الحرية للشاعر أشرف فياض

أشرف فياض


في المنفى سلمٌ وهدوءٌ
تجدون الجنة في المنفى!
الجنة .. في عبق اللوز ورائحة الليمون
الجنة في حبات تراب تفهم لغتي .. تدرك كم أعشقها.
الجنة في رائحة الحقل البائر
في أصوات ثكالى يندبن الزوج وفقد الابن
الجنة في قلب الأم وعين الطفل المتيتم.
الجنة.. أن أطلي بدمائي جدران البيت.
أن تُقرع أجراس المهد..
وتقام صلاة الجمعة تحت سماء الحرية
الجنة في قلبي.. أحملها للمنفى"


.
 
نداء يونس
فلسطين
لأشرف_فياض


لا شيء معك سوى الكلام
بينك وبين الليل خطوتان
وفتاوى الدم
بينك وبين الكلام ظنون وتفاسير الجاهلين
بينك وبين احتفائك بآخر الزيت في سراجك
رعشتان
لا شيء معك
لا ظلك الطويل
لا كلامك القديم
لا يقينك المألوف بالسؤال
الدخان ينهض منك
تكتمل لنقص في الآخرين.
بينك وبينك هالرماد ؟؟
وغمامة اللحى الطويلة،
لا شيء يكمل نشاز الايقاع
الا دم ينهي دورة البشري فيك،
لا شيء بينك وبين اللحن سواك
صلصالك جف دون رقصة المفردات
لا شيء يعنيك سواك:
ضبابي
متحرر
شارد
لا يقين لديك سوى السؤال.
كل شي الآن ضدك:
ظلك
حلمك
سؤالك
والكلمات.
لا حمام زاجلا يرسل لك الابجدية
لا شيء معك حتى رائحة الذئب في دمك
تجلس كالضوء على ماء،
كلما حاولت، تحدو الغيم، أضاعوك،
وذنب الجبال التائهات كبير
الشك يا رب ليس خطيئة،
ولستُ عبدا للتشابه والتمائل والرواة
ساقرأ ما أنزل القلب عليّ من وحي
وأتبع ظني
لأرى ملامحي فيك كاملة
يقودني نقصي الى اكتمالي والحياة

.
 
وجهة نظر
عامر بدران


بالمناسبة، أشرف فياض سعودي الجنسية وليس فلسطينياً، إلا بمقدار أن تكون الغيمة التي تشكلت فوق رام اللة وأمطرت في دمشق فلسطينية. لذا فليس تضامني مع قضيته بسبب حنين عرقي أو قرابة دم. وأرفض ذلك كشاعر وكإنسان.
وأشرف فياض ليس شاعراً معروفاً، على الأقل لي. ولا أخجل من القول أنني لم أسمع به من قبل ولا أعرف له قصيدة واحدة. قد يكون شاعراً مهمّاً ويوازي عشرة من أمثالي. لكنني للأسف لم أسمع به من قبل. لذا فليس تضامني مع قضيته بسبب ادّعاء معرفي أو "تمسّح ثقافي" بالمهمّين إن جاز التعبير.
على سيرة "التعبير"... الحق في التعبير أيضاً ليس سببي للتضامن مع الرجل، وأنا للصدق أكاد ألطم حين أسمع هذا المصطلح أو أقرأه في بيانات التضامن. لقد رأيت الحق في التعبير وحرية التعبير كيف تتجلى بين المثقفين وغير المثقفين في الموضوع السوري والفلسطيني والمصري والليبي وما إلى ذلك. وأظنكم مثلي تشاهدون يومياً كيف أن الرأي الآخر يُحترم في بلادنا والإختلاف يُقدس !!
وأنا لا أتضامن مع الرجل لأنه شاعر، إذ ما قيمة الشاعر إن لم يُقتل من أجل قصيدة؟ والله إنني شخصياً أتمنى هذه الخاتمة لي وأرجوها، ولا أظنها ستتحقق.
أتضامن مع أشرف فياض لأنني ضد ممثلي الله على الأرض أولاً، ولأن خصوم الرجل لم يقدّموا للعالم سوى القتل والتخلف ثانياً، ولأنني ضد قتل أي إنسان مهما كان السبب وفي أي مكان.

.
 
الأصدقاءُ في انتظاركَ
فرج العربي


_____ إلى الشاعر أشرف فياض في محنته

لن يستطيعوا الوصول إليكَ
حبلُ المشنقةِ سيلتفُ حولَ أعناقهم

حاولتُ أن أكتبَ اليكَ
لكن البياضَ غالبني
وارتبكتُ أمام اتساع الورقة

الأصدقاءُ وحدهم
سينتظرونكَ ,
في محطةِ قطارِ آخر الليل

ينتظرونكَ ,
عندما ينبعث النور
وكأنهم على موعدٍ مسبقٍ معه

سيأخذهم الحنين
ويتجمعون حولكَ
عندما تصل المحطة

__________
فرج العربي
ليبيا __________
 
[أصدر الموقعون أدناه المطلب التالي في 11 شباط (فبراير) 2014. وكتب المطلب كرد على قرار السلطات السعودية باعتقال واحتجاز أشرف فياض في عام 2013 لنشرة مجموعة شعرية في عام 2008.]

نحن الموقعين في هذا البيان من أدباء وكتاب وفنانين وصحفيين وناشرين وناشطين حقوق وحريات عرب، نطلق حملة فلنتضامن مع اشرف فياض الشاعر والفنان التشكيلي الفلسطيني المعتقل في المملكة العربية السعودية للشهر الثاني، بتهمة التعدي على الذات الإلهية وإطالة الشعر بحسب الأنباء الواردة معلنين قلقنا الشديد مما يمكن ان يطاله من تعسف وغش وتحريض وترهيب .

حيث تفيد الأنباء المؤسفة انه تم إيقاف فياض في هيئة التحقيق والادعاء العام فرع أبها “دون أسباب قضائية واضحة سوى أنه متهم بالتعدي على الذات الإلهية وحمل أفكار لا تتناسب مع المجتمع السعودي”، وذلك بناء على“ تأويل” أحد القراء لأبيات شعرية وردت في مجموعته ”التعليمات بالداخل” الصادرة في عام 2008.

على أن هذا ليس أول اعتقال لأشرف فياض إذ سبق واعتقل قبل 5 أشهر بناء على شكوى تقدم بها مواطن لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، جاء فيها أن فياض “يحمل أفكارا ضالة مضللة”، لكن تم الإفراج عنه بكفالة لتعود الهيئة لاعتقاله مجددا، وفرض الحظر على زيارته كما منع من توكيل محامي، حسب تأكيد مصادر مقربة من فياض نفسه.

أننا ندين بشدة حملة التلفيق المغرضة التي طالت أشرف فياض جراء منهج التلفيقيين في خداع الناس وتهييجهم ضد الأدباء العزل ما يعيدنا الى عصور الاتشاح المزيف بالإسلام بغية التنكيل والتحريض والقتل باسم الشريعة .

وإذ نستنكر هذه الاتهامات السمجة التي تنطوي على ترهيب مشين للمبدع أشرف فياض خصوصاً من الذين لا يفهمون رموز الأدب ولا يحترمون الحرية الشخصية.

فإننا نعرب عن اشد التضامن معه آملين التفاعل مع حملة مناصرته ورد الاعتبار له والإفراج عنه باتجاه مراكمة الجهود التضامنية من اجل وضع حد لأصحاب الوعي الرجعي الذين يتصفون بكونهم أصحاب قراءات مغلوطة وسطحية للأدب وللفكر.

وفي السياق نهيبُ بالمثقفين السعوديين على وجه التحديد أن يتضامنوا مع فياض ضد الترويع الذي يطاله -ويطالهم- من قبل الظلاميين التكفيريين الذين يتعاملون مع النصوص الإبداعية بدون حس نقدي مبدع وإنما بحس سطحي مليء بالأخطاء التفسيرية والتأويلية يغلق باب التأويل والاجتهاد .

ولترفرف راية الإبداع حرة وخلاقة دائماً.

ولنعتبر ان السكوت عن ما يطال فياض هو إهانة بالغة للمعرفة وللأدب وللثقافة وللفكر كما للحريات ولحقوق الإنسان.

