من جلسات محاكمة رواية استخدام الحياة

حيثيات حكم براءة رواية “استخدام الحياة” ضد_محاكمة_الخيال
حكم 2 يناير 2016
رئاسة السيد / ايهاب الراهب
السيد / حسين شقوير وكيل النيابة
محمد الصاوي أمين السر
قضية النيابة العمومية رقم 9292 لسنة 2015 جنح بوﻻق أبو العلا
ضـد
أحمد ناجي أحمد حجازي
طارق الطاهر حنفي سيد
بعد سماع المرافعة ومطالعة الأوراق
حيث تتحصل وقائع الدعوي فيما أبلغ بيه المدعو / هاني صالح من أنه حال شراءه لجريدة أخبار الأدب العدد منه يتضمن عبارات تخدش الحياء العام وعبارات جنسية وأنه يتضرر من كل من طارق الطاهر حنفي رئيس تحرير جريدة أخبار الأدب والصحفي أحمد ناجي أحمد حجازي كاتب المقال .
حيث باشرت الناية العامة التحقيقات وبسؤالها للمتهم الثاني طارق الطاهر حنفي رئيس تحرير أخبار الأدب انكر ما هو منسوب إليه وقرر بانه لم يطلع علي النص بالكامل وإنما اكتفي بقراءة رقم 1097 الصادر بتاريخ 3 أغسطس 2014 فوجئ بمقال يحمل اسم ملف استخدام الحياة الفصل الخامس عنوان النص فقط وبسؤال الشاكي قرر بمضمون ما جاء بمحضر الاستدﻻﻻت وأضاف بانه فقد اصابه ضرر من ذلك وبسؤال النقيب أحمد سمير الشيخ معاون مباحث قسم بوﻻق أبو العلا شهد بان تحرياته انتهت إلى صحة الواقعه وقد قدمت النيابة العامة المتهمان للمحاكمة الجنائية بالمادتين 178و 200 مكرر أ / 2 من قانون العقوبات لقيام المتهم الاول بنشر مقال بقصد العرض و التوزيع يحتوي مادة كتابية خادشة للحياء العام علي النحو المبين بالاوراق وقيام المتهم الثاني بصفته رئيس تحرير جريدة اخبار الادب اخل بواجب الاشراف علي جريدته فيما ادي الي نشر المقال محل الاتهام السابق .
وحيث تداولت الدعوى بالجلسات علي النحو المبين بمحاضر جلساتها مثل فيها المتهم الأول ووكيل محام والذي طلب شهادة المختصين من رجال الأدب والفكر واختص كل من الأستاذ/ محمد سلماوي و الروائي / صنع الله إبراهيم والأستاذ/ جابر عصفور كما مثل المجني عليه بوكيل محام وطلب أجَلُا لإعلان بالدعوى المدنية وبجلسة 12 ديسمبر 2015 مثل كل من الأستاذ / محمد سلماوي رئيس اتحاد الكتاب و الروائي / صنع الله إبراهيم وأقر كل منهما بان العمل محل المحاكمة هو عمل روائي متكامل من خيال الكاتب المتهم الأول وﻻ يمكن اجتزاء أي جزء منه علي حده وتقييمه بشكل منفصل عن سياق الرواية وانه يوجد الكثير من الأعمال الأدبية الهامة حوت علي الفاظ وايحاءات جنسية كرواية ألف ليله وليله ورواية دعاء الكروان لعميد الأدب العربي طه حسين كما أن العديد من كتب الفقه و التفاسير حوت أيضا علي ألفاظ وعبارات جنسية كما مثل محام المتهم الأول وأبدي مرافعة شفوية استمعت إليها المحكمة كما قدم أيضا مذكرة بدفاعه طالعتها المحكمة وألمت بها كما قدم محامي المدعيين بالحق المدني صحيفة الإعلان بالدعوى المدنية وقررت المحكمة حجز الدعوى للحكم جلسة اليوم.
هذا ولما كانت المادة 67 نصت علي “حرية الإبداع الفني و الأدبي مكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون و الآداب ورعاية المبدعين وحماية ابداعاتهم ، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك.
وﻻ يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية و الأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إﻻ عن طريق النيابة العامة ، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بسبب علانيه المنتج الفني أو الأدبي أو الفكري.”
” ولما كان من المسقر عليه بأحكام محكمة النقض بأن حق محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها سواء من الأدلة المباشرة أو بالاستنتاج و الاستقرار و كافة الممكنات الفعلية مادام سائغا”
