قصة ايروتيكية توفيق العيسى - أنا و نزار قباني.. قصة

هي محاولة لرسم صورة فتاة, امرأة, لا أعرفها, أصفها أعشقها أكرهها ولكن على الورق
هي محاولة....
محاولة أم حلم؟! ألقي بالأوراق والقلم وأصغي إلى العندليب الأسمر ( ما أصعب أن تهوى امرأة يا ولدي ليس لها عنوان) وأردد وراءه ( ما أجمل أن تهوى امرأة يا ولدي ليس لها عنوان) فيطل نزار من وراء الشرفة غاضبا ويقول: " ما أصعب قلت ما أصعب.. أجبت: " اذن هي محاولة؟" فقال مؤكدا : " نعم هي محاولة اقرأ القصيدة"
فقلت: " عموما لا فرق أنا لا أحب فلسفة الأمور أرى أن كلمة ( أجمل) أجمل من كلمة أصعب, لذا سأغنيها هكذا " نظر إلي باستهجان.. فقلت:" يا سيدي اعتبرني قارئا عاقا متمردا على الكلمات ألست معلمنا فنحن مثلك متمردون, انتهى الحوار ما أجمل "
انصرف غاضبا ولعلني سمعته يتمتم وهو خارج بشتيمة ما
لم تكن هذه المرة الأولى التي أناقشه فيها ولم تكن تلك الليلة الأولى التي أراها فيها أيضا.
هي تلك المرأة المعجونة بماء الزهر وشعاع القمر, حين تبتسم تنتشي السماء ويسقط المطر, كانت توشوش الأزهار تحاكي الطير بصوت خمري, هي حلم لا يصحو منه عاقل إلا وانتحر.....
نعم هي حلم, والمحاولة مهما كانت مجرد محاولة, لا تصفها ولا تحدها,
فلتبق حلما اذن....
فجأة جلس نزار على إحدى سطور الورقة, أشعل سيجارته فأمسكت بالقلم وكتبت محاولا تجاهله,
" ناثرة الطيب أم الخدر
أم جنة الخلد على الأرض أم القمر؟!"
نفخ دخان سيجارته ورشف من فنجان قهوته وقال: " بل هي القضاء والقدر"
****
" مالك أنت وحلمي؟!" فضحك قائلا: " أو لست كبيركم الذي علمكم السحر؟" " يا سيدي علمتنا والله يسهل عليك, وعلى فكرة حتى لا تغتر بنفسك , لي صديق قصصي وهو مختص بالكتابة عن المرأة , سألته مرة إن كان قد تأثر بك أجاب بجملة واحدة أنا اكره نزار"
فأجاب وهو يتفحص خزانة الكتب: " ممكن... أنا لا أهتم لصاحبك هذا, أنا وبلا فخر كلما ذكرت المرأة ذكرت أتيت, أنزل عليك من السماء كالجني الذي يستدعيه مشعوذ ه , أنا يا هذا لا آتي بإرادتي , محاولاتك لتجسيد حلمك هي التي تستدعيني"
" ما شاء الله.... وعلى رأي الأفلام المصرية أنا عبد المأمور يا بيه"
" لست عبدا لك ولا لمأمورك, عندما كنت أكتب قصيدتي كنت أدخن نصف السجائر التي تدخنها أنت, أتعرف لماذا لأني صريح مع نفسي أعرف ما الذي أريده, أما أنت فحتى الآن لا تعرف ما الذي تريده تريدها حلما ؟ تريدها محاولة؟
اسمع لقد مللت منك ومن حلمك ومحاولاتك الفاشلة سأذهب الآن ولتحلم كما تريد ولكن إياك ثم إياك أن تستدعيني, فلن آتيك وإذا أتيت سآتي لأسخر من محاولاتك الفاشلة
وداعا...
" حسنا حسنا تعال أريد أن أسألك سؤالا, هل أكمل ما كتبت أم أكتب نصا جديدا؟"
" في كلا الحالتين الأمر واحد, اصنع فنجاني قهوة حتى نستطيع أن نتكلم" " حسنا"
فراح يتكلم بصوت عال " أنت تريد أن تكتب, تصف, تلقي بمشاعرك على الورق, وفي نفس الوقت تريد أن تحيط بكل شيء, ما رأيك بالموزاييك؟" وحين لم يسمع جوابا صرخ " هيه مع من أتكلم؟"
فأجبت" تابع تابع أسمعك"
فأردف كمن يكلم نفسه " ماذا لو جمعنا عناصر النص ؟ , امرأة, صحراء, زنج, قرامطة, ماذا ينتج ؟ .... حسنا لا تجب ينتج ثورة
وإذا أضفنا للمشهد عسكر, وسلطان وحصار ؟ مقاومة, أرأيت كيف تتشكل الأشياء هذه هي المرأة " أحضرت القهوة وقلت " معك حق ولكن ألا ترى أن هذا النص كبير علي أخشى أن أتورط به ولا أستطيع إتمامه" " أنت تورطت منذ بدأت الكتابة فلا تخف من أي ورطة أخرى"
" اسمع أنا أحترم الصورة التي رسمت ولكني لن أتابع معك" " لماذا؟!"