حبيب سروري –اليمن
فاطمة الشيدي –عمان
سامي سعد –مصر
أميرة القحطاني – الامارات
محمد خضر - السعودية
نصر جميل شعث –فلسطين
سعد الياسري –العراق
هبة بوخمسين -الكويت
وميض شاكر –اليمن
ناصر رباح –فلسطين
عبود سلمان –سوريا
عبد العظيم فنجان –العراق
نهيل مهنا –فلسطين
هند جودة –فلسطين
أحمد الزراعي –اليمن
أحمد عبد الحسين –العراق
وضاح الجليل –اليمن
عبد الله الهامل -الجزائر
ريما البعيني –سوريا
احمد السلامي-اليمن
رحمن النجار-العراق
ماجد المذحجي -اليمن
ابتسام تريسي –سوريا
وسام هاشم-العراق
اسامة الحداد-مصر
محمد عبده العبسي –اليمن
علوي السقاف –اليمن
نعائم الخليدي –اليمن
سعد الياسري –العراق
هبة بوخمسين –الكويت
مروان كامل –اليمن
فتحي عبد السميع –مصر
رنوة المصري- فلسطين
احمد العرامي –اليمن
هبة عصام الدين –مصر
منى نجيب محمد-اليمن
حسونة فتحي –مصر
سوزان خواتمي –سوريا
احمد محجوب –مصر
نبيل قاسم–اليمن
عبد العظيم فنجان -العراق
أحمد الملا –السعودية
عصام الزهيري –مصر
لطف الصراري -اليمن
وضحى المسجن – البحرين
أحمد يعقوب – فلسطين
علي المقري – اليمن
ريم اللواتي –عمان
جلال الاحمدي –اليمن
حسونة فتحي –مصر
لبكم الكنتاوي –المغرب
صادق القاضي –اليمن
فكري قاسم –اليمن
ياسر عبد الباقي -اليمن
عبد الرحيم طايع -مصر
فخري رطروط –فلسطين
مروان علي – سوريا
عبد الرحمن الحلاق –سوريا
زاهر الغافري –عمان
سامية الأغبري - اليمن
منير المعمري –اليمن
فتحي أبو النصر –اليمن
علي سالم –اليمن
عماد الدين موسى –سوريا
ماجد سلطان زيد -اليمن
فضيلة الشامي –سوريا
سفيان عبد القدوس –المغرب
جمانة فرحات –لبنان
فاتن فقيه – لبنان
رؤى برهوم - سوريا
غياث الجنيد-لندن
ماجدة الحداد - اليمن
عبدالرحمن المشوّح –السعودية
مهند يعقوب – العراق
رحمن النجار- العراق
فرج الحطاب-أميركا
علاء حسين – العراق
أحمد التيهاني – السعودية
عبدالله فياض – فلسطين
بهية طلب – مصر
فايزة عسيري – السعودية
أريج المغربي – المغرب
غياث الجندي- لندن
علي الديلمي – اليمن
الخي محمد المغرب
إرسال بشر – اليمن
عفراء الحبوري – اليمن
شريف بقنه - السعودية
جبر شعث - فلسطين
منى كريم – الكويت
فتحية الصقري – عُمان
مختار المفلحي – اليمن
فارس غانم- جنوب أفريقيا
يسرى عبدالعزيز هائل – اليمن
مريم خريباني – لبنان
محمد الشيباني – اليمن
رجاء غانم- فلسطين
سعيد الباز- المغرب.
عبد الباسط مقبل – اليمن
يسرا البكري – اليمن
سامية الحداد – اليمن
عاشور الطويبي – ليبيا
بشرى اليامي – السعودية
عبدالرحمن موكلي – السعودية
ايمان زياد – فلسطين
كريم سامي – مصر
دعاء البياتنه – فلسطين
مصطفى أبو هنود – فلسطين
كفى عسيري – السعودية
ضياء البرغوثي – فلسطين
محمد طالع – السعودية
محمد البكيلي – اليمن
محمد الشحري – عمان
خلف علي الخلف -سوريا
ابتسام المتوكل –اليمن
أماني أبو رحمة –فلسطين
ماجد ابوغوش -فلسطين
رزان نعيم المغربي – ليبيا
توفيق العيسى - فلسطين
سالمة المدنى – ليبيا


.
 
إسماعيل ازيات
في مؤازرة الشاعر الفلسطيني أشرف فياض...
========================

قرأتُ بعض نصوص الشاعر الفلسطيني أشرف فياض، و استخلصتُ أنّ " الحكم الشرعي " الصّادر في حقّه ليس مردّه، في الواقع ، إلى كتابته الشعرية التي تقتبس من القرآن معحمه و أسلوبه و صوره، و إنّما إلى احتجاجه على وضعيته ك" لاجئ" و على تخريب " النّفط " لكلّ ما هو جميل في روح الإنسان و جسده...


.
صورة مفقودة
 
Abdellatif Laâbi

Je joins ma voix à celle des écrivains du monde entier qui réclament la libération du poète palestinien Ashraf Fayad, condamné à mort le 17 novembre dernier en Arabie Saoudite, sous l’accusation d’apostasie. Cette accusation repose sur des « témoignages » qu’aucune juridiction digne de ce nom ne saurait retenir : un homme a affirmé l'avoir entendu tenir des propos contre Dieu dans un café tandis qu'un religieux l'a accusé d’avoir blasphémé dans un recueil de poèmes que le Palestinien a écrit il y a dix ans. Le poète avait déjà été détenu en 2013 puis, en 2014, il a été condamné à quatre ans de prison et 800 coups de fouet. En comparaison avec la barbarie que j’ai dénoncée à la suite des massacres à Paris, l’affaire Ashraf Fayad revêt aujourd’hui la forme d’un assassinat « légal », le meurtre annoncé d’un poète.


.​
 

De la Kaâba à la tour Eiffel
Amine Zaoui

En hommage au poète Achraf Fayyadh, condamné à mort en Arabie Saoudite.

Le poète fait-il peur au point d’être condamné à mort ? Est-ce qu’un poète à l’image d’Achraf Fayyadh, faiseur de mots, d’images, de vers et de musique, incarne le danger pour la nation musulmane ? Représente-t-il un risque pour l’existence de Dieu des musulmans ?
Quand on condamne à mort un poète au nom de l’islam, dans la terre de la révélation, cela n’est qu’un signe de l’extrême folie politico-religieuse. Le poète n’est qu’un oiseau dont les ailes sont pleines de cieux, dont les mots sont les terres des rêves.
Quand, au nom de l’islam, dans la terre native du Prophète, on délibère la tuerie d’un poète sous prétexte qu’il a blasphémé, ou sous n’importe quel prétexte, cela signifie, et par excellence, que nous sommes dans l’ère de la sauvagerie humaine.
Quand, au nom de la protection d’Allah !! on condamne à mort le poète, et dans l’autre côté du monde, celui, soi-disant, des droits de l’homme, celui, soit disant, de la liberté de la création, dans cette partie du monde appelé Occident, on se mure dans le silence complice, cela signifie que la sauvagerie humaine est générale, généralisée.
Quand, au nom de la religion, dans un pays ami !! on tue un poète, les enfants de l’Occident, ceux de Voltaire, de Lorca, de Nietzsche… doivent réagir. Si ces enfants ne font rien, ils sont adhérents à ce crime. Et, il faut le dire, sans rhétorique aucune : le terrorisme arrivera aux pieds de la tour Eiffel !
Afin de pouvoir assécher les sources du terrorisme islamique qui a frappé Paris, New-York, Londres… et menace Bruxelles, il faut défendre la vie menacée du poète Achraf Fayyadh dans les pays riches des wahhabites.
Protéger la liberté des poètes c’est arrêter l’hypocrisie politique et intellectuelle. Arrêter les mensonges. Arrêter de faire passer l’argent avant la liberté. Arrêter d’aimer un puits de pétrole plus qu’un poème. Arrêter d’adorer un carnet de chèques plus qu’un carnet de poète.
Afin que le terrorisme n’habite jamais à Paris, Damas, Oran, Tunis, Tanger, Dakar, Berlin ou Los Angles… il faut lutter pour préserver la vie des poètes.
Il faut dire, haut et clair : stop aux menaces, aux condamnations qui pleuvent sur les têtes des poètes et des internautes en Arabie Saoudite, source fondamentale du wahhabisme. Amie de l’Occident !
Afin de protéger le droit à la vie libre des citoyens, en Occident, loin de toute menace terroriste islamique, il faut défendre sans ambiguïté le droit à la vie libre dans le pays où gouvernent vos amis les islamistes wahhabites.
Quand on ferme les yeux sur le crime de la condamnation à mort du poète Achraf Fayyadh, les Baudelaire, les Rimbaud, les Mallarmé, les Malherbes, les Aragon se retournent dans leurs tombes. Et les poètes depuis Homère, passant par El-Mutanabbi, jusqu’à Kateb Yacine et Abdellatif Laâbi, se sentent trahis !
Dieu, Allah et Yahvé n’ont pas besoin d’êtres humains qui prennent leur défense en déversant le sang des citoyens attablés dans une terrasse ou celui d’autres dansant sur une belle musique dans une salle de spectacle à Paris, ou en privant les poètes de leurs droits de vivre.
Le poète fait-il peur au point d’être condamné à mort ? Le poète à l’image d’Achraf Fayyadh, faiseur de mots, d’images, de vers et de musique, incarne-t-il le danger guettant la nation musulmane ? Représente-t-il un risque pour l’existence de Dieu des musulmans ?