(الطعن رقم 4184 لسنة 73 قضائية جلسة 29 سبتمبر 2003)
كما أنه من المستقر عليه أيضا ” لمحكمة الموضوع تجزئة أقوال الشاهد و الأخذ لما تطمئن إليه وطرح ما عداها. علة ذلك ؟ عدم التزامها بان تورد من أقوال الشهود إﻻ ما تقيم عليه قضاءها
( طعن رقم 42490 لسنة 72 قضائية جلسة 5 مارس 2003 )
حيث أنه من المقرر أن حرية التعبير وتفاعل الآراء التي تتوالد عنها ﻻ يجوز تقيدها بأغلال تعوق ممارساتها سواء من ناحية فرض قيود مسبقة علي نشرها أو من ناحية العقوبة اللاحقة التي تتوخى قمعها، بل تكن للمواطن الحرية ان يتنقل بينها يأخد منها ما يأخد ويلفظ منها ما يلفظ دون أن يوضع له إطارا أو قالبا يحد من تكوين أفكاره ومعتقداته كما أن طرح الأفكار و الآراء والمعتقدات علانية يجعلها مجاﻻ للبحث والتقيم من جانب المختصين، بل والمجتمع أجمع فيأخذ منها الصالح ويطرح الطالح .
وحيث أنه عن موضوع الدعوى فلما كانت النيابة العامة أحالت كلا المتهمان بتهمة خدش الحياء العام طبقا للمادتين 178 و 200 مكرر أ / 2 من قانون العقوبات الأمر الذي يتطلب توافر القصد الجنائي الخاص الذي يتمثل في قصد المتهمان خدش الحياء العام أو نشر الفجور و الرزيلة وهو يتنافى مع ما قام به المتهم الأول الذي يعد عملا أدبيا من وحي خياله وأن ما تضمنه ذلك العمل الأدبي من ألفاظ وعبارات أرتأت النيابة العامة أنها تخدش الحياء به ، هو في إطار عمل أدبي وسياق عام لقصة حاكها المتهم الأول من وحي خياله كما أن ما احتواه العمل الأدبي ( القصة ) علي ألفاظ وعبارات جنسية هو أمر درج في العديد من المؤلفات والأعمال الأدبية و الأشعار قديما وحديثا وهذا ما انتهت إليه شهادة كل من الأستاذ / محمد سلماوي و الروائى / صنع الله ابرهيم والتي تطمئن إليهم المحكمة من أن العمل الأدبي ﻻ يمكن الانقطاع من سياقه أو أخذ جزء منه و ترك الأخر .
كما أن العمل الأدبي هو كيان واحد إذا انقطع منه جزء انهار ذلك العمل.
كما أن المحكمة ترى أن تقييم الألفاظ و العبارات الخادشة للحياء أمر يصعب وضع معيار ثابت له فما يراه الإنسان البسيط خدش للحياء تراه الإنسان المثقف أو المختص غير ذلك وما يراه صاحب الفكر المتشدد خدشا للحياء لا يراه صاحب الفكر المستنير كذالك .
وكذالك ما يطرح في مجاﻻت البحث العلمي في الطب مثلا يكون بالنسبة للغير خدشا للحياء إﻻ أنه ﻻ يكون كذلك بالنسبة للأطباء مثلا فان العبرة في عقلية المتلقي وتقديره للأمور.
فالعبارات التي حوت تلك القصة محل الاتهام رأت النيابة العامة أنها تخدش الحياء لم يراها الأدباء و الروائيون خدشا للحياء طالما أنها كانت في سياق ومضمون عمل أدبي فني.
إذاً فان المعيار في ذلك يختلف من شخص إلي آخر حسبما لثقافته وأفكاره وتعليمه فما أتاه العلماء والمثقفين قديما من أفكار وآراء واجتهادات كانت محل رفض ونقد لهم من مجتماعتهم ان ذاك أصبحت اليوم من الثوابت العلمية والابداعات الأدبية التي تثري مجتمعنا.
ولما كان ذلك الأمر الذي ترى معه المحكمة انتفاء القصد الجنائي الخاص لدى المتهمان عن قصدهما بخدش الحياء و نشر الرذيلة ولما كان المستقر عليه قانونا و في قضاء محكمة النقض أن الاحكام الجنائية تبنى علي الجزم واليقين لا على الشك والتخمين و إن تشكك القاضي في صحة الاسناد كفيلا بالقضاء ببراءة المتهم الامر الذي تقضي معه المحكمة و الحال كذلك ببراءة المتهمان مما نسب إليهم من اتهام و رفض جميع الدعاوى المدنية المقامة و إلزام رافعيها المصاريف و خمسون جنيها أتعاب محاماة
لهذه الأسباب
حكمت المحكمة
ببراءة المتهمان مما نسب إليهما من اتهام ورفض الدعاوى المدنية وإلزام رافعيها المصاريف أتعاب محاماة خمسون جنيها.
19045_7_1449924116