" أريد شيئا آخر نصا آخر أريد تلك الأنثى التي أراها في مخيلتي دائما وبصراحة أنت تسحبني إلى أماكن بعيدة, إذا ما كتبت ذلك النص الذي اخترته لي فاني سأخرج عن المشاعر الرقيقة والمرهفة وقد أتحول إلى منظر سياسي أو مؤرخ, وأنا لا أريد أن ألعب هذا الدور"
" يا خبيث فهمتك... تريد أن تلعب دور العاشق ؟ ألا ترى أنك تبحث عن المعجبات؟ تكتب دائما الأنثى الرقيقة الوادعة الشبقة, لماذا لا تراها خارج بساتين الزهر وشعاع القمر بصراحة أنصحك أن تقرأ فرويد"
" أعرف ما الذي تغمز إليه" " يعني قد يكون الأمر كذلك؟" " اسمع لا تحاول أن تفرض علي ما أكتب أنت هنا بمثابة شيطاني" ضحك بسخرية وقال: " لا شيطان لناثر الشياطين ملك الشعراء فقط"
" وهل يفرق الشيطان مابين الشعر والنثر؟!"
" لا أدري.... أنا أعرف شيطان الشعر أما شيطان النثر فهذه جديدة علي لم أسمع بها"
" حسنا اسمع أتعرف تلك الفتاة؟ التي تخيلتها في البداية؟"
نظر إلى سقف الغرفة بحركة مسرحية متظاهرا بالاستذكار " آه... نعم تلك المعجونة بماء الزهر وشعاع القمر... الخ... الخ...الخ"
فقلت مقلدا له " نعم تلك هي الخ...الخ...الخ"
" حسنا ما قصتها؟"
" سأكمل بها النص, سأقول أنني في كل موعد بيننا كنت...."
" كاذب..."
" حسنا لا أعرفها, أراها كل يوم من بعيد تجذبني ابتسامتها...."
" كاذب أيضا..." فقلت غاضبا " ماذا تريدني أن أكتب؟!" فقال:" أريدك أن تكتب لا أن تكذب"
: قال سارتر إن الأدب هو الكذب الجميل أو الذي يصدق"
" نعم قال الأدب وليس قلة الأدب"
" تريد أن تقنعني أن كل اللواتي كتبت عنهن تربطك بهن علاقة ما؟"
" لا ليس بالضرورة المهم أن تعرف المرأة تكتب لك ولها لا أن تكتب في سبيل الوصول إليها"
" اسمع يبدو أننا لن نتفق ولن نصل إلى حل ولا إلى نص أتعرف ماذا أسألك الرحيلا وفورا" " عدت لاستخدام ألفاظي" " حسنا ألفاظك اشرب قهوتك واذهب إلى جنتك أو نارك" فقال بنبرة التهديد " ستستدعيني ولن آتي " " لا تأتي اقطع خطوط الهاتف بيني وبينك" " على مهلك أنا أمازحك فقط, أتعرف اشتقت إلى هذا الجو بقايا السجائر القهوة الأوراق الممزقة أنا أحسدك"
" تحسدني على ماذا على محاولاتي الفاشلة؟!"
" أما زال عبدالحليم يغني اسمع " وراح يردد معه " وسترجع يوما يا ولدي مهزوما مكسور الوجدان..." فصرخت " لا.... أجزم أن هناك مؤامرة ضدي وأنت شريك بها" " وأنا أجزم أنك معقد نفسيا أية مؤامرة أنت تحاول الكتابة منذ شهر ولم تفلح " " اذن فسر لي ما الذي يحدث ؟!"
ثم قال بسخرية " قدر أنني أساعدك وأنت ناثر ولست بشاعر!!" " وقدر أنني هربت من الشعر حتى لا أظل أتهم بسرقة ألفاظك!!" " لكنك مازلت تتقمصني وتستعير ألفاظي" " المهم في الموