محمد بلوحي - الشك في النصوص العذرية

إنّ إشكالية الشك في الظاهرة العذرية لم تقتصر على الشك في الوجود التاريخي لشعرائها أو لقصصهم كما سبق وأن بيّنا وإنّما طرحت كذلك إشكالية الشك في نصوصهم وأشعارهم، وذلك راجع إلى أنّ الظاهرة العذرية ذات سمات وخصائص وموضوعات موحدة، تدور نصوصها وموضوعاتها حول موضوع العلاقة بين الرجل والمرأة وما أفرزته هذه العلاقة من حب موحد السمات والخصائص، وقصص وأحداث متشابهة في جميع عناصرها ومقوماتها، من هيام رجل بامرأة واحدة قصر عليها كل حبه، وراح يصف في شعر متميز لوعته وتشبثه بها، الواحدة دون سواها من النساء أفرد لها حبه وباسمها عرف شعره ولقرائها شكا وتعذب، يريده روحاً لا جسداً، هائماً في الفلاة، ذاكراً اسمها مناجياً مظاهر الطبيعة لعلها توصل إليها رسالة حبه.

إنّ وحدة الموضوع ووحدة المكان والزمان للحب العذري هو الذي طرح بحدة إشكالية الشك في النصوص العذرية لدى النقاد القدامى والمحدثين، ينضاف إلى ذلك تداخل الأخبار والروايات وأحداث القصص، وتتلمذ كثير من الشعراء على بعضهم بعض.

إنّ نصوص "قيس بن الملوح" من أكثر النصوص العذرية التي أثير حولها الشك في وضعها وانتقالها بإضافتها ونسبتها إلى شعر المجنون، وهذا ما جعل "الجاحظ" يقول: "ما ترك الناس شعراً مجهول القائل قيل في ليلى إلا نسبوه إلى المجنون، ولا شعراً هذه سبيله قيل في لبنى إلا نسبوه إلى قيس بن ذريح"(43) وبذلك يؤكد "الجاحظ" وضع الرواة والقصاص وما نسبوه إلى المجنون وذلك بغية إيجاد تفسير لكثير من القصص التي يروى عنه، وهذا ما دفع "بطه حسين" إلى الشك في الوجود التاريخي للمجنون وفي القصص الذي روي كما سبق وأن أشرنا إلى ذلك من قبل.

ويخبرنا "أبو الفرج الأصفهاني" في الأغاني عن "محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا أحمد بن الحارث عن ابن الأعرابي إنّه ذكر عن جماعة من بن عامر سئلوا عن المجنون فلم يعرفوه، وذكروا أنّ هذا الشعر كله مولود عليه"(44) ونحن لا يهمنا في هذا المقام تأكيد أو نفي الوجود التاريخي لشخص المجنون من خلال هذه الرواية أو مثيلاتها، لأنه سبق وأن فصلنا القول في ذلك، ولكن الذي يهمنا هو أنّ هذه الرواية تؤكد تسرب الوضع والنحل إلى نصوص المجنون، بل تؤكد أن شعر المجنون كله موضوع منتحل وبذلك فهي تنفي نسبة شعر المجنون إليه نفياً كلياً. ولكن إذا تأملنا في رواية أخرى يرويها "أبو الفرج" دائماً عن "الأصمعي" "أخبرني أبو الحسن الأسدي قال حدثنا الرياسي قال سمعت الأصمعي يقول:

الذي ألقي على المجنون من الشعر وأضيف إليه أكثر مما قاله هو"(45) وهي رواية تنفي الشك الكلي الذي يذهب إليه "الجاحظ" لشعر المجنون وتؤكد الشك الجزئي في نصوصه، لكن المنتحل المنسوب منه أكثر من الصحيح المعتمد، وذلك راجع إلى ما تسرب من روايات وقصص مفتعل منحول حول هذه الشخصية، لأن الذي نسب رواية أو خبراً لا بد من أن ينسب شعراً ليؤكد به الرواية أو الخبر.

إنّ إشكالية الشك في النصوص العذرية، لم تقتصر على شعر المجنون فقط بل تعدته إلى جل أعلام الغزل العذري خاصة جميل وكثيّر لما كان بينهما من علاقة تتلمذ تاريخية تثبتها نصوص ترجمتهم، إذ كان كثير راوية لجميل وتلميذاً له وبذلك طرحت بينهما قضية الإغارة على الشعر أو ما سماه النقاد القدامى "بالسرقة الشعرية" طرحاً بارزاً.

فالسرقات الشعرية قديمة في تاريخ الآداب العالمية، وتكاد تكون موجودة في جميع الآداب، والآداب العربية القديمة خاصة. وقد تفطن النقاد العرب القدامى إلى هذه الظاهرة وعابوها على الشعراء. ولعل "محمد بن سلام الجمحي" أول من أشار إلى سرقات الجاهليين إذ يقول(46) "كان قراد بن حنس من شعراء غطفان، وكان جيد الشعر قليله. وكانت شعراء غطفان تغير على شعره فتأخذه منه وتدعيه" وتبعه في ذلك "ابن قتيبة" في "الشعر والشعراء" إذ يرى أنّه قلما خلا شاعر من شعراء الجاهلية إلا وأغار على شعر غيره، "فامرؤ القيس" أخذ من شعر "طرفة بن العبد" و "أوس بن حجر" وغيرهم من الشعراء الذين سبقوه.

أصبحت قضية السرقات الشعبية موضوعاً نقدياً تعرض له جل المترجمين والنقاد القدامى، فإضافة إلى من سبق ذكرهم نجد أنّ "أبا الفرج الأصفهاني" قد أشار إليها في كثير من المواطن في "الأغاني" كما أشار إليها "ابن طباطبا" في "عيار الشعر" و "أبو هلال العسكري" في "الصناعتين" وابن رشيق في "العمدة" و "عبد القادر الجرجاني" في "أسرار البلاغة" وغيرهم من النقاد والعلماء.

إنّ المتأمل للشعر العذري عند رواده يلاحظ أنّ هؤلاء الشعراء لم ينجوا هم كذلك من الإغارة على شعر بعضهم بعض، خاصة وأنّ معانيهم وأسلوبهم وصورهم اتسمت بالتشابه، وذلك راجع لوحدة الموضوع الذي كتبوا فيه جل أشعارهم، ولظهورهم في مكان وزمان واحد. إذ تثبت الروايات التاريخية أنّ كثير كان راوية لجميل وهذا ما جعل النقاد يؤكدون في غير موطن على الإغارات التي أغارها كثير على شعر جميل، فحاول إحصائها والوقوف عندها "إحسان عباس" في أثناء تحقيقه لديوان كثّير.

حاول "إحسان عباس" تقسيم إغارات كثير على شعر جميل إلى نوعين من الإغارات.

إغارات على أبيات كاملة، وإغارات على المعاني دون اللفظ والتركيب ومن أمثلة النموذج الأول إغارة كثير على بيتي جميل:

هوَى واستَمَّرت بالرجالِ المَرائِرُ


أَفِقْ قَدْ أَفَاقَ العَاشِقُونَ وَ فَارَقُوا ال

بِهِ الدَّارُ أَوْ مِنْ غَيبتَهِ المقَابِرُ


وهَبهَا كَشيِّ لَمْ يَكُنْ أَوْ كَنَازِح

فأدخلهما في قصيدته التي أولها "عَفَا واسِطُ مِنْ أَهْلِهِ والظَّوَاهِرُ" وقيل إنّ البيتين من قصيدة لحسان بن يسار التغلبي" (47) كما "أغار على بيت جميل الذي يقول فيه:

إِذَا هِيَ لَمْ يُصْلَبْ عَلَى البَرْيِ عُودُهَا


وَلاَ يلبَثُ الوَاشُونَ أَنْ يَصْدَعُوا العَصَا

فأدخله في قصيدته التي مطلعها "نَظَرْتُ وَ الأَعْلاَمُ الشُّرْبَةَ دُونَنَا"(48).

