علاء الدين عبد المولى - ليلة الدخول في التفاصيلِ

الليلةَ أدخلُ قليلاً في تفاصيلِ الرياح
أسألها عمّا يروّض عينيها إذا ارتفع منسوب العاصفة؟
أطرحُ على مقام جنتها أشجاري
ما الذي يضيفُ إلى جمالها نشيداً ؟
أو يجمعُ بين يديها حبّاتِ الذكرياتِ
ليشكل منها عقداً لعنقها ؟
عنقُها مدرجٌ لأرتال الفراشات
يا رياحَ آذار الغربية
مرّي ساعةً من العمرِ على بستان اللغة
وجادلي فيه أشجارَ الرمان واللوز والزيتون والعنب
وإذا أكملتِ مهمةَ الهمسِ واللمس في أجساد الأشجار
انتقلي إلى مهمةِ الكشف واللطف مع أشجار الجسد
تلك أشجاري الممتدّة من هامش القصيدة السابقة
إلى متنكِ الشّاهقِ الشّائقِ الرائقِ
لها تفاصيلها هي الأخرى
لا تفرّط بالحنين للسيدة المثيرة
في يدها اليمنى قلمٌ يكتبُ نهراً
ويدها اليسرى تترجمُ الزوارق عن لغتها الأصلية
وتتصرف بغاباتها وتضيف إليها عناوينَ لسفرٍ مختلفٍ
لا تضيّعُ أشجاري أبناءَها الأعشابَ
رضيَ الماءُ وندى الرّبيعِ عليها وأرضاها حتى ترضى
تحنو عليها وتسبلُ أجفانها
على عصافير ترتجلُ كلّ صباحٍ نهاراً
يتدلى على جسد السيدة عرّابة النهرِ الساكنة في حارة الورد
أو الساكن فيها الوردُ
عرّابةُ النّهرِ اسمُها تفاصيلُ
ولدت من زواجِ غمامةٍ مجهولةٍ ببرقٍ حجازيّ معلومٍ
هاجرَ من قلبي قبل كتابة النشيد
ولشدّة ما وجدت الفصولُ من مطْلقاتٍ عشبيةٍ
وضوئية وليليةٍ وجنسيةٍ في جسد العرّابة
انشغلت عن تسميتها اسما عاديا
تهيء الأسماءُ اسماً سلطاناً عليها وتختارها
تنقّي الكتب هوامشها من الغبار وتختارها
تمارسُ المعابدُ إناثها البغيات
في تمّوز – حصّادِ القمح من بيادر العذارى – وتختارُها
تنفضّ الينابيعُ عن أجساد الأيام وتختارها
هي هي وحدها
تفاصيلُ بائعة الغموض موزّعةُ المفردات على القصيدة
قارئة ُاللغةِ على قارعةِ المسرح
هي هي اختلاطُ الغصون بمشابك الشِّعرِ
انسفاحُ الفرح على ثيابِ الحمّامِ
أناقةُ الشهوة في مهد الشاعرِ
هي الحديقةُ المطلقةُ إذا اختلفت الشهور
حول نسبيةِ الهلال ووردة القمر
في رحلةِ الشتاءِ والصيفِ
هي انفراجُ الغابة عن بحيرة البجع
تأليفُ القصائد على أجنحة البلابل
تهليلٌ مفاجئ بين عيدين
عطلةُ الغمام في نهارِ أحدٍ مشمسٍ
هي زيارة القصيدة لشاعرها بعد أن يغادرَ
موعدٌ بين قطرتين على عشبةِ جلجامش
أرضٌ تحفّها أنهارٌ صغيرةٌ تحيط بجسدها
تمشي في أبهاءِ الملكوت المطريّ
فيُسمَعُ لخطواتِها وقعُ الموجِ على صخرة
تقولُ شيئا ما فتتلقّفُ النّاياتُ لغتها
