عُرف فضاء الحمّام منذ القدم، واختلف الباحثون في نسبته إلى حضارة معيّنة، فالبعض ينسبه إلى الحضارة الفرعونية، والبعض الآخر إلى الحضارة الإغريقية، ولكنّه ظل إرثاً تتوارثه الحضارات بعد الحضارتين الإغريقية والرومانية إلى أن أصبح ذا طابع خاص في الحضارة الإسلامية التي حافظت على مكوّناته المعمارية الأساسية وأضافت إليه من روحها ليصبح تقليداً إسلامياً أصيلاً بعد اندثاره في الحضارت الأخرى.
وحتى نهاية القرن التاسع عشر ظلّت الحمّامات من سمات العمارة الإسلامية البارزة في أغلب مدن العالم العربي الإسلامي.
وكان الاستحمام من الممارسات اليومية والضرورية للإنسان في كلّ زمن إلى أن لبّى حاجته ببناء هذه الحمّامات التي تستجيب لوظائف عديدة من النظافة والترفيه إلى الطهارة وما تقتضيه طقوس التعبّد وإقامة الشعائر، ولا سيّما إقامة الصلاة لدى المجتمعات الإسلامية.
الحمّام الروماني
ارتبط وجود الحمام بالحضارات القديمة قبل ظهور الإسلام ويرجّح الباحثون أن أول حمّام شهدته المجتمعات الإنسانية كان في الحضارة الفرعونية وبحر إيجه. "وحدّدوا له تاريخاً يراوح بين 3000 و1200 عام قبل الميلاد"، كما ورد في "الموسوعة العربية الميسّرة" التي أشرف على إعدادها محمد شفيق غربال. وقد وُجدت حمّامات ملحقة بالمعابد الفرعونية مخصصة للكهنة وهي للطهارة والتعبّد بالأساس.
ولم ينقرض الحمّام بانقراض الحضارة التي ظهر فيها أوّل مرّة بل ظلّ متوارثاً في كلّ عصر وإن تغيّر في عمارته أو وظائفه. وعمارة الحمّام لها نمط خاص لم يفقد ترسيمة معالمه رغم التطوّر الذي لحق العمارة بشكل عام.
وتشير أكثر المصادر إلى أن إنشاء الحمامات أو ازدهارها يعود إلى العصر الإغريقي الذي احتوت حمّاماته على مرافق رياضية وثقافية ممّا أضفى عليها طابع الترف والرّفاهية. ومن التقاليد اليونانية دعوة الضيف إلى الحمّام للتعبير عن الاحتفاء به وإكرامه.
وقد وُجدت الحمّامات أساساً للاسترخاء بعد عناء الألعاب الرياضية التي ولع بها اليونان آنذاك كالجري والمصارعة وغيرهما، حسب ما تبيّنه النقوش والفسيفساء الإغريقية.
كما اعتنى الإغريق بالحمّامات وقسّموها إلى أقسام عدّة مزوّدة بالماء الساخن وأخرى مزودة بأحواض الغطس. وضمّ الحمّام الإغريقي غرفاً كثيرة بها ممرّات تؤدي إلى قاعات المجالسة والمخاطبة كانت تُستعمل في استضافة الشعراء والفلاسفة الذين وجدوا في الحمّام فرصة لترويج منتوجهم الفكري وأيضاً للنقاش مع مثقفي عصرهم.
آثار
وورث الرومان عن أسلافهم الإغريق الحمّامات في القرن الثاني قبل الميلاد وعملوا على تطويرها وتحسينها مستخدمين الرخام النادر والفسيفساء والذهب.
وينقسم الحمّام الروماني ثلاثة أقسام:
1ـ القسم الحار (كالداريوم Caldarium)
هو قاعة يتم فيها الاغتسال وهي على درجة حرارة مرتفعة، وتكون جيّدة الإضاءة ويقصدها المستحمون لدهن أجسادهم وغسلها بعد التدليك. وكانت تحتوي على نافورة تمدّ المستحمين بالماء الساخن وتحتوي أيضاً على حوض للسباحة.
2ـ القسم الفاتر (تيبيداريومTepidarium)
وهو فضاء للانتقال من القسم الحار إلى القسم الأقل حرارة ويستعدّ فيها المستحمون للانتقال إلى القاعة الباردة.
3ـ القسم البارد (فريجيداريوم Frigidarium)
وهي قاعة بها أحواض سباحة باردة ويُعتبر الدخول إليها آخر مرحلة يمر بها المستحم فيستعيد فيها انتعاشه بعد المرور بالقاعات الساخنة.
