإجرامه ، ونظراتٍ مشحونةٍ بالعنادِ والتحدي والصمودِ والصلابة ، ظلت تتعاظمُ معه منذ أن عصفت بطفولته البريئة الدباباتُ والمدافع ، تطردهم من ديارهم وتستولي على أرضهم ، وتلقي بهم في مخيماتٍ ، لاجئين مشردين ، يعيشون ليلَ نهارَ في فقرٍ وتنكيلٍ وذلٍ وقتلٍ وإبادة . تعجبتُ حينها وأنا أتابع كلَ هذه الأعدادِ التي تعدت ألفَ أسير ، أكلُ هذا مقابلُ ضابط واحد ؟! ما هذا الصلفُ والغرورُ . فهل الواحدُ عندهم بألفٍ منا !
تُرى ، هل يكونُ هو ؟ لا ..إنه ليس هو .
في اليوم التالي نشروا صورةً لملثمٍ ، يجلسُ على مقعدٍ في بيتٍ مهدمٍ خرب . تقترب طائرتُهم منه ، تقتربُ وتقتربُ ، يقذفهم بعصا قبل أن يرجِعَ إلى ربه .
قالوا إنه هو .. يزداد خوفي أنه هو ويزداد يقيني أنه ليس هو ، إنها حكايةٌ مفبركة .
يا إلهي إنه هو ، تبدد خوفي وزال جزعي ، إنه هو ..كأنني لم أكن أعرفه من قبل . تواترت إلى ذهني كلُ صورِ المعجزاتِ ، وكلُ قصصِ الأنبياء . محمدُ في الغار ، ويوسفُ في الجُب ، وموسى في اليمِ . ووجدتُني أردد قولَه تعالى :
" وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ " .
أجل ، إنه هو ، ذهب وقد كتب على وجهِ العالمِ قبل الرحيل ، أن الرجلَ لدينا ليس بألفٍ ، بل بأمة .
ثناء محمود قاسم
أستاذ بكلية دار العلوم – جامعة الفيوم