حكاية حسن الصائغ البصري - من حكايات ألف ليلة وليلة

(.........)
وكان حسن واضعاً على وجهه لثاماً بحيث لا يظهر منه غير عينه وإذا بجماعة من البنات مشين إلى قرب النهر ثم قلعن ثيابهن ونزلن في النهر فصار حسن ينظر إليهن وهن يغتسلن فصرن يلعبن وينشرحن ولا يعلمن أنه ناظر إليهن لأنهن ظنن أنه من بنات الملوك.
فاشتد على حسن وتره حيث كان ينظر إليهن وهن مجردات من ثيابهن، وقد رأى ما بين أفخاذهن أنواع مختلفة ما بين ناعم ومقبقب وسمين مربرب وغليظ المشافر وكامل وبسيط ووافر ووجوههن كالأقمار وشعورهن كليل على نهار لأنهن من بنات الملوك ثم إن العجوز نصبت له سريراً وأجلسته فوقه، فلما خلصن طلعن من النهر وهن متجردات كالقمر ليلة البدر وقد اجتمع جميع العسكر قدام حسن لأن العجوز أمرت أن ينادي في جميع العسكر أن يجتمعن قدام خيمته ويتجردن من ثيابهن وينزلن في النهر ويغتسلن فيه لعل زوجته أن تكون فيهن فيعرفها وصارت العجوز تسأله عنهن طائفة بعد طائفة فيقول ما هي في هؤلاء يا سيدتي. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية والستين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن العجوز كانت تسأل حسن عن البنات طائفة بعد طائفة لعله يعرف زوجته بينهن وكلما سألته عن طائفة يقول ما هي في هؤلاء يا سيدتي ثم بعد ذلك تقدمت جارية في آخر الناس وفي خدمتها ثلاثون خادمة كلهن نهداً بكار فنزعن عنهن ثيابهن ونزلن معها في النهر فصارت تتدلل عليهن وترميهن في البحر وتغطسهن ولم تزل معهن على هذا الحال ساعةً زمانيةً ثم طلعن من النهر وقعدن فقدمن إليها مناشف من حريرٍ مزركشة بالذهب فأخذتها وتنشفت بها ثم قدموا إليها ثياباً وحللاً وحلياً من عمل الجن فأخذتها ولبستها وقامت تخطر بين العسكر هي وجواريها فلما رآها حسن طار قلبه وقال هذه أشبه الناس بالطيرة التي رأيتها في البحيرة، في قصر أخواتي البنات وكانت تتدلل على أتباعها مثلها.
فقالت العجوز: يا حسن هذه زوجتك؟ فقال: لا وحياتك يا سيدتي ما هذه زوجتي ولا مثل قدها واعتدالها وحسنها وجمالها. فقالت: صفها لي وعرفني بجميع أوصافها حتى تكون في ذهني فإني أعرف كل بنت في جزيرة واق الواق لأني نقيبة عسكر البنات والحاكمة عليهن وإن وصفتها لي عرفتها وتحيلت لك في أخذها. فقال لها حسن: إن زوجتي صاحبة وجه مليح وقد رجيح أسيلة الخد قائمة النهد دعجاء العينين ضخمة الساقين بيضاء الأسنان حلوة اللسان ظريفة الشمائل كأنها غصن مائل بديعة الصفة حمراء الشفة بعيون كحال وشفايف رقاق على خدها الأيمن شامة، وعلى بطنها من تحت سرتها علامة ووجهها منير كالقمر مستدير وخصرها نحيل وردفها ثقيل وريقها يشفي العليل كأنه الكوثر أو السلسبيل.
فقالت العجوز: زدني في أوصافها بياناً زادك الله تعالى فيها افتتاناً، فقال لها حسن إن زوجتي ذات وجه جميل وعنق طويل وطرف كحيل وخدود كالشقائق وفم كخاتم عقيق وثغر لامع البريق يغني عن الكأس والإبريق في هيكل اللطافة وبين فخذيها تخت الخلافة ما مثل حومة بين المشاعر كما قال في حقه الشاعر:
اسم الذي حيرني حروفه مشتهره = أربعة في خمسةٍ وستةٍ في عشرة
 
أعلى