وتوزّعت داخل الحمّام الروماني وحدات أخرى لخلع الملابس يُطلق عليها اسم "الابوديتريوم Apodyteruim"، ويقوم بحراسة الملابس أحد "العبيد".
ومن أشهر الحمّامات الرومانية حمّامات الأباطرة مثل نيرون ودقلديانوس، إضافة إلى أن العصر الروماني شهد تأسيس 12 حماماً ما بين السنة العاشرة قبل الميلاد وسنة 324م، لم يتبق منهما إلا حمامان بفضل المتابعة والترميم، وهما حمّام الإمبراطور كراكلا (188 – 219 ق.م.) وحمّام دقليشيان ويُعتبران من أضخم الحمامات في العالم.
وقد حقّق الحمّام الروماني معنى المقولة المعروفة والشائعة "العقل السليم في الجسم السليم"، فقد أمنّ النظافة والترويح عن النفس لمرتاديه وضمن لهم قضاء وقت ممتع وأيضاً ممارسة رياضتهم المفضلة من عدو ومصارعة ورمي الرمح وهي الألعاب الشائعة في ذلك العصر قبل الذهاب إلى الحمّام للاغتسال في برك وأحواض فخمة ليكون بعدها الاسترخاء من تعب التمارين وممارسة التدليك بمساحيق خاصة.
الحمّام الإسلامي
حافظت مؤسسة الحمّام على وجودها وخصوصيتها بعد الإسلام لوظيفتها الاجتماعية والدينية، "الطهارة"، ولم يُذكر في المصادر التاريخية وجود حمّامات في شبه الجزيرة العربية، فقد عرف المسلمون مؤسسة الحمّام بعد فتح بلاد الروم.
وقد حظي الحمّام بأهمية كبيرة في العمارة الإسلامية، إذ "كان يحتل المرتبة الثانية بعد المسجد الجامع في تراتبية المؤسسات، حيث أضحى مكملاً ضرورياً للمسجد، بدليل أنّ موقع بنائه كان قريباً من المسجد"، كما ذكر علي الصولي في كتابه "قراءات في الفكر المعماري والعمراني العربي الإسلامي".
وقد شيّد عمرو بن العاص أوّل الحمامات الإسلامية بالفسطاط في مصر. وقد "بلغ عدد الحمامات في عهد المأمون 65 ألفاً كانت مشتملة على مدن وأمصار متلاصقة ومتقاربة تُجاوز الأربعين"، بحسب ما أخبرنا به ابن خلدون في مقدمته الشهيرة.
ومثّلت الحمّامات نمط عمارة فاخراً وفخماً يشدّ الأنظار ويخلب الألباب. فقد كان "لهذه المرافق واجهات ضخمة وزخارف فخمة، "واستُخدمت فيها أحدث أساليب الإنشاء وأدق الحيل الفنية المعروفة"، كما جاء في كتاب "تراث الإسلام" لجرابار أوليج وآخرين، وذلك ربّما لإدخال البهجة والفرح على مَن يدخله.
وعمارة الحمّام وصلت إلى درجة التفنن، وكانت لا تختلف عن عمارة المساجد والقصور من ناحية الاهتمام بالبناء الفنّي "فحمّامات بغداد كثيرة وهي من أبدع الحمّامات وأكثرها، مطلية بالقار، مسطحة به فيخيّل لرائيه أنّه رخام أسود وهذا القار يُجلب من عين بين الكوفة والبصرة تنبع أبداً منه ويصير في كلّ جوانبها كالصلصال فيجرف منها ويجلب إلى بغداد"، كما أخبرنا الرحالة ابن بطوطة. فقد خصص للحمّام اهتمام خاص من طرف المسلمين آنذاك ليكون محل الأنظار.
وانتشرت الحمّامات في البيئات العربية الإسلامية وخاصة في الحواضر وإنْ لم يقتصر عليها، فقد أُنشئت كذلك في القرى. وروى ابن بطوطة أنّ "أكثر قرى دمشق فيها الحمّامات والمساجد الجامعة والأسواق وسكانها كأهل الحاضرة في مناحيهم".
Hamam-in-Chechouaene_Trevor-Huxham_Flickr
الحمّام يميّز حياة الحضر
وهكذا شكلّ الحمّام مرفقاً عاماً للسكان المستقرين على عكس البدو الذين لم تمكنهم بساطة عيشهم من وسائل الترفيه وكماليات الحياة.