A. Z.



.​
 
أسماء جلاصي
إعدام قصيدة


(إلى الشاعر أشرف فياض)




فِي البِدايَةِ كُنّا نَصّمُ آذانَنَا
كَيْ لاَ نَسْمَعَ أصْواتَ طَلَقاتٍ تُزْعِجُنَا
حَتَّى فَقَدْنَا السَّمْعَ
ثُمّ أَصْبَحْنَا نَكْشطُ الأَرْصِفَةَ
لإزَالَةِ بَقَايَا دِمَاءٍ جَافّةٍ
حَتّى فَقَدْنَا أَظَافِرنَا
و بِسُيُولٍ منَ الدَّمْعِ جَلَسْنَا نُحْصِي الجُثَثَ
حَتّى جَفّتْ أعْينُنَا
بَقِيَتْ رُؤُوسُنَا الآنَ
وَ قْبل أنْ يُفَتّتوُهَا كَبَتَلاٍَت جافّةٍ
أَخَذْنَا نُفَكِّكُ الأَلْغَامَ
وَ نَزْرَعُ بَدَلَهَا الوُرُودَ و الأَشْعَارَ
فَحَاوَلُوا إعْدَامَ الَقصِيدة

.



.
 
اذا كانت دولنا مدناً فاضلة ليكن قضاتها أفلاطونيين
عبد الرحمن الماجدي



1


لم يلتفت أولياءُ أمورِ البشر لمحنةِ الشاعر والفنان التشكيلي الفلسطيني أشرف فياض المحكوم عليه بالاعدام في المملكة العربية السعودية بتهمة إبداعية عجزَ القضاة عن الرد عليها بمثلها فلجأوا الى المتاح لهم من الردود وأقربه لهم حكم الموت وما أسهله اليوم في بلداننا.

نحن أمامَ حكمٍ بإنهاء حياة إنسانٍ مسالمٍ رقيقِ الحسّ، فناً وأدباً، لم يعتدِ على أحدٍ سوى ماقيل إنّه تعدٍّ على الذات الالهية.

يالهذا الإله وذاته الخائفة من مقطع في قصيدةٍ.

بلْ يا لخوف ولاة أمورنا وسدنة دساتيرنا من كلمة، يستأسدون على كاتبها ويعجزون عن الرد عليه بمثلها.


2


حين حوكم المدوّن السعودي رائف بدوي عام 2012 بالسجنِ والجَلْدِ الذي أُقرّ حكمه، معدلاً، بزيادة عدد سنوات السجنِ من سبع الى عشر والجَلْدات من 700 الى 1000 جَلدة عام 2014 و سيق لتنفيذ عقوبة الجَلدِ مطلعَ العام 2015 ضجّ العالمُ معترضاً مطالباً بإيقافِ الحكم، وتدخلَ الاتحادُ الاوربي منتقداً، بصوتٍ عالٍ، عقوبةَ "السجن عشر سنوات، وجَلده ألف جلدة، وتغريمه مليون ريال، ومنعه من السفر والظهور الإعلامي والكتابة لمدة عشر سنوات بعد خروجه من السجن" بسبب تدوينه لرأيه الخاص.

وقد وصفتْ منظمة هيومن رايتس ووتش الحكمَ أنه "حكمٌ جائر"، وعلا صياحُ الاتحادِ الاوربي على مشهد الجَلد في ميدان عام بعد تسريبه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لكنّ هذه المنظمة التي تراقب حقوق الانسان في العالم لم تحركْ ساكناً تجاه حكم إعدام الشاعر الفلسطيني أشرف فياض، ربما تنتظر تنفيذ الحكم كي تصدر بياناً خجولاً، ومثلها لم يحرك ساكناً كلّ مَن ضجّ، من المنظمات الدولية، على عقوبة السجن و الجلد وهي عقوبة مرفوضة وجائرة بالتأكيد، بحقّ ناشطٍ ليبرالي، ويصمت على عقوبة الاعدام بحقّ الشاعر الفلسطيني الضيفِ في المملكة العربية السعودية "أشرف فياض" على تهمةٍ إبداعيةٍ وربما مشابهة، من حيث الجوهر، لتهمة المدون بدوي.


3


هل لأنّ الشعراءَ منبوذون في كلّ مكانٍ، ومن قبل صناع القرار السياسي، خاصّةً، الذين هم المهيمنون على المنظمات الانسانية؟

لم يحصل، على حدّ علمي، اعتراضُ أو تدخلٌ دولي واضحٌ مشابهٌ للاعتراض على عقوبة المدوّن بدوي ضد عقوبة، مهما كانت جائرة، بحقّ شاعر.


4


إذا كانت تهمة الشاعر فيّاض شبهة إلحادية فماهي الجملة التي تضمنها ديوانه (التعلميات.. بالداخل) الصادر عام 2008؟

ولمَ يحاكم، بالأساسِ، ولم ينبرِ أحدُ الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بالرد عليه كتابةً أو مناظرةً، كما حصلَ مع الكاتب المصري اسماعيل أدهم عام 1937 حين نشر كتيباً بعنوان (لماذا أنا ملحد) وردّ عليه الجامع الأزهر، وقتئذ، فى مجلة "الأزهر" بردٍّ موسعٍ كتبهُ د. محمد فريد وجدى بعنوان (لماذا هو ملحد) اتسم بالمحاورة العقلانية. فلم يحرّض رجالُ الأزهر السلطة عليه بتهمٍ تودي به الى السجن أو الموت.

يقيناً قد غاب عن ذهن القاضي الذي أصدرَ حكمَ الاعدام بحقّ الشاعر "أشرف فياض" أن المملكة العربية السعودية تضم أكبر عدد من الملحدين بين الدول العربية، وفق استطلاع معهد غالوب الاميركي عام 2014، حيث وصلت نسبتهم الى 5% من عدد السكان البالغين نحو 30 مليوناً.

ليت هذا القاضي اتبع أفلاطون في الحكم المنسوب له بطرده الشعراء من مدينته الفاضلة حيث يقال أن سبب طرد أفلاطون للشعراء، أنهم لا يلتزمون بالحقائق ولا يحترمون الآلهة الذين كانوا موضع سخرية الشعراء الغواة.

هل هم أفلاطونيون حين يضطرون فقط؟ تم أبعاد البريطاني كارل أندري الذي حوكم بالسجن لعامٍ بتهمة حيازة الخمور في المملكة العربية السعودية دونَ أن يتمّ محكوميته، مجاملة للسلطات البريطانية خلال زيارة وزير الخارجية فيليب هاموند للمملكة في شهر أكتوبر الماضي. فهل أعترضَ أو تدخل الرئيسُ الفلسطيني محمود عباس أو قادة المنظمات الفلسطينية، لصالح الشاعر "أشرف فياض"؟ ولو تدخلوا هل سيجامَلون كما جومل هاموند؟

هذا الحكم وصمتُ صنّاع القرار ودعاة حقوق الانسان، في الغرب، تجاهه يؤكد أن الشعراء مكتوبٌ عليهم النبذ أينما حلّوا لأنهم غواة البشر.


5


قرأت قبل سنوات لشاعر كردي: أن "الأنبياء لا يحبّون الشعراء لأن الوحي ينزل عليهم أيضاً".



.
 
أشرف فياض.. محاولات تحرير شاعر

القاهرة - العربي الجديد


3 ديسمبر 2015
"سنحرّر شاعراً بقصيدة"؛ هو عنوان الحملة التي أطلقها مجموعة من الشعراء العرب تضامناً مع الشاعر الفلسطيني أشرف فياض، الذي يواجه حكماً بالإعدام في السعودية، على خلفية مزاعم تقول إن مجموعته "التعليمات.. بالداخل"، التي صدرت قبل سبع سنوات (الفارابي)، تحتوي على "أفكار إلحادية".

تهدف الحملة إلى جمع 100 قصيدة من مختلف البلدان العربية، لجمعها وإصدارها في مجموعة شعرية. مساء اليوم، ستتوزّع قراءة عدد من هذه القصائد على أربع مدن عربية؛ هي القاهرة ونابل (تونس) وغزّة ورام الله، ضمن أمسيات ينظّمها في كل مدينة شعراء وكتّاب.

في القاهرة، تستضيف "دار ميريت" أمسيةً يديرها الشاعر زين العابدين فؤاد، يُقرأ فيها بعض من قصائد "التعليمات بالداخل"، التي طبعت الحملة نسخاً محدودةً منها بإشراف الشاعر محمد حربي، بمشاركة كتّاب وشعراء، منهم محمد عيد إبراهيم وجمال الجمل وإبراهيم عبد الفتاح ورفعت سلام ومنى سلمان.

في رام الله، تُنظّم أمسية في "متحف محمود درويش"، يشارك فيها شعراء، منهم خالد جمعة وعرفات الديك وهلا الشروف، وتدير الأمسية الصحافية وفاء عبد الرحمن.

يتزامن ذلك مع قراءات تُقام في "مركز عبد الله الحوراني للدراسات والتوثيق" في مدينة غزّة؛ إذ يشرف على الأمسية الكاتب ناهض زقوت، ويشارك فيها كل من ناصر عطا الله ورياض أبو رحمة ومحمود جودة وشفيق التلولي وناصر رباح ومحمود أبو صفر وسمر المفلوح.

أمّا تونس، فيجتمع في "مقر الاتحاد الجهوي للشغل" في مدينة نابل مئة شاعر، من خلال أمسية يديرها الشاعر جميل عمامي، وتُقرأ فيها قصائد لفيّاض.



.
* منقول

 
مجد أشرف فياض ولعنته
محمد العباس


دواوين الشعر لا تُقلب صفحاتها بأيدٍ مغلّفة بقفازات بوليسية معقّمة، بحثاً عما بين العبارات من أدلة لإدانه مبدعها، بل تُقارب بعقول مدرّبة على الاهتداء لمواطن تبرعم الفكرة، وقلوب مفتوحة على مهبات الجمال، وهذا ما يفترض أداء فروضه – قرائياً – عند التماس مع نصوص أشرف فياض، فهو لم يدبّر مجموعته الشعرية تحت اسم مستعار ليهزأ بالذات الإلهية، ولا ليحاكي الرموز الدينية بمخلوقات وضعية من عندياته، ولم يكن في باله استفزاز أي سلطة اجتماعية أو استعداء أي نظام سياسي، بمعنى أنه لم يؤلف منشوراً سياسياً ثورياً غامض المصدر، ولم يهاجم مؤسسة دينية في الظلام، بل نشر نصوصه بشكل علني وباسمه الثلاثي: أشرف عبدالساتر فياض، منعاً لأي التباس بشخص آخر، كما أثبت في الصفحة الداخلية عنوان بريده الإلكتروني، وأظهر صورته الشخصية في الغلاف الخلفي.
كل تلك العلنية في استحضار ذاته تعنى أنه كان يكتب في فضاء حر ومكشوف، بلا مواربات ولا مراوغات، ليترك للقارئ فرصة تأمل (التعليمات.. بالداخل)، على اعتبار أن نصوصه هي بمثابة الامتداد العضوي لشخصيته وطريقة تفكيره في الوجود، ولم يكن يتوقع أن تفكيره بهذه النبرة العالية على الملأ ستوقعه في فخ المساءلة إلى درجة إخراجه من الحياة، إذ يبدو أنه عرّض نفسه للشوق مباشرة وأكثر مما ينبغي، خلافاً للتعليمات التي أوصى نفسه بها.
هناك من لم يقتنع بحالات الحصار والتضييق والسجن التي تعرض لها الشاعر والفنان التشكيلي أشرف فياض أول مرة، فقرر لأمر ما تصعيدها إلى حد التصفية الجسدية، حيث تم إصدار حكم الإعدام عليه بسبب مجموعته الشعرية «التعليمات.. بالداخل» الصادرة عن دار الفارابي عام 2007، بسبب ما يقال عن مساسه بالذات الإلهية والعبث بقدسية النص القرآني، وتهديد النظامين الاجتماعي والسياسي، بموجب قراءة تأويلية استخدامية لنصوصه، قراءة منحازة دبّرها من لا علم له بتحليل الخطاب ولا أدوات للتواصل مع النص الشعري، أجل، النص القائم على المجاز والاستعارة والخيال والتناص، وما أن أُعلن عن الحكم الصادم حتى توالت ردود الفعل القانونية والعاطفية والحقوقية والدينية، كما تقدمت إلى واجهة المشهد نصوصه الشعرية الإشكالية على مستوى اللفظ والتأويل والمقاصد.
إن ما حدث لأشرف فياض يفوق مفهوم الرقابة الأدبية لحماية المجتمع، ويتجاوز فكرة الذود عن الدين دفاعاً عن الله، إذ يعني الحكم عليه بالإعدام أن نصوصه التي انتبه إليها الرقيب بعد سبع سنوات من نشرها، تختزن من الآثام والشرور والموبقات ما لا يمكن غفرانه، ليس هذا وحسب، بل أن وجوده على قيد الحياة قد يعرض المجتمع لمخاطر وآفات مدمرة، ولا حاجة لا لاستتابته، ولا لإعادة تأهيله، ولا لسجنه، حتى تحكيم مبدأ الرأفة به لا محل له في هذه المحاكمة، بمعنى أنه، بمنظور الذين لا يريدون أن يرونه حياً، قد تجاوز كل الخطوط، وتخطى كل المحرمات، وذلك عبر كراسة صغيرة أرادها جزءاً من مجده الإبداعي فتحولت إلى لعنة بفعل فاعل، وهو مآل أحسه وتنبأ به في أحد نصوصه «متبوع أنت بكل اللعنات المألوفة عند أساطير القدماء».
تفاصيل نصوصه لا يمكن مقاربتها بشكل مجتزأ، كما لا يمكن فصلها عن منجزه الفني، لأن الاجتزاء أو البتر يعني تفصيم النصوص، وبالتالي قد يؤدي هذا الإجراء إلى تقويلها ما لم تقله، وليس من الإنصاف إعادة تركيبها على واقعه الحياتي اليومي لتلبيسه تهمة الإلحاد والمروق على الدين ومعاداة النظامين الاجتماعي والسياسي، حيث تنم نصوصه عن ذات قلقة محتارة ومثقلة بوابل من الهموم والإخفاقات الحياتية المعبر عنها بقولات شاطحة في الخيال وتصويرا مغالية في الاتكاء على المجازات، لأنها صادرة عن ذات تعاني «متلازمة الوطن.. الحادة»، وهذا هو واقع الذوات المنتزعة من أرضها، حيث تكون مطعونة بالخوف والقلق الوجودي، كما يفسر ذلك القدر هذياناته لتدشين «قوانين الوطن الثلاثة»، فقد حاول استخدام مأساته الشخصية أو نفسه (ورقة ضغط/ ورقة شعر.. ورقة مرحاض/ ورقة كي تشعل أمه نار التنور/ وتخبز بضعة أرغفة».
وهذا هو ما حتم نبرة التشاؤم والإحباط والسخط والانفعال التي جاءت في صيغة تساؤلات احتجاجية من كائن يكتب اسمه بالمقلوب في المرآة، ويمارس التمارين على الموت، حسب تعبيره، حيث يفصح هذا الفلسطيني المنكوب بدياسبورا التشرد الفلسطيني عن مأزق (منح الجنسية)، ويكثر من الطرق على مفردات الخيبة والمنفى والذاكرة واللجوء، وعلى غربة الإنسان الفلسطيني الأزلية «فقد حان الوقت لتسيل وتتسلل/ ولتتخذ الشكل المتفق عليه للغربة التي انسكبت فيها»، ولذلك يصرخ «يا أيها الذين تشردوا/ قد ذاع تشردكم بين الأمصار/ وأفلستم/ وانقطعت سبل خلاص الروح/ من العدم المتفشي في أضلعكم)، ومن ذلك المنطلق اليائس نصّص حكايته مع وجع المنفى الأبدي «العودة: كائن اسطوري ورد في حكايات الجدة».
التفاصيل في الداخل بوح يومي لذات مقهورة، بمعنى أنها يوميات استرواحية لروح تحترق وتحدق نحو «سرابات الوطن المزعوم»، وتتلمس محلاً لها في هذا الوجود «حتى تصل إلى الحل الصحيح لكيفية إلقاء الورقة/ في دفتر يومياتك/ في سلّة المهملات تماماً». إنها ذات مجروحة في العمق «تحتاج إلى الترميم»، ولا حل لها إلا بالارتداد العمودي إلى الداخل لإعادة تدوير أسئلة لا إجابات لها «أبحث عن وطن أعشقه.. أو يعشقني/عن بيت يأوي كل سبايا حرب لم تحمل أوزاراً/ كي تضع الباقي منها/ عن سقف غير سماء/ ملّت من أن تستر عورة تاريخي»، وبدون أي تردد ولا مواربة يستكمل حالة الخيبة التي يستشعرها بلغة هذيانية تتناسب طردياً مع إحساسه «اللجوء أن تقف في آخر الصف/ أن تحصل على كسرة وطن/ الوقوف: شيء كان يفعله جدك.. دون معرفة السبب!/ الكسرة: أنت!».
نصوص أشرف ليست بحاجة لمن يدافع عنها فنياً أو موضوعياً، فهي تترافع عن نفسها بنفسها، بما تختزنه من طاقة الحب والجرأة على التصريح به «لم أتردد في نطق الكلمات الأكثر إبهاراً/ في كل قواميس الحب». وككل الشعراء المهجوسين بمعارضة البيان القرآني على قاعدة الإعجاب والتأثر، يكشف أشرف عن صلة عميقة بالنص القرآني، وعن قدرة على التناص الخلاق به، فهذا الأثر القرآني، الذي لا يخلو منجز أي شاعر عربي من ظلاله ولفحاته، على درجة من الوضوح والكثافة في نصوصه، على مستوى التناص اللساني أو الدلالي أو الحكائي، كما يتضح ذلك مثلاً في نصه الذي يماثل فيه قدره بحكاية إلقاء أم موسى (ع) لابنها في النهر «كلمات مجهضة/ وعلبة تبغ مستعمل/ وصندوق ألقت أمك بصراخك فيه/ لكي يلفظك اليم على ضفة خوف من نوع لا تألفه/ حيث تعهدك الرعد بتلقيحك للغيم/ لكي تولد مطراً لا يمسح عار الفزع عن النهر النائم/ في أحضان الخيبة».
ذلك المشهد مجرد عينة من مراودات كثيرة تؤدي فروضها الذات ما بعد الحداثية من حيث استحواذها على الأصل النصي وإعادة إنتاجه والتنويع عليه من منظور ذاتي، وهذا هو ما يفسر كثرة عباراته الإشكالية، التي تغترف من البيان القرآني ما يقوي المعنى الذي أراد توطينه في النص، فعندما يقول «إن وعد النفط كان مفعولا» فإنه لا يقصد تأليه النفط، بقدر ما يشير إلى سطوته كقوة محركة في الحياة الحديثة، وهو تعبير معتاد في قاموس الشعرية العربية. وعندما يهمس بـ« أسماء الحب الحسنى» فهو لا يمارس الإزاحة المجانية للعبارة لتوتير النص، بقدر ما يجنح إلى إبدال المفردات مع الإبقاء على القيمة في مدارات الحب التي يرى الله مصدر إشعاعها، وهكذا يفعل حين يقول «لا حبيب إلا أنت.. إني كنت من القانطين!». إذ لا يمارس التجديف بتأليف آية وضعية بقدر ما يحاول الأخذ بمبنى الآيات القرآنية، تماماً كما يولّد المعنى من المختبر البلاغي ذاته الذي يفرض سطوته الفنية والروحية عليه حين يقول وتعلن سراً أنك أودعت الروح لدى من لا يفقهها».
إن تفتيش جهازه المحمول بحثاً عن «الحلوة التي لم تشرق هذا اليوم»، أو إصغاء السمع إلى حميميات «صوت البحة في الأذن اليسرى»، ورصد ضحكاتها البيضاء المدّخرة ليومه الأسود، كل ذلك لا يدينه، فهو لا ينكر تكرار اسمها «آناء الشوق»، ويعلن ذلك بمنتهى الصراحة والوضوح كأي إنسان طبيعي مزود بغريزة «منذ نعومة أفكاري وأنا أتمرس أن أعشق»، أما هلوساته الكلامية وانفلاتاته الشعورية ورغبته المعلنة لـ»تفخيخ الخمارات بداء البهجة»، فهي مجرد استيهامات لذات منكسرة وسيناريوهات مصنوعة في مختبرات الخيبة بدليل أنه ينقلب على تلك الانفلاتات المتوهمة بقوله «وتدوزن لسانك كي تصنع بهجتك الساذجة».
بموجب تلك التصويرات المتخيلة والخيبات المنصّصة رسم لنفسه التائهة والتواقة إلى الحياة صورة إنسان عاش «تجربة زاخرة باللامعنى»، كائن يستلقي بتعب ومثابرة ممزوجة باليأس في الهامش «في الحي الخلفي.. يقيم العاشق/ ينظم أشعاراً/ يرسم لوحات/ يبني ألواناً باهتة/ كي يعرضها في متاحف ذكرى الليل»، إذ لم تكن التعليمات التي أودعها في الداخل، بين غلافي مجموعته الشعرية، على تلك الدرجة من الغموض أو الجنوح، لولا القراءة الغرضية، المنذورة لمسح ظاهر النص وسطوحه، وتقليب ملفوظاته كجثث ميتة بقفازات معقمة، القراءة العاجزة عن سبر أغوار القول الشعري، والتغلغل بين تثنياته وبُناه الغائرة، كما تفترض نظريات التلقي بأفقها الواسع والمتعالي، القراءة التي حاصرته في وحدة سجنه وهو يصرخ على دكّة مسرح اللامعقول «ماذا بعد/ وقد علق كل المرتدين الفأس على كتفك؟».


