هذي الحياة التي راقت مجاليها ... يُحصَى حصاها ولا تُحصى مآسيها
ما كنت تلهو بما أَبدت ظواهرُها ... لو كنت ما تُخفي خوافيها
تَظَلُّ تَعْرِضُ ألواناً مَفاَتنَها ... وللشرورِ مجالٌ في نواحِيها
تجاور الحُسْنُ فيها والأسى ومشت ... ما بين أفراحها الكُبرى مناَعيها
يشقى ويفنى بنوها وهي لاهيةٌ ... بدلّها...
كانت الثقافة اليونانية خلاصة ثقافات البحر الأبيض القديمة: لأنها إلى جانب ما استوعبته من الحضارات الشرقية تمثل نتاج العقل اليوناني الذي كان أخصب عقل ظهر في العصر القديم. فلما مضى ذلك العص
ودالت دولة اليونان وكان العصر الوسيط كان العرب هم السابقين إلى التعرف بالثقافة اليونانية فأخذوا من علوم...
الوصف من أهم أغراض الشعر وأخص فنونه. وكلما كثر في شعر لغة أو آثار شاعر، دل على رقيهما الفني، إذ أن مناظر الطبيعة خاصة، وروائع المشاهدات عامة، من أشد العوامل تأثيراً في النفس الشاعرة وتحريكها لعاطفتها وبعثاً لها إلى القول. والوصف في الشعر العربي غزير يتناول شتى الموضوعات، ويبلغ في يد كبار شعراء...
يا ليتني كالشمس في عليائها ... لم يُرضها إلا المحلُّ الأَرفعُ
لم تمس الدنيا ولا أقذاَءها ... لكن إليها من عَلِ تتطلع
تحوِي جوانبَها بنافِذِ نظرةٍ ... وتُضيء غَيْهبَها بنورٍ يَسطعَ
وتَظَلُّ تَشَهدُ من شؤون أنيِسها ... ما مرَّ من أمرٍ وما يُتوَقَّع
وتَقلُّبَ الأحوالِ فيما بينهم ... في أعصُرٍ تَمضي...
يصدق الشطر الأول من بيت أبي العلاء المشهور على الشرق في موقفه اليوم من الغرب. سواء أصدق الشطر الثاني أم لم يصدق، ولا يسع الشرقي في بلاد الغرب إلا أن يتمثل به ما بين آن وآخر. فالشرق كما قال الاستعماري كلبنج ما زال شرقاً والغرب غرباً وكلاهما جاهل بالآخر، والغرب أجهل بصاحبه. الشرق مخدوع في الغرب...
بقية أيام تَقَضَّى كثيرها = بنعماَء أو بأساَء والعيش قُلَّبُ
غدوتُ أقضِّيها بأرضِ عَلقْتهاَ = وطاب بها لي مستراد ومذهب
وطاب اجتلاء الحسن بين شعابها = أشرِّق فيها تارة وأغرِّب
تَبَسَّمُ أحياناً فيعذب بِشْرُها = ولستُ بِخاَشً سُخْطَهَا إذ تُقَطَّب
بها مُسَتجَمُّ للجسوم ومتعة = وَرِىُّ وللنفس...
جزيرة قد إشاحتها يد القدر = عن الشطوط فقامت آية الجزر
قد استوت وسط أمواج تلاطمها = نصب الرياح ونصب البرد والمطر
إذا الشتاء أتاها لم يرم حولا = عنها وفشى فجاج الأرض بالكدر
قريب ما بين أطراف النهار وما = يزهو برونق آصال ولا بكر
يأتيك في كل يوم من تحوله = شأن جديد وأمر غير منتظر
يا رب يوم شرود جاء...
لعل الأدب الإنجليزي أشد الآداب تحفظاً في المقال والتزاماً للوقار وعزوفاً عن المجون، فبينه وبين الأدبين الفرنسي والروسي، مثلاً، بون كبير في هذا المجال. وبعكس ذلك كان الأدب العربي الذي وسع من صريح العبارة عن ماجن القول وسفسافه ما لا يسيغه العصر الحالي؛ بل لم يكن يسيغه فضلاء العصر الذي قيل فيه،...