وكان الحمّام مؤشراً على التحضر والتمدّن في الحضارة الإسلامية حيث أصبح من الوحدات الأساسية في المدينة إلى جانب المسجد والسوق والحلاق وهي منشآت ومرافق متجاورة ومتلاصقة تمثّل النسيج المعماري المميز في البيئات العربية والإسلامية.
ونجد في أغلب أحاديث الجغرافيين والرحالة كابن بطوطة مثلاً ربطاً بين المدينة والحمام وهو ما يؤكد أهمية الحمامات في حياة الناس ويؤكد أنها لم تكن مرفقاً ثانوياً، وذلك لما ينهض به من أدوار رئيسية كالطهارة، كما أنّه يحتضن لقاءات المسلمين في المناسبات، إضافة إلى أنه مكان نقاشات ومحادثات.
وكان التخطيط المعماري الداخلي للحمّامات في المدينة الإسلامية يُستوحى من عمارة الحمّام الروماني، فقد كان الحمّام يتألف من غرفة خلع الملابس والاستعداد للاستحمام وتُعرف حالياً في تونس ببيت المحرس وثلاث حجرات: باردة ودافئة وتضم المطاهر، وهي بمثابة خلوات صغيرة حميمية وحجرة ثالثة ساخنة.
كما كانت الحمّامات في المدينة الإسلامية تنقسم إلى نوعين "عامّة وخاصة" وكانت الخاصة حكراً على أفراد السلطة الأثرياء الذين يتحرجون من الاختلاط مع العامة، نظراً لمكانتهم العالية ولحفظ المقامات أيضاً.
وقد بنى بعض الأثرياء الحمّامات داخل قصورهم خاصة الخلفاء الذين اهتموا بتشييدها، أما العامة فإنهم لم يتعوّدوا الاستحمام في منازلهم بل كانوا يقصدون الحمّام العمومي للتطهرّ والنظافة وهو ما يفيد بأن الحمّام قدّم خدمات بالغة لعامة السكان الذين لم يتمتعوا به في بيوتهم على عكس خاصة البلد.
كما خضع الحمّام الإسلامي لقواعد تنظم دخوله والسلوك داخله: فقد نصت كتب الفقه ووصايا العلماء على وجوب قراءة ما تيسر من آيات القرآن قبل الولوج إلى الحمّام لما اعتُقد بأنه مكان تكثر فيه الشياطين والجانّ، كما أُنهي عن الصلاة داخله لعدم ضمان طهارته.
وحتى نهاية القرن التاسع عشر ظلّت الحمّامات من سمات العمارة الإسلامية البارزة في أغلب مدن العالم العربي الإسلامي.
وكان الاستحمام من الممارسات اليومية والضرورية للإنسان في كلّ زمن إلى أن لبّى حاجته ببناء هذه الحمّامات التي تستجيب لوظائف عديدة من النظافة والترفيه إلى الطهارة وما تقتضيه طقوس التعبّد وإقامة الشعائر، ولا سيّما إقامة الصلاة لدى المجتمعات الإسلامية.
الحمّام الروماني
ارتبط وجود الحمام بالحضارات القديمة قبل ظهور الإسلام ويرجّح الباحثون أن أول حمّام شهدته المجتمعات الإنسانية كان في الحضارة الفرعونية وبحر إيجه. "وحدّدوا له تاريخاً يراوح بين 3000 و1200 عام قبل الميلاد"، كما ورد في "الموسوعة العربية الميسّرة" التي أشرف على إعدادها محمد شفيق غربال. وقد وُجدت حمّامات ملحقة بالمعابد الفرعونية مخصصة للكهنة وهي للطهارة والتعبّد بالأساس.
ولم ينقرض الحمّام بانقراض الحضارة التي ظهر فيها أوّل مرّة بل ظلّ متوارثاً في كلّ عصر وإن تغيّر في عمارته أو وظائفه. وعمارة الحمّام لها نمط خاص لم يفقد ترسيمة معالمه رغم التطوّر الذي لحق العمارة بشكل عام.
وتشير أكثر المصادر إلى أن إنشاء الحمامات أو ازدهارها يعود إلى العصر الإغريقي الذي احتوت حمّاماته على مرافق رياضية وثقافية ممّا أضفى عليها طابع الترف والرّفاهية. ومن التقاليد اليونانية دعوة الضيف إلى الحمّام للتعبير عن الاحتفاء به وإكرامه.
