المحامي علي ابوحبله
سؤال يطرح نفسه عن السبب في تحول الخضوع إلى قيمة ثقافة لعقود في البلاد العربية. فالحرص على طاعة “ولاة الأمر” باتت من المسائل التي تفرض نفسها بدقة متناهية، لا مجال للخطأ فيها، في الزمن الديكتاتوري . فتم تجذير ثقافة الخضوع ، وقد حظيت بأهمية بالغة تعميم وفرض انتشار ثقافة الاستسلام في الحفاظ على مصالح الطبقة الحاكمة. وقد تمكن خبراء السلطة من إيجاد مسوغات مختلفة لتبرير الخضوع الكامل للسلطة ورموزها. كما أنهم تفننوا في إبداع الوسائل القمينة بتعمية الشعوب واستلاب إرادتها، وقتل الحاجة الغريزية في كل إنسان لتوجيه النقد والتعبير عن السخط على الوضع الجيوسياسي الذي يعيش فيه المواطن العربي . كما أنهم اجتهدوا لبناء منظومة متكاملة من المفاهيم حاصرت شعلة الأمل في انبثاق فجر عربي جديد يكون قادته متحررين من عقدة الخوف والولاء الأعمى لأصحاب السلطة والاستظلال بحماية الاجنبي والسماح بنشر القواعد العسكريه للاجنبي
بثورة المواطنين العرب ضد الطغيان ومن يدور في فلكه، أصبح تحليل التكتيكات المتبعة في إخضاع الشعوب وتعطيل حسها النقدي ضروريا لاستخلاص العبر من هذه المرحلة الحزينة من تاريخ الشعوب العربية. فقراءة التاريخ ضرورية لفهم الحاضر واستلهام سبل جديدة للتعامل مع المستقبل، في زمن تتغير فيه الأفكار وتتداول فيه المعلومات بسرعة البرق، وفي زمن لم يعد فيه مكان لفكرة الخضوع نظرا للتحول الجذري لطبيعة العلاقات بين مكونات المجتمع والسلطة في العالم العربي الجديد وهنا لا بد من الصحوه العربيه للانتصار على فكرة الخضوع والاستسلام والهروله للتطبيع مع الكيان الاسرائيلي وفرض التقسيم العرقي والمذهبي في العديد من دول عالمنا العربي
الخضوع والطاعة من الأفكار الخبيثة التي تم غرسها في عقول الملايين من المواطنين العرب والتي يجب الحذر من مخلفاتها بعد تحرير الشعوب العربية لنفسها من نير الديكتاتورية. ونظرا لما ترتب عنها من ترسيخ للحكم الفردي وتأليه للأشخاص، وإسباغ لقيم البطولة عليهم، وتنزيههم عن الخطأ ، فإن فكرة الطاعة كانت مركزية في الكثير من مجالات الحياة اليومية للمواطن العربي. فطيلة عقود لم يعرف قطاع واسع من الرعايا العرب غير قول “نعم” لكل شيء، وفقا لقاعدة الخضوع والطاعة، والذين تجرؤوا وتفوهوا ب”لا”، حتى في أحلامهم، فإنهم غالبا ما انتهوا في السجون والمنافي في أحسن الأحوال، مما شكل عبرة ورادعا للآخرين. ولنا أن نتصور الآثار الجانبية المدمرة على المدى البعيد لهذه العادة على تفكير ومشاعر الكثير من الأطفال والمراهقين بل وحتى البالغين من الأميين، غير المؤطرين سياسيا، من خلال التعرض لسيول الدعاية اليومية التي وظفها النظام البوليسي للقضاء على كل أشكال المعارضة التي كان من الممكن أن تسائل وتخلخل مسلماته.
