عبدالله الجعيثن - نساء عاشقات

(1-2)
إذا كان الحب فصلاً في حياة الرجل، فإنه هو تاريخ المرأة كله.
إن المرأة عاطفة، والعشق هو الصاروخ الذي يدفع هذه العاطفة للجيشان، ويرفعها إلى فضاءات الشعر بسرعة خاطفة.
فحين تعشق المرأة تصبح شاعرة ولو لم تعرف القوافي والأوزان.. لكنها مع من تعشق تذوب شعوراً وشعراً يموج في نظرات عينيها وارتعاد شفتيها ورقة كلماتها وعذوبة صوتها وجمال لفتاتها وعطفاتها وخفقان قلبها واحمرار وجهها وتلون الأجواء حولها بألوان السعادة وأطياف قوس قزح غيب المطر.
ومع ذلك قل في تاريخ الحب العربي الطويل والمترع بالعاشقين، ذكر صريح كثير لنساء عاشقات.
ولا يعود هذا لقلة وجود النساء العاشقات، وإنما يعود لأعراف المجتمع العربي الذي حلل للرجال ان يبوحوا بالعشق، واعتبر ذلك على النساء عاراً، فكم من امرأة دفنت عشقها وشعرها في رمال الصحراء وأروتها بسطورها وشعورها ودموعها وربما بدمائها إن عرف والد أو أخ غيور أنها عاشقة تبوح بمكنون قلبها.
ورغم القيود والسدود حفظ التاريخ العربي أسماء عاشقات في القديم والحديث أبى العشق إلاّ ان يتدفق من قلوبهن شعراً، كعشرقة المحاربية وعلية بنت المهدي (الخليفة) وحفصة بنت الحاج وشقراء بنت الحباب وولادة بنت المستكفي وجليلة رضا وعاتكة الخزرجي ولميعة عباس وفدوى طوقان وفاطمة الدريدي ونازك الملائكة وسعاد الصباح ونورة الهوشان وكثيرات ولكن هذا ما حضر من الذاكرة دون الرجوع للمصادر فليس الهدف الاستقصاء بل التمثيل علما بأنه يستحيل الاحصاء فالمجهولات من العاشقات أضعاف أضعاف المعروفات.
عشرقة الجاهلية تقول:
جريت مع العشاق في حلبة الهوى
ففقتهم سبقاً وجئت على رسلي
فما لبس العشاق من حلل الهوى
ولا خلعوا إلاّ الثياب التي أبلي
ولا شربوا كأساً من الحب مرة
ولا حلوة الا شرابهم فضلي
فهي تتحدى الرجال والنساء معاً
وتقول شقراء بنت الحباب:
أقول لعمرو والسياط تلفني
لهن على متني شرد ليل
فاشهد يا غيران اني أحبه!
بسوطك فاضرب فأنت ذليلي!
فإن آلمها جسدياً هذا الرجل الذي يضربها حين عرف بعشقها لرجل اسمه (يحيى) أذته نفسياً بشكل أعنف وأعمق حين صرحت بعشقها وأصرت واعتبرته هو (الذليل) مهما ضربها فالحب لا يأتي بالضرب.
ولعلية وهي بنت الخليفة المهدي:
ما أقبح الناس في عيني وأسمجهم
إذا نظرت فلم أبصرك في الناس
ولها أيضاً شعر يذوب حباً وغراماً:
لم ينسنيك سرور لا ولا حزن
وكيف ينسى لعمري وجهك الحسن؟
وما خلا منك قلب لي ولابدن
كلي بكلك مشغول ومرتهن
ولحفصة بنت الحاج:
أغار عليك من عيني ومني
ومنك ومن زمانك والمكان
ولو أني خبأتك في عيوني
إلى يوم القيامة ما كفاني!

هذا الحب والا بلاش!!
(يتبع)..
 