محمد العباس
December 2, 2015
القدس العربي
 
تضامناً‮ ‬مع الشاعر أشرف فياض المحكوم عليه بالإعدام
طبعة جديدة لـ‮ "‬التّعليمات بالدّاخِل‮" ‬تصدر قريباً‮ ‬في القاهرة
إسراء النمر


خلال أسبوع واحد،‮ ‬تطورت الأحداث في قضية الشاعر الفلسطيني أشرف فياض‮ (‬1980‮)‬،‮ ‬المحكوم عليه بالإعدام في المملكة السعودية لأن ديوانه‮ "‬التّعليمات بالدّاخِل‮"‬،‮ ‬الصادر عن دار الفارابي عام‮ ‬2008،‮ ‬يضم كفراً‮ ‬صريحاً‮ ‬ويدعو إلي الإلحاد وفق أوراق القضية،‮ ‬فقد رحل والده عبد الستار المولود في خان‮ ‬يوسف في‮ ‬غزة،‮ ‬26‮ ‬نوفمبر الماضي عن‮ ‬83‮ ‬عاماً،‮ ‬تاركاً‮ ‬عنق ابنه في‮ ‬يد المجهول‮.‬
لكن الشعراء في الوطن العربي،‮ ‬وخارجه،‮ ‬لم‮ ‬يتركوا فياض حتي الآن،‮ ‬ما زالوا‮ ‬يكتبون القصائد له،‮ ‬التي تجاوزت المائة،‮ ‬واطلقوا حملة ثانية اسمها‮ "‬سنحرر فناناً‮ ‬بلوحة‮"‬،‮ ‬شارك فيها عدد من الرسامين لأن أشرف فياض فنان تشكيلي أيضاً‮. ‬أما الحملة الثالثة فهي‮ "‬سنحرر شاعراً‮ ‬بقصيدة‮" ‬التي نظمت أمسيات في أربع مدن عربية الخميس الماضي في القاهرة وتونس ورام الله وغزة،‮ ‬انطلق فيها صوت أشرف فياض في السادسة مساء،‮ ‬إذ قرأ‮ ‬قصائده عدد من الشعراء‮.‬
في القاهرة،‮ ‬احتضنت دار ميريت لصاحبها محمد هاشم الأمسية،‮ ‬التي قال عنها الشاعر محمد حربي لـ‮ "‬أخبار الأدب‮" ‬إنها البداية الأولي،‮ ‬وسوف ننظم عددا من الأمسيات التي نقرأ فيها القصائد المهداة لأشرف فياض،‮ ‬مضيفاً‮ ‬إن هاشم رحب بالأمر،‮ ‬ولم‮ ‬يتردد،‮ ‬وأخبرنا أنه سيفتح الدار الجديدة‮ ‬يوم الجمعة،‮ ‬لكننا طلبنا أن تكون الأمسية الخميس حسب اتفاقنا مع الشعراء في فلسطين وتونس،‮ ‬فوافق وقال‮: "‬سأرتب لك الدار قبل الافتتاح بيوم‮".‬
وأضاف حربي إنه طبع علي حسابه الشخصي‮ ‬60‮ ‬نسخة من ديوان‮ "‬التّعليمات بالدّاخِل‮" ‬التي تم توزيعها علي حضور الأمسية،‮ ‬مُعلنا عن صدور طبعة جديدة من الديوان عن إحدي دور النشر المصرية قريباً،‮ ‬وعن صدور ديوان‮ "‬مائة قصيدة لأشرف فياض‮" ‬الذي كتبه عدد من الشعراء في الوطن العربي‮.‬