وقد وُجدت الحمّامات أساساً للاسترخاء بعد عناء الألعاب الرياضية التي ولع بها اليونان آنذاك كالجري والمصارعة وغيرهما، حسب ما تبيّنه النقوش والفسيفساء الإغريقية.
كما اعتنى الإغريق بالحمّامات وقسّموها إلى أقسام عدّة مزوّدة بالماء الساخن وأخرى مزودة بأحواض الغطس. وضمّ الحمّام الإغريقي غرفاً كثيرة بها ممرّات تؤدي إلى قاعات المجالسة والمخاطبة كانت تُستعمل في استضافة الشعراء والفلاسفة الذين وجدوا في الحمّام فرصة لترويج منتوجهم الفكري وأيضاً للنقاش مع مثقفي عصرهم.
آثار
وورث الرومان عن أسلافهم الإغريق الحمّامات في القرن الثاني قبل الميلاد وعملوا على تطويرها وتحسينها مستخدمين الرخام النادر والفسيفساء والذهب.
وينقسم الحمّام الروماني ثلاثة أقسام:
1ـ القسم الحار (كالداريوم Caldarium)
هو قاعة يتم فيها الاغتسال وهي على درجة حرارة مرتفعة، وتكون جيّدة الإضاءة ويقصدها المستحمون لدهن أجسادهم وغسلها بعد التدليك. وكانت تحتوي على نافورة تمدّ المستحمين بالماء الساخن وتحتوي أيضاً على حوض للسباحة.
2ـ القسم الفاتر (تيبيداريومTepidarium)
وهو فضاء للانتقال من القسم الحار إلى القسم الأقل حرارة ويستعدّ فيها المستحمون للانتقال إلى القاعة الباردة.
3ـ القسم البارد (فريجيداريوم Frigidarium)
وهي قاعة بها أحواض سباحة باردة ويُعتبر الدخول إليها آخر مرحلة يمر بها المستحم فيستعيد فيها انتعاشه بعد المرور بالقاعات الساخنة.
وتوزّعت داخل الحمّام الروماني وحدات أخرى لخلع الملابس يُطلق عليها اسم "الابوديتريوم Apodyteruim"، ويقوم بحراسة الملابس أحد "العبيد".
ومن أشهر الحمّامات الرومانية حمّامات الأباطرة مثل نيرون ودقلديانوس، إضافة إلى أن العصر الروماني شهد تأسيس 12 حماماً ما بين السنة العاشرة قبل الميلاد وسنة 324م، لم يتبق منهما إلا حمامان بفضل المتابعة والترميم، وهما حمّام الإمبراطور كراكلا (188 – 219 ق.م.) وحمّام دقليشيان ويُعتبران من أضخم الحمامات في العالم.
وقد حقّق الحمّام الروماني معنى المقولة المعروفة والشائعة "العقل السليم في الجسم السليم"، فقد أمنّ النظافة والترويح عن النفس لمرتاديه وضمن لهم قضاء وقت ممتع وأيضاً ممارسة رياضتهم المفضلة من عدو ومصارعة ورمي الرمح وهي الألعاب الشائعة في ذلك العصر قبل الذهاب إلى الحمّام للاغتسال في برك وأحواض فخمة ليكون بعدها الاسترخاء من تعب التمارين وممارسة التدليك بمساحيق خاصة.
الحمّام الإسلامي
حافظت مؤسسة الحمّام على وجودها وخصوصيتها بعد الإسلام لوظيفتها الاجتماعية والدينية، "الطهارة"، ولم يُذكر في المصادر التاريخية وجود حمّامات في شبه الجزيرة العربية، فقد عرف المسلمون مؤسسة الحمّام بعد فتح بلاد الروم.
وقد حظي الحمّام بأهمية كبيرة في العمارة الإسلامية، إذ "كان يحتل المرتبة الثانية بعد المسجد الجامع في تراتبية المؤسسات، حيث أضحى مكملاً ضرورياً للمسجد، بدليل أنّ موقع بنائه كان قريباً من المسجد"، كما ذكر علي الصولي في كتابه "قراءات في الفكر المعماري والعمراني العربي الإسلامي".
وقد شيّد عمرو بن العاص أوّل الحمامات الإسلامية بالفسطاط في مصر. وقد "بلغ عدد الحمامات في عهد المأمون 65 ألفاً كانت مشتملة على مدن وأمصار متلاصقة ومتقاربة تُجاوز الأربعين"، بحسب ما أخبرنا به ابن خلدون في مقدمته الشهيرة.