نساء عاشقات
(2-2)
أعتقد ان الرجل أشد خيالاً من المرأة لكنها أقوى منه عاطفة وأشد عناداً.
فالمرأة - خاصة الفتاة قليلة الخبرة بالرجال والقيم - إذا أحبت أصرت وعاندت أهلها الذين رفضوا زواجها ممن تحب لأنهم - بحكم السن - أخبر بمعادن الرجال وأخلاقهم.
ومع ذلك ندر في صحرائنا العربية تغريد النساء بشعر الحب وبوحهن بمواجد العشق، ورغم ان العاشقات العربيات - على مر التاريخ - أعداد لا تحصى إلاّ ان ما بقي لهن من شواهد وأشعار نادر ندرة الشواهد على القبور.
وحين يسمع الإنسان، أو يقرأ شعر عشق لامرأة عربية فكأنما يسمع تغريد بلبل وحيد في صحراء موحشة.. قاحلة.. إنه بقدر ما يطربه يحزنه ويشجيه في وحدته المحاطة بوحشة الصحراء ووحوشها.
ولنقرأ تغريد بعض البلابل النسائية التي أفلتت من القفص إما على غفلة أو بالقوة.. قوة العاطفة التي جعلت المرأة العاشقة تتحدى القيود والسدود وأقسى الظروف.
تقول سعاد الصباح:
الفرق بين العاشقة الأوروبية والعاشقة العربية.
ان الأولى تتناول الوجبات السريعة والحب المثلج.
في حين ان العاشقة العربية تشوى على نار الفحم!
ونشم رائحة هذا الشواء في قولها:
عندما أودعك في المطار..
ويغيب وجهك في المجهول..
تنتشر رائحة حنيني إليك..
ويشم الناس في قاعة المسافرين رائحة غريبة:
رائحة امرأة تحترق.
والواقع ان المرأة أقرب إلى (الاحتراق) من الرجل في كل شؤونها العاطفية ومع جميع من تحب: زوجاً أو أولاداً، اخوة أو أماً أو أباً.. المرأة في حبها (على قلق كأن الريح تجري توجهها جنوباً أو شمالاً).
وقلقها إذا عشقت أشد، تعيش صراعاً بين القلب والعقل وبين العاطفة والعرف بين الرجاء والخوف لا تدري ما المصير:
آه.. تلوث في فمي الآه
هل كنت في نعماي لولاه؟
أو كنت القى في الدنا رجلاً
يحظى بنزر من مزاياه؟
نار الرجولة فيه تلفحني
ان لامست عيني عيناه
فأحس بي حرجاً فيقلقني
ويفيض بي قلقي فيغشاه
استل كل شجاعة الأنثى
لأكون نفسي حين القاه
وأفر لا ألوي وبي أمل
يهفو إلى أمل تمناه
أخشاه لا أدري بلا سبب
بأبي وأمي كيف أخشاه؟
فيه الصبابة حين يرسلها
تسري ربيعاً في حناياه
لكن في أعماق نظرته
عزماً بدا لي حين أخفاه
يسبي وذلك ما يروعني
حاشاي أغدو من سباياه
كما تقول الشاعرة المصرية هدى ميقاتي، وهي بتعبيرها عن نفسها تعبر عن بنات جنسها، ففي داخل كل امرأة شعور الغزال المعرض للصيد والاغتيال
غير ان هناك شاعرات تجاوزن مرحلة القلق والاختباء وجهرن بمشاعر العشق جهراً مثل عاتكة الخزرجية ولميعة عباس وسعاد الصباح (في كثير من شعرها) وفدوى طوقان التي تقول:
قلت في عينيك عمق.. أنت حلوه
قلتها في رغبة مهموسة الجرس فما كنا بخلوه
وبعينيك نداء وبأعماقي نشوه أي نشوه
أنا أنثى فاغنقر للقلب زهوه،
كلما دغدغه همسك: في عينيك عمق أنت حلوه
 
أعلى