جذبني حديثه الثريّ واسترساله، في تفريغ فكرة الشرّ الموجودة عند البشر من إلتباسها، وإلقاءها في
أرض الحريّة، التي وهبها اللهُ الإنسان؛ فأجبته مدافعا:
- كان الأجدى أن يتدخّل؛ ليمنع حدوث الشرور!
لكنّه لم يسمع كلامي؛ أصوات صافرات سيّارات الإطفاء وسيّارة الإسعاف، أخرست أصوات
المتجمهرين أمام بيت جارنا...
الليلة، نزفت السماء بشدّة، لكن، حالها كحال الأيام والليالي المطيرة الفائتة، لا فائدة منها ترجى؛ أشجار الصفصاف الباكي الشاخصة في الحديقة الملكية ستظل عطشى!، تركتُ النافذة، والتفتُ إلى أبي ناقما متذمّرا من هذه العيشة المريرة التعسة:
- أي ذنب اقترفته أيدينا واقترفه أهل البلدة؛ كي نوضع بهذا الموقف...
" أن نوجد، ليس شيئًا آخر غير أن نكون مُتناغمين" الفيلسوف الألمانيّ"
لايبنتز
رسا العطاء عليّ، بعد جدال طويل مع صفيّة، حول تحديد مكان السهرة؛ فدعوتها إلى حفل موسيقيّ،
اليوم أول عروضه، في دار الأوبرا الجديد، التي أقيم بناؤها على أطلال مسرح المدينة الصغير.
وضعتْ سبّابتها المطلي إظفرها...
في حديقة (ويلز) النباتيّة الوطنيّة، وتحديدا في دفيئة بيت النخيل، تسمّر قصيّ البصريّ الوافد من إحدى قرى الفاو، وبيده منشار جنزيريّ، أمام نخلة وصل سعفها إلى ملامسة زجاج السقف، لكنّها لم تصل بعد إلى مجدها المطلق!
اعتمر خوذة الوقاية، وتحزّم بعدّة التسلّق، بعدها لبس قفّازين خشنين وباعد بين ساقي...
في كلّ مرّة أتغافله، لكنه يجدّد في نفسي حالة الاستغراب (ضيّ) زميلي في مكتب البريد؛ فهو يسرف في الاعتناء بشاربيه المشكّلين كحدوة الحصان، يشذّبهما بانتظام، ويحرص دائما على إبقائهما ثخينين لامعين بسواد طاغٍ، ويتباهى بشرائه الصبغ والدهان من أفخر المناشئ.
لا يملّ!
فحديثه المزمن عن الفحولة لا...
"أَيُّهَا الرَّبُّ الجَميل، إِنْ كُنتَ الخَالقَ، فكَيفَ اِنسَرَبتْ مِنْ بَين أَصَابِعِكَ هَذهِ المِسُوخ!"
لم يكن قبحي حديثا، كـ (غريغور سامسا) حين أفاق في صباح ذاك اليوم، ليجد نفسه مقلوبا على ظهره منتميا بهيئته إلى فصيلة الحشرات الرمّامة، إنّما هو وجهي الرسميّ، اندلق مع سوائل من رحم أمي، في...
"مُكَلِّمِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً بِمَزَامِيرَ وَتَسَابِيحَ وَأَغَانِيَّ رُوحِيَّةٍ"
- رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس 5: 19-
: ياصديقي العزيز، لا طوب لي، لكنّي أسمع تهشّمًا في داخلي، له دويٌّ كدويّ انهداد المباني الكبيرة، وفي أكثر أحوالي أكون هائمًا تائهًا، في وسط هذا الخراب المسمّى عيش، أفتّش-...
" لا أدري أنها عاهرة وقدّيسة في ذات الوقت...تكتب شِعرها مابين الملاءة والسرير". - جلّاد (آنا آخمانوفا)-
هذه الكتب، تكاثرت دون أن أشعر، كتكاثر قطط المزابل، بعد أن ازدحمت بها أرفف المكتبة، والعلّية وبطن خزانة الملابس وعتبات السلم وسطوح الطاولات...
منذ انخراطي نادلا في مطعم ومقهى (جمشيد)، المطلّ بواجهته العريضة على البحر، وهذه الزبونة التي تطلي شفتيها بالأحمر الباهت، وتعتمر قبعة نوع (فيدورا الجرس)، وتغيّب قدميها بحذائين بلون الآجاص، لم تغيّر مكانَها في أقصى المقهى، تختار الطاولة التي تقابل أوسع النوافذ؛ لتواجه البحر بكامل أنوثتها وتأنّقها...