سامح الشيخ - حنين

حنين / قصة قصيرة
سامح الشيخ

وقف عديل في اعلى الربوة المقابلة للغابة التي يقع فيها معسكر اللاجئين باحد دول الجنوب الاوربي، التي لجأ اليها محاولا تحسين وضعه الاقتصادي ، وقف بتلك الربوة واخذ يدخن في سيجارته المصنوعة من اردأ انواع التباك رخيص الثمن والذي ظل عديل يشبهه بنشارة الخشب ، لكنه مازال يدخنه لانه ليس لديه رغبة في الاقلاع عن التدخين.
ياتي عديل الى هذه الربوة كلما استبد به الحنين الذي بدا يختلف في معناه لديه فقد كان يعتقد ان الحنين للوطن لكنه وصل الى ان الوطن ليس تلك البقعة من الارض التي نسكنها لكنه تلك الذكريات والاعزاء الذين يعيشون بالوطن ويسكنون الان دواخلنا هم الوطن الذي يسكننا ولا نسكنه ، كان عديل في بداية مجيئه الي هذا المعسكر قبل عشرة سنين عندما يقف على هذه الربوة التي تحيط بها خضرة دائمة اشتهرت بها اوربا ، وتوجد حولها ايضا انواع متعددة من الاشجار ذات الاوراق الابريه او ذات الاوراق العريضة .التي تعطي المكان رونق فيصير كلوحة للطبيعة الصامتة رسمها الرسام السوداني محمد مركز ، فقد كان عديل مغرما بالفنون التشكيلية والتلوين ، وكان يتصيد ويتابع اخبار المعارض .لانه يهوى الرسم والتلوين ، الا انه لم يطور موهبته تلك فاصبح عاشقا وزائرا لمعارض الفنون الجميلة ،فهو يمتلك ،ذائقة فنية رفيعة وحس نقدي رفيع يدخل بعض الرسامين في حرج احيانا حين نقاشه او استفهامه عن احد اللوحات.
كان مغرما بلوحات الطبيعة الصامتة لذلك كلما يقف على هذه الربوة كان يستدعي لوحات الفنان محمد مركز وياخذه الحنين اليها ، كان اكثر ما يميز تلك لوحات الفنان محمد مركز والتي كانت تستدعي حنينا للامكنة وعبقها عند عديل هي مكان عرضها ،فقد كانت هذه اللوحات العبقرية تزين الاكشاك التي تبيع العصائر في العاصمة الخرطوم ، رسمت وصورت لوحات الطبيعة الصامتة بدقة جمالية متناهية تضج بالحياة لجمال الريف السوداني،لذلك صار عديل حين يستدعي خياله في تذكر تلك اللوحات المعلقة في اكشاك الليمون وبعض المطاعم وقليل من الحافلات والبصات واللواري يبدا خيال عديل الخصب بالعمل كأنه يسمع النداء فيلبي الاستدعاء فيأتيه على جناح ملك قبل ان يرتد اليه طرفه حاملا بين طياته نوستالوجيا الايام الخوالي فتبدا لوحات رسامنا الاسطوري صاحب لوحات الطبيعة الصامتة الشهير محمد مركز ، تدب فيها الحياة وتتحرك اللواري ضاربة منباهاتها بنغماتها المحببة تلك التي تشابه في بعضها اغاني البنات فتتراقص الشجيرات والبط والاوز المرسومة على صفحة ماء النيل في اللوحة ويبدا البنطون في الاهتزاز بسبب رقص ركابه على نغمة الحنين التي انطلقت بصخب رصاص كلاشنكوف في احد بيوت الافراح بالبادية تكاد النغمة ان تنطق من شدة اتقان سائق اللوري للعزف على الة التنبيه الموجودة على عجلة القيادة يا بهية وشباب الزمن حنية وعرس مافي ، يبدا جسد عديل نفسه في الاهتزاز طربا ،لكن يقطع هذا الحنين الطروب صوت صديقة عديل الالبانية التي كانت متعودة على لحظات سرحانه تلك ،دون ان تعلم سببها فتصيح منادية له بلغتها الانجليزية التي لا تخلو من ركاكة بان وقت الغداء قد حان وانهم يجب عليهم الذهاب الى مطعم المعسكر لتناوله، يلتفت اليها عديل وهو مبتسم ويردد لها مغنيا مقطعا لا تفهم معناه متين العودة تاني حبيبتك ابعودها سفروها البراري ، وينطلق مع صديقته ضاحاكا في غير مبالاة مرددا هذا المقطع بصوت عالي في تلك البراري الاوروبية التي يعيش فيها.


سامح الشيخ


سامح الشيخ

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...