لقد اشتغل النظام العربي على جبهات عدة لوأد الفكر النقدي الحر وكسب الطاعة المطلقة للشعوب مما أدى، مع مرور الوقت، إلى نسيان الأنظمة لحقائق بديهية في التاريخ الإنساني وحركية الشعوب التي عودتنا دائما أن تثور على الطغيان. فيأس الشعوب مثل النار المتقدة تحت أكوام التبن. فالناظر يسره منظر التبن المكوم ولكنه لا يعرف أنه يحمل في داخله عوامل احتراقه من الداخل. لقد سر النظام العربي لسنوات كثيرة بفرض نظام الطاعة المطلقة دون أن يفكر في عواقبها الوخيمة عليه وعلى وجوده، ونسي أن نيران الوعي قد تشتعل فيه في أي لحظة.
فالنظام السياسي العربي، على اختلاف مشاربه وتوجهاته الفكرية، تبنى استراتيجيات سعت إلى مأسسة ثقافة الطاعة والخضوع عن طريق:
• استعمال المناهج التربوية، في مختلف مراحل التعليم، لتدريس مواد ومحتويات لا تحرض على التساؤل والتفكير الحر. فالتساؤل يؤدي إلى تحفيز الفكر النقدي الذي يشكل في نظر الكثير من المشتغلين في حقل التربية الهدف الأسمى لكل نظام تعليمي. الديكتاتورية استطاعت تحويل المدارس إلى مصانع لتفريخ الأفراد المطيعين/الطيعين، ونجحت في إفراغ المقررات الدراسية من النصوص المحرضة على التفكير والمستفزة للخيال، واكتفت بتدريس النصوص والكتب التي لا تعارض النظرة الرسمية للأمور، والأدبيات الحاملة للفكر الغيبي والقدري والتي تجرد الإنسان من الإرادة والقدرة على الفعل مما كون شعوبا جامدة لم تستطع أن تبادر لتحرير نفسها رغم معاناتها الويلات لسنوات طويلة. كما أن بعض البلاد العربية ألغت تدريس الفلسفة وشجعت في المقابل تدريس الدراسات التي تبعد المواطن عن ملامسة قضاياه وضرورة توحيد الصف العربي في محاوله لاضعاف الفكر القومي، والنتيجة كانت جحافل من الأتباع المطيعين للشيوخ والمشعوذين المتاجرين باسم الدين، وبطبيعة تجهيل للمجتمعات ومصادرة لحقه في النقد وإبداء الرأي.
• تزوير التاريخ، وتقديم معلومات مغلوطة، وخلق أنساب وبطولات غير موجودة. فتاريخ الشعوب العربية مزور القسم الكبير منه، وما ينقل منه إلى الطلاب في المدارس تشوبه الكثير من العيوب لأنه يخدم هدفا واحدا ألا وهو تقديم الأمور من وجهة نظر الماسكين بالسلطة مما يحرم الطالب من القدرة على المحاججة والاستدلال والنقد لأن التاريخ يدرس تفكيك الأحداث ومساءلة القرائن واستنطاق الوثائق وإعادة قراءتها. كما أن طريقة التلقين (لا نقول التدريس) نموذج مصغر لعلاقات السلطة الموجودة في المجتمع بين أستاذ (مركز للمعرفة) لا يجوز إغضابه وبين طالب (محتاج لهذه المعرفة) يقر بضعفه وبحاجته الماسة للأستاذ للأخذ بيده (صور عبد الله حمودي العلاقة في كتاب بعنوان “الشيخ والمريد”). ومقابل مساعدة الأستاذ يتخلى الطالب عن الكثير من حقوقه في سبيل إرضاء أستاذه والظفر برضاه. فهذه العلاقة الغير المتكافئة هي تجسيد لعلاقة المستبد بشعبه. فالشعب مدعو أن يفعل كل شيء للظفر برضا الزعيم، وعندما يتسابق الناس للظفر بالرضي فإن العلاقة تصبح مختلة لأن معيار القرب أو البعد من مركز السلطة يرتبط بالرضي وليس بالكفاءة. النتيجة بطبيعة الحال هي انتشار ثقافة الخنوع والانبطاح لكل المقربين من السلطة رغبة في الحصول على غنيمة أو الاستفادة من مساعدة في مجتمعات يتسابق فيها الكل على طاعة السلطة ورموزها.
