ماجد سليمان - طفولةٌ منسوجةٌ بنبوءة الجد..

وَلَدته أُمُّه في ساعة متأخِّرة من الليل، فالتقطته جدته لأبيه وأودعته في لُفافةٍ قطنيّة بيضاء، وَهَمَست للأم المنهكة من ولادته:
- الطفل لا يبكي!!..
- ! ! ! ! ! !..
- لا تقلقي سأهتم به.

دَلَفَت به مخدعاً صغيراً وشَرَعت بتجهيز مرقدٍ له، وعندما بَلَغ من العمر أربعاً جميلات، وفي باحة صغيرة من منزل جده لأمه بمنطقة قرويَّة دفعته أمه إلى جده وهو تقول:
- هذا ابني يا أبي.

يُدرجُ الجدُّ كفّيه الكبيرتين تحت إبطي الطفل، ويرفعه مخاطباً الأم:
- كَبُرَ بسرعة !!..

قَبَّله ثم أنزله أرضاً، ومسح رأسه ذا الشعر الأشقر الناعم القصير مُنادياً:
- منيرة.
- أمرك يا أبي.

ينظر إلى الطفل ويقول:
- أظنُّ أن طفلك هذا سيُكرِّرُ جَدَّه لأمه..

جَمَعَت الأم كفّيها مُتعجِّبة:
- أبي أنت تمزح.

انصرف من أمامه لتضع يدها خلف رقبة الطفل وتدخل به وهي تُكلِّم نفسها:
- أهذا ما تنبَّأت به يا أبي؟!!.

كان سكان القرية مؤمنين بنبوءات الجد التي لم تُخطئ نبالها يوماً، حيث تنبَّأ بوفاة حفيدته من الأم نفسها، وبعد أشهر منتوفة من تلك اسنة وجدوها بعينين بيضاوين وقد انطفأت روحها.
وعندما عَلِمَت الأم بالخبر، هال مَن حولها منظرها وهي تدعك خدّها الطويل على حائط المنزل، وتسخط بإيمانٍ ضعيف .. لم يُجد لفيف جاراتها البتة، بيد أنهنّ كُنّ أقلَّ إيماناً منها.

***

وانصهر عقدان من الزمن لتنبلج نبوءة الجد في الحفيد، فسحقته امرأة تصغره بسنواتٍ أربع هزيلات، وصيّرته عاشقاً لا يعي ما يهذي طوال يومه وليلته .. وجدوا الأم بعدها تبكي على ظهر يد الجد وهو مغمض العينين:
- والآن يا أبي التسعينيّ .. ألا تستطيع بنظرك القصير هذا أن تُعيد التأمُّل بابني، وتتنبَّأ بما سأرى فيه بقيّة عمره .. هذا إن طال بي العمر؟..

رَفَعَ جفنيه الرماديين الأشيبين مُجيباً:
- تقول النبوءة أن أخته تقف على رؤوس الموتى، ترقُبُ وصوله إليها محمولاً على نعشٍ مشطور.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...