عبدالله الجعيثن - أوصاف الحبيب في الشعر الشعبي والشعر الفصيح عين الرّشا قد القنا ردف النقا، شعر الد

يحتار المحبون في وصف الحبيب، لأنهم يحبونه بعين الخيال التي يستحيل أن تصف ما ترى.. وما تُحسّ.. فالخيال يطير في الفضاء.. ويصعب على الاصطياد.. والحب أعمى لا يرى إلا محاسن المحبوب ولا يرى فيه عيوباً ويرى أن عيوبه محاسن أيضاً أما ما فيه من جمال فإن العاشق يضربه في أرقام خيالية تتولّد من ضربات قلبه العاشق، وأما محاسن الحبيب الحقيقية فإنه يراها بعين الشغف والتوله والهيام وتبدو في خياله وناظريه أحسن من الحسن نفسه لأنه يراها بعين عاشقة شاعرة، هنا تتحول محاسن الحبيب إلى شعر ساحر يبهر العاشق فيحاول أن يصف ما يجد ومهما يبالغ فإنه يحس بالتقصير لأن ما في قلبه نحوه من انبهار يستعصي على الشعر والتعبير..

ومع ذلك يحاول الشعراء العاشقون ذكر أوصاف أحبابهم على وجه التقريب والتشبيه وكأنهم يحاولون اصطياد مئات الفراشات في حديقة يانعة فلا يظفرون بغير اللهاث..

يقول صفوان بن ادريس في وصف محبوبه:

يا حُسنَهُ والحسن بعضُ صفاته = والسحر مقصور على حركاته
بدر لو أن البدر قيل له: اقترح = أملاً لقال: أكونُ من هالاته!
يُعطي ارتياحَ الحسن غصن أملد = حَمَلَ الصباح فكان من زَهَراته
فضممته ضم البخيل لماله = أحنو عليه من جميع جهاته
أوثقتُهُ في ساعدي لأنه = ظبي أخاف عليه من فلتاته
والقلب يدعو أن يصيّر ساعداً = ليفوز بالآمال من ضَمَّاته

ونجد شاعراً جاهلياً قديماً هو (الأفوه الأودي) يصف محاسن محبوبته بشكل حداثي، يقول:

كل جزء من محاسنها = كائن في حسنه مثلا
لو تمنت في براعتها = لم تجد في حُسنها بدلا..!

فهي لو خيرت في تعديل أي شيء من ملامحها أو أعضائها فلن تجد أجمل مما هي عليه أبداً..!

ويرى أبو نواس أن أوصاف حبيبته الجميلة تتجدد بهاءً وجمالاً كلما دققت النظر إليها واقتربت منها وأن جمالها يتوالد بسرعة عجيبة، قال:

وذات حُسن مورد = فتانة المتجرد
تأمَّل الناسُ فيها = محاسن ليس تنفد
الحسنُ في كل جزء = منها مُعاد مردد
فبعضه في انتهاء = وبعضه يتولَّد
وكلما عدتَ فيه = يكونُ بالعود أحمد!

وهذا يشبه قوله:
كأنَّ ثيابَهُ أطلعنَ = من أزراره قَمَرا
يزيدك وجهه حسناً = إذا ما زدته نظرا

والعرب يقولون:

"أحسن النساء الجميلة من بعيد المليحة من قريب"

ويقول ابن الأعرابي: "الحلاوة في العينين، والجمال في الأنف، والملاحة في الفم".

ويقول الثعالبي في كتابه (فقه اللغة): "الصباحة في الوجه، والوضاءة في البشرة، والرشاقة في القد، واللباقة في الشمائل، وكمال الحسن في الشعر..".

أما فقه الشعر فلا يعترف بهذا التفسير، فهو شاعري يسحره المحبوب كله، ولا يدري سر هذا السحر، يقول إبراهيم ناجي:

"أي سر فيك؟ إني لستُ أدري = كل ما فيك من الاسرار يغري
خطر ينسابُ من مفتر ثغر = فتنة تعصف من لفتة سحر
قدر ينسج من خصلة شعر = زورق يسبح في موجة عطر
في عباب غامض التيار يجري = واصلاً ما بين عينيك وعمري"!

