ريتا دوف - مراهقة.. ت: جمانة حداد

(I)
في الليالي المثقلةِ بالماء، خلف شرفةِ الجدّة
كنا نركعُ فوق العشبِ الموسوس ونهمسُ:
وجهُ "ليندا" معلقٌ أمامنا، شاحباً مثل ورقة جوزٍ،
ما يلبث أن يتغضّنَ بالحكمةِ وهي تقول:
"شفتا الصبي ناعمتان،
ناعمتان مثل بشرة طفل".
كان الهواء ينغلقُ على كلماتِها،
والحباحبُ تطنّ قرب أذني، وفي البعيد
كنتُ أسمعُ أضواءَ الشوارع تخفقُ
متحولةً إلى شموس صغيرةٍ
تحت سماءٍ من ريش.

(II)
ما إن يهبط الليل، أجلسُ في الحمّام، وأنتظر.
العرق يتصبّبُ فوق ركبتي، ونهداي الفتيّان يتحفّزان.
ستائر من "فيينا" تشطرُ القمرَ نصفين؛
والقرميدُ يرتعشُ بخطوطٍ شاحبة.

ها هم عادوا إلى المنزل. رجالُ الختمِ الثلاثة، بعيونٍ واسعةٍ
مثل أطباق عشاء، ورموش مثل شوكٍ مدبّب.
منهم تفوحُ رائحةُ كحول. أحدهم جلس في حوضِ البانيو،

والآخر على حافّة الحوض، والثالث سندَ بظهرِهِ البابَ.
"هل بدأتِ تشعرين به؟" همسوا.
لم أكن أعلم ماذا أقول، ثانيةً. راحوا يضحكون،

ويمسّدون أجسادَهم النحيلة بأصابعِهم.
"حسنٌ، ربمّا المرة القادمة". ينهضون، أخيراً،
متلألئين مثل بحيراتٍ من الحبر تحت ضوء القمر،

ويتلاشون. أتمسّكُ بالفتحات الخشنة
التي تركوها خلفَهم، هنا عند حافّة العتمةِ.
فوق لساني يتدحرجُ الليلُ مثل كرةٍ من الفرو.

مراهقة
مع غياب أبي، انصرفنا، أمّي وأنا،
نسوّي الخطوط المعتمةَ لشتلات الطماطم.
ما إن توهّجت الثمراتُ أرجوانيةً في ضوء الشّمس
وتلوّنت في الظلّ، رحتُ أنا أيضاً أتوهّجُ أرجوانيةً
وأصيرُ أكثر نعومةً، تنضحُ منّي نتفٌ من القطن الأبيض.

قماشُ الغروبِ جعلني أفكّرُ
بالحريرِ السويسري. في غرفتي
كنتُ أغطّي كدمات الركبة بثيابٍ
استُخدمت في رقصات الفرق الكبرى،
وأعمّد طبلةَ أذني بماءِ الزّهر.
على طول إطار النافذة، كانت أقلامُ الحمرة
تلمعُ داخل أصدافٍ فولاذية.

وفيما أنظر إلى خطوطِ السّماد
أحلمُ بما سيحدثُ:
سوف يقابلني بالقرب من الصنوبرة الزرقاء،
حاملاً قرنفلةً فوق قلبه. سيقول:
"من أجلكِ أتيتُ، سيدتي؛
لقد أحببتكِ في أحلامي".
على إثر لمستهِ، تتساقطُ بثورُ الجَرَب.
خلف كتفهِ، ألمحُ أبي قادماً باتجاهِنا:
دمٌ عالقٌ في الهواء، مشبعٌ برائحةِ الصّنوبر.
الحسناء والوحش
عزيزي، الصحونُ نُظّفت، وُنقِلت بعيداً،
والخَدمُ يرقدون في جناحِهم.
أية أكاذيب ستنامُ معنا هذه الليلة؟
الأرنبُ الذي يخفق في قلبكَ،

ساقاي الطفلتان الشاحبتان
بسبب حياةٍ من التنانير القصيرة.
وأبي لم يكن يقبل بنقيضِ ذلك
في طريق عودته، محمّلاً بتذكارات أحضرها لنا.
أنتِ جدّ جميلة حتى أنكِ تذوّبينَ قلبي...

أيها الوحشُ، عندما كنتَ ترقدُ ثملاً من الحزن
عند قدمي، وكنتُ صغيرةً جداً
لا أعرفُ ما الذي كان يموتُ. في الخارج
كانت الزهور تتفتّحُ
ثغراً أحمرَ فوق آخر. فجأةً أفتقدُ شقيقاتي ـ

إنهنّ يقفن قبالة مراياهنّ الغائمة.
حيواناتٌ رماديةٌ تتجمهرُ تحت النوافذ.
أنتنّ، شقيقاتي، ألا ترين ما الذي سيخطفكنّ؟
ذاك المنتظرُ، الوسيمُ، القادمُ الذي يحتاجُنا؟



.



0.jpg
 
أعلى