قصة ايروتيكية رابح محمود - شبق

هوس قاتل يسكن بين الضلوع.. تباريح الهجر تمخر فى عباب الشجن.. زمجرة الغريزة تعصف بالوجدان.. ومزامير الغواية تحلق فى سماء الشبق.. معان خادعة حائمة هائمة فى أجواء البغى والبغاء.. تصنع إفكا وتخلق أكاذيبا.

بوادر نهاية قاتمة تعلو فى الأفق.. وفى الملكوت تتلى ترانيم الحذر.. قبل الوجود كانت قصة الفساد وسفك الدماء تتوج هامة العدم.

واليوم تترامى إلى الأسماع همهمات الغواية.. وتبوح الخيانة برائحتها التى لم تحفظ يوما سرها.. الشبق يرتدى زى الهوى.. يتغنى بالصبابة ويَسَلى بقصص الغرام.. ويسلب الفجور لب الحقيقة.. يُلبس الغواية رداء الهداية.. فيزيد العشق لهبا واضطرما.

الغواية ما تزال تأخذ دورها تعمل بجد ومثابرة.. لا تفتر ولا تهدأ حتى تودى بأصحابها.. لكنها حينما يضطرم اللهيب.. وتتلظى النار وتتأجج.. وتستعر الأفئدة بها.. حينها تفر تاركة الساحة لانفجار قد اقترب.

شغفها عشقا وشغفته جسدا.. كشفت عن ساقيها.. وكشف عن خبيئة عينيه.. ثمة صرح ممرد من غفلة.. ارتعش فى النفس الشبق المجهول.. وتلظت الغواية فى جوف الفؤاد.. حرب ساخنة فى أفق النفس التى تحولت إلى ميدان يصول فيه الشبق ويجول.

الأحلامُ ترواد الأحلامَ.. والأوهامُ تدعو الأوهامَ.. وأنين الوحدة يضاجع الآلام.. والفتنة التى صاحبتهما تغزل لهما بالدماء سربالا من قطران.

التقوى فرت من المكان والزمان.. تضاءلت واضمحلت وأصابها الإعياء.. فباءت فى هذا الميدان بالخسران.. وفى جنح الليل.. تحت مظلة السر.. فى الخفاء وبالدهاء.. التقيا.

أغلقا الباب.. واحتكت واحتك.. وسال العَرقُ على العرق.. وتطاير الشرر يلتهم الحكمة.. العقل غاب وانزوى.. فى جسد الحكمة ظهر نجم أسود.. طارق ثاقب.. يجذب الأشعة النورانية إلى جوفه.. لا يترك بصيصا من أمل.. ولاسِنة من روية أوعقل.

صوت العندليب يعلوا يخاطب الهوى.. يردد فى النفس صدى البراءة والأحلام.. لكنه صادف فى نفس الغواية قبولا:

علمنى كيف أقص جذور هواك من الأعماق

علمنى كيف تموت الدمعة فى الأحداق

علمنى كيف يموت القلب وتنتحر الأشواق

إن كنت قويا

أخرجنى من هذا اليم

فأنا لا أعرف فن العوم

وخلف الباب المغلق.. هاله ما لم ير.. خلف الستائر مرمر.. عوى الذئب فيه وصرخ.. سمعت عواءه فانتشت واستسلمت.. نظر إليها بعينيه فارتبكت.. ما أعجب العيون !.. للعيون أيد خفية.. تلمس المشاعر والأحاسيس فتلهبها.. نظر إليها فأصابتها سهام لا تخطئ هدفا.. لكن السهام وجدت قبولا عند الفريسة.. وهمت أن تكشف سرها.. وهم أن يفتك بسرها ونجواها.. لكن.

لكن فجأة لاح المستقبل فى أعينهما.. رأيا برهانا لا يعلوه برهان.. نظرا فى الأفق.. رأيا فى المستقبل طفلا شريدا طريدا.. مجهول الهوية ومجهول الأخلاق ومجهول الخطر.. ورأيا فى المستقبل برهان الشك والريبة يسكن فى العقل ليفتك بصاحبه.. يمزق حياته ويشعل النار فى سعادته.. يلقى بالحمم والحميم على السكينة والطمأنينة فى قلبه.. فيحيلهما جحيما أبديا ونارا تلظى.. ورأى إخوتها ونيران الغضب المشتعلة فيهم لا يطفئها إلا الدم.

رأيا فى أفق المستقبل دماء وأشلاء.. ودموعا وحطاما.. وبقايا إنسان منزوٍ فى ركن اليأس.. يعالج الآلام والأحزان.

ذعر فى العيون.. أطياف ندم حلت بالمكان.. ند العَرقُ عن العرقِ.. وافترق الجسدُ عن الجسد.. وأدبرت الغواية وولت.. هرول الذئب من جسده وهو يئن.. لم تسقط الفريسة بعد.. لم تحدث الخطيئة بعد.. النجاة النجاة.







indolence-guillaume-seignac.jpg

Indolence
Guillaume Seignac
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
أعلى