فكل شيء في المعشوقة يختلف عنه في بقية النساء، لأنها تسحر معشوقها، فهو يرى خصلة شعرها فيكاد يجن، ويرى بسمة ثغرها فيكاد يغمى عليه، ويرى لفتاتها وعطفاتها فيغيب عن الوجود ولا يرى سواها، إنه العشق إذا تمكن فهو كالسحر:

"هي السحر إلا أن للسحر رقية = وإني لا أرى لها الدهر راقيا"

كما يقول مجنون ليلى..

وسحر الحبيب في أنه مجهول، وأن عاشقه منه محروم، وأنه يشعل خياله في محاسنه حتى يستولي على قلبه من كل الجهات.. ويأخذ عقله، وقد أحس بذلك مجنون ليلى نفسه فقال:

"فوالله ما أدري أزيدت ملاحةً = وحسنا على النسوان أم ليس لي عقلُ؟!"

ويشبه الشريف الرضى محاسن محبوبته المادية بأشياء معنوية:

"وإنك أحلى في جفوني من الكرى = وأعذبُ طعماً في فؤادي من الأمن"

أما الراعي النميري فيصف حديث معشوقته بوقع المطر بعد جَدءب قاتل:

"وحديثها كالقطر يسمعه = راعي سنين تتابعت جَدءبا
فأصاخ يرجو أن يكون حياً = ويقول من فرح: هَيَا رَبَّا"

ويصف ابن مليك دلال محبوبته:

"يميلُ به خمرُ الدلال فكأنما = معاطفه من خمر ألحاظه سكري"


(أوصاف الحبيب في شعرنا الشعبي)

ويمتلئ شعرنا الشعبي بأوصاف الحبيب، ولكننا نأخذ منها على سبيل التمثيل.. يقول محسن الهزاني:

"نجل النواظر هافيات الخواصر = سمر الجدايل نابيات المخاصر"!

فقدم أربعة أوصاف جميلة في بيت واحد!

ويرى ابن سبيل أن معشوقته هي مقر الحب لا يتعداها، وأنه في أوصافه عجب وفي عينيه سحر:

"الحب يوم أنك مقرّه ومرساه
عندك مداهيله وعندي بنوده
لو طال ياسه ما هقيت اني انساه
اذكر تعاجيبه ولجلاج سوده"

ويرى ابن سبيل أن أوصاف حبيبه تذبحه:

"وإلى ذكرتُ اللي حديثه ذباحي
وبيض يوريني عسلهن وهو شاح
واللبة اللي مثل بيض المداحي
واغضاي موقه و المقاديم رجاح
يا ذابح المسلم بليَّا سلاحي
لا تستبيحه قبل سلال الأرواح"

ويبحث الوضيحي عن معين على وصف الحبيب:

"يا من يعاوني على وصف كنه
أشقح شقاح ولا هق اللون ياضي
ونهود للثوب الأحمر شو لعنه
حمر ثمرهن غطسن بالبياضي"

ويقول سحلي العواي كما ورد في الشوارد 283/3:

"الزين والله بين جُبَّه ومشهور
لي شافها قلب المشقى عشقها
ما جمعت زينه تلاميع وخصور
زين على زين من الله خلقها"

ومن رائع الوصف قول الشاعر سعود بن محمد:

"يا زين قولتها "كذا" تنسف الراس
تضحك وسود الرمش غاش وجنها
تذبح بجيد فيه رمع من الماس
له لفتة خطر على الروح منها
هيفا.، غرايب زينها يفتن الناس
من شافها بالعين ما صد عنها
تاهت بوجداني وقلبي والاحساس
وأقفت بغالي الروح بأرخص ثمنها"

ويقدم منوخ بن نادر الحميداني صورة متحركة:

"خل الهدب يرقص على الخد مسموح
رقص الفتاة اللي بالأشقر تلوحي"

ويقول محمد القاضي:

"بدر الدجى قرّب لها في دجى الليل
وشمس الضحى تمتاز عن غرة له"

ويقول سليمان بن ناصر بن شريم في رائحة الحبيب:

"ريحه كما ريح النفل في شعيبه
في وادي عله من الوسم تشعيب
ممطور أمس ودارس ما وطي به
واليوم شمس وفاح طيب على طيب"

ويقول عادي بن محمد بن رمال:
عينها جمة غدير بقفقوفي
في محاجر فيضة عقب ماساله


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أوصاف الحبيب في الشعر الشعبي والشعر الفصيح
عين الرّشا قد القنا ردف النقا، شعر الدجى شمس الضحى وجه القمر
عبدالله الجعيثن



VLBMdepront.jpg

البارونة دى ميل 1818
 
أعلى