تحرّك عينيها فتنتقلُ الأيام من أماكنها في التقويم
وتصبحُ أقدر على الذوبان في جمر الزمن
تخطو في كواليس مسرحٍ إغريقيّ
فتنكتبُ وراءها أعمالٌ شعرية كاملةٌ
لشاعرٍ يُنقصُ فصول تراجيديته
كلّما دخل في تفاصيلِ جسدها
يلجُ بريقا أو حريقاً يشرَح ولا يبرحُ
حتى يجد تأويلاً لمستقبله الماضي
منذ سنين وأنا أكتبُ قصائد من بيتٍ واحدٍ
وحين عثرت عليكِ
عثرتُ على بيتٍ واحدٍ بقصائد لا تنتهي...
منذ أربعين نهراً أبحث عن محيطي الحيويّ
وقد وجدته في محيط عينيكِ...
أدع لأصابعي أن ترسم قوامكِ كما لا تشهيه النساءُ
أسرق من نفثات غيرتهنّ ونميمةِ سهراتهنّ
تشكيلاتِك الأبهى
كلما ازدادت غيرة أنثى من أنثى
صار الشاعرُ أقدر على تخيّل جمالها
أصفّ مفرداتكِ جنبا إلى جنبٍ
فسيفساءَ لغةٍ مرتعشةٍ
اعذريني إذا ضيعت ريشتي
بحضورك طارت العصافيرُ سارقةً معها
مخطّطاتٍ لوحاتٍ تشكّلتْ من تلقاء نفَسها
بمجرد أن مررتِ في وقتي
أمدّدُ ساقيكِ في ماء نهرٍ صامتٍ
تتعبّدُ حوريات الماء عند رؤوس أصابع قدميكِ
تغسلُ وجوهها بما يشفّ من ماء نازل من ردفيكِ حتى أسفل قدميكِ
أشير عند ركبتيكِ لنجومِ الصيفِ تتعلمُ الدورانَ
حول قطبينِ يصدرانِ نغماً رعويّاً
أستوقفُ عند مبتدأ فخذيكِ كمنجاتِ الغجرِ
لتحفّ منحنياتِها وفقَ منحنياتِ فخذيكِ
تاركة تجويفَها الأشهى يصدرُ أناشيد الأسفارِ
ناسيةً في التجويفِ أصدافاً من لؤلؤٍ ليّنِ التلألؤ
يلوي عنق الزنبقِ إذا فحّ في فسحةٍ من فحولةٍ
هكذا أرتفع وأنا ألهثُ سفوحَكِ
أخبئ في المغارةِ الشعرية قمرا لقصائد سوف تولدُ
فتهوي لولادتها عروش الفرس الحجرية
ويأتي رعيان اللذة يلكزون أحصنةَ الشبق
ويبشرون الأقوامَ النائمة أنْ وُلدَ شعرٌ مقدّسٌ
في مغارةِ السيدةِ عرّابة الماء حمّالةِ الفرح
راويةِ السيرة الذاتية للجمال
هكذا أصل إلى سهل البطنِ حيث ترعى الغزالاتُ
وتكملُ السهوبُ فجرها الممتدّ نحو الشرق
أقطف من هنا مرمراً مخمّرةً على اللهب
أطلقُ عصافيرَ اللغة تلتقط براعمَ الجوريّ
وتعود محملةً مناقيرها بغذاءٍ عسلٍ الملكة
هكذا يفاجئني في صعودي نهدان
لا مجازيّانِ ولا رمزيّانِ
بل هما للاشتعالِ ويهيئانِ وجودهما لعدمٍ أبيض
حيث يتلاشى بينهما ربّ المطر
عائدا إلى غيماته الأولى قبل أن تصعد من الموج...
في نهديكِ أقدارُ أبطالٍ تشمّسوا ببحرٍ قديمٍ
واستلقوا بينهما فأردفتِ عليهم هضاباً من فاكهة وأعنابٍ
وصاروا خلال ثوانٍ في قلب الخلود...
في صدركِ مسقطُ رأس الحضاراتِ المقامة
في بلاد ما بين النهدين...
يستسلمُ هنا الغزاةُ واللغاتُ