أما النموذج الثاني "فقد وقف النقاد القدامى عنده مبرزين مواطنه وأشار "إحسان عباس "أنّ "كُثّير" استمد بعض المعاني من جميل من مثل قوله:

تَمثَّلُ لي لَيْلى بِكُلِّ سبِيلِ


أُرِيدُ لأَنْسَى ذِكْرَهَا فَكَأَنَّمَا

فقد عرض له "الفرزدق" بأنّه مأخوذ من قول جميل:

تَمثَّلُ لي لَيْلى عَلَى كُلِ مَرْقَبِ


أُرِيدُ لأَنْسَى ذِكْرَهَا فَكَأَنَّمَا

وروى "الزبير" أنّ كثيراً قال، وذكر جميلاً: أمت له ألف قافية يقول سرقتها فعليت عليها"(49).

ولم يقتصر إغارات كثّير على شعر جميل باعتبار العلاقة التي كانت تربط بينهما وإنّما تعدت إغارته إلى شعراء آخرين "مر الربيع بن أبي جهمة الجندعي على كثّير بالروحاء وهو ينشد:

وَرِجْلٍ رَمىَ فِيها الزَّمَانُ فَشلَّتِ


وَكُنْتُ كَذِي رِجْلَيْنِ رِجْلٍ صَحيحَةٌ

فقال له: ويحك يا ابن أبي ضمعة، منذ متى قيل هذا الشعر؟ قال منذ زمان طويل، قال، فهذا يقوله صاحبنا "أمية بن الأسكر"، قال: هو ذاك يا ابن أبي جهمة، أنا أحظى به منه"(50).

والروايات كثيرة التي تثبت إغارات كثّير على جميل أو غيره من الشعراء الذين سبقوه، والمسألة في ظاهرها خطيرة ومشينة، ولكنها في حقيقة الأمر أبسط من ذلك بكثير، فنحن نعلم أنّ كثيراً كان راوية لجميل وعلى يده تخرج في الشعر فليس بالغريب أن ينشأ على محاكاة شيخه، وأن يستمد منه بعض المعاني، واعياً بذلك أو غير واع، وأن يتأثر به في قاموسه الشعري خاصة وأنّ شعرهما دار حول موضوع واحد. أضف إلى ذلك أنّ النقد الحديث ينظر لقضية السرقات الشعرية نظرة مغايرة لما كان ينظر بها القدماء.

فالنقد الحديث لا يعتبر السرقات الشعرية ظاهرة مشينة للنص الشعري وإنّما هي ظاهرة نابعة من تداخل النصوص، اعتباراً منه أنّ النص الشعري لا يولد من فراغ، وإنّما هو حصيلة تداخل لمجموعة من النصوص السابقة، وبذلك يطرح النقد الحديث إشكالية السرقات الشعرية طرحاً مغايراً لما كان يطرحه النقد القديم.

فالسرقات الشعرية في النقد القديم شكل من أشكال "التناص" في النقد الحديث، وهي ظاهرة ملازمة للنصوص الإبداعية ومن هذا، يرى "بارث "BARTHE "أنّ التناص قدر كل نص، مهما كان نوعه وجنسه، ولا يقتصر حتماً على مسألة المنبع أو التأثير، والتناص مجال عام للصيغ المجهولة، التي نادراً ما يكون أصلها معلوماً والتي تأتي بصورة استجابات عفوية ولا شعورية"(51). إما عند "جوليا كريستيفا "Julia christiva "فالتناص أحد مميزات النص، فكل نص هو امتصاص أو تحويل لوفرة من النصوص الأخرى، كما أنّها ترى أنّ كل نص عبارة عن لوحة فسيفسائية من الاقتباسات، وكل نص هو تشرب وتحويل لنصوص أخرى"(52). وبصورة قاعدية نستطيع القول وحسب جوليا كريستيفا julia Christiva "أنّ كل نص هو تناص"(53) وبذلك تكسر نظرية التناص في النقد الحديث إشكالية السرقات الشعرية التي طالما هيمنت على الكتابات النقدية القديمة وأعطتها بعداً جديداً لم يتفطن إليه النقد القديم، فأصبح التناص قدر كل نص إبداعي مهما كان منبعه.

أما إذا عدنا إلى النقد العربي الحديث فإننا نلفيه ينظر إلى إشكالية السرقات الشعرية نظرة مغايرة لما نظر بها النقاد العرب القدامى، ويراها من زاوية النظرة الغربية. "فمحمّد بنيس" يقدم صياغة جديدة، فيسميها "النص الغائب" ويرى أنّ النص الشعري بنية لغوية متميزة، ليست منفصلة عن العلاقات الخارجية بالنصوص الأخرى وهي ما يسميه بالنص الغائب، فيقول "إنّ النص كشبكة تلتقي فيها النصوص لا تقف عند حد الشعري بالضرورة، لأنها حصيلة نصوص يصعب تحديدها، إذ يختلط فيها الحديث بالقديم والعلمي بالأدبي واليومي بالخاص والذاتي بالموضوعي"(54). أما الدكتور "عبد الكريم مرتاض" فيربط "التناص" بفكرة التضمين في البلاغة العربية القديمة وبذلك يعود بالتناص إلى أصوله العربية. يقول (55) "فالتناص ليس إلا حدوث علاقة تفاعلية بين نص حاضر لإنتاج نص لاحق، وهو ليس إلا تضميناً بغير تنصيص". وبذلك فالنص الإبداعي يتكون من مجموعة نصوص متضاعفة التعاقب على المخيلة منسلة من ثقافات متعددة ومتداخلة في علاقات متشابكة ومتحاورة ويذهب الدكتور "مختار حبار" لدى وقوفه عند مصطلح التناص أنّ المراد به "تقاطع النصوص، أو الحوار فيما بينها...

وأنّ النقاد القدماء قد تناولوا هذا النوع من النقد فجعلوه باباً من أبواب نقودهم وسموه "السرقات الأدبية" ونظروا إلى السَّرَقِ منه في غالب الأحيان نظرة نقص وريبة، ثم ظهر هذا النوع في البلاغة العربية بمصطلح "الاقتباس" تارة إذا كان النص المقتبس من القرآن الكريم والحديث الشريف وبمصطلح "التضمين" تارة أخرى إذا كان النص المقتبس غيرهما، وبمصطلح "الأخذ" طور العموم، إذا أخذ الأديب معنى من المعاني أو صورة من الصور، ثم جودها وتجاوزها إلى صورة أحسن منها، فهو أحق بذلك من غيره، وبمصطلحات أخرى في أطوار أخرى، لكن أغلب المصطلحات العربية، كانت تتضمن في الأغلب الأعم معاني النص، أو روح التعالي والمجاوزة، ومعاني التناص في النقد الحديث غير ذلك"(56)، وهي وقفة ميز فيها الدارس بين النظرة النقدية القديمة لظاهرة السرقات الأدبية والتي كانت تحمل في مجملها نظرة النقص وذلك راجع إلى الخلفية المعرفية التي كان يتعامل بها النقد القديم مع ظاهرة "السرقات" أمّا النقد الحديث فنظرته مخالفة لذلك وذلك تمييز وقف عنده القارئ حتى لا يقع خلط بين المفهوم القديم للسرقات ومفهوم التناص في النقد الحديث وأنّ التناص مفهوم جديد نابع من رؤية معرفية جديدة أكثر تطور وعمق.