.
أخبار الادب المصرية
04/12/2015
 
مجد أشرف فياض ولعنته
محمد العباس



دواوين الشعر لا تُقلب صفحاتها بأيدٍ مغلّفة بقفازات بوليسية معقّمة، بحثاً عما بين العبارات من أدلة لإدانه مبدعها، بل تُقارب بعقول مدرّبة على الاهتداء لمواطن تبرعم الفكرة، وقلوب مفتوحة على مهبات الجمال، وهذا ما يفترض أداء فروضه – قرائياً – عند التماس مع نصوص أشرف فياض، فهو لم يدبّر مجموعته الشعرية تحت اسم مستعار ليهزأ بالذات الإلهية، ولا ليحاكي الرموز الدينية بمخلوقات وضعية من عندياته، ولم يكن في باله استفزاز أي سلطة اجتماعية أو استعداء أي نظام سياسي، بمعنى أنه لم يؤلف منشوراً سياسياً ثورياً غامض المصدر، ولم يهاجم مؤسسة دينية في الظلام، بل نشر نصوصه بشكل علني وباسمه الثلاثي: أشرف عبدالساتر فياض، منعاً لأي التباس بشخص آخر، كما أثبت في الصفحة الداخلية عنوان بريده الإلكتروني، وأظهر صورته الشخصية في الغلاف الخلفي.
كل تلك العلنية في استحضار ذاته تعنى أنه كان يكتب في فضاء حر ومكشوف، بلا مواربات ولا مراوغات، ليترك للقارئ فرصة تأمل (التعليمات.. بالداخل)، على اعتبار أن نصوصه هي بمثابة الامتداد العضوي لشخصيته وطريقة تفكيره في الوجود، ولم يكن يتوقع أن تفكيره بهذه النبرة العالية على الملأ ستوقعه في فخ المساءلة إلى درجة إخراجه من الحياة، إذ يبدو أنه عرّض نفسه للشوق مباشرة وأكثر مما ينبغي، خلافاً للتعليمات التي أوصى نفسه بها.
هناك من لم يقتنع بحالات الحصار والتضييق والسجن التي تعرض لها الشاعر والفنان التشكيلي أشرف فياض أول مرة، فقرر لأمر ما تصعيدها إلى حد التصفية الجسدية، حيث تم إصدار حكم الإعدام عليه بسبب مجموعته الشعرية «التعليمات.. بالداخل» الصادرة عن دار الفارابي عام 2007، بسبب ما يقال عن مساسه بالذات الإلهية والعبث بقدسية النص القرآني، وتهديد النظامين الاجتماعي والسياسي، بموجب قراءة تأويلية استخدامية لنصوصه، قراءة منحازة دبّرها من لا علم له بتحليل الخطاب ولا أدوات للتواصل مع النص الشعري، أجل، النص القائم على المجاز والاستعارة والخيال والتناص، وما أن أُعلن عن الحكم الصادم حتى توالت ردود الفعل القانونية والعاطفية والحقوقية والدينية، كما تقدمت إلى واجهة المشهد نصوصه الشعرية الإشكالية على مستوى اللفظ والتأويل والمقاصد.
إن ما حدث لأشرف فياض يفوق مفهوم الرقابة الأدبية لحماية المجتمع، ويتجاوز فكرة الذود عن الدين دفاعاً عن الله، إذ يعني الحكم عليه بالإعدام أن نصوصه التي انتبه إليها الرقيب بعد سبع سنوات من نشرها، تختزن من الآثام والشرور والموبقات ما لا يمكن غفرانه، ليس هذا وحسب، بل أن وجوده على قيد الحياة قد يعرض المجتمع لمخاطر وآفات مدمرة، ولا حاجة لا لاستتابته، ولا لإعادة تأهيله، ولا لسجنه، حتى تحكيم مبدأ الرأفة به لا محل له في هذه المحاكمة، بمعنى أنه، بمنظور الذين لا يريدون أن يرونه حياً، قد تجاوز كل الخطوط، وتخطى كل المحرمات، وذلك عبر كراسة صغيرة أرادها جزءاً من مجده الإبداعي فتحولت إلى لعنة بفعل فاعل، وهو مآل أحسه وتنبأ به في أحد نصوصه «متبوع أنت بكل اللعنات المألوفة عند أساطير القدماء».
تفاصيل نصوصه لا يمكن مقاربتها بشكل مجتزأ، كما لا يمكن فصلها عن منجزه الفني، لأن الاجتزاء أو البتر يعني تفصيم النصوص، وبالتالي قد يؤدي هذا الإجراء إلى تقويلها ما لم تقله، وليس من الإنصاف إعادة تركيبها على واقعه الحياتي اليومي لتلبيسه تهمة الإلحاد والمروق على الدين ومعاداة النظامين الاجتماعي والسياسي، حيث تنم نصوصه عن ذات قلقة محتارة ومثقلة بوابل من الهموم والإخفاقات الحياتية المعبر عنها بقولات شاطحة في الخيال وتصويرا مغالية في الاتكاء على المجازات، لأنها صادرة عن ذات تعاني «متلازمة الوطن.. الحادة»، وهذا هو واقع الذوات المنتزعة من أرضها، حيث تكون مطعونة بالخوف والقلق الوجودي، كما يفسر ذلك القدر هذياناته لتدشين «قوانين الوطن الثلاثة»، فقد حاول استخدام مأساته الشخصية أو نفسه (ورقة ضغط/ ورقة شعر.. ورقة مرحاض/ ورقة كي تشعل أمه نار التنور/ وتخبز بضعة أرغفة».
وهذا هو ما حتم نبرة التشاؤم والإحباط والسخط والانفعال التي جاءت في صيغة تساؤلات احتجاجية من كائن يكتب اسمه بالمقلوب في المرآة، ويمارس التمارين على الموت، حسب تعبيره، حيث يفصح هذا الفلسطيني المنكوب بدياسبورا التشرد الفلسطيني عن مأزق (منح الجنسية)، ويكثر من الطرق على مفردات الخيبة والمنفى والذاكرة واللجوء، وعلى غربة الإنسان الفلسطيني الأزلية «فقد حان الوقت لتسيل وتتسلل/ ولتتخذ الشكل المتفق عليه للغربة التي انسكبت فيها»، ولذلك يصرخ «يا أيها الذين تشردوا/ قد ذاع تشردكم بين الأمصار/ وأفلستم/ وانقطعت سبل خلاص الروح/ من العدم المتفشي في أضلعكم)، ومن ذلك المنطلق اليائس نصّص حكايته مع وجع المنفى الأبدي «العودة: كائن اسطوري ورد في حكايات الجدة».
التفاصيل في الداخل بوح يومي لذات مقهورة، بمعنى أنها يوميات استرواحية لروح تحترق وتحدق نحو «سرابات الوطن المزعوم»، وتتلمس محلاً لها في هذا الوجود «حتى تصل إلى الحل الصحيح لكيفية إلقاء الورقة/ في دفتر يومياتك/ في سلّة المهملات تماماً». إنها ذات مجروحة في العمق «تحتاج إلى الترميم»، ولا حل لها إلا بالارتداد العمودي إلى الداخل لإعادة تدوير أسئلة لا إجابات لها «أبحث عن وطن أعشقه.. أو يعشقني/عن بيت يأوي كل سبايا حرب لم تحمل أوزاراً/ كي تضع الباقي منها/ عن سقف غير سماء/ ملّت من أن تستر عورة تاريخي»، وبدون أي تردد ولا مواربة يستكمل حالة الخيبة التي يستشعرها بلغة هذيانية تتناسب طردياً مع إحساسه «اللجوء أن تقف في آخر الصف/ أن تحصل على كسرة وطن/ الوقوف: شيء كان يفعله جدك.. دون معرفة السبب!/ الكسرة: أنت!».
نصوص أشرف ليست بحاجة لمن يدافع عنها فنياً أو موضوعياً، فهي تترافع عن نفسها بنفسها، بما تختزنه من طاقة الحب والجرأة على التصريح به «لم أتردد في نطق الكلمات الأكثر إبهاراً/ في كل قواميس الحب». وككل الشعراء المهجوسين بمعارضة البيان القرآني على قاعدة الإعجاب والتأثر، يكشف أشرف عن صلة عميقة بالنص القرآني، وعن قدرة على التناص الخلاق به، فهذا الأثر القرآني، الذي لا يخلو منجز أي شاعر عربي من ظلاله ولفحاته، على درجة من الوضوح والكثافة في نصوصه، على مستوى التناص اللساني أو الدلالي أو الحكائي، كما يتضح ذلك مثلاً في نصه الذي يماثل فيه قدره بحكاية إلقاء أم موسى (ع) لابنها في النهر «كلمات مجهضة/ وعلبة تبغ مستعمل/ وصندوق ألقت أمك بصراخك فيه/ لكي يلفظك اليم على ضفة خوف من نوع لا تألفه/ حيث تعهدك الرعد بتلقيحك للغيم/ لكي تولد مطراً لا يمسح عار الفزع عن النهر النائم/ في أحضان الخيبة».
ذلك المشهد مجرد عينة من مراودات كثيرة تؤدي فروضها الذات ما بعد الحداثية من حيث استحواذها على الأصل النصي وإعادة إنتاجه والتنويع عليه من منظور ذاتي، وهذا هو ما يفسر كثرة عباراته الإشكالية، التي تغترف من البيان القرآني ما يقوي المعنى الذي أراد توطينه في النص، فعندما يقول «إن وعد النفط كان مفعولا» فإنه لا يقصد تأليه النفط، بقدر ما يشير إلى سطوته كقوة محركة في الحياة الحديثة، وهو تعبير معتاد في قاموس الشعرية العربية. وعندما يهمس بـ« أسماء الحب الحسنى» فهو لا يمارس الإزاحة المجانية للعبارة لتوتير النص، بقدر ما يجنح إلى إبدال المفردات مع الإبقاء على القيمة في مدارات الحب التي يرى الله مصدر إشعاعها، وهكذا يفعل حين يقول «لا حبيب إلا أنت.. إني كنت من القانطين!». إذ لا يمارس التجديف بتأليف آية وضعية بقدر ما يحاول الأخذ بمبنى الآيات القرآنية، تماماً كما يولّد المعنى من المختبر البلاغي ذاته الذي يفرض سطوته الفنية والروحية عليه حين يقول وتعلن سراً أنك أودعت الروح لدى من لا يفقهها».
إن تفتيش جهازه المحمول بحثاً عن «الحلوة التي لم تشرق هذا اليوم»، أو إصغاء السمع إلى حميميات «صوت البحة في الأذن اليسرى»، ورصد ضحكاتها البيضاء المدّخرة ليومه الأسود، كل ذلك لا يدينه، فهو لا ينكر تكرار اسمها «آناء الشوق»، ويعلن ذلك بمنتهى الصراحة والوضوح كأي إنسان طبيعي مزود بغريزة «منذ نعومة أفكاري وأنا أتمرس أن أعشق»، أما هلوساته الكلامية وانفلاتاته الشعورية ورغبته المعلنة لـ»تفخيخ الخمارات بداء البهجة»، فهي مجرد استيهامات لذات منكسرة وسيناريوهات مصنوعة في مختبرات الخيبة بدليل أنه ينقلب على تلك الانفلاتات المتوهمة بقوله «وتدوزن لسانك كي تصنع بهجتك الساذجة».
بموجب تلك التصويرات المتخيلة والخيبات المنصّصة رسم لنفسه التائهة والتواقة إلى الحياة صورة إنسان عاش «تجربة زاخرة باللامعنى»، كائن يستلقي بتعب ومثابرة ممزوجة باليأس في الهامش «في الحي الخلفي.. يقيم العاشق/ ينظم أشعاراً/ يرسم لوحات/ يبني ألواناً باهتة/ كي يعرضها في متاحف ذكرى الليل»، إذ لم تكن التعليمات التي أودعها في الداخل، بين غلافي مجموعته الشعرية، على تلك الدرجة من الغموض أو الجنوح، لولا القراءة الغرضية، المنذورة لمسح ظاهر النص وسطوحه، وتقليب ملفوظاته كجثث ميتة بقفازات معقمة، القراءة العاجزة عن سبر أغوار القول الشعري، والتغلغل بين تثنياته وبُناه الغائرة، كما تفترض نظريات التلقي بأفقها الواسع والمتعالي، القراءة التي حاصرته في وحدة سجنه وهو يصرخ على دكّة مسرح اللامعقول «ماذا بعد/ وقد علق كل المرتدين الفأس على كتفك؟».