• تجنيد الإعلام للحديث عن الحاكم ومنجزاته. فاقتران بقاء الحاكم بالأمن الجسدي والروحي والاقتصادي، وبكل أشكال الرفاهية والرخاء، سواء التي يتمتع بها المجتمع أو التي يمكن أن يتمتع بها في المستقبل، دليل على أن كل شيء يتم ببركة الحاكم الذي يجب أن يحصل مقابل هذه المنجزات على الاحترام المطلق والتمجيد الأبدي من قبل الشعب. فيتحول الشعب من مصدر للشرعية، يمنحها لمن يشاء، إلى باحث عن شرعية يمنحها له السلطان إذا تيقن من صفاء خضوعه. يصبح المنطق معكوسا لأن الشعب هو الذي يحتاج إلى الحاكم، وليس العكس كما في سائر البلاد الديمقراطية. الإعلام العربي شارك ومازال يشارك، خاصة في شقه الخليجي المتخم بالتمويل القادم من البترودولار، لسنين طويلة في تجريع المواطنين العرب جرعات كبيرة من الدعاية أفقدتهم التمييز بين الحق والباطل، وكانت نتيجتها في نهاية المطاف نوعا من التعمية الفكرية
مما يتطلب تغيير المشهد الإعلامي العربي ليسمح بظهور وسائل إعلام تتعامل مع الإعلام كسلعة أساسية تحترم حق المواطنين في الإخبار والإطلاع ولا تكون أدوات للدعاية والاحتيال على ذكاء المواطنين في مجتمعات مازالت فيها نسبة الأمية الوظيفية مرتفعة.
• توظيف الدين الإسلامي لتركيع الشعوب باسم طاعة ولي الأمر. لقد استطاع فقهاء وخبراء السلطة أن يجدوا مسوغات دينية لتبرير الخضوع الكامل للحاكم، ولو كان مستبدا، على اعتبار أن القرآن الكريم يأمر بطاعة الله والرسول وأولي الأمر. فاقتران الله والرسول وأولي وبترتيب معين في القرآن الكريم كرس أحقية الحاكم بالطاعة. فالدين ورقة رابحة تم توظيفها بشكل مخالف لمفهوم الدين وولي الامر .
بطبيعة الحال هناك الكثير من الوسائل الأخرى التي تم توظيفها لترسيخ ثقافة الخضوع، بدءا بانتشار الرشوة واستشراء الفساد وانتهاء بخلق طبقات من المنتفعين الذين شكلوا منطقة عازلة بين أهل السلطة القليلين وبين أغلبية الشعب المطلوب إخضاعه بشتى الوسائل الناعمة (الإغراء) والخشنة (وسائل الإكراه: القوة والتعذيب والاختطاف).
هذه الاستراتيجيات أنتجت ثقافة كانت مزيجا من الخوف والاستسلام تحولت مع مرور الوقت إلى ثقافة متجذرة للخضوع.
لقد صار لزاما إعادة صياغة المناهج الدراسية وتطهيرها من كل ما لا يشجع الطلاب على الفكر النقدي، كما أصبح من اللازم إعادة كتابة التاريخ الوطني والشعبي للبلاد العربية واقتلاع كل الأكاذيب التي استطاعت أن تتسرب إليه عن قصد وتحولت إلى حقائق في أذهان الكثيرين. كما أن العلاقة بين أركان الحكم يجب أن يحكمها منطق الانتخابات لأن هذه الأخيرة هي الوحيدة في نظرنا التي تمنح للمواطنين السلطة الفعلية على الحاكمين. فالقدرة على سحب التفويض الشعبي من المنتخب هي الجواب الأمثل للقضاء على ثقافة الخضوع.
