عبدالجبار الحمدي - أطراف أذيال ثوبي...

منذ ان كنت طفلة وأنا احب ان ارتدي فساتين طويلة، أتخيلني أميرة تمتاز بعنفوان البراءة حين اجري بين تلك المروج وانا احمل قطتي لارا، و الحقيقة هذا ما كان يميزني عن بقية صديقاتي اللاتي عادة ما كانن يقضين وقت فراغهن في حديقة منزلنا الكبير جدا... كبرت على تلك الحالة برغم أن هناك من يدعونني بالغرور، الى أن جاء يوم تخرجي من الثانوية العامة وكان لزاما ان ارتدي الزي الرسمي لحفل التخرج.. يوم جميل خاصة انه يمثل ما احب ان ارتديه رداء طويل ذو اكمام فضفاضة واسعة مع قبعة رباعية بكركوشة خضراء، وكنت اميل الى ان امازح صديقاتي على انه يشبه الطربوش العربي.. قرأت كثيرا عن ذلك فأنا من محبات التأريخ العربي لأنه يمتلك من الثقافة و العلم ما لم تحط به أي دولة على وجه الارض، بالذات تأريخ و حضارة العراق، مصر، الجزائر و المغرب غالبية الدول... كنت مستمتعة و أنا بين تلك المجموعة التي تحيطني وتحفني بالحب... لم اعتقد في يوما من الايام اني قد أزعلت ايا منهن فغالبيتهن يعاملنني بحب و ود بعيدا عمن اكون فالعلاقة الانسانية تُبني على الحب المتبادل والثقة هكذا تعلمت و هكذا قرأت، و رغم ما ارتدية من رداء تقليدي لحفل التخرج إلا أني كنت ألبس تحته فستانِ الابيض بل الناصع البياض المطرز بحاشية ذات لون وردي و اكمامه محاطة ببعض ورود صغيرة، انه كان هدية عمتي بمناسبة حفل التخرج... أختلسته من خزانتي كي أفاجئ الجميع فقد كان من المفترض ان ارتدية في المساء حين يقيم والداي و عائلتي الصغيرة احتفالا عائليا بتخرجي، لكني استبقت الحدث فأرتديته.. الجمع غفير والعوائل التي حضرت الحفل كثيرة، الفرح يرتسم على وجوه كل من كان حاضرا حتى الكادر التدريسي يشعر بالغبطة فنهاية العام وتعب اشهره اثمرت حفل تخرج كان متصدر عناوين الصحف من قبل الإعلان عنه لأن اغلب الطالبات والطلاب قد نالوا من خلال مشاريع التخرج براءات اختراع لمشاريعهم الصغيرة.. لم تكن لي علاقة بمعنى العلاقة لكني امتلك من الصديقات الحميمات العديد الى جانب واحد او اثنين من الاصدقاء الذين يشعروني بالدفئ من خلال العلاقة الانسانية التي تجمعنا...اغلب افراد عائلتي قد تواجدت حتى اخي الصغير توني صاحب العدسة الذهبية هكذا كنا نسمية فهوايته التصوير الفوتغرافي و نعتبره المدون والموثق احداث اغلب مجريات مناسباتنا مثل اعياد الميلاد التي نقيمها ونشهدها معه حتى الرحلات العائلية و الرحلات المدرسية كانت موثقة من خلال كاميرا وعدسة تصوير توني العزيز؟؟ الذي ما كان يناديني بأسمي ابدا بل كان يناديني بالاميرة كاتي اختصارا لكاترين.. الجمع غفير كما قلت الكل مستعد لأن يبدأ الحفل بشغف كبير، اصطف الكادر التدريسي فوق منصة أعدت مسبقا لمثل هكذا احتفال، كنا مجوعة من الفتيات نجلس على يمين المنصة و هناك مثلنا بقية الطلبة و الطالبات التي حفتهم سنة التخرج اما ذوي الخرجيين فهم في الجانب الأيسر.. على اية حال كنت مفعة بالحيوية والنشاط و انا ارى توني يجوب بين