لا ريب إن الأدب العربي مقصر دون الأدب الغربي في كثير من النواحي. برغم ماله من الميزات الخاصة وبرغم عراقته وحداثة الأدب الغربي بالنسبة إليه. فقد سار الأدب الغربي بخطى واسعة وتطور في عصوره. على حين سار الأدب العربي دائماً على نمط يكاد يكون واحداً. وكبا بعد العصر العباسي الزاهي كبوة لم يقل منها إلا...
يروع الناظر في الأدبين العربي والإنجليزي شدة ما بينهما من تباعد، وكثرة ما هناك من وجوه الاختلاف، وقلة ما فيها من وجوه التشابه والاتفاق، ولا غرو فان الظرف الجغرافية والتاريخية التي أحاطت بنشأة كل منهما ونموه وازدهاره، وكانت متباينة أي تباين، والعوامل الاجتماعية والسياسية التي تترك آثارها في الأدب...
يولد المرء جاهلاً ثم لا تزال التجارب تبصره بحقائق الحياة ولا يزال الدهر يعلمه ويؤدبه، ولا يزال هو بثاقب فكره، يتعظ بماضيه وينتفع بمشاهداته، ويصوغ من جزيئات التجارب التي يمر بها كليات يلخص فيها نواميس الحياة وطباع الأشياء، التي يجدر بالعاقل أن يسايرها ويحتال لها، لا أن يصادمها ويجري على غير...
للمرأة أثرها الخطير في المجتمع، ولمنزلتها من الارتفاع أو الانحطاط أوثق الصلات بتقدم المجتمع أو تأخره، واطراد رقيه أو ابتداء تدهوره، ولنظرة الرجل إليها ومعاملته إياها أبلغ الدلالة على سمو الأخلاق أو تدليها، فالمرأة هي الأليف الذي يسكن إليه رجل اليوم، والمربي الأول الذي ينشئ رجل الغد؛ فإذا كان ذلك...
التخلق من صفات الإنسان الذي يحيا في الجماعة، تضطره الحياة الاجتماعية إلى تعديل كثير من طباعه الفطرية التي يجبل عليها، وكبح ما يتنافى منها مع مصلحة المجتمع، الأخذ بما فيه تلك المصلحة، فالأخلاق الحسنة أو الفضائل هي الصفات التي بها يكون صلاح الفرد والمجتمع، ومن أجل هذا الصلاح يحمد الصدق والشجاعة...
المعنى الصادق الرفيع والأسلوب المحكم الجميل هما قوام كل أدب خليق بهذا الاسم، لا يغني أحدهما إذا غاب الثاني؛ فلابد من شعور عميق، أو تفكير ثاقب جدير بعناء الإنشاء والقراءة، ولابد بجانب ذلك من عبارة منسجمة جميلة تعرض المعنى على أحسن وجه وأحبه إلى النفوس؛ وكبار الأدباء في شتى الأمم يجمعون دائماً بين...
أثر البيئة في الإنسان ومجتمعه وعلومه وفنونه من النواميس التي اهتم العلم الحديث بكشفها وتتبع مظاهرها والرجوع إليها في شتى الدراسات. وأثر البيئة في أدب كل أمة على إطلاقه واضح مشاهد؛ بيد أن لكل أديب بيئة خاصة داخل البيئة العامة التي تحيط به وبغيره من أدباء أمته، ولهذه البيئة الخاصة أثر بعيد في...
التاريخ قصة الإنسانية وحكاية ماضيها، يصف حياة الإنسان من قديم عهوده، وتقلب أحواله على مرور العصور، وكفاحه في سبيل التقدم والسعادة، ويعرض أعمال الأمم وعظائم الأفراد وتعاون الشعوب حينا وتعاديها أحيانا، ويشرح سريان الحضارة والثقافة من صقع إلى صقع، ومن جيل إلى جيل، ومن أمة إلى أخرى، وما أضافته...
الخيال، أو القدرة على انتزاع شتى الصور الذهنية من الواقع واستحضارها والتصرف فيها، من المواهب التي يمتاز بها الإنسان على سائر الأحياء، ويمتاز بها النابغة على سائر الناس. رقي العلم رهين برقيه، واتساع الأدب متصل باتساعه، وهو بين الجماعات الأولى مصدر تلك الأساطير والأوهام التي تسود بينهم، كما أنه...
الوصف من صميم الفن ولباب الأدب وأدل ضروب القول على صدق الشعور وذكاء القلب، إذ أن روائع المشاهدات وطرائف المحسوسات وجديد المرئيات من أشد الأمور تأثيراً في نفس الأديب، واستجاشة له إلى التأمل، ودفعاً له إلى القول؛ وليس خير الوصف ما أحاط بكل حقائق الموصوف وأحصى كل دقائق أجزائه، كما تحصي الصورة...
إنما يقصد الأديب فيما ينشئ إلى التعبير عن شعوره وأفكاره لأنه يحس حافزاً يدفعه إلى ذلك التعبير، ويشعر براحة وغبطة إذا ما طاوع ذلك الحافز، بيد أنه يتأثر في كل ما يحس ويفكر ويكتب ببيئته الجغرافية ووسطه الاجتماعي وجيله الذي يحيا فيه، لا ندحة له مهما بلغ من استقلال الشخصية والأصالة في الابتكار عن...
الميل إلى تأليف القصص والاستمتاع بسماعه طبيعيان في الإنسان، فهو كما يميل تبعاً لغريزة الاستطلاع إلى مشاهده حوادث الحياة تترى أمام عينيه، يميل إلى حكايتها لغيره كما رآها أو تخيلها؛ ويميل إلى الاستماع إلى غيره يرويها له، يشبع بها غريزة الاستطلاع وملكه الخيال من نفسه. والحياة ذاتها ليست سوى قصة...
مما عرف به الإنسان انه حيوان يتذوق الفن، فحب الفن طبع فيه، تبدو مظاهره حالما يأمن على نفسه ويتوفر له قوته وحاجاته، فإذا ما فرغ من الضروري من أموره التفت إلى الكمالي، وطلب الفن والجمال، ومن ثم تظهر بعض الفنون بدائية بين الجماعات المتبدية، وترتقي بينهما وتتنوع بقدر ما تسمح به بيئتها ودرجتها من...
الشعر أسبق ظهوراً من النثر في عالم الفن الذي يحتفي صاحبه بإنشائه وتنميقه، ويتعمد إيداعه شعوره وأفكاره على نحو جميل يراد له السيرورة والبقاء. فالشعر يظهر ويرتقي والأمة ما تزال متبدية قليلة الحظ من الثقافة وأسباب العمران، أما النثر الفني فلا تدعو الحاجة إليه ولا تتم وسائله إلا في أمة متحضرة مستقرة...
تتأثر النفس الإنسانية بكل ما تحس من مظاهر الحياة، فإذا ما عبر المرء عن تأثره ذاك نثراً أو نظماً في لفظ نقي، كان تعبيره ذاك أدباً، فالأدب نتاج عاملين: مؤثر هو مظاهر الحياة التي تحفز الأديب إلى الإنشاء، ويتخذها موضوعاً لإنشائه، ومتأثر هو ذات الأديب التي يترجم القول المنظوم أو المنثور عن خوالجها،...
أوشكت عشر سنوات أن تنقضي على وفاة الشاعر الكاتب فخري أبو السعود على اثر محنة لم تمله حتى أسلمته إلى يد الردى، فقصفت شبابه الغض، وترك هذين البيتين أولهما لزهير والآخر للمتنبي:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعيش ... ثمانين حولا لا أباًلك يسأم
وإتى لمن قوم كرام نفوسهم ... ترفع أن تحيا بلحم وأعظم
وهذه...