وباعتبار التباين بين مصطلحي "السرقات الشعرية" عند النقاد القدامى و"التناص" عند النقاد المعاصرين، وباعتبار أنّ النص العذري هو إفراز لواقع اجتماعي وسياسي وثقافي وحضاري واحد، توحد فيه الموضوع والإحساس والقاموس اللغوي مما أضفى عليه مسحة التشابك والتداخل، فصعب على الرواة والمترجمين والنقاد نسبة كثير من النصوص إلى أصحابها فذهبوا إلى أنّها منتحلة موضوعة، فبذروا أصول التشكيك فيها، وذهبت طائفة أخرى من النقاد إلى تتبع تداخل النصوص بين الشعراء العذريين فعدوها إغارة وسرقة شعرية وما هي في الحقيقة إلا تداخل للنصوص العذرية، لأن الذات العذرية ميزتها أنها لم تكن تعي نفسها إلا من خلال الآخر، غائباً كان أم حاضراً، فاللغة العذرية لم تكن لغة حيادية بل هي إفراز لسياقات اجتماعية وحضارية ونفسية واحدة مما أضفى على نصوصها طابع الحوارية في أشكالها ومضامينها، فكان تداخل بارز بين نصوصها، جعل المترجمين والنقاد يعتقدون انتحالاً وقع فيها، واتهام لشعرائها بالإغارة والسرقة الشعرية وما هي في الحقيقة لا "تناص" بين النصوص العذرية.

3-التفسير التاريخي الحديث لنشأة العذرية:

إنّ القراءة التاريخية الحديثة لنشأة الظاهرة العذرية في الأدب العربي القديم، تطرح رؤى مختلفة ومتباينة في تفسيرها لمصادر هذه الظاهرة، وذلك راجع لما اتسمت به العذرية من أصالة في الإبداع وتفرد في الطرح، وعمق في التعبير، وعرفانية في الرؤية، وتميز في المضامين، إذ أعطت للغزل في الأدب العربي بعداً صوفياً، قلما نجد له مثيلاً في الشعر الجاهلي، وبذلك انتقلت بالغزل العربي من بعده المادي الجسدي ذي الأبعاد الشبقية إلى بعد روحي عرفاني ذابت أمامها الشبقية المادية تأسيساً لغزل روحي ينظر من خلاله إلى المرأة من حيث هي قيمة روحية.

إنّ المتأمل في الظاهرة العذرية يدرك أنها ظاهرة تجمع بين معطيات عدة، وأنّ قصصها ونصوصها تدفع بالقارئ إلى تصور عدة أطروحات لمصادر هذه الظاهرة، وأنّها ظاهرة ذات منابع متعددة تحمل بعداً عربياً جاهلياً وبعداً إسلامياً متفرداً. لذلك اتجهت القراءة التاريخية الحديثة في تفسيرها لمصادر هذه الظاهرة إلى اتجاهين أساسيين، اتجاه يرجع مصدرها إلى الجاهلية واتجاه آخر يذهب إلى أنّها ذات مصدر إسلامي، وأنّها إفراز طبيعي للحضارة الإسلامية في العصر الأموي.

آ-المصدر العربي:

إنّ الظاهرة العذرية لما تحمله من نظرة روحية وبعد إنساني ونزعة عاطفية، جعلت بعض الدراسات الحديثة لا توقف مصدر نشأتها إلى الحيز المكاني والزماني الذي نشأت فيه وإنّما تذهب إلى أنّ إرهاصاتها وجدت قبل الفترة الأموية ببعيد "إذ كان للبيئة العربية أثر في التمهيد لنشأة هذا النوع من الغزل، إذ كانت مهدا له والبادية بما فيها من مناظر جميلة رتيبة، وبما كانت تدفع إليه من الشظف والجهد في سبيل العيش وما كانت تستلزمه من تعاون قبلي، ساعدت على تكوين أخلاق وتقاليد جديدة، سرت في روح العربي وتمكنت من نفسه، ومنها البطولة في الحرب، والوفاء بالعهد، وحماية الجار، وقد طبعت العربي على الشهامة والنجدة والاعتداد بالنفس، وهي من صفات الفروسية التي ظهرت آثارها في عاطفته، وحبه، فهو يحب أن يظهر أمام حبيبته بمظهر القوي الذي يحميها ويخاطر في سبيلها" (57) فأخلاق العربي لها أبعاد حضارية اصطبغت بها نفسه وكان لها التأثير البالغ في نظرته للمرأة كمحبوبة، وبذلك يجد الدارس أنّ أخلاق العربي ما هي إلا مستلزمة وإفرازات للطبيعة التي كان يعيش فيها، فكان يريد أن يحقق ذاته من خلال الآخر "المحبوب" ولذلك كانت المرأة بالنسبة إليه طرفاً يحقق ذاته من خلاله فيخاطر بنفسه من أجل أن يظهر أمامها بمظهر الكمال المطلق لذلك يرى "شكري فيصل" أنه (58) "من العبث أن نحدد ولادة هذا الفن الشعري "الغزل العذري"، ذلك أنّه ظاهرة من الظواهر الفنية التي ترتبط أشد الارتباط بالظواهر الاجتماعية ومثل هذه الظواهر تمتاز بأنّها ليست مفصولة عما قبلها ولا منفصلة عما بعدها.. فليس لها هذا التوقيت، وليس في صورتها المكتملة التي نراها عليها مايبيح لنا أن نقول إنّها نشأت في هذا العصر أو استوت في هذه الفترة" فالظاهرة العذرية ليست وليدة العصر الأموي فقط وإنّما كانت لها إرهاصات قبل هذه الفترة، وأن اكتمال صورتها في هذه الفترة دليل على أنّ جذورها سابقة لها لأنه من غير الممكن أن تولد واقفة بغير إرهاصات سابقة لها، وما فروسية الجاهلي وتعلقه بالمحبوبة في قيمتها المطلقة إلا دليل على عذرية الجاهلي ولكنها ليست كعذرية الأموي في بعدها الروحي والعرفاني وإنّما إرهاص أولي للعذرية الأموية.

ويرى "يوسف اليوسف" في هذا السياق أنّه "يمكن القول بأنّ الغزل العذري بل والغزل الأموي جملة هو موروث جاهلي ففي حين يتحدر خط الوقائع، الذي يتمحور حول الإيروسية بالدرجة الأولى، والذي يقوده "عمر بن أبي ربيعة" من "امرئ القيس" نفسه، فإن الخط الروحاني، أو العذري، إنّما يتحدر من النتاج الرقيق "لعروة بن حزام"، والحقيقة أنّ هذا الشاعر يبدو عذرياً أكثر من العذريين، لا في أسلوبه فحسب.. بل في روحانيته كذلك أن أبرز ما يتسم به "عروة بن حزام" هذا الوجع العذري الناجم عن حظر العشق.. أياما كان الشأن، فإن نقاط التشابه بينها وبين النتاج العذري، يخولنا الحق أنّ نعدها أسا للحركة العذرية في الشعر العربي كله"(59).