ومثّلت الحمّامات نمط عمارة فاخراً وفخماً يشدّ الأنظار ويخلب الألباب. فقد كان "لهذه المرافق واجهات ضخمة وزخارف فخمة، "واستُخدمت فيها أحدث أساليب الإنشاء وأدق الحيل الفنية المعروفة"، كما جاء في كتاب "تراث الإسلام" لجرابار أوليج وآخرين، وذلك ربّما لإدخال البهجة والفرح على مَن يدخله.
وعمارة الحمّام وصلت إلى درجة التفنن، وكانت لا تختلف عن عمارة المساجد والقصور من ناحية الاهتمام بالبناء الفنّي "فحمّامات بغداد كثيرة وهي من أبدع الحمّامات وأكثرها، مطلية بالقار، مسطحة به فيخيّل لرائيه أنّه رخام أسود وهذا القار يُجلب من عين بين الكوفة والبصرة تنبع أبداً منه ويصير في كلّ جوانبها كالصلصال فيجرف منها ويجلب إلى بغداد"، كما أخبرنا الرحالة ابن بطوطة. فقد خصص للحمّام اهتمام خاص من طرف المسلمين آنذاك ليكون محل الأنظار.
وانتشرت الحمّامات في البيئات العربية الإسلامية وخاصة في الحواضر وإنْ لم يقتصر عليها، فقد أُنشئت كذلك في القرى. وروى ابن بطوطة أنّ "أكثر قرى دمشق فيها الحمّامات والمساجد الجامعة والأسواق وسكانها كأهل الحاضرة في مناحيهم".
Hamam-in-Chechouaene_Trevor-Huxham_Flickr
الحمّام يميّز حياة الحضر
وهكذا شكلّ الحمّام مرفقاً عاماً للسكان المستقرين على عكس البدو الذين لم تمكنهم بساطة عيشهم من وسائل الترفيه وكماليات الحياة.
وكان الحمّام مؤشراً على التحضر والتمدّن في الحضارة الإسلامية حيث أصبح من الوحدات الأساسية في المدينة إلى جانب المسجد والسوق والحلاق وهي منشآت ومرافق متجاورة ومتلاصقة تمثّل النسيج المعماري المميز في البيئات العربية والإسلامية.
ونجد في أغلب أحاديث الجغرافيين والرحالة كابن بطوطة مثلاً ربطاً بين المدينة والحمام وهو ما يؤكد أهمية الحمامات في حياة الناس ويؤكد أنها لم تكن مرفقاً ثانوياً، وذلك لما ينهض به من أدوار رئيسية كالطهارة، كما أنّه يحتضن لقاءات المسلمين في المناسبات، إضافة إلى أنه مكان نقاشات ومحادثات.
وكان التخطيط المعماري الداخلي للحمّامات في المدينة الإسلامية يُستوحى من عمارة الحمّام الروماني، فقد كان الحمّام يتألف من غرفة خلع الملابس والاستعداد للاستحمام وتُعرف حالياً في تونس ببيت المحرس وثلاث حجرات: باردة ودافئة وتضم المطاهر، وهي بمثابة خلوات صغيرة حميمية وحجرة ثالثة ساخنة.
كما كانت الحمّامات في المدينة الإسلامية تنقسم إلى نوعين "عامّة وخاصة" وكانت الخاصة حكراً على أفراد السلطة الأثرياء الذين يتحرجون من الاختلاط مع العامة، نظراً لمكانتهم العالية ولحفظ المقامات أيضاً.
وقد بنى بعض الأثرياء الحمّامات داخل قصورهم خاصة الخلفاء الذين اهتموا بتشييدها، أما العامة فإنهم لم يتعوّدوا الاستحمام في منازلهم بل كانوا يقصدون الحمّام العمومي للتطهرّ والنظافة وهو ما يفيد بأن الحمّام قدّم خدمات بالغة لعامة السكان الذين لم يتمتعوا به في بيوتهم على عكس خاصة البلد.
كما خضع الحمّام الإسلامي لقواعد تنظم دخوله والسلوك داخله: فقد نصت كتب الفقه ووصايا العلماء على وجوب قراءة ما تيسر من آيات القرآن قبل الولوج إلى الحمّام لما اعتُقد بأنه مكان تكثر فيه الشياطين والجانّ، كما أُنهي عن الصلاة داخله لعدم ضمان طهارته.