كاتب سعودي

محمد العباس


.
 
[SIZE=6]أشرف فياض.. هزيمة لكل شيء[/SIZE]
بندر خليل



إنني غاضب وحزين جدًا وأشعر بالعار. غاضب من أجل حق يضيع على الإنسان. وحزين على بلد تتآكل بفعل حقيقة وجود دولة داخل دولة، وقانون داخل قانون، وغابة داخل غابة. لا أعتقد أن هناك قصة تتفوق مأساويتها على قصة أشرف فياض. فمن مثله قد جمع كل هذا في روح عاصفة بالأسى: شاعر وفنان ولاجئ وسجين محكوم بالقتل!

تقول قصة أشرف فياض أن هناك دولة داخل دولة، وقانونًا داخل قانون، وغابة داخل غابة

عرفت أشرف فياض في مطلع العام 2007 وكان سمينًا جدًا، وتبدو عليه سمات الارتياح النفسي. وذلك حين جمعني به الشاعر الجميل محمد خضر بأحد مقاهي أبها. حينها فرحت كثيرًا بهذه الإضافة لمدينتي. فقد أهداني وقتها نسخة من ديوانه الإشكالي "التعليمات بالداخل"، وكان شعره يوحي بتجربة أبهاوية شعرية رائعة، رغم أن قراءتي لنصوص الديوان اليوم اختلفت، وصرت أرى مثالبه وضعفه الفني بعين صافية، أو بالأحرى أكثر صفاء.

في عام 2012 اجتمعت أنا ومجموعة من الفنانين في أبها. منهم أحمد ماطر وإبراهيم أبو مسمار وعبدالكريم قاسم وأشرف فياض. وقررنا أن ننفذ فكرة السينما السرية. وهي نوع غير تجاري من السينما، ظهر في العديد من الأقطار الأوروبية لمجابهة السينما التجارية التقليدية. وامتازت بمكان عرضها غير المتوقع، كالشوارع والساحات العامة. وبعد تحديد المكان والزمان والعمل المعروض، وكان لأحمد ماطر، بدأنا في دعوة الحضور، وكنا قد اتفقنا على أن يكون الحضور من نخبة الشباب المثقف المطلع الذي لا يستعدي الفن والجمال.

وقد كان ذلك بالفعل. وتم العرض. وفي اليوم التالي طالعتنا صحيفة "الغارديان" البريطانية بتقرير مفصل عن العرض، وبأنها ثورة سينمائية في السعودية. حينها علمت بأن تدبير القصة كلها كان من أجل ظهور هذا التقرير المصنوع وليس من أجل أي شيء آخر، وذلك بالاتفاق مع محرر الجريدة وأحد الرفاق في المجموعة.

في ليلة العرض، خرج أحد الشباب المراهقين للمشاركة في الندوة المفتوحة التي أقمناها بعد عرض الفيلم. وكانت لغته الوعظية مقززة للغاية، رغم أن مظهره كان يميل إلى الحداثة والمعاصرة. قلت في نفسي حينها، ماذا يريد هذا الصغير من محاضرته الوعظية هذه التي لا مكان لها في الفن ولا في هذا المكان؟ إنه يفسر العمل السينمائي تفسيرًا وعظيًا يكاد يجعلني أتقيأ. هذا الشاب هو نفسه الذي وشى بأشرف فياض بعد تلك الليلة ببضعة أشهر، وكان جزءًا من المكيدة التي أوصلته اليوم إلى القتل.

وحين كان أشرف في المقهى الذي يسهر فيه بشكل يومي، وكان ذلك الشاب النزق ضمن المجموعة، بدأت بينهما مماحكة كان من الواضح أن الشاب النزق يفتعلها افتعالًا بشكل مستفز للغاية، حتى أوشك أشرف أن يعالج الأمر بيده. لكن الشاب النزق، الداعشي من الداخل، والدخيل على الفن والجمال، قد هدد أشرف حينها بأنه سيعيده إلى غزة! لقد جرح أشرف كما يجرح النسر حينها. وكاد يبكي دمًا لغبنه وحسرته على واقع لا يملك حياله أي شيء.

الحكم بقتل شاعر فلسطيني لاجئ بسبب كلمات قد نسي أنه كاتبها وصاحبها، لهو أمرٌ بالغ المأساوية والهزيمة

في اليوم التالي ، ولم يكن قد خطر ببال أحد أن ذلك الشاب كان جادًا في تهديداته. حتى اقتحمت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المقهى. وقبضت على أشرف كما يُقبض على المجرمين. لكنه بعد يوم واحد، خرج من التوقيف بريئًا لعدم ثبوت الأدلة على تهمة نشر الإلحاد. لكن رجل هيئة الأمر بالمعروف الذي تولى هذه القضية هو نفسه يعمل محققًا في هيئة التحقيق والادعاء العام! في خلط رهيب بين السلطات يكشف لنا حقيقة الدولة التي هي داخل دولة! الأمر الذي جعله يدعو الشاب ويأمره بأن يتقدم بدعوى من قارئ تجاه ديوان أشرف، يتهمه فيها بالإلحاد وبالإساءة إلى الذات الإلهية، وهو ما حصل بالفعل.

حينها تم استدعاء أشرف بعد أشهر من الاعتقال الأول، من قبل هيئة التحقيق والادعاء العام في عسير. ومنذ ذلك الحين أودع أشرف السجن وتم حكمه غيابيًا وهو في السجن بالسجن والجلد، لكنه اعترض وطلب الاستئناف، ليأتيه الحكم صاعقًا قبل نحو أسبوع بحد القتل!

لقد أخبرني أشرف بشكل شخصي، أن الشاب النزق لم يكن يتصرف من تلقاء نفسه، بل كان هناك من يوعز إليه بذلك، وهو أحد رفاق أشرف الذين يعملون في مجاله الفني من أبناء المنطقة. ولكن هذه الاتهامات التي لا يمكن إثباتها، الآن على الأقل، يصعب الخوض فيها، وفي تفاصيلها وخلفياتها، غير أن الحكم بقتل شاعر فلسطيني لاجئ بسبب كلمات قد نسي أنه كاتبها وصاحبها، لهو أمر بالغ المأساوية والهزيمة. إنها هزيمة للكلمة، هزيمة للحرية، هزيمة للإنسانية، هزيمة للحق، هزيمة للجمال، هزيمة للعدل، هزيمة لكل القيم الإنسانية التي بلغها الإنسان في هذا العصر، هزيمة للأمل وللكلام.. هزيمة للشعر وللفن ولكل شيء..

وأنا، في هذه الهزيمة، لا أملك إلا أن أشعر بالمزيد من الحزن .. والعار.



* كاتب وصحفي مستقل من السعودية.
.


 
أشرف فياض.. التحرّش بالذات الإلهية!
رامي العاشق


أثارتْ قضيّة الحكم بالإعدام على الشاعر والتشكيلي الفلسطيني أشرف فيّاض بتهمة "التحرّش بالذات الإلهية"، في السعودية، ضجّة كبيرةً في محاولة إيقاف الحكم، وامتلأت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بعبارات المطالبة بالحرية على أشرف فياض، وتفاوتت ردّات الفعل بين السخرية من الحكم، وبين الغضب والسخط، وذهب الناس إلى النبش في كتاب فياض "التعليمات في الداخل" الصادر عام 2008 عن دار الفارابي- بيروت، لتبحث فيه عما نسب إليه من تهم مثل الدعوة إلى الإلحاد وإنكار وجود الله، إلّا إنهم لم يجدوا شيئًا!

إعدام بعد الاستئناف

الصمت تجاه احتجاز فياض إهانة للمعرفة، الأدب، الثقافة، والفكر، وكذلك للحرية وحقوق الإنسان

كان أشرف فياض قد ألقي القبض عليه في كانون الثاني/ يناير 2014 في مدينة أبها، جنوب غرب السعودية، وصدر عليه حكم بالسجن أربع سنوات مع الجلد ثمانمائة جلدة في نيسان/أبريل 2014، ثم تم استئناف الحكم، وصدر حكم الاستئناف منذ أيام في السابع عشر من تشرين الثاني/نوفمبر بإثبات الردّة ونشر الإلحاد وعقوبة الإعدام!