.* من جلسات محاكمة رواية استخدام الحياة/ الشهود صنع الله إبراهيم، محمد سلماوى، والمحاحى ناصر أمين. وفي الخلفية المحامى محمود عثمان
 
جابر عصفور ساخرًا من القضاء وأحكامه:
قاض «داعشي» حبس أحمد ناجي



سخر الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق من القضاء المصري، على خلفية الحكم الصادر مؤخرًا بحبس الأديب الشاب، أحمد ناجي عامين، بعد أن أدين بـ بتهم "خدش الحياء" في رواية نشرتها مجلة "أخبار الأدب". عصفور أطلق هجومًا ناريًا على القاضي الذي أصدر الحكم، بلغ حد تشبيهه بإرهابيي تنظيم "داعش"، قائلاً، إنه خلال حضوره المحاكمة "لم أسمع مرافعة مثل هذه من قبل فهو خطاب سلفي يقترب من داعش، وينادي بأقصى عقوبة". وخلال كلمته في مؤتمر "الحماية القانونية لحرية الفكر والتعبير.. نحو مجتمع حر ومبدع"، تهكم عصفور من القضاء وأحكامه، مشككًا في نزاهة السلطة القضائية بقوله: "الأحكام القضائية تصدر بالحظ، فلدينا القضاة يحكمون بعقيدتهم وأهوائهم". وتابع معلقًا على الحكم الصادر بحبس الروائي أحمد ناجي، أنه "كان سيحكم عليه بالبراءة في ظل حكم قاضي مستنير، لكنه حُكم عليه بالسجن بسبب وجود قاضي سلفي العقيدة يفصل في القضية"، وفق ما نقل عنه موقع "مصراوي". وكان الروائي أحمد ناجي نشر في مجلة "أخبار الأدب" في عددها رقم 1097 فصلاً من رواية بعنوان "استخدام الحياة" تضمنت عبارات قالت النيابة إن كاتبها "نفث فيها شهوة فانية ولذة زائلة وأجر عقله وقلمه لتوجه خبيث حمل انتهاكًا لحرمة الآداب العامة وحسن الأخلاق والإغراء بالعهر خروجا على عاطفة الحياء". وبعد انتهاء التحقيقات أحالت النيابة العامة ناجي ورئيس تحرير المجلة إلى محكمة الجنح، باعتبار أن ما نشراه يشكل جريمة تهدد أمن وسلامة المجتمع. ودأبت السلطات المصرية على التأكيد أن القضاء في مصر مستقل رافضة التشكيك في الأحكام الصادرة عنه.

.
 
نص شهادة أستاذ محمد سلماوى في قضية استخدام الحياة

(السبت ١٢ ديسمبر ٢٠١٥ – محكمة الجلاء)