وحدة الأشياء واشتراكهم في صفات ترفعهم جميعاً عن الجماد وتميزهم بالشعور بالغبطة والألم. كل هاتيك حقائق من الموضوع بحيث اهتدى إليها الأولون قبل أن يحققها العلم الحديث ويفصل دقائقها وخوافيها؛ وتنازع الأحياء البقاء، وعدوان أقواها على أضعفها وفوز القوي بالغلب والبقاء، هذه كذلك أمور واضحة رأى...
ينشأ أدب الأمة المتبدية ساذجاً بسيطاً صريح التعبير قريب المتناول، مطلق السجية في الإعراب عن الشعور الإنساني، وتظل له هذه السمة حيناً، حتى تتحضر الأمة وينتقل الأدب من جو الطبيعة الطلق إلى حياة المدينة. بما تشمل من وسائل الحضارة المادية وأسباب الثقافة الذهنية، فيرتقي الأدب لذلك كله وتتسع جوانبه...
يعبر الأدب عن شتى خوالج النفس وخواطر الذهن، ويصف تأثر النفس بمختلف صور الحياة وظواهر الكون وصروف الدهر، وكلها أمور لا يحد مداها ولا تحصى مذاهبها، ومن ثم لا تحد ولا تحصى أشتات الموضوعات التي يعالجها أدب أمة من الأمم في مختلف عصوره، فأدب الأمة الحي يشمل أطراف حياتها المترامية، مما يوحي به التدين...
كان الإنسان رحالة قبل أن يكون ذا وطن: كان يهجر جماعات جماعات بقاع الأرض الشحيحة ويقصد أصقاعها الخصيبة ووديانها الكريمة، طلباً للقوت والتماساً للغنم؛ فلما استقر في الأوطان والمساكن لم يستغن في حياته عن الرحلة، بل ظل يحفزه إليها ابتغاء الرزق تارة، وحب الاستطلاع والمتعة أخرى، وشهوة الغلب والفتح...
البطل فرد يمتاز عن غيره من أفراد مجتمعه بمواهب عقلية أو خلقية أو جسدية، يظهر بها بينهم وينال من أجلها إجلالهم ويبذلها في خدمتهم ويتولى قيادتهم في معترك الحياة ردحاً من الزمن، ويترك في تاريخهم أثراً يطول عهده أو يقصر؛ فالبطل لا يكون إلا في مجتمع، وهو عادة نموذج لصفات أبناء ذلك المجتمع ومثل أعلى...
حب الحياة كائن في طبيعة كل حي، والرضى بها والاطمئنان إليها والإقبال عليها شيمة جميع الأحياء مادامت بنياتهم صحيحة وحاجاتهم حاضرة، والمرح واللعب غاياتهم الأخيرة مادامت غرائزهم مقضية اللبانات مشعبة المطالب. ولما كان الإنسان يمتاز بالخيال والفكر فإن له مطالب نفسية غير مطالب جسده الغريزية؛ يرضى...
إذا ما استقر الإنسان في موطن آمن، وارتقت عقليته، لم يعد يكتفي بتوفير حاجاته الجسدية واتقاء قوارع الطبيعة، بل بدأ يفكر في نفسه ومنشئه وغايته؛ لم يعد يكتفي بقبول الحياة على علاتها ومداراة غوائلها، بل راح يتساءل عن ماهيتها وغايتها وما بعدها، وأجاب عن تساؤله ذاك بما تتيح له عقليته البدائية من...
من أقوى الدلائل على حيوية أدب أمة وصدق ترجمته عن المشاعر الإنسانية احتفاء الأمم الأخرى به، وعنايتها بدرسه، وتأثرها بنتاجه، واصطناعها وسائله، واشتهار فحوله بينها؛ فإن الأدب إذا كان حياً صادق التعبير عن النفس الإنسانية، عميق النظرة في مشاهد الكون، تخطى حدود أمته واجتاز حوائل اللغة والتقاليد...
الجمال هو مادة الفن، والتأثر به هو وحي الأديب، والتعبير عنه هو رسالة الأدب، سيان جمال الطبيعة والجمال الإنساني؛ وأصدق مقياس لرقي الأدب وحيويته حسن تعبيره عن الفتنة بهذين الضربين من الجمال، وأدق برهان على رقي المجتمع وصحة بنيته حفول أدبه بالتعبير الصادق عن الشعور الحار بفتنة الجمال في مظهريه...
