إلى الراحل الشاعر الكبير أحمد مبارك
ياصديقي...
لم أعد آر ،فى شارعنا العتيق ،
فى ذلك المقهى القديم،
سوى كرسيك الفارغ ،
ولم اعد أسمع على البعد،
سوى صدى كلماتك ،
ومابين رمية نرد الطاولة ،
ودخان سيجارتك ،
يتلون شعرك ،
وتسمو روحك...
يا صديقى...
كنت فى شارعنا ...
تشيع الضحك ،
وتنازع وحدك الما ...
واجمةٌ طيورُ قريتي
تلك التي ..
ما فارقتْ أغصانَها العجافْ
غائمةٌ عيونُها
ورَفْرفاتُها ارتجافْ
أتيتُها
يهفو إلى صفاء زقزقاتها
رأسي الذي ينوءُ بالدّخان
والضباب والضجيجْ
لكنني وجدتُّها
... مُمْسِكة عن الهزيجْ
لا تُرسلُ الصفيرَ إلا عندما
يمزّقُ الفضا أزيزُطائرةْ
أو تُرْعِبُ السكونَ زعقةُ القطارْ...
اذْهبْ فما بيننا ياغىُّ مُنْجَذِبٌ = لدربك المُنْتهى للويل والندمِ
ما عاد فينا لكأس القاع من وطَرٍ = إنّ الرّغاب بنا تسعى إلى القِمَمِ
سُدى تحومُ بكأسٍ ليس يخدعنا = زيفٌ الهناء بها ..فاذهبْ ولا تحُمِ
تلك الكؤوس التى تغرى الشفاه بها = يذوب فى حلوها عمرٌ من الألمِ
فنقمةُ الإثمِ صرنا اليوم نبصرها =...
تتوارى المسافات خلفه، ويغزو ضباب الماء ورذاذ البحر زجاج السيارة، فتتخبط الرؤية .. لكن السرعة لا تهدأ والألم ينمو وينقض فى كل كيانه .. مشتت .. ضائع وهو صاحب الألقاب العديدة .. وهو الدكتور الموسوعي والمفكر المرموق والأديب الرائد المتطور، صاحب الفكر الحر كما يطلقون عليه .. لم يعد يرى ما أمامه ...
عندما صدر للشاعر أحمد محمود مبارك ديوانه في انتظار الشمس عام1991, ضمن سلسلة إشراقات أدبية, كان صوت شعري سكندري جديد يتشكل معلنا عن بدياته المقتحمة, متملكا لأدواته, محكما سيطرته علي معمار قصيدته وتشكيلها البنائي والموسيقي, واختار المشرفون علي إصدار السلسلة الشاعر السكندري الكبير ـ...
إنه والدي
ظل يبزغُ لي
كلما داهمتني غيومُ الحياةْ
ويُضيءُ دمي فيضُ أنوارهِ
ظل يدفعُ خطوي لدرب النّجاةُْ
... ويُقوّمُ سيري بخُطْواتهِ
لا أزالُ
..إخالُ أبي بعد كل صلاةْ
كفُّه في يدي
فلِْقةٌ من صباحٍ نَدِي
أتسمَّعُ نبضَ مناجاتِهِ
... يسأل الله أن يتقبّلَ
يدعوه سبحانهُ .أن يمنَّ علي
... بفيض رضاهْ...
وقفتُ أمام المرآة مبتهجا في منزل صديقي عبد الله .. اعيد إحكام ربطة العنق التي أرتديها مع بذلة المناسبات .. كان صديقي يدندن في الحمام مع نغمات أغنية ( وحياة قلبي وأفراحه ) صحتُ وانا أستدير امام المرآة سعيدا بأناقتي الطارئة ..
- أسرعْ يا أستاذ عبد الله .إننا لا نضمن المواصلات ويجب أن نحضر
الحفل...
لمّا يئس الشقيقان من العثور على أخيهما المفقود .أخذا يرنوان إلى أشعة الشمس الشاحبة في أسى .وأحسّا بأن كربهما سيتضاعف . فلم يعد الأمر مقتصرا على أخ واحد فُقِدَ ولم يعد ثمة أملٌ في العثور عليه . بل إن أخا ثانيا قد سُحِر أو جُنّ
قال أحدهما للآخر وهو يعتصر جبينه المقطب بيده الغليظة:
- إنها تلك...
غالب شعوره بالإرهاق وقاوم رغبته في مواصلة النوم .. حرك جسده وجلس على فراشه . نظر في الساعة . إنها الحادية عشرة ظهرا .. ياه .. نام سبع ساعات كاملة فما باله لم يزل مرهقا؟ إنه السفر المتواصل .. يمضي يومين في بلدته وثلاثة أيام في هذه المدينة التي يعمل في جامعتها ويومين في مدينة أخرى يحاضر في جامعتها...