الصادق النيهوم - كل عام وانتم طيبون

فأنتم أحسن..
أعنى أنتم وحدكم بخير، وباقى شعوب العالم تعيش “بأسوأ حال” ففى هولندا يحرثون البحر ويسقونة بالعرق الحامض ويصابون بالسعال ولا يذهبون للعلاج على نفقة الدولة.
وفى اليونان يأكلون من البحر, ويشربون منه أيضاً، ويصنعون من أجساد أطفالهم قوارب لصيد السمك دون معونة من البنك العقارى بالطبع. وفى الصين ينامون فى القوارب ويفجرون القنابل الذرية ويحركون الآلات بالعرق دون أن يكون لهم متر واحد من أقمشة هيلد.
شعوب العالم بأسوأ حال. فكل عام وأنتم وحدكم بخير.
تقبضون علاوة الغلاء, وتنهبون البيوت بموجب قانون الإسكان وتأكلون مايزرع الآخرون بعد أن يصلكم فى سفن الآخرين.
كل عام وأنتم طيبون. لأن العالم بدونكم لا يقف على قدميه. ولأنه بدونكم يفقد سيده ويمتلئ بالعبيد الملونين بالعرق ويبدو خالياً من المتعة مثل ألف ليلة وليلة بدون شهريار.
العالم بدونكم مجرد بحيرة من العرق الذي يسفحه العبيد في هولندا وألمانيا الغربية واليونان ومناطق السد العالي. والمرء لا يستطيع أن يتصور كآبة العالم عندما يفقد عنصر الإثارة المتمثلة في الشعب الليبي وشهريار.
فأنتم وحدكم بخير, والباقى عبيد فى مزرعتكم.
الباقى ينهضون فى هولندا مع الغراب ويجلسون فى الجرارات العملاقة ويحرثون البحر ويسقونه بجرادل العرق الأسود لكى يطعموا الرجل الليبى فستقاً مقشراً.
والباقى يجلسون فى مصانع ألمانيا وراء الآلات والأفران طوال النهار, ويحرقون أعينهم بالسهر لكى يعطوا الرجل الليبى مرسيدس مقشرة.
الباقى مجرد عبيد. والرجل الليبى سيد حافى القدمين يصلى الفجر بعد الساعة العاشرة, ويقود حصانه الحديدى إلى المقهى ويستمتع بالمضغة والحديث عن إسرائيل, ثم يعود فى الغذاء لكى يأكل وجبة الأرز الذى زرعه عبد إيطالى, وربطة الفجل التى زرعها عبد تونسى والبرتقال الذى زرعه عبد لبنانى وقطعة اللحم من النعجة التى رباها عبد صومالى ويغسل يدية بالصابون الذى صنعة عبد أمريكى ويمسحها فى المنشفة التى نسجها عبد يابانى ويركب حصانة الحديدى الذى صنعه باقى عبيد العالم, ويذهب إلى المقهى ليستمتع بالمضغة والحديث عن إسرائيل.
الرجل الليبى سيد حافى القدمين والعالم كلب فى مزرعته.
وما دام الله يقف إلى جانبنا, ومادامت شركات البترول تقف هناك أيضاً, فليس ثمة شك أن العالم سيظل مربوطاً من عنقة أمام بيتنا ويظل يحرسنا ويهز لنا ذيله ويطعمنا فستقاً مقشراً. فالعالم تشتريه النقود كما يشترى المرء أيقونة خشبية من السوق, وما دام خمسمائة مليون جنيه في العام, وخمسة موانئ عاملة في تصدير البترول, فالأيقونات الخشبية لا تملك فرصة واحدة. إنها جميعاً تحت تصرفنا.
ونحن نستطيع أن نواصل اللعبة إلى نهايتها.
أعنى نواصل بناء العمارات بعد أن نستورد الطوب من يوغسلافيا والحديد من ألمانيا والزجاج من إيطاليا والعمال من لبنان.
ونواصل إنجاب الأطفال مادام بوسعنا أن نطعمهم لبناً مجففاً من سويسرا ونكسوهم ملابس ناعمة الملمس من اليابان.
ونواصل بناء المدن الرياضية ما دامت شركات يوغسلافيا قادرة على أن تمدنا بالأحجار والرمل واليد العاملة والمهندسين.
نحن بوسعنا أن نفعل أى شئ, مادمنا لا نفعلة حقاً.. أعنى مادمنا لا نحتاج إلى شيء آخر سوى أن نحك المصباح السحرى ونترك عبدنا الجني يحقق مطالبنا.
نتركه ينحني بين أيدينا, ويقول لنا شبيك لبيك وكل عام وأنتم طيبون ثم يوقع معنا عقداً لشراء الأحجار والبصل واللبن المحفوظ وصناديق البرتقال.
فكل عام وأنتم بخير.
وليبيا تسود العالم وتتركه يعمل فى مزرعتها. والليبيون يقودون حميرهم الحديدية ويستمتعون بالمضغة والحديث عن إسرائيل.
كل عام.. حتى ينضب البترول.
وتشد شركات (إسو) رحالها وتتخلى عنا, وتفرغ الصحون ويتفرق الذباب, والخبراء الأجانب, وتعلن لنا مؤسسة البترول أنها قررت أن تقفل أبوابها لأجل غير مؤقت.
إذ ذاك.. لن يحس أحد أنه بخير.
ولن يكون بوسعنا أن نلعب دور الآغا الحافى القدمين.. إننا سننهض فى الصباح مصابين بالصداع _ كما يحدث عندما يقضى المرء الليل فى حفلة صاخبة _ ونشد قامتنا القصيرة لكى نبدأ الطريق من أوله محملين بالديون.
وسوف يكون الرجل الليبى مصاباً بأكثر من الصداع، وسوف يكون مترهلاً وخالياً من الطموح، وسوف يغمض عينيه ألف مرة قبل أن يفتحهما لكى يرى ليبيا الحقيقة تقبع فى رأس افريقيا _ مثل عجوز تغسل حصرانها فى البحر _ لا شيء لديها سوى الذكريات القديمة.
إذ ذاك سيتغير وجه العالم بالنسبة لنا.
أعنى كما يحدث فى جميع القصص.. ينفض عن بيتنا الضيوف ويتركوننا للصداع المتوقع بعد ليلتنا الحافلة بالأحلام والويسكى.
ذلك حدث أيضاً لعلاء الدين عندما فقد مصباحه السحرى..
أليس كذلك؟
وحدث للشاطر حسن.. وسوف يحدث لنا أيضاً.
ولكن المرء لا يحتاج إلى متابعة القصة إلى هذا الحد.. فالبترول لم ينتهى حتى الآن.. وأنتم مازلتم كل عام طيبين.
ومازالت لديكم وجبة العشاء وشركة المقاولات العامة وعلاوة السكن والإذاعة الليبية.. ومازال لديكم من يقول “نارك ولاعة يابلادى”..
وسوف تظل النار ولاعة حتى تصلكم رائحة الشياط.
فمبارك مايقول المغنى..
وكل عام وأنتم _ كالعادة _ بخير
 
أعلى