إنّ رأي "يوسف اليوسف" يذهب إلى أنّ الخط العذري تعود أصوله إلى الموروث الجاهلي بناء على أن "عروة بن حزام" شاعر جاهلي، لكن الباحث في كتب التراجم وبخاصة منها "الأغاني" (في الجزء 20 ص159) و"الشعر والشعراء" في (الجزء الثاني ص519) يجد أنّ الشاعر "عروة بن حزام" شاعر أموي "من عذرة وهو أحد العشاق الذين قتلهم العشق، وصاحبته عفراء بنت مالك العذرية"(60) و"لما بلغ عفراء موته قالت لزوجها، يا هناه، قد كان من أمر هذا الرجل ما قد علمت.. فما زالت تردد هذه الأبيات حتى ماتت فبلغ الخبر معاوية، فقال: لو علمت بحال هذين الشريفين جمعت بينهما"(61) لذلك نلاحظ أنّ "يوسف اليوسف" يحكم حكماً مطلقاً قوامه أنّ الغزل العذري موروث جاهلي، وذلك لما وقع فيه من اعتقاد أنّ "عروة بن حزام" شاعر جاهلي النشأة، لذلك فالأساس الذي بني عليه "يوسف اليوسف" حكمه باطل ولا حجة له فيه. خاصة وأنّ حكمه اتسم بالمطلق عندما اعتبر الموروث الجاهلي أساس الظاهرة العذرية.

أما إذا عدنا إلى دراسة "علي البطل" للظاهرة العذرية فإننا نجده يرجعها إلى أصول ميثيولوجية أسطورية تتصل بعصور ما قبل الإسلام إذ "إنّ القصص العذري في العصر الأموي تمتد جذوره موغلة في القدم إلى حيث المأثور الأسطوري والشعبي في عصور ما قبل الإسلام. وقد حافظ هذا القصص على عناصر كثيرة من ميراثه القديم، مطوراً بعضها، ومضيفاً إليها عناصر أخرى فرضتها الظروف الجديدة"(62)، فيعود بجذور القصة العذرية إلى أسطورتين جاهليتين تتعلقان "بالثريا والقلاص"، والتي سبقت الإشارة إليها. هذا في جانبه الميثولوجي الأسطوري، كما يعود بها إلى القصص الجاهلي، وخاصة الذي يروي قصص بعض الشعراء الذين وقعوا في قصة حب مع فتيات من العرب ولاقوا صعوبات في الظفر بهن كقصة عنترة مع عبلة والمرقش الأكبر مع أسماء.

فالقصة العذرية الجاهلية لها عناصر أساسية هي "العشق الخطبة الرد الرحلة الزواج من الأجنبي استمرار العاشق في عشقه وملاحقته للمحبوبة"
(63)، وهذا ما تكرر في قصة عنترة مع عبلة والمرقش مع أسماء. ونجده يتكرر في صلب كل قصة عذرية في العصر الأموي مع إضافات جديدة فرضتها طبيعة المجتمع الإسلامي الجديد.

فعلي البطل يعود بالقصة العذرية الأموية إلى الفترات التاريخية الموغلة في القدم، والمتمثلة في المرحلة الأسطورية في الحضارة العربية، والمتأمل في هذا الطرح يدرك أنّه يؤكد الجذور الأسطورية والجاهلية للقصة العذرية في هيكلها العام، وهو طرح له ما يبرره، علماً بأنّ الفن هو استمرار وتواصل بين الحضارات والفترات التاريخية المتلاحقة وأجيالها. وما الفترة الأموية إلا حلقة من الحلقات التي صنعت العقلية العربية في رحلتها الطويلة مع التاريخ والتطور. وأنّ الفترة الأسطورية والفترة الجاهلية هي المرحلة التي عاشها الفن العربي في مهده الأول، وهي المرجع الأساسي للفن العربي على مدار التاريخ. وما القصة العذرية إلا حلقة من حلقات البناء الفني للقصة العربية في تطورها المتلاحق.

والذي نذهب إليه في النهاية، أنّ القصة العذرية لها إرهاصات في العصر الجاهلي إيماناً منّا أنّ الفن لا يولد واقفاً بالفطرة، وإنّما هو عصارة جهد من الأجيال والحضارات وأنّ العقلية العربية في بنائها الفكري، هي خلاصة حلقات متتالية ولكن هناك فوارق جوهرية بين القصة الجاهلية والقصة العذرية فالقصة العذرية الأموية تدور أحداثها في مجملها حول عذرية العشق بين الرجل والمرأة وأنّ هذا العشق خال منالأهداف الشبقية، وأنّه عشق لذات العشق، وأنّه رابطة يغلب عليها الطابع الروحي العرفاني، أما العشق الجاهلي فهو عشق يحمل طابع التحدي خاصة في قصة عنترة مع عبلة، وأنّه حب الهدف من ورائه إثبات الذات أمام المجتمع، لذلك نلفيه يحمل طابع الفروسية والمغامرة. ينضاف إلى ذلك أنّ النص العذري الأموي نص وهاج بعرفانيته الجنونية التي توحد بين الذات المحبة والذات المحبوبة إلى أن تصل إلى درجة الجنون والاتحاد، وهذا ما لا نلمسه في النص الجاهلي لأن هذا النص لا يعبر إلا على ظاهرة الحرمان والإخلاص للمحبوب والتحدي من أجل الظفر به، وبذلك فالعذرية الأموية أكثر شمولية وأكثر تعبيرية من العفة الجاهلية خاصة وأنّ الأولى امتزجت بالمبادئ الدينية، أما الثانية فتفتقر لذلك وأنّ الأولى كذلك تشكل ظاهرة متكاملة. أما الثانية فلا تشكل إلا عينات متناثرة.

ب-المصدر الإسلامي:

أما الطرح الآخر فيذهب إلى أنّ الظاهرة العذرية ذات مصدر ديني إسلامي، إذ كانت البيئة الإسلامية ذات أثر أساسي في التمهيد لنشأة هذا النمط من الغزل الذي يتغنى بالحب الروحي، معبراً عن الحرمان واليأس والتسامي بالعاطفة، واستعذاب الألم في سبيله، لذلك "فالغزل العذري تعبير عن وضع طائفة من المسلمين كانت تتحرج وتذهب مذهب التقى وتؤثر السلامة والعافية على المغامرة والمخاطرة، وترى النفس أمارة بالسوء وأنّ النار قد حفت بالشهوات على حد تعبير الحديث الشريف، وأنّه من الخير لها أن تصبر.. وأن تلتزم ما أمر الله به أن يلتزم.. ولذلك آثرت هذه الطائفة أن تعدل عن شهواتها، فكانت مثلاً واضحاً للتربية الإسلامية، في سموها وتعاليها"(64). فطرح "شكري فيصل" يبدو أنّه أساس الطرح الذي يذهب إلى أنّ الغزل العذري إفراز طبيعي لأثر التعاليم الإسلامية في النفس العربية المسلمة، وأنّ هذا النمط من الغزل نشأ بدافع من التقوى الإسلامية، وبتأثير من مفهوم الحب في الإسلام وارتباطه بمبدأ "العفة". فمن "العفة التي كان يواكبها الدين، ومن الحب الذي كانت تواكبه الغريزة، من هذا كله كان هذا الحب العذري، وكان لا بد للمؤمن إلا عفة الذين أخفقوا في حبهم من أن يعبروا عن هذا الإخفاق، وأن يتحدثوا عنه في هذه الصورة أو تلك، ومن هنا وجدوا في الفن القولي سبيلاً إلى التعبير عن مشاعرهم. لنا أن نقول إذن أنّ الغزل العذري هو المظهر الفني للعواطف المتعففة والملتهبة في آن معاً، والتي وجدت أنّ الغزل العذري هو المظهر الفني للعواطف المتعففة والملتهبة في آن معاً، والتي وجدت أنّ التعويض هو خير ما تطفئ به لهبها وتتسامى به غرائزها"(65) فالغزل العذري إفراز طبيعي لتأثير الوازع الديني في نفسية المسلم، ومظهر من مظاهر الصراع بين طرفي النفس الإنسانية كما خلقها الله تعالى "ونَفْسٍ ومَا سَوّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وتَقْوَاها"(66) فتغلبت فيه العفة على العبثية فكان تعبيراً عما قرّ في نفوس هؤلاء الشعراء من إحساس بالعفة، وتجنبا لما حرمه الدين في الحب، ويبرز ذلك من خلال كثير من الروايات التي تصف حدود صلاة هؤلاء الشعراء بمن يحبون. روى صاحب الأغاني عن جميل(67) قال: "سعت أمة لبثينة بها إلى أبيها وأخيها وقالت لهما أنّ جميلاً عندها الليلة فأتياها مشتملين على سيفين، فرأياه جالساً حجرة منها يحدثها ويشكو إليها بثه، ثم قال لها: يا بثينة، أرأيت ودي إياك، وشغفي بك، لا تجزينيه، قالت: بماذا؟ قال: بما يكون بين المتحابين. فقالت له: يا جميل، أهذا تبغي والله لقد كنت عندي بعيداً عنه. ولئن عاودت تعريضاً بريبة لا رأيت وجهي أبدا. فضحك وقال ما قلت هذا إلا لأعلم ما عندك فيه، ولو علمت أنّك تجيبينني إليه لعلمت أنّك تحبين غيري، ولو رأيت منك مساعدة عليه لضربتك بسيفي هذا مع ما استمسك في يدي، ولو أطاعتني نفسي لهجرتك هجرة الأبد، أو ما سمعت قولي:

وإنِّي لأَرضى مِنْ بثَيْنةَ بالذي


لَوْ أَبْصَرَهُ الوَاشي لَقَرَّتْ بَلابلُهُ

بلاَ وَ بأَلاّ أَسْتطيعُ، وبالمُنى


وبالأَمَلِ المَرْجُو قَدْ خَابَ آمَلُهُ

وبالنظْرِةَ العُجْلى وبالعَامِ تَنْقَضي


أوَاخِرُهُ لا نَلْتَقِي، وأوَائِلُهُ

فقال أبوها لأخيها: قم بنا ينبغي لنا بعد اليوم أن نمنع هذا الرجل من لقائها، فانصرفا وتركاهما". وهي رواية وغيرها من الروايات المماثلة والتي يحفل بهم القصص العذري تؤكد طرح "شكري فيصل" من أنّ الغزل العذري "لم يكن من الممكن أن يظهر بقدسيته وطهارته قبل عصر بني أمية.. ويجب أن يكون أثراً لتربية جيل جديد تربية صادقة صارمة.. ويجب أن يكون أثرا لنوع من الحياة الاجتماعية تعرف الاستقرار وتساعد عليه من نحو آخر"(68). فالغزل العذري تعبير عن نفسية امتزجت وتأثرت بالحضارة الإسلامية في بعدها العقائدي والأخلاقي والإنساني، وعن النفس في صفائها الروحي وفي تقواها وعفتها الإسلامية لذلك لم ينجو منه حتى الثقاة الزهاد، ومن ذلك ما يروي عن "عبد الرحمن بن عمار الجشمي "الملقب" بالقس "لشدة تقواه وورعه والذي وقع في حب جارية مغنية عرفت في ما بعد به "سلامة القس". فكان حبه مثالاً واضحاً للنساك وذلك لما عرف منه من ورع وتقوى.

روى أنّ سلامة "قالت له يوماً: أنا والله أحبكَ، قال: أنا والله أحبكِ، قالت: وأحب أن أضع فمي على فمكَ، قال: وأنا والله أحب ذاك، قالت: فما يمنعك؟ فو الله إنّ الموضع لخال. قال: إني سمعت الله عزّ وجلّ يقول: الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو، إلاّ المتقين وأنا أكره أن تكون خلة ما بيني وبينك تؤول إلى عداوة ثم قام وانصرف وعاد إلى ما كان عليه من نسك"(69) وتلك رواية تؤكد أنّ الغزل العذري كانت له روافد في المدن والحواضر ولم يقتصر على البادية وأنّ طبيعته لم تقتصر على الشعراء، وإنّما تعدت إلى الفقهاء والزهاد فكان "عبد الرحمن بن عمار الجشمي الملقب" بالقس "في مكة و"عروة بن أذينة" و"عبد الله بن عتيبة" في المدينة وأخبارهم مفصلة في الأغاني وكلها أخبار تؤكد ورعهم وتقواهم وزهدهم وفقههم ووقوعهم في الحب. حب امتاز بالعفة والصفاء والبعد عن الشبقية الحسية، وذلك بتأثير من الوازع الديني والخلق الإسلامية، التي كان لها التأثير البالغ في النفس الإسلامية. فحولت نظرة المسلم إلى الحب من نظرة حسية مادية إلى نظرة عرفانية صوفية. وهذا ما جعل "إبراهيم عبد الرحمان محمد" يشير إلى علاقة التشابه بين حيوات العذريين وحيوات الزهاد في العصر الأموي وأنّ "حيوات الشعراء العذريين وشخصياتهم كما تصورها قصة المجنون تذكرنا بطبقة الزهاد من المسلمين الذين أخذوا يكثرون في البيئات الإسلامية المختلفة منذ أواخر العصر الإسلامي وأوائل العصر الأموي، وهي الفترة التي ثارت فيها العصبيات القديمة، وكثرت الحروب الأهلية. وتدلنا أخبار هذه الطبقة على أنّها راحت تمارس نمطاً فريداً من السلوك يتمثل في احتقار الدنيا والعزوف عن ملذاتها، والفرار من الناس والرغبة في الآخرة، وليس الجانب الديني هو وحده الذي يغرينا بالربط بين طبقة الزهاد وشعر الغزل العذري، وإنّما هناك بالإضافة إلى ذلك، هذه السلبية التي تميز بها سلوك العذريين، وانتهاء بهم إلى استعذاب الألم والتغني بالحرمان، واعتزال الناس وطلب الموت في سبيل الحب، وهي سلبية فرضت نفسها كذلك على طبقة الزهاد. فورطتهم في هذه المواقف القدرية إزاء أحداث الحياة.. وهذا ما يغرينا بأن نعدها ثمرة لهذا الصراع النفس والديني والاجتماعي"(70).

إنّ القول بالعلاقة بين الحركة العذرية وحركة الزهاد في العصر الأموي لا غرابة فيه، إذ من المؤكد أنّ الحركة العذرية في صبغتها الأساسية وليدة نفسية صقلها الإسلام بمبادئه، وغذّاها بعقيدته وصبغ جوانبها بأخلاقه الذي دعا إليها، فميزت نصوص العذريين بظلال إسلامية، إذ كان أساس خلجات نفوسهم ومحور تصوراتهم، فسيطر على مشاعرهم وعقولهم وقلوبهم وذلك كان العامل الديني أقوى من كل العوامل الأخرى التي ساعدت على ظهور الحركة العذرية، فطبعها بطابعه الروحي المتسامي، فكانت العفة أساس النصوص العذرية وقصصهم وهذا ما جعل النص العذري خاصة في تعبيره عن حرارة الوجد يمتزج امتزاجاً كبيراً بالطبيعة والرؤية الصوفية في عرفانيتها، فكان رافداً أساسياً من روافدها، ومنبعاً أساسياً من منابعها.

