اعتدت أن تختلف إلى مكتبك كل صباح، مثل الساعة الدقيقة أنت، تفد للمكتب في الثامنة من الصباح، في الشتاء كما في الصيف، ولم تغير عادتك تلك أبدا، حين كنت تعمل في الدامر أو الفاشر أو في كسلا.. حقا أنك قد خبرت أكثر أقاليم بلادك ولكنك لا تعرف ما هو الفرق، النهار في المكتب، والمساء في النادي.. وهناك دائما...
كتبتُ لك هذا الخطاب في ذهني مرات، مسحته، أعدتُ كتابته، مسحته ثم أعدتُ كتابته وألحَّ عليّ، صرت أنطقه لنفسي نطقاً، وأهمسه لنفسي همساً، وقد كنت أظن قبل اليوم أن آثار الجرح القديم قد انمحت، وأن بقايا الأوصاب قد عفا عليها الزمن، وأني أخذت نفسي بشدة لم تعتد عليها نفسي، كل هذا لأني أريد أن أجعل نفسي...
على محمد على المك
(أمدرمان 12 فبراير 1937 ـ نيومكسيكو 1992)
قاص وروائي وناقد سوداني.
ولد المك في أمدرمان ونشأ بها. تعلم في كتّأب ود المصطفى، ثم مدرسة ارقو الأولية، ثم مدرسة الفاشر الأولية متننقلا مع والده الذي كان يعمل بالقضاء. ظهر تفوقه في سنوات دراسته الأولى فاختير ليكون ضمن طلاب المرحلة...