“أُطِلُّ. كشرفة بيت، على ما أريد..”
***
الفراغات الخالية من البشر غير مسلية.
لا أحتمل المشاهد الثابتة لفترات طويلة، حتى لو كانت تلك التي يسمونها ساحرة وملهمة: البحر، الصحراء، السماء. أعرف أن البعض يراها متحركة، لكنني لم أجد فرقا عظيما بين البحر من شرفة تونسية أو جزائرية وبينه من شرفة سكندرية...
الرائحة العطنة في الممر الطويل تزداد كلما توغلنا. لم يكن هناك غير ثلاثتنا والرجل الذي يدفع الكرسي. الجدار الأيمن على المحارة. في آخر الممر، على اليسار، باب معدني متهالك لمصعد. ترك الرجل العجوز الكرسي، وراح يدق على الباب براحة يده. بعد فترة انفتح بأزيز عال وصدى غير محدود. في الداخل رجل آخر متلفح...
للّهو صوت مميز، وضوضاء مختلفة. خليط من ضحك وصراخ، لأطفال وكبار.
عندما يعلو بحدّ معين، يتحول، في أذن الجالس هادئاً بالناحية القريبة، إلى صوت آتٍ من بعيد. أو بوصف أدق، يأتي عبر حاجز ما، لكنه حاجز غير صلب. تماماً مثل الأصوات التي تصلك، عندما تغطّس رأسك في مياه البحر، أو تلك التي تصدر عن اليقظين...
1
في الصباح تحركت جنازتان.
تقابلتا في المنتصف حيث مساحة المقابر تفصل بين قلب المدينة وبين الضاحية العالية. جنازة لرجل والثانية لسيدة. كأنهما قررا في الوقت نفسه، أن يغلقا حكاية البيت القديم. البيت الذي شيدته السيدة دون أعمدة مسلحة، وكان هو أول سكانه، قبل أن يتركه نزولًا على رغبة الأبناء للانتقال...