إنّ قصة المجنون وما دار حولها من روايات وأخبار سواء أكانت حقيقية أم منتحلة خاصة ما تعلق بجنونه وعيشه في الفلاة مع الوحوش، وهيامه على وجهه في الصحراء مفترشاً الأرض وملتحفاً السماء ومستأنساً بالوحوش قريبة من قلوب سكان الحواضر الإسلامية حتى اعتقدت فيه الكرامات فقربته من حضرة الصوفية، وربطت علاقة روحانية بين أخباره وما يفعله الزهاد والمتصوفة في ذلك الوقت، وهذا ما حدا "بغنيمي هلال" إلى الربط بين حركة العذرية ونشأة الحب الصوفي في العالم الإسلامي، وأنّ العذرية في تعبيرها عن الحب مشتركة أيما اشتراك مع الصوفية، لكن الحب العذري "ظل مع ذلك في دائرة الحب الإنساني، أي الحب العذري الذي يدفع فيه الحرمان إلى إضفاء نوع من المثالية على الحب، وما يكتنف ذلك من معان دينية تتوافر لدى من يهبون أنفسهم لصراع بين عقيدتهم وعاطفتهم تنتصر فيه عقيدتهم، فيطلبون المثوبة على مصايرهم فيما ابتلوا به، وكان أدبهم كله يدور حول هذه المعاني"(71)، وهو طرح يميز بين الحب العذري والحب الصوفي، وأنّ الحب العذري لم يكن إلاّ إرهاصاً أولياً للحب الصوفي، وأنّ الحب العذري مرتبط في أساسه بفكرة الحرمان وامتزاجها بالوازع الديني لدى النفوس العذرية، ولذلك -ومهما سما هذا الغزل في التعبير عن الحب -فإنّه لا يرتقي إلى ما ارتقى إليه مفهوم الحب عند الصوفية، إذ أخذ أبعاداً عرفانية غنوصية ارتبطت بمفاهيم كونية وفلسفية ومعرفية كانت نتيجة امتزاج الحضارة الإسلامية بالحضارة التي سبقتها.

ظهر الحب الصوفي في الأمصار الإسلامية مع "رابعة العدوية" في "القرن الثاني الهجري" التي ظهرت بدعوة جديدة هي دعوة التقرب إلى الله عن طريق حبه. ولكن الحب عند "رابعة العدوية" لا صلة له بالحب العذري إذا كانت تنادي بحبها لله، لأنّه أهل لأن يُحب أولا لأنّه مصدر النعم التي لا تنقطع فلا سبيل لأن ينتقص حب المنعم بها، وثانياً لأن الله أهل لأن يحب "لما هو أهل له من الحب، لجماله وجلاله وهذا الأخير هو حب الخواص من أمثال" رابعة العدوية"(72)، وبذلك يتميز الحب الصوفي عند "غنيمي هلال" عن الحب العذري باعتبار دافعه لا باعتبار معانيه وأساليبه، لأن الدارس لمعاني الحب وأساليبه في الاتجاهين يتجلى له تشاكل واضح بينهما "لأن المحب في كلا الأمرين يعبر عن عاطفة يفيض بها شعوره، ويلجأ في تصويرها إلى الألفاظ والصور الحسية للتعبير عما في وجدانه من الشوق ومظاهره. لذا كانت تتشابه طرق التعبير عن الحب والهيام في المتصوف من أمثال "رابعة العدوية" مع شعر المحبين من العذريين لأن الذي يعانيهم في كلا الحالتين إنسان"(73)، وباعتبار ذلك نستطيع القول بأنّ مفهوم الحب عند التيارين متقارب فالوازع الديني هو الذي أفرز النوعين معاً. فالأول كان نتيجة طبيعية للنفس المسلمة التي تشبعت بالقيم والمثل الإسلامية، فزهدت في الدنيا، وأيقنت أنّ قنوات تصريف الطاقة الجنسية عند الإنسان يجب أن تخضع للقنوات الشرعية، وأنّ المرأة يجب أن تنظر إليها من حيث هي روح لا من حيث جسد، وأنّ المتعة الشبقية آلية زائلة، أما السكن النفسي فهو الباق، لذلك كان العذري يبحث في المرأة عن جوهر السكن النفسي الذي افتقد إليه العربي قبل الإسلام. وذلك شأن الصوفي الذي عزف عن المتعة الآنية، وجدّ من أجل البحث عن المتعة الباقية، فأيقن أنّ حب الله والإخلاص له هو السبيل الأوحد إلى ذاك. فزهد في الدنيا وخلا بنفسه بحثاً عن المتعة السرمدية حتى وصل الأمر بكثير من المتصوفة إلى ادعاء الوصول إلى المحبة إلى درجة الخلة بينه وبين الله، بل الاعتقاد في الحلول، وبذلك فصل المتصوفة بين ماهية الحب العذري وماهية الحب الصوفي، لأنّ المتصوفة الأوائل كانوا يعتقدون أنّ الحب الإنساني مرحلة أولى ولازمة للحب الصوفي، "وهذا ما كان يقصد إليه بعض المتصوفة على ما يحكيه المكي: قال بعض المريدين لأستاذه: قد طولعت بشيء من المحبة، فقال: يا ابني، هل ابتلاك بمحبوب سواه فآثرت عليه إياه؟ فقال: لا. فقال فلا تطمع في المحبة فإنّه لا يعطيها عبداً حتى يبلوه"(74)، وكان ذلك ضرباً من القنوات التي ربطت بين العذري والحب الصوفي.

إنّ الحب العذري مرحلة لازمة وضرورية وتمهيدية لتذوق الحب الصوفي، لذلك كان المتصوفة في مجالسهم ومواعظهم يضربون الأمثال بالمحبين الذين تفانوا في الهيام بمحبوباتهم، حتى وصل بهم الهيام إلى درجة الذوبان في ذات المحبوب على نحو ما وصف "الشبلي" حب المجنون في كثير من مجالسه، فكان يقول: "يا قوم، هذا مجنون "بني عامر" كان إذا سئل عن "ليلى" يقول: أنا ليلى، فكان يغيب بليلى في ليلى، ويغيب عن كل معنى سوى ليلى، ويشهد الأشياء كلها بليلى، فكيف يدعي من يدعي محبته وهو صحيح مميز يرجع إلى معلوماته وحظوظه. فهيهات أنّى له ذلك، ولم يرمذ في ذرة منه ولا زالت عنه صفة من أوصافه"(75).

فالحب العذري الذي اتصف به المجنون لم يكن إلاّ ضرباً من الفناء والحلول الذي كان يعتقد فيه المتصوفة. فالذات المحبة لا تستشعر حلاوة الحب إلاّ إذا انصهرت في ذات المحبوب، وذابت فيه. ولذلك نخلص إلى أن ماهية الحب العذري كانت إرهاصاً، بل مرحلة جد متقدمة للحب الصوفي، وأن المتصوفة اقتدار بالمحبين العذريين في حبهم الإنساني ليؤسسوا للحب الصوفي.

