كان يسير بجوار القصر المنيف، يسير بخطوات ثقيلة ممتلئة بالرمال والتلال والسنين، حتى أن قدمه حين تطأ ثرى الأرض يشعر وكأنه طائر الرخ يحط إلى مهبطه بعد السفر الطويل، وحين يرفعها ويدفعها للأمام تستغرق تلك الدفعة سنوات، تستطيل معها لحيته وأظافره، وتنهك قواه فيبدو كالقادم من الزمن البعيد .. لكنه يسير ...
الولد الصغير يلف ويدور، يمشي المشوار بعده مشوار، هنا إبر حياكة، وهناك لبان ومستيكة.
يصعد حافلة من حافلات النقل العام، يشبك قميصه البالي في قطعة صاج متدلية من أجزاء الباب المتهالك، يشد نفسه على عجل، ويظل طرف قميصه عالقاً بالباب، فيتمزق القميص تاركاً جزءاً من كتفه عارياً .
يقفز الولد في حركات...
كان جالساً بجلبابه المخطط وطاقيته الصوفية، كانت خطوط الجلباب طولية، أما خطوط الأكمام فهي عرضية، يجلس القرفصاء على شريط السكة الحديد، يستند بيد على معول للحفر، ويده الأخرى يسند بها جبينه .
كان ظهره تجاهي، وأنا جالسة أراقبه من شرفة إحدى عربات القطار المكيف الفاخر، وقد أبطأ سرعته في انتظار دخول...