بداوة الأمة هي عهد طفولتها؛ فيها يكون أدبها ساذجاً على صدق عاطفته، ضئيل الحظ من الفكر المستقيم على قوة شعوره؛ ويشبه دخول الأمة طور الحضارة والثقافة بلوغ الناشئ الحلم؛ إذ تنضج أفكارها ويتنبه وعيها بما يحيط بها من مظاهر الكون ويزداد تأملها فيها واتصالها بها؛ ومن ثم يزداد اثر الفكر السليم والنظر...
تبدأ العلوم والفنون الإنسانية كلاًّ مختلطاً كالسديم، فإذا ما ارتقت وتطورت تبينت أجزاؤها وانفصلت، ووضحت أشكالها وتميزت، وتعددت مناحي كل علم وفن، وتوفر بعض ممارسي تلك العلوم أو الفنون على ناحية من نواحي العلم أو فرع من فروع الفن وتوفر غيرهم، كلٌّ يتبع ما هو أقرب إلى طبعه وأوفق لعبقريته وأتمُّ...
للمرأة أثرها البين في كل مجتمع وبالتالي في أدب ذلك المجتمع، بل إن مكانتها في المجتمع وأثرها في الأدب أوضح دليل على مدى رقي الأمة. وأول ما نصادف من فرق بين تاريخي المرأة العربية والمرأة الإنجليزية أن مكانة الأولى تبدأ رفيعة وتظل كذلك حيناً ثم تسير في انحلال مستمر، بينما تاريخ الثانية هو تاريخ رقي...
الخيال - وهو القدرة على انتزاع شتى الصور من الواقع المشاهد واستحضارها في الذهن في أي وقت، والتصرف فيها على مختلف الأشكال والأوضاع - عنصر من أهم عناصر الأدب مهما اختلفت أنصبة الأدباء منه، وهو أسس التشبيهات والمجازات، ولولاه لالتزم الفكر الإنساني الواقع المتحجر أيما التزام.
وللخيال في الأدب وظائف...
التعبير عن خوالج النفس الإنسانية وتأثراتها بمظاهر الكون المحيطة بها هو غرض الفنون جميعاً ومن بينها الأدب. ولا يرقى الأدب إلى مرتبة الفن السامي حتى يكون ذلك التعبير عن المشاعر النفسية غرضه الوحيد، منزهاً عن كل غرض خارجي أو مطلب مادي؛ فإذا خالطه شيء من ذلك هبط إلى مرتبة الصناعة، ولم يعد له في...
تمر الأمم في استقرارها وتحضرها بثلاثة أطوار عامة من أنظمة الحكم: ففي الطور الأول تكون أزمة الأمور بأيدي رؤساء القبائل الرحالة أو القريبة العهد بالاستقرار، وهو ضرب من الحكم أرستقراطي؛ وفي الطور الثاني تتجمع مقاليد الحكم في يد حاكم فرد يوحد أجزاء مملكة ذات مساحة يعتد بها وتخوم طبيعية، وهو نظام...
ليس النقد إلا ميلاً طبيعياً في الإنسان إلى الحكم على ما يحس وما يرى، واختيار الأحسن من ذلك. ونشاط النقد دليل على نشاط الفكر، وهو مصاحب لارتقاء الأدب وانتشار الثقافة في كل أمة؛ بل هو ضروري لتقدم الأدب: يقفه على مواضع إحسانه ويظهره على مواقع تقصيره، ويجلو أمامه غاياته وطرائقه، ويستحثه على دوام...
طبائع الإنسان ومواهبه متماثلة حيثما حل من بقاع الأرض، ومجتمعاته متشابهة الظواهر أينما قامت. تتشعب بين أفراد كل مجتمع إنساني عوامل التعاون والتنافس والتحاب والتباغض والمطامع والمخاوف، غير أن للبيئة أثرها في تشكيل المجتمع الإنساني الذي تحيط به، بما تعرض أمام أبصاره وأذهانه من مناظر ومسائل تحجب عنه...