إنّ عرفانية ماهية الحب العذري عند كبار العذريين أمثال المجنون هي التي دفعت بالمتصوفة إلى توظيف رمز المرأة في إبداعهم وخطابهم، فأعطوه طابعاً صوفياً محضاً، إذ "لم ينشأ التركيب الثيوصوفي لرمز المرأة في شعر الصوفية من فراغ خالص ذلك أنّنا نجد لهذا الرمز المرأة الذي بدا ذا طابع غنوصي، جذوراً بعيدة تتصل بأصول ميثيولوجية قديمة، وبإرهاصات الغزل العذري الذي نسجت حول أخبار وحكايات وأشعار تناقلها الرواد حتى ذاعت في بعض العواصم الإسلامية"(76). وباعتبار ذلك أضحى رمز المرأة من الدعائم الفنية التي يقوم عليها النص الصوفي، وأصبح معادلاً موضوعياً للحب الإلهي، وهكذا دخل رمز المرأة إلى عالم التصوف الرحب، وأصبح علامة تعبر عن عرفانية تحمل أبعاداً علوية عند المتصوف في وجده بين العلو المتجلي والصورة التي تجلى فيها. وبذلك وضع اللامرئي والمرئي، والروحي والفيزيائي في تجانس وانسجام، فتجلى من خلاله المحبوب المقدس، فأقام رمز المرأة بانتقاله من العذرية إلى الصوفية "علائق بين وحدات مترابطة تفضي كل منها إلى الآخر، فالحب الذي يوجد بين الفيزيائي والروحي، يحيل إلى التجلي الإلهي يفضي بدوره إلى المشاهدة التي ترتبط بالإبداع الخيالي أوثق ارتباط ومن خلال هذه الوحدات المتشابكة، يطل الجوهر الأنثوي وتبرز المرأة بوصفها رمزاً على الله المتجلي في شكل محسوس وصورة فيزيائية"(77) فعبر رمز المرأة عن الحب الإلهي في لغة وجدانية إنسانية مستوحاة من شعر العذريين الكبار. وبذلك أشار الصوفية من خلال رمز المرأة إلى الحكمة العرفانية والوجد الصوفي في مظهريه الإنساني والإلهي، فأخذت المرأة بوصفها مجازاً لجمال أكثر ديمومة وكلية تحمل في جوهرها طابعاً علوياً يتجلى من خلاله ما يعانيه في رؤيته للكون التي يتجاذبها قطبا "التأثير والقابلية" و"الفعل والانفعال".

وأخيراً يلاحظ الدارس للطرح الذي يذهب إلى أن مصدر العذرية في العصر الأموي كان إسلامياً، وأنها إفراز طبيعي للنفوس التي تشبعت بالقيم والأخلاق والمثل الدينية. طرح له مبرراته المعرفية والفنية، وأنّ الظاهرة العذرية لما تميزت به من عرفانية في تعبيرها عن قيمة الحب ليست إلاّ وليدة التغير الجذري الذي أحدثه الإسلام للقيم والمفاهيم التي كان ينظر بها العربي إلى المرأة، من حيث هي جسد قبل أن تكون روحاً، متعة شبقية قبل أن تكون عرفانية روحية. وأنّ ما عرف عن بعض الجاهليين من عذرية في نظرتهم إلى المرأة لم يكن سوى طفرات لم تسْمُ في نظرتها إلى ما وصلت إليه العذرية في العصر الأموي. لذلك فإنّنا نرى أنّ العذرية في أبعادها العرفانية والروحية التي أقصت الجسدية من مفهومها، والتي كانت إرهاصاً قوياً للصوفية الإسلامية، إنّما هي ظاهرة إسلامية في كل أبعادها، وليدة امتزاج القيم الإسلامية بالنفسية العربية التي آمنت بالعفة شعاراً وبالإخلاص طريقاً وبالنظرة الإنسانية للمرأة مبدأ، وذلكم هو جوهر ماهية الحب العذري عند أعلامه.

نخلص في الأخير إلى أنّ للظاهرة العذرية لما اتسمت به من أصالة في الطرح، وعمق في الرؤيا، وجمالية في التعبير، وأبعاد في الخصائص والمميزات أهلتها لأن تكون ميداناً خصباً للكثير من القراءات النقدية، كل واحدة تحاول أن تستجلي جانباً من جوانبها، فتبرز معالمه، وتجلي خفاياه بإتباع منهج الاستقصاء والبحث الجاد من أجل الوصول إلى إجابات كافية تجيب عن كثر من التساؤلات التي تطرحها القراءة الجادة خاصة وأنّ الظاهرة العذرية، ظاهرة تحمل العديد من القضايا التي تستحق البحث من أجل الوصول إلى تفسيرات علمية لها.

إن القراءة التاريخية بوصفها القراءة الأولى حاولت الاقتراب من الظاهرة العذرية، والبحث في جوانبها خاصة ما تعلق بوجودها التاريخي، فانكبت على العمل من أجل إثباتها كظاهرة تاريخية أو نفيها أو نفي ما علق بها من روايات وأخبار وقص كان لخيال الرواة الدور الأساسي في صنعها وإضافتها إليها، إما بهدف المتعة والترويج عن الملتقي حتى تصنع له جواً من الجاذبية الفنية التي يكون للخيال الدور الأساسي في بنائها دون مراعاة الواقعة التاريخية كواقعة يجب الوقوف عند حقيقتها، وإما بهدف إيجاد تفسيرات لبعض النصوص العذرية التي لم يعثر على مرجعيتها التاريخية.

دارت القراءة التاريخية للظاهرة العذرية في فلك النفي والإثبات، فراحت تطرح التساؤلات حول الوجود التاريخي لشعرائها محاولة نفي ما يثبت نفيه أو إثبات ما يمكن إثباته وكانت مرجعيتها في ذلك الرواية التاريخية والتراجم القديمة. ولم تقف عند البحث في الوجود التاريخي للشعراء فقط بل عملت من أجل التحقق من قصصهم ونصوصهم، باعتبارها دعائم أساسية للظاهرة العذرية.

لقد كان لإشكالية الرواية الشفهية -والتي كانت المصدر الأساسي للتدوين للظاهرة العذرية- دور أساسي في إضفاء ظلال الشك حول الوجود التاريخي لشعرائها وقصصها ونصوصها، ولذلك اهتمت القراءة التاريخية بهذه الإشكالية محاولة الإجابة عن تساؤلاتها واستفساراتها. والهدف من كل ذلك خدمة المنهجية العلمية التي تفرض على القارئ الموضوعية مع الدقة والتحقيق، لذلك قال "طه حسين"، وهو يبحث في شخصية المجنون التي دارت حولها تساؤلات عدّة: "أما نحن فأشد من هؤلاء القدماء طبعاً وأكثرهم تحفظاً، لا تكفينا أسماء الثقاة من الرواة، ولا يكفينا جمال القصيدة وجودة المقطوعة، وإنما نريد أن نتخذ كل شيء موضوعاً للبحث والنقد والتحقيق والتحليل، ولا نكاد نفرق في ذلك بين الأدب والعلم. ونحن محقون، لأننا لا نبتغي من الأدب والتاريخ رواية الأعاجيب والعظات، ولا إرضاء الذوق والميل الفني، وإنما نتخذ الأدب والتاريخ مرآة للأمم، وسبيلاً إلى فهم حياتها العقلية والشعرية"(78)، وهي قراءة تبتغي العلمية الصارمة في التعامل مع الظواهر الأدبية بعامة والعذرية بخاصة حتى تجردها مما علق بها من نحل وانتحال، الذي كان المصدر الرئيس لإشكالية الشك في كثير من الجوانب التاريخية للظاهرة العذرية.

فالقراءة التاريخية للظاهرة العذرية وقفت في جل طروحاتها عند البعد التاريخي للظاهرة ولم تجتهد لملامسة النص الإبداعي في أبعاده الفنية اللأسطاطيقية أو جوانبه النفسية الاجتماعية، التي كان لها الدور الرئيسي في تشكيل الظاهرة العذرية. وإذا كانت القراءة التاريخية لم تقف عند هذه الجوانب في الظاهرة العذرية فإننا نلفي قراءات أخرى حاولت أن تكشف عن هذه الجوانب مع إبراز أبعادها السياسية في تشكيل فضاء النص العذري. وهذا ما نعمل من أجل الوقوف عنده في الفصول اللاحقة مع إبراز المنطلقات المعرفية للقراءات اللاحقة وأسسها النقدية التي تعاملت بها مع الظاهرة العذرية.