ان مرحلة الخضوع، على كافة الأصعدة داخليا وخارجيا، يجب ان تنتهي وبات مطلوب من المواطن التحرر من القيود التي تقيده حتى ننتصر لوحدتنا وقضايانا العربيه
سؤال يطرح نفسه عن السبب في تحول الخضوع إلى قيمة ثقافة لعقود في البلاد العربية. فالحرص على طاعة “ولاة الأمر” باتت من المسائل التي تفرض نفسها بدقة متناهية، لا مجال للخطأ فيها، في الزمن الديكتاتوري . فتم تجذير ثقافة الخضوع ، وقد حظيت بأهمية بالغة تعميم وفرض انتشار ثقافة الاستسلام في الحفاظ على مصالح الطبقة الحاكمة. وقد تمكن خبراء السلطة من إيجاد مسوغات مختلفة لتبرير الخضوع الكامل للسلطة ورموزها. كما أنهم تفننوا في إبداع الوسائل القمينة بتعمية الشعوب واستلاب إرادتها، وقتل الحاجة الغريزية في كل إنسان لتوجيه النقد والتعبير عن السخط على الوضع الجيوسياسي الذي يعيش فيه المواطن العربي . كما أنهم اجتهدوا لبناء منظومة متكاملة من المفاهيم حاصرت شعلة الأمل في انبثاق فجر عربي جديد يكون قادته متحررين من عقدة الخوف والولاء الأعمى لأصحاب السلطة والاستظلال بحماية الاجنبي والسماح بنشر القواعد العسكريه للاجنبي
بثورة المواطنين العرب ضد الطغيان ومن يدور في فلكه، أصبح تحليل التكتيكات المتبعة في إخضاع الشعوب وتعطيل حسها النقدي ضروريا لاستخلاص العبر من هذه المرحلة الحزينة من تاريخ الشعوب العربية. فقراءة التاريخ ضرورية لفهم الحاضر واستلهام سبل جديدة للتعامل مع المستقبل، في زمن تتغير فيه الأفكار وتتداول فيه المعلومات بسرعة البرق، وفي زمن لم يعد فيه مكان لفكرة الخضوع نظرا للتحول الجذري لطبيعة العلاقات بين مكونات المجتمع والسلطة في العالم العربي الجديد وهنا لا بد من الصحوه العربيه للانتصار على فكرة الخضوع والاستسلام والهروله للتطبيع مع الكيان الاسرائيلي وفرض التقسيم العرقي والمذهبي في العديد من دول عالمنا العربي
الخضوع والطاعة من الأفكار الخبيثة التي تم غرسها في عقول الملايين من المواطنين العرب والتي يجب الحذر من مخلفاتها بعد تحرير الشعوب العربية لنفسها من نير الديكتاتورية. ونظرا لما ترتب عنها من ترسيخ للحكم الفردي وتأليه للأشخاص، وإسباغ لقيم البطولة عليهم، وتنزيههم عن الخطأ ، فإن فكرة الطاعة كانت مركزية في الكثير من مجالات الحياة اليومية للمواطن العربي. فطيلة عقود لم يعرف قطاع واسع من الرعايا العرب غير قول “نعم” لكل شيء، وفقا لقاعدة الخضوع والطاعة، والذين تجرؤوا وتفوهوا ب”لا”، حتى في أحلامهم، فإنهم غالبا ما انتهوا في السجون والمنافي في أحسن الأحوال، مما شكل عبرة ورادعا للآخرين. ولنا أن نتصور الآثار الجانبية المدمرة على المدى البعيد لهذه العادة على تفكير ومشاعر الكثير من الأطفال والمراهقين بل وحتى البالغين من الأميين، غير المؤطرين سياسيا، من خلال التعرض لسيول الدعاية اليومية التي وظفها النظام البوليسي للقضاء على كل أشكال المعارضة التي كان من الممكن أن تسائل وتخلخل مسلماته.