القاضى: انت الأستاذ محمد سلماوى؟
سلماوى: نعم.
القاضى: قل والله العظيم أقول الحق.
سلماوى: والله العظيم أقول الحق.
القاضى: الوظيفة الحالية والسابقة.
القاضى: أعمل بالأدب والصحافة منذ قرابة الخمسين عاما، وقد شغلت موقع رئيس التحرير بمؤسسة الأهرام طوال ١٦ عاما، كما كنت وكيلا للمجلس الأعلى للصحافة. وأنا الآن الأمين العام لاتحاد الكتاب العرب، وكنت رئيسا لاتحاد كتاب مصر لمدة عشر سنوات.
القاضى: هل قرأت الرواية؟
سلماوى: نعم.
القاضى: ما هو موقعها من الأدب الروائى؟
سلماوى: هى تنتمى لاتجاه جديد فى الرواية العالمية يسمى graphic novel حيث تمزج بين الكتابة الروائية والرسوم الفنية، وكاتبها هو أحد ابرز الكتاب الروائيين من جيل الشباب الذين ينعقد عليهم الأمل فى مستقبل الأدب الروائى فى البلاد، وله أعمال ابداعية سابقة.
النيابة: هل قرأت المقال موضوع الدعوى والمنشور فى “أخبار الأدب”؟
سلماوى: لست أعرف عن أى مقال تتحدث، فأنا لم أقرأ أية مقالات وإنما قرأت فصلا من رواية “استخدام الحياة” لأحمد ناجى منشور فى الجريدة، والبون واسع بين الأدب الروائى والمقال الصحفى.
النيابة: هل تستطيع أن تقرأ لنا الآن وأمام الحضور جزءا منها؟
سلماوى: هذا لا يجوز.
النيابة: ألأنه خادش للحياء؟
سلماوى: هذا لا يجوز فى الأدب، فاجتزاء مقطع وحده هكذا وقرائته مستقلا عن الرواية إنما يخرجه عن السياق الذى كتب فيه، ومن المباديء الراسخة فى النقد (لمن درسوه) أن العمل الفنى لا يؤخذ الا فى مجمله لأن المقصود منه هو تأثيره الكلى على المتلقّى وليس تأثير جزء واحد منه منفصلا عن السياق الذى جاء به، لذلك لا يمكن لنا أن نجتزيء قطعة من تمثال لرائد فن النحت المصرى الحديث محمود مختار، مثل ثدى الفلاحة فى تمثال نهضة مصر الشامخ أمام جامعة القاهرة ونعرضه وحده على الملأ، والا كان بالفعل خادشا للحياء لأنه خرج عن المعنى الوطنى الذى يرمز له التمثال ليصبح تأثيره حسى بحت، فما يخدش الحياء فى الحياة لا يكون كذلك فى السياق الفنى الذى ورد فيه، لذلك ففى الوقت الذى يخدش حيائنا مشهد العرى فى الطريق العام، فإننا نرسل طلبة المدارس الى المعارض والمتاحف التى تضم لوحات فنية قد يكون بها بعض العرى دون أن يكون فى ذلك ضررا عليهم.
محام نقابة الصحفيين: هل حدث أن صودرت أعمال أدبية فى السابق؟
سلماوى: صودرت أعمال كثيرة ربما كان أشهرها رواية “عشيق الليدى تشاترلى” للكاتب البريطاني الكبير د. ه. لورنس، لكنهم وعادوا وصرحوا بها، لأن ذلك كان فى عهود تخلف غابرة يتندرون بها الآن، فالمصادرة بهذا الشكل ولهذه الأسباب منافية للفهم الصحيح للأدب ووظيفته، إضافة الى أنه مناقض للدستور، وإلا كان علينا أن نصادر الكثير من تراثنا الفنى العظيم الذى نباهى به بين الأمم مثل “ألف ليلة وليلة”، أو من أمهات أدبنا الحديث الذى تربينا عليه مثل رائعة عميد الأدب العربى د. طه حسين “دعاء الكروان” التى يغتصب فيها البطل عذرية الفتاة الريفية البريئة هنادى، وهو ما لا يكون فقط خادشا للحياء فى حياتنا العادية خارج العمل الفنى، وإنما هو أيضا جريمة يعاقب عليها القانون، لكن فى إطار الرواية المذكورة هو ضرورة تفرضها الاعتبارات الفنية التى لا يجب أن تغيب عن نظر من يعطى لنفسه الحق فى تقييم العمل الفنى.
الدفاع: هل الأدب علم؟
سلماوى: لا، الأدب فن. لكن النقد علم، وهو علم شاق يتعلمه الناقد ولا يجوز لغير المتخصص أن يتعرض له، فهناك من يمضون السنوات الطوال فى دراسته وينالوا فيه أرفع الدرجات العلمية. هؤلاء هم الخبراء الذين علينا أن نلجأ اليهم فى تقييم العمل الفنى. وإذا سمحت لى المحكمة فإنى أود أن أعرب عن سعادتى للإدلاء بشهادتى هذه، فقد تعودنا أن يتم اللجوء للخبراء فى الدعاوى القضائية الخاصة بالموضوعات الإقتصادية أو فى النزاعات الضرائبية أو ما شابه ذلك، لكن لجوء المحكمة الموقرة للخبراء فى هذه الدعوى الأدبية إنما يستوجب توجيه التحية الكاملة للمحكمة.
 
أعلى