الحاضرين بعدسته و هو يوثق حدث التخرج بكاميرا الفديو التي كانت هدية عيد ميلاده الثالث عشر وفي رقبه الكاميرا الفتوغرافية... يا الله أجده مهتما بكل حذافير الحدث كأنه مصور بارع ماهر لم تخلو لقطة سواء بكاميرا الفيديو او العدسة الفتوغرافية من لقطة إلا و أنا فيها.. محال ان يكون هناك من هو اسعد مني في ذلك اليوم، ولدت من جديد وكل ما كان يشغلني هو ان ينتهي الحفل كي اخلع زي حفل التخرج واشاهد فضول الناس ونظراتهم وانا بثوبي الابيض المطرز باللون الوردي... كان الثوب الذي ارتديته قد ارسلته عمتي من فرنسا لحفل التخرج واحتفظت... أظنني ذكرت ذلك! على اي حال ما اعجبني كثيرا فيه هو تلك الزهور التي طرزت أذيال الفستان بشكل بديع و رائع خاصة اثناء الدوران في حالة الرقص كأنه ايقونة زمن تعيد تلقيم من يرتدي مثله لتصنع منه رمزا للحياة.. اخذت ادارة المحفل تنادي بإسماء الطلبة الخرجيين تباعا كنت افرك بيدي وانا اتابع وجوه ذوي الطلبة تشع بالنشوة و السعادة.. أما والدي كلما وقعت عيناي عليه يرسل لي قبلة في الهواء حتى اني ما رفعت عيني عنه للحظة اما والدتي فقد كانت منشغلة بمسح دموع عينيها وهي تضع المنديل على فمها.... شعرت اني امسك السعادة من قدميها اسحبها كي تكون الى جانبي... استوقفني الوقت وقد ابدى لومه من ان السعادة لا تتوقف عند احد بل هي مثل الايام و الساعات زائر يجري بلمح البصر او كما البرق لا يمكنك الامساك بوميض برقه، غير اني كنت لئيمة بعض الشيء خاصة اني اتطلع بين فينة واخرى الى ثوبي الابيض من تحت الرداء بعد أن اقسمت ما أن استلم شهادة التخرج حتى انفض عني رداء التخرج و اظهر للملأ بثوبي الابيض كي ابهرهم كما كانوا يعرفون عني لم يكن يعلم بما نويت سوى لوسي صديقتي الحميمة وقد علقت على ما نويت بأن اتروى و لا اكون محط انظار الحاسدين و الذين لا يكنون لي الود... لكني لم ابالي ... هاهو اسمي قد نادته السيدة المسئولة عن النشاطات المدرسية برجديت.. فقفزت كما طيور النوارس حيت صعدت المنصة بخفة و يدي تعمل على خلع رداء التخرج الذي رميت به بعيدا و انا اصرخ يا الله ما اجمل هذا اليوم شكرا لك سيدتي الكريمة وانا اتطلع الى كل الحاضرين وهم يرمونني بنظراتهم التي شعرت انها اخترقتني كالسهام الكثير منها كان غير مستساغ لفعلتي لكني كنت انظر الى والدي و والدتي اللذان وقفا وهما يصفقان بشدة لي وانا ارفع ورقة التخرج صائحة اقول مرحى للحياة ... اتمنى للجميع السعادة... فاشارت لي السيدة بريدجيت بإن انزل من على المنصة التي سارعت بالمثول لما امرت غير ان الحذاء الذي كنت ارتديت قد تعثر بأذيال ثوبي فسقط على وجهي بشكل افقدني الوعي... غبت عن العالم لفترة ليست بالقصيرة هذا ما اخبرنيه والدي وانا اتلقى العناية والرعاية الصحية التي تؤهل المعاقين فقد كانت السقطة شبه قاتلة بعد ان اصطدم رأسي بحافة احد المقاعد الامامية التي كانت قريبة من المنصة.

القاص والكاتب
عبد الجبار الحمدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...