لقد اشتغل النظام العربي على جبهات عدة لوأد الفكر النقدي الحر وكسب الطاعة المطلقة للشعوب مما أدى، مع مرور الوقت، إلى نسيان الأنظمة لحقائق بديهية في التاريخ الإنساني وحركية الشعوب التي عودتنا دائما أن تثور على الطغيان. فيأس الشعوب مثل النار المتقدة تحت أكوام التبن. فالناظر يسره منظر التبن المكوم ولكنه لا يعرف أنه يحمل في داخله عوامل احتراقه من الداخل. لقد سر النظام العربي لسنوات كثيرة بفرض نظام الطاعة المطلقة دون أن يفكر في عواقبها الوخيمة عليه وعلى وجوده، ونسي أن نيران الوعي قد تشتعل فيه في أي لحظة.
فالنظام السياسي العربي، على اختلاف مشاربه وتوجهاته الفكرية، تبنى استراتيجيات سعت إلى مأسسة ثقافة الطاعة والخضوع عن طريق:
• استعمال المناهج التربوية، في مختلف مراحل التعليم، لتدريس مواد ومحتويات لا تحرض على التساؤل والتفكير الحر. فالتساؤل يؤدي إلى تحفيز الفكر النقدي الذي يشكل في نظر الكثير من المشتغلين في حقل التربية الهدف الأسمى لكل نظام تعليمي. الديكتاتورية استطاعت تحويل المدارس إلى مصانع لتفريخ الأفراد المطيعين/الطيعين، ونجحت في إفراغ المقررات الدراسية من النصوص المحرضة على التفكير والمستفزة للخيال، واكتفت بتدريس النصوص والكتب التي لا تعارض النظرة الرسمية للأمور، والأدبيات الحاملة للفكر الغيبي والقدري والتي تجرد الإنسان من الإرادة والقدرة على الفعل مما كون شعوبا جامدة لم تستطع أن تبادر لتحرير نفسها رغم معاناتها الويلات لسنوات طويلة. كما أن بعض البلاد العربية ألغت تدريس الفلسفة وشجعت في المقابل تدريس الدراسات التي تبعد المواطن عن ملامسة قضاياه وضرورة توحيد الصف العربي في محاوله لاضعاف الفكر القومي، والنتيجة كانت جحافل من الأتباع المطيعين للشيوخ والمشعوذين المتاجرين باسم الدين، وبطبيعة تجهيل للمجتمعات ومصادرة لحقه في النقد وإبداء الرأي.
• تزوير التاريخ، وتقديم معلومات مغلوطة، وخلق أنساب وبطولات غير موجودة. فتاريخ الشعوب العربية مزور القسم الكبير منه، وما ينقل منه إلى الطلاب في المدارس تشوبه الكثير من العيوب لأنه يخدم هدفا واحدا ألا وهو تقديم الأمور من وجهة نظر الماسكين بالسلطة مما يحرم الطالب من القدرة على المحاججة والاستدلال والنقد لأن التاريخ يدرس تفكيك الأحداث ومساءلة القرائن واستنطاق الوثائق وإعادة قراءتها. كما أن طريقة التلقين (لا نقول التدريس) نموذج مصغر لعلاقات السلطة الموجودة في المجتمع بين أستاذ (مركز للمعرفة) لا يجوز إغضابه وبين طالب (محتاج لهذه المعرفة) يقر بضعفه وبحاجته الماسة للأستاذ للأخذ بيده (صور عبد الله حمودي العلاقة في كتاب بعنوان “الشيخ والمريد”). ومقابل مساعدة الأستاذ يتخلى الطالب عن الكثير من حقوقه في سبيل إرضاء أستاذه والظفر برضاه. فهذه العلاقة الغير المتكافئة هي تجسيد لعلاقة المستبد بشعبه. فالشعب مدعو أن يفعل كل شيء للظفر برضا الزعيم، وعندما يتسابق الناس للظفر بالرضي فإن العلاقة تصبح مختلة لأن معيار القرب أو البعد من مركز السلطة يرتبط بالرضي وليس بالكفاءة. النتيجة بطبيعة الحال هي انتشار ثقافة الخنوع والانبطاح لكل المقربين من السلطة رغبة في الحصول على غنيمة أو الاستفادة من مساعدة في مجتمعات يتسابق فيها الكل على طاعة السلطة ورموزها.
