نونية ابن القيم الكافية الشافية

يا خاطب الحور الحسان وطالباً = لوصالهن بجنة الحيوان
لو كنت تدري من خطبت ومن = طلبت بذلت ما تحوي من الأثمان
أو كنت تدري أين مسكنها جعلت = السعي منك لها على الأجفان
أسرع وحدث السير جهدك إنما = مسراك هذا ساعة لزمانِ
فاعشق وحدّث بالوصال النفس .= وابذل مهرها ما دمت ذا امكانِ
فاسمع صفات عرائس الجنات ثم = اختر لنفسك يا أخا العرفانِ
حمر الخدود ثغورهن لآلئ = سود العيون فواتر الأجفانِ
والبرق يبدو حين يبسم ثغرها = فيضيء سقف القصر بالجدرانِ
ولقد روينا أن برقا ساطعا = يبدو فيسأل عنه من بجنانِ
فيقال هذا ضوء ثغر صاحبك = في الجنة العليا كما تريانِ
لله لاثم ذلك الثغر الذي = في لثمه إدراك كل أمانِ
ريانة الأعطاف من ماء الشباب = فغـصنها بالماء ذو جريانِ
لما جرى ماء النعيم بغصنها = حمل الثمار كثيرة الألوانِ
فالورد والتفاح والرمان في = غصن تعالى غارس البستانِ
والقد منها كالقضيب اللدن في = حسن القوام كأوسط القضبانِ
لا الظهر يلحقها وليس ثديها = بلواحق للبطن أو بدوانِ
لكنهن كواعب ونواهد = فثديهن كألطف الرمانِ
والجيد ذو طول وحسن في = بياض واعتدال ليس ذا نكرانِ
يشكو الحليّ بعاده فله مدى = الأيام وسواس من الهجرانِ
والمعصمان فان تشأ شبههما = بسبيكتين عليهما كفانِ
كالزبد لينا في نعومة ملمس = أصداف در دورت بوزانِ
والصدر متسع على بطن لها = حفت به خصران ذا أثمانِ
وعليه أحسن سرة هي مجمع = الخصرين قد غارت من الأعكانِ
وإذا انحدرت رأيت أمرا هائلا = ما للصفات عليه من سلطانِ
وجماعها فهو الشفا لصبها .= فالصبّ منه ليس بالضجرانِ
وإذا يجامعها تعود كما أتت = بكرا بغير دم ولا نقصانِ
فهو الشهي وعضوه لا ينثني = جاء الحديث بذا بلا نكرانِ
أقدامها من فضة قد ركبت = من فوقها ساقان ملتفانِ
والساق مثل العاج ملموم يرى = مخ العظام وراءه بعيانِ
والريح مسك و الجسوم نواعم = واللون كالياقوت والمرجانِ
وكلاهما يسبي العقول بنغمة = زادت على الأوتار والعيدانِ
وهي التي عند الجماع تزيد في = حركاتها للعين والأذنانِ
يعطي المجامع قوة المائة التي = أجتمعت لأقوى واحد الإنسانِ
لا أن قوته تضاعف هكذا = إذ قد يكون لأضعف الأركانِ
ولقد روينا أنه يغشى بيوم = واحد مائة من النسوانِ
هذا ودليل أن قدر نسائهم = متفاوت بتفاوت الإيمانِ
وأعفهم في هذه الدنيا هو = الأقوى هناك لزهده الفاني
فاجمع قواك لما هناك وغمض = العينين واصبر ساعة لزمانِ
ما ههنا والله ما يسوى قلامة = ظفر واحدة ترى بجنانِ
لا تؤثر الأدنى على الأعلى = فان تفعل رجعت بذلة وهوانِ
وإذا بدت في حلة من لبسها = وتمايلت كتمايل النشوانِ
تهتز كالغصن الرطيب وحمله = ورد وتفاح على رمانِ
وتبخرت في مشيها ويحق = ذاك لمثلها في جنة الحيوانِ
كالبدر ليلة تتمة قد حف في = غسق الدجى بكواكب الميزانِ
فلسانه وفؤاده والطرف في = دهش وإعجاب وفي سبحانِ
فالقبل قبل زفافها في عرسه = والعرس من أثر العرس متصلانِ
حتى إذا ما واجهته تقابلا = أرايت إذ يتقابل القمرانِ
فسل المتيم هل يحل الصبر = عن ضم وتقبيل وعن فلتانِ
وسل المتيم اين خلف صبره = في أي واد أم بأي مكانِ
وسل المتيم كيف حالته وقد = ملئت له الأذنان والعينانِ
من منطق رقت حواشيه ووجه = كم به للشمس من جريانِ
وسل المتيم كيف عيشته إذا = وهما على فرشيهما خلوانِ
يتساقطان لآلءا منثورة = من بين منظوم كنظم جمانِ
وسل المتيم كيف مجلسه مع = المحبوب في روح وفي ريحانِ
وتدور كاسات الرحيق عليهما = بأكف أقمار من الولدانِ
يتنازعان الكأس هذا مرة = والخود أخرى ثم يتكئانِ
فيضمها وتضمه أرأيت .= معشوقين بعد البعد يلتقيانِ
غاب الرقيب وغاب كل منكد = وهما بثوب الوصل مشتملانِ
أتراهما ضجرين من ذا العيش = لا وحياة ربك ما هما ضجرانِ
ويزيد كل منهما حبا لصاحبه = جديدا سائر الأزمانِ
ووصاله يكسوه حبا بعده = متسلسلا لا ينتهي بزمانِ
يا سلعة الرحمن لست رخيصة = بل أنت غالية على الكسلانِ
يا سلعة الرحمن ليس ينالها = في الألف إلا واحد لا اثنانِ
يا سلعة الرحمن ماذا كفؤها = إلا أولو التقوى مع الإيمانِ
يا سلعة الرحمن سوقك كاسد = بين الأراذل سلفة الحيوانِ
يا سلعة الرحمن أين المشتري = فلقد عرضت بأيسر الأثمانِ
يا سلعة الرحمن هل من خاطب = فالمهر قبل الموت ذو امكانِ
يا سلعة الرحمن كيف تصبر = الخطاب عنك وهم ذوو إيمانِ
 
أعلى