السبب الحقيقي لاعتقال فياض

وتضاربت الأنباء حول السبب الحقيقي لاعتقال فياض، حيث ذكر والده في مقابلة صحفية على قناة فرانس 24 أن ابنه اعتقل من المقهى بعد مشادّة كلاميّة بينه وبين أحد أصدقائه على إثر مباراةٍ لكرة القدم، هدده صديقه أثناءها بالترحيل من السعودية ووضعه في السجن بحكم علاقته الوطيدة مع جماعة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، أي أنّ الدعوى كيديّة وباطلة ولا أساس لها من الصحّة، فيما تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي ما سمّوه "السبب الحقيقي لاعتقال فياض"، وهو فيديو نسب لفياض تصويره، وهو يوثّق اعتداء جماعة الأمر بالمعروف على طفل وتعنيفه، كلا الأمرين محتمل إلّا أن الثاني أكثر منطقيّة ربّما.

منظمة العفو الدولية تطالب بالإفراج الفوري

في سياق الحملة المطالبة بالإفراج عن فياض، أصدرت منظمة العفو الدولية بيانها بخصوص حكم الإعدام الصادر بحقه، وتبنّت آفاز تحويله إلى عريضة لجمع خمسمائة توقيع، وجاء في البيان: "رفضت طلبات الزيارة والتمثيل القانوني للشاعر، ونحن ندين هذه الأعمال التي تستهدف ترهيب أشرف فياض كجزء من حملة أوسع للتحريض على الكراهية تجاه الكتّاب، واستخدام الإسلام لتبرير القمع وسحق حرية التعبير، نعرب عن تضامننا مع فياض، على أمل زيادة الدعم للشاعر، وكذلك الضغط للإفراج عنه"، وأضاف البيان: "نحن ندعو المثقفين والفنانين السعوديين بشكل خاص للتعبير عن التضامن مع فياض ضد ممارسات التخويف التي يقوم بها التكفيريّون، والتي تهدف إلى إسكات الشعراء والمبدعين، الصمت تجاه احتجاز فياض إهانة للمعرفة، الأدب، الثقافة، والفكر، وكذلك للحرية وحقوق الإنسان".

تهمة مبتكرة!

منذ محاكم التفتيش، إلى الديكتاتوريات الشمولية، إلى "الدولة الإسلامية"، إلى السعودية؛ لا تزال تهم التجديف هي ذاتها

منذ محاكم التفتيش وسلطة الكنيسة وتهم التجديف وازدراء الأديان، إلى الديكتاتوريات الشمولية وتهم المساس بهيبة الدولة، إلى "الدولة الإسلامية" التي تقطع الرؤوس بتهمة الردّة، إلى السعودية وتهم التحرش بالذات الإلهية! العقلية ذاتها، الاسم اختلف. قتل المختلف وترهيب الذين يمكن أن يتبعوه، واستعمال شعاراتٍ كبرى وفضفاضة لها علاقة بمقدسات ومحظورات كالله والدولة!، فأي دولة تلك التي تضعف هيبتها من رأي مواطن؟ كذلك كانت تعليقات الناس على مواقع التواصل: "كيف يمكن التحرّش بالذات الإلهية؟/ التهمة بحد ذاتها إساءة للذات الإلهية/ مالفرق بينكم وبين داعش؟/ لأول مرّة يلقى القبض على متحرّش دون أن يطعن في شرف المتحرّش بها!/ أب يتحرّش بابنته ويغتصبها فيخرج بمناصحة، وشاعر يعدم بتهمة التحرّش بالذات الإلهية! فقط في السعودية".

أما فياض وبعيدًا عن هذا اللغط الذي يدور حوله وهو صامتٌ في زنزانته، يعود بالزمن أربعة عشر عامًا، فيتنبّأ بالمنفى شاعرًا، وينظّر للجنة من وجهة نظر فلسطينيّة، ويقول في قصيدته "المبشرون بالمنفى" التي كتبت عام 2002: "المنفى يتحضر لاستقبال البعض/ في المنفى سلمٌ وهدوءٌ/ تجدون الجنة في المنفى!/ الجنة/ في عبق اللوز ورائحة الليمون/ الجنة في حبات تراب تفهم لغتي/ تدرك كم أعشقها./ الجنة في رائحة الحقل البائر/ في أصوات ثكالى يندبن الزوج وفقد الابن/ الجنة في قلب الأم وعين الطفل المتيتم./ الجنة../ أن أطلي بدمائي جدران البيت./أن تُقرع أجراس المهد../ وتقام صلاة الجمعة تحت سماء الحرية./ الجنة في قلبي../ أحملها للمنفى".



* شاعر وكاتب وصحفي من فلسطين/ سوريا


.
 
أشرف فياض.. أسئلة على الهامش
رائد وحش


مع أشرف فياض إنسانيًا لا أدبيًا. لم نقرأ للشاعر ما يكفي لنقول إننا أمام نص شعري مفارق وصاحب حضور، وبالتالي علينا أن ندافع عنه. ما هو متوفر من كتابته على الإنترنت يقول إن نصه ليس هو القضية، بل مجرد مطية لتمرير قرار الإعدام.

الصراع مع سلطات الاستبداد، السياسية والدينية على حد سواء، ليس أمرًا شعريًا على الإطلاق

ما يلفت الانتباه أن البعض تعامل مع فياض، بعد صعود نجمه، بوصفه شاعرًا لا يشقّ له غبار لا بوصفه إنسانًا مظلومًا، في بلاد تتنازعها سيوف التطرف والاستبداد. ورغم أننا اعتدنا أن يفعل التكفير أفعاله الشنيعة، لكن ما لم نتعلمه بعد، بعد تجارب عربية عديدة متفاوتة في مجال التكفير، أنّ نبقى في نقاش حرية التعبير، وحق الإنسان في القول، لا في "فحولة" شعرية.

جاءت قضية فياض في وقت عربي عصيب، حيث هناك دولة إسلامية تستبسل لتثبيت نفسها بالسيف والحزام الناسف، ومد أصولي ساحق، وتفجيرات ترافقها تكبيرات تعلي اسم الله على الكفر والفسوق. جاءت القضية بوصفها قصاصًا من "كافر"، فكانت المفاجأة أن من نظن أنهم تحت حراب الأصوليين يرفعون أصواتهم في التضامن الكامل. هي إذًا بادرة خير باتجاه رفض كل ما يصدر عن المتشددين، وعلى رأسها المؤسسة الوهابية.

بين كل هذا، انتشر على فيسبوك "بيان للمثقفين العرب ضد محاكمة الشاعر أشرف فياض" يجمع بما يقتضيه النبل والتضامن كلَّ الأصوات المؤيدة للضغط على أصحاب القرار للتراجع عنه. شخصيًا وقعتُ على البيان من باب التضامن مع الشاعر، مع تحفظي على طريقة صياغة البيان الهزيلة، التي لا تسجّل أي موقف ثقافي، وكأن من صاغوا البيان يريدون تسجيل حضور لا أكثر، فسوى أن الصياغة قائمة على التعداد، وهو طريقة تنتمي إلى عالم البيروقراطية أكثر من انتمائها إلى الثقافة، إلا أنه (البيان) عمليًا يطالب بوقف القرار دون أن يسجّل أي موقف ضد المؤسسة التي تبنت قرار الإعدام، والتي تبين أن القضية قديمة نسبيًا، ولم يعرف بها الفضاء العام إلا مؤخرًا، ما يعني أن هناك من يموتون أو يعدمون سرًا. علينا أن نشكر من سرب الخبر.

ما نلمسه في الكتابات التي وضعها الشعراء هنا وهناك أنه ثمة غيرة من الشهرة التي وصل أشرف، وهو ما يمكن أن نعيده إلى فكرةٍ رومانسيةٍ هي الشاعر الذي تقتله قصيدته. يمكن فهم الشعراء من هذه الزاوية، لكن ما لا يمكن فهمه هو تجاهل ما هو واقعي لصالح ما هو رومانسي، حيث إن الصراع مع سلطات الاستبداد، السياسية والدينية على حد سواء، ليس أمرًا شعريًا على الإطلاق، بل هو نضال سياسي ديمقراطي حقوقي. ولا بد من التذكير هنا أن إيران أعدمت، في السنة الماضية، شاعرًا عربيًا من الأحواز هو هاشم شعباني، لكن شعباني مناضل في سبيل الحقوق العربية في الأحواز، ونصه ليس سوى سجع سطحي.

من دلالات المشهد الذي أشعلته القضية أن حالة الاحتجاجات والتفاعل تعدت المثقفين وأروقتهم لتصل إلى الناس، وهذه إشارة إلى أن وعي الحقوق والحريات في العالم العربي في حالة مدّ مقابل كل الجزر الأصوليّ.


.
* رائد وحش - كاتب وصحفي من فلسطين
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...