• تجنيد الإعلام للحديث عن الحاكم ومنجزاته. فاقتران بقاء الحاكم بالأمن الجسدي والروحي والاقتصادي، وبكل أشكال الرفاهية والرخاء، سواء التي يتمتع بها المجتمع أو التي يمكن أن يتمتع بها في المستقبل، دليل على أن كل شيء يتم ببركة الحاكم الذي يجب أن يحصل مقابل هذه المنجزات على الاحترام المطلق والتمجيد الأبدي من قبل الشعب. فيتحول الشعب من مصدر للشرعية، يمنحها لمن يشاء، إلى باحث عن شرعية يمنحها له السلطان إذا تيقن من صفاء خضوعه. يصبح المنطق معكوسا لأن الشعب هو الذي يحتاج إلى الحاكم، وليس العكس كما في سائر البلاد الديمقراطية. الإعلام العربي شارك ومازال يشارك، خاصة في شقه الخليجي المتخم بالتمويل القادم من البترودولار، لسنين طويلة في تجريع المواطنين العرب جرعات كبيرة من الدعاية أفقدتهم التمييز بين الحق والباطل، وكانت نتيجتها في نهاية المطاف نوعا من التعمية الفكرية
مما يتطلب تغيير المشهد الإعلامي العربي ليسمح بظهور وسائل إعلام تتعامل مع الإعلام كسلعة أساسية تحترم حق المواطنين في الإخبار والإطلاع ولا تكون أدوات للدعاية والاحتيال على ذكاء المواطنين في مجتمعات مازالت فيها نسبة الأمية الوظيفية مرتفعة.
• توظيف الدين الإسلامي لتركيع الشعوب باسم طاعة ولي الأمر. لقد استطاع فقهاء وخبراء السلطة أن يجدوا مسوغات دينية لتبرير الخضوع الكامل للحاكم، ولو كان مستبدا، على اعتبار أن القرآن الكريم يأمر بطاعة الله والرسول وأولي الأمر. فاقتران الله والرسول وأولي وبترتيب معين في القرآن الكريم كرس أحقية الحاكم بالطاعة. فالدين ورقة رابحة تم توظيفها بشكل مخالف لمفهوم الدين وولي الامر .
بطبيعة الحال هناك الكثير من الوسائل الأخرى التي تم توظيفها لترسيخ ثقافة الخضوع، بدءا بانتشار الرشوة واستشراء الفساد وانتهاء بخلق طبقات من المنتفعين الذين شكلوا منطقة عازلة بين أهل السلطة القليلين وبين أغلبية الشعب المطلوب إخضاعه بشتى الوسائل الناعمة (الإغراء) والخشنة (وسائل الإكراه: القوة والتعذيب والاختطاف).
هذه الاستراتيجيات أنتجت ثقافة كانت مزيجا من الخوف والاستسلام تحولت مع مرور الوقت إلى ثقافة متجذرة للخضوع.
لقد صار لزاما إعادة صياغة المناهج الدراسية وتطهيرها من كل ما لا يشجع الطلاب على الفكر النقدي، كما أصبح من اللازم إعادة كتابة التاريخ الوطني والشعبي للبلاد العربية واقتلاع كل الأكاذيب التي استطاعت أن تتسرب إليه عن قصد وتحولت إلى حقائق في أذهان الكثيرين. كما أن العلاقة بين أركان الحكم يجب أن يحكمها منطق الانتخابات لأن هذه الأخيرة هي الوحيدة في نظرنا التي تمنح للمواطنين السلطة الفعلية على الحاكمين. فالقدرة على سحب التفويض الشعبي من المنتخب هي الجواب الأمثل للقضاء على ثقافة الخضوع.
ان مرحلة الخضوع، على كافة الأصعدة داخليا وخارجيا، يجب ان تنتهي وبات مطلوب من المواطن التحرر من القيود التي تقيده حتى ننتصر لوحدتنا وقضايانا العربيه