يكثر التشابه بين أفراد الجنس الواحد في عالم الطبيعة في الطبقات الدنيا من الأحياء، وكلما ارتقى الجنس في سلم الحياة ازداد الاختلاف في المظهر والصفات بين أفراد الجنس؛ وكذلك الحال في المجتمعات البشرية: يتشابه الناس ويتقاربون في المشارب والأغراض في عصور الانحطاط، ويختلفون خلقا وعبقرية في عصور...
إذا انطوت الفكاهة على صادق حكمة أو نافذ نظرة، وأُودعت العبارة المحكمة اللائقة بها، كانت في الفرد دليل صفاء الذهن ولطافة الحس، وفي الأدب مظهر الرقي والحيوية، وفي الأمة عنوان التحضر ورقة الطبع. والفكاهة عند ذلك لا تقل مكانة عن أرزن الجد، بل ربما بذته وكانت مرآة لميول الفرد والمجتمع أصدق تصويراً من...
تختلف الفنون في مجالاتها وبعض وسائلها: فللشعر من القدرة على وصف الحركة وتناول الأشياء المتباعدة في الزمان والمكان ما ليس للتصوير، ولهذا من المقدرة على بيان دقائق الموصوف وتحديد ماهيته ما يعوز الشعر؛ ولكن الفنون تتفق جميعاً في غايتها التي هي التعبير عن تأثر الإنسان بروائع الحياة وشغفه بجمالها،...
تفشو الخرافة - وهي الاعتقاد بالمستحيل عقلاً - بين الجماعات الأولية، حتى تشمل ديانتهم وعلومهم وفنونهم القليلة، وعرفهم وتقاليدهم، لأن تلك الجماعات في نشأتها كالطفل في صغره، قليلة الإدراك للأسباب والمسببات، سريعة الانقياد للعواطف والأوهام والمخاوف، فلا تلبث أن تنمو بينها شتى الأساطير، تفسر بها قوى...
للدين في أدب كل أمة أثر عميق متشعب، بل هو أخل الآداب والفنون والعلوم، تنشأ كلها في الجماعات البدائية لخدمته، ويستأثر بالتبحر فيها رجاله، ثم تذيع عنهم في بقية الشعب وتنفصل تدريجياً عن الدين، ويستقل كل منا بنفسه، ويظل للدين مع ذلك أثر فيها قل أو كثر، يؤثر فيها من جراء تأثيره في المجتمع الذي تستقي...
الممارسون للآداب نثراً ونظماً في كل أمة وفي كل جيل أكثر من أن بعدوا، لأن الإفصاح عن خوالج النفس وتأثراتها بما تحس وما ترى طبعي في الإنسان، وإنما يَنْبُهُ من أولئك الممارسين للآداب القليلون ويخلد الأقل؛ يميزهم من غيرهم سداد الفكر ولطف الشعور وروعة الأسلوب، ومن أولئك يكون أعلام كل أدب، ترفعهم...
يمر أدب كل أمة بثلاثة أطوار كبرى تتبع عهود رقي الجماعة: فطور الهمجية يليه طور البداوة ويلي هذا طور الحضارة؛ وفي الطور الأول لا يكون للأدب وجود مستقل بنفسه، بل يكون الشعر تعبيراً ساذجاً عن بسيط العواطف ممتزجاً بالغناء والرقص، ويكون النثر شذوراً من الخرافات والمعتقدات المتوارثة عن الآلهة والجان...
تتفق اللغتان العربية والإنجليزية في خروجهما من جزيرة منعزلة، وانتشارهما في إمبراطوريتين متراميتين، وفي تأثر أدبيهما بهذا التوسع العظيم وبالاختلاط بالأمم الأخرى وآدابها، ولكنهما يختلفان في كيفية هذا التأثر ونواحيه ومداه، لاختلاف الظروف التي اكتنفت قيام الإمبراطوريتين.
فقد صحبت قيام الدولة...