فادي عزام - اعذريني على ما فعلته في امستردام

سرقني الزعل، فلم أنتبه لجمالك ..
كم كنتِ وسيمة تحت زخة الغضب الذي أثقلت بها عليك.

هكذا نحن نتقن الفتك بروعتنا، لنتحسر عليها
تشدنا الحسرة للعقها
والحرمان ليكون لنا ما تحدثوا عنه في اللحظات الملتبسة

أفرِّطَ بك، لأصنع ذاكرة من الأشياء الهشة
أتوسّدها كلما عنّ على البال
صوتك وبحته الباذخة وتلك اللثغة المثيرة المشبعة بالروعة

أذكر أن الجميع احتفل بك إلاي.
وفاتني الوقت لأقضم تفاحك وأرنبة أنفك وشهدك المشغول بحكمة النحل
كنت واثقا من حصولي على كل شيء بعد حين
ومشغولا بزعل رث ابتكرتُه للتو
......
.....
.....
كان كل شيء بطعم الخل لاحقا
كان مقددا مثل جرزة ثوم معلقة على حائط قديم
تحمل من فوائد الحزن والأسى، ما يخلل قدرتها على حماية القلوب الهشة من الجلطة

فاتني جمالك الأوسع من قدرتي على الاحتمال والتخيل
وتركني عطرك دائخا فوق الوسادة
الوسادة نفسها التي طالما ابكيتكُ عليها

لم أحب الضجيج يوما كنت أهربُ إليه كي لا تسمعيني
أخلقه كي تكون كلماتي مبهمة
أرجوه أن يحضر كلما صرخت أحبك.

شهقتك عالية أيتها السيدة
تردني إلى حضيضي
تاركا قاسيونك يرفل بثلج وبلور عاكس
وهواء مغشي عليه

فاتني الكثير فلم أنتبه لروعتك
وانت تتجردين من الأسف والحسافا والشفقة
وتنتظريني لأعود من حلكة ناعمة أتقنت أرتداءها
في رحلتي الأخيرة إلى كوبنهاغن
لتضيئي لي كهوفي وتعملي على طرد خفافيش الدهشة الساذجة من ياقة قميصي
وبكلة حزامي المهترء
ومسح وجهي بصلوات أصابعك

أدمنتُ الخسائر على الأرصفة المخصصة كبسطات لبيع الألم، بهامش كبير من الربح .. لا يعبأ بانهيار الأسواق والبورصة.
لم تنقذني الكتابة من الكأبة
ولم تساعدني صحون السجائر المترفة بالأعقاب والتبغ المحروق ورؤوس الثقاب المعطوبة
فبقيت المرارة سيدة شاهقة، تشبه الشام في يوم ماطر
الشام نفسها التي قطعناها مشيا على القلب وهو يلفظ كل الأربطة
الشام نفسها التي طالما غرتي منها
الشام التي أتلفتُ عمرا كثيرا إما لأهرب منها أو في الحديث عنها

الشام نفسها التي لا تطيقينَ ضجيجها وضوضائها وكبريائها ولهاثها ونشوتها وشهوتها المدلوقة على نهر لم يعد يستطيع الانتصاب والسير فتحول لمجرور لتصريف الحكاية وصورة في الألبوم السعيد للمدينة الغامضة.

الشام لأنها تشبهك وأنت تركضين تحت زخاتها في يوم ماطر.
2-

أنا الجثة المنتصبة الباه
أتمدد الآن على الأريكية البرتقالية التي تركتها لي رزان قبل رحيلها إلى طنجة ....
الأريكة التي طالما اشتكيت
إنها لا تتسع إلى أثنين

مترف بحضور ظلك،
مهموم أحمل وجها سوريا
لا يعرف ماذا اقترف ليسحق كل هذا الألم

مباذل كثيرة تستدعي الاهتمام
وقت كثير هدر في رحلة الانتظار
ولا شيء يحدث، سوى المزيد من السأم الممزوج بخيانات يتقن فضحها الكحول الحافي.

إذا كل ما في الأمر أن الزعل سرقني، ولم أنتبه لرمَّانك
وهو يفغرُ فاها شهيا للمارين قرب الحاكورة
ولا إلى فتنة البريق في عينيك الشهيتيني الملئتين بالجوع والروعة والقصل الهش سريع الاحتراق.

كنت مشغولا بترتيب أمر جواز السفر
فلم أنتبه لك ولسوريا

سوريا التي أكتبها بالأف الممدوة، تمد لسانا صغيرا أحمر اللون كلما أشحت لها ظهري.
وحين أستدير تعود وقورة كما يليق بمقبرة
وأنت تسامحني على كل ما فعلته في أمستردام
فقد سرقني الزعل ولم أنتبه أن الحشيش والضوء والخدر والخيانة ستقودين إليك كتائب خائب يعرف أنه سينكث وعده مثل عجلة الرحى وهي
تطحن قمح الغربة، لتصنع خبز الذاكرة

قهرني الزعل فلم أنتبه أنك غادرت منذ زمان
وتركت على باب البيت
مشبك شعر
وأثار اناملك
ورائحة أنفاسك وهي تلعنني وتلعن الساعة
التي ألتقتني وتلعن عمرا من الهرب والعتب
وتلعن الربّ
رب الأشياء الواهنة المعلقة
رب المشنقة والمنشفة،
رب صباح ومسا
رب الأرباب المريبة
ورب من لا رب له

سرقني الزعل
فلم أنتبه ....

فلم أنتبه


.


صورة مفقودة
 
أعلى