الهوامش

1-ابن سلام الجمحي: طبقات فحول الشعراء -إعداد اللجنة الجامعية لنشر التراث العربي- دار النهضة العربية للطباعة والنشر- لبنان- د ط- ص8

2-أبو الفرج الأصفهاني: الأغاني -تحقيق لجنة من الأدباء- دار الثقافة- لبنان: 8/98

3-ناصر الدين الأسد: مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية- دار المعارف مصر- ط6- سنة 1982 ص255

4-المرجع السابق: ص277-278

5-أبو الفرج الأصفهاني: الأغاني - 2/7

6-المصدر السابق: 2/6

7-نفسه: 2/6

8-طه حسين: المجموعة الكاملة- دار الكتاب اللبناني- لبنان- ط2- سنة 1980- ص193

9-طه حسين: تقليد وتجديد - دار العلم للملايين- لبنان- ط1- سنة 1979-ص30

10-المرجع السابق ص31

11-نفسه ص31

12-النظرية والتطبيق في الأدب المقارن -دار العودة -لبنان- د ط- سنة 1982- ص158

13-المرجع السابق: ص160

14-في الميراث الأسطوري العربي الجاهلي نجد أسطورتين تفسيريتين تتعلقان بالثريا. تروي الأولى أن "الدبران" قد عشق الثريا فذهب يخطبها من أبيها "القمر" إلاّ أنها قالت: ماذا أصنع بهذا السبروت الذي لا مال له؟ فذهب الدبران يطلب الثروة وما لبث أن جمع ما أراد، وعاد إلى الثريا يقود قطيعاً من النجوم أمامه يسمونها "القلاّص" فهي الإبل التي يقدمها مهراً لخطيبته، وهو يدور خلف الثريا بقلاّصه هذه، لذلك يسمونه التابع، أو حادي النجوم، أما الأسطورة الثانية فتكمل الأولى حيث تروي أن "سهيلاً" اليماني هو الذي تزوج الثريا، وكان عشارا غنياً في غيبة الدبران.

15-علي البطل: الغزل العذري واضطراب الواقع -فصول "مجلة النقد العربي" -تراثنا الشعري- المجلد الرابع- العدد الثاني- يناير فبراير مارس 1984- ص181.

16-سورة يوسف: الآية 53

17-شكري فيصل: تطور الغزل بين الجاهلية والإسلام من امرئ القيس إلى ابن أبي ربيعة- دار العلم للملايين- لبنان- ط6- سنة 1982- ص280

18-المرجع السابق: ص285

19-عبد القادر القط: في الشعر الإسلامي والأموي -دار النهضة العربية- لبنان- د ط- سنة 1979- ص131

20-ناصر الدين الأسد: مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية -ص290

21-المرجع السابق ص288

22-نفسه ص321

23-البخاري: صحيح البخاري- دار الهدى الجزائر- د ط- سنة 1992- 1/52

24-طبقات فحول الشعراء- ص13

25-ناصر الدين الأسد: مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية- ص332

26-ابن قتيبة: الشعر والشعراء- تح -محمّد يوسف نجم وإحسان عباس- دار الثقافة- بيروت- د ط ت- 1/15

27-طه حسين: المجموعة الكاملة- دار الكتاب اللبناني- لبنان- ط2- سنة 1980- ص117

28-المرجع السابق 2/117

29-نفسه: 2/179

30-نفسه: 2/181

31-حسن فتح الباب: رؤية جديدة لشعرنا القديم مأثورات من الشعر العربي في ضوء مفهوم التراث المعاصر- دار الحداثة- لبنان- ط1- سنة 1984- ص43

32-محمّد عابد الجابري -تكوين العقل العربي- دار الطليعة -لبنان- ط1- سنة 1984- ص63

33-المرجع السابق: ص57

34-ينظر طه حسين: المجموعة الكاملة -2/179

35-المرجع السابق 2/202

36-نفسه 2/198

37-الدكتور عبد الملك مرتاض: القصة في الأدب العربي القديم- دار ومكتبة الشركة الجزائرية -ط1- سنة 1968- ص115

38-طه حسين: المجموعة الكاملة- 2/203

39-المرجع السابق 2/203

40-علي البطل: الغزل العذري واضطراب الواقع: مجلة فصول - ص181

41-المرجع السابق ص181

42-نفسه ص181

43-أبو الفرج الأصفهاني: الأغاني 2/10

44-المصدر السابق 2/11

45-نفسه 2/11

46-طبقات فحول الشعراء ص147

47-كثير عزة: الديوان- جمع وشرح إحسان عباس- دار الثقافة- لبنان- د ط- سنة 1971- ص57 59

48-المصدر السابق ص59

49-نفسه: ص59

50-نفسه 59

51-رولان بارث: نظرية النص -مجلة العرب والفكر العالمي- تر- محمّد خير- مركز الإنماء القومي- لبنان- العدد 3- سنة 1988- ص96

52-عبد الله الغدامي: الخطيئة والتكفير من البنيوية إلى التشريحية قراءة نقدية لنموذج إنساني معاصر- النادي الأدبي الثقافي- جدة- السعودية- ط1- سنة 1985- ص322

53-Encyclopedia universalis T16 “Theorie de texte” pares 1984- p997

54-محمّد بنيس: ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب مقاربة بنيوية تكوينية -دار العودة- لبنان- ط1- 1979- ص251

55-الدكتور عبد الملك مرتاض: فكرة السرقات الأدبية ونظرية النص الأدبي -مجلة علامات في النقد العربي -المجلد الأول- النادي الأدبي الثقافي- السعودية- ماي 1991- ص82

56-الدكتور مختار حبار: قراءة تناصية في قصيدة الياقوتة لسيد الشيخ 1025هـ 1616م- مجلة تجليات الحداثة- معهد اللغة العربية وآدابها- جامعة وهران- العدد الأول- سنة 1992- ص59

57-محمّد غنيمي هلال: ليلى والمجنون في الأدبين العربي والفارسي دراسات نقدية ومقارنة في الحب العذري والحب الصوفي من مسائل الأدب المقارن- دار العودة -لبنان- ط1-ص19

58-شكري فيصل: تطور الغزل بين الجاهلية والإسلام -ص283

59-يوسف اليوسف: الغزل العذري دراسة في الحب المقموع -دار الحقائق- ط2- سنة 1982- ص148-149

60-ابن قتيبة: الشعر والشعراء -2/519

61-المصدر السابق: 2/523

62-علي البطل: الغزل العذري والتراث الواقع -مجلة فصول- ص181

63-المرجع السابق: ص181

64-شكري فيصل: تطور الغزل بين الجاهلية والإسلام -ص280

65-عبد القادر القط: في الشعر الإسلامي والأموي- ص78-79

66-سورة الشمس: الآية 7-8

67-أبو الفرج الأصفهاني: الأغاني 8/6

68-شكري فيصل: تطور الغزل بين الجاهلية والإسلام- ص284

69-أبو الفرج الأصفهاني: الأغاني 8/6

70-إبراهيم عبد الرحمن محمد: النظرية والتطبيق في الأدبالمقارن-ص15-157.

71-محمد غنيمي هلال: ليلى والمجنون في الأدبين العربي والفارسي -ص172

72-المرجع السابق ص173

73-نفسه: ص173-174

74-نفسه: ص174

75-نفسه ص175

76-عاطف جودة: نصر الرمز الشعري عند الصوفية -دار الأندلس- لبنان- ط3- سنة 1983- ص138

77-المرجع السابق ص142-143

78-طه حسين: المجموعة الكاملة -2/189




.
صورة مفقودة
 
أعلى