حيطان مسيلة للدموع
أتقدم خطوة أخرى فألمح رؤوسا تتراقص وكان في الأفق ضباب يتجه نحوي ..
أتفرس ، لم استطع معرفة أحد ..
أنصت ، فتتهادى الي أصوات خافتة ..
أدنو ، فتبتعد الرؤوس وتدخل في لجة الضباب الآتي ، تدخل في هديره ،
أحاول اللحاق بها ، لكني أتعثر بغشاوة عيني واستفيق على مشهد لم ألفه من قبل ...
امهلت نفسي ثلاث دقائق للوصول .. نظرت الى السماء الصاخبة ، المطر المروع غزير حد الرهبة .. كل المسافات تلاشت وانا اقترب من الوادي العميق .. هكذا حدثوني ، الوادي الذي تتقافز في بطنه الضفادع ويتعالى الصرير .. انا لم اسمع شيئا .. لم تتوقف السماء ولن اصل بعد .. الوادي تحف به التلول الترابية ، يخترقها...
جَفلتُ لَحظةً، هي ذاتُها الأرض التي تَركتُها. البيوت متلاصقة كأن خوفا وشى بها.. أطاردُ لعنةَ حطت بين ساعات اجتررتها من سنوات غيبتي. وقفت انظر الى حطام قديم، بيت من أكوام القصب المخلوط بطين حري كان أبي يصنعه كما يصنع طاقيته من خيوط البريسم.. نهاري ليس كما نهار الآخرين حين اتخذت قراري المروع قبل...
لم أكن أرى غير طرق مهجورة في قيظ لافح .. أمامنا أمتار عدة للدخول الى الطرق الضيقة نبحث فيها عن حفرة سيرقد فيها من نحمله إلى الأبد ..كنا ثلاثة ، نحمل النائم فوقنا في صندوق خشبي ملفوف بملاءة سوداء .. لم نر أي من الناس يتحرك ضمن مساحة سيرنا .. الظهيرة حامية والأرض هاجعة ..سمعت ، واظن ان الآخرين...
يبدو كأنها غرفة شبه مظلمة ، ينيرها مصباح صغير يتدلى من سقف غرفة الصفيح .. اوراق مبعثرة ومجلات أغلفتها ملونة لفتيات في ابهى حلة .. صورة معلقة على جدار اصفر بزي الجنود ، مبتسمة بسعادة طافية على وجهها .. كلب يقعى على مؤخرته ينظر الى صاحبته الجالسة تكتب شيئا بتوتر ملحوظ تنتابها لحظات بكاء خافت ...
ارض شاسعة تمتد أمام البصر لا يحدها شئ أبدا .. لا غيري هنا ، لم يمر أحد منذ ساعات .. تعطلت سيارتي في طريق ترابي مقطوع .. خمنت ان الآخرين سلكوا طريقا آخر ربما يعرفونه جيدا يقيهم هذا التيه الصحراوي الممل .. أو انهم قد مروا من هذا الطريق ولم ارهم ، ربما ..
تندفع حوصلتي كما الطير ، ابلل رأسي بأخر...