وقديسو اللذة يسقطون عنهم الأزياء التقليدية
ويرتدون الغمام الخفيف...
هنا صليبٌ سوريّ عتيقٌ
وزوابعُ تلفّ السابحين المسبّحين بحمدكِ...
هنا يجدُ اليتيمُ ملجأه الوردي
والبلبلُ يقود أوركسترا من نغمٍ تنعَمُ به الشفاه
وتترطّب فيه ألسنةُ العصافير الظمأى...
في نهديكِ موجزٌ عالميّ لنشرة أحوال الطقس
الجوّ غائمٌ غانمٌ مائلٌ ماثلٌ للمطر
الغيم عالٍ غالٍ لا مبالٍ بالأسوار
البحر سريع اشتعال الموج
الرؤيا توغل في الغموض وتتسع العواصف بكلماتها
الطرقُ بينهما سالكةٌ بعذوبةٍ بسبب تراكم الجوريّ
والقرنفل والياسمين وعائلة العطور العريقة...
الطقس يُقرَأُ من فتحة نهديكِ
ليضبطَ البحّارُ إيقاعَ سفينته
ويهيئ سكانَ قلبه لكل الأحوال
ولا يتحوّل عنك قيد موجةٍ ولا أقل من ذلك
بحّاركِ الشاعرُ ضلّيلُ البحارِ
جوّالُ الزّرقةِ
رازقُ الحلمة تحتَ جمرتها
واهبُ الماء للسّمكِ الذهبيّ المتواثب
رافعُ الراية البيضاء لك
بحارك تزدادُ رسالاتهُ المائيةُ
فيذهب ليحدث البحارة عن نبيةٍ جديدةٍ
ذات نهدينِ يعيدان تكوين العالم
في عينيكِ نداء يوجزُ قصة هيلين
وبينهما مهبطٌ للنور
فوقهما قوسا نصرٍ لمرور البحّارِ المغني
وهو يستقبل أكاليل الورد
بمناسبة عودته متعتعاً من نهديكِ
أنفكِ انسيابُ غصنٍ من زنبقٍ
أما شفتاكِ
فلا أدري لماذا لم يؤرخ العشاق
تاريخ الغواية بدءا من شفتيكِ ؟
هنا تكمن المصادرُ الأولى لأطروحة الشبقِ
هنا تتنادى عاشقاتٌ صغيراتٌ ليتعلّمن عريَ الشفاه
من هنا تكتملُ حبّاتُ العنب
وتصفو أعماق اللّوز
هنا قطعتان من قمرٍ واحدٍ
هذه هلالٌ وهذا ابتهالٌ وبينهما هلاكٌ محبّذٌ
ألتقط منهما ما يتيحه العناقُ
من بروقٍ تكهرِبُ الحبرَ السريّ لجسدي
هنا يتوقف الشاعرُ لتبدأ شفتاكِ بالنشيد
هذا نشيدي إليكِ مستخرَجٌ من منجمِ جمالكِ
مشغولٌ من موادكِ الأولية
لم أؤلّفْ بل آلفتُ بين اللغة وجسدكِ
لم أقل بل قال جسدكِ رضيَ الله عنه
لهذا عندما يهطل الإيقاعُ
أحلّق فيما ليس يُرى
وأجد نفسي أخيرا قطرة من عسلٍ
على شفتك السّفلى
حيث آخذ قيلولةً ضوئيةً
بعد هذا السفر في تفاصيلكِ
محاولاً استعادةَ توازني
وحين أحدق ثانيةً من غيبوبتي بين الشفتين
إلى جسدكِ المطلقِ
أفقد إيقاعي ثانيةً
فأستسلمُ لأصابعي
وهي تقطف النجوم من غياهبِ شعركِ
وتغطي بها جسدكِ ثانيةً
وأهمسُ في أذنكِ المرتجفة
متى أدخل الجنة ؟؟؟



14 - 15 آذار 2008

عن موقغ الف لحرية الكشف في الانسان والكتابة



.

-%D8%A7%D9%85%D8%B1%D8%A3%D8%A9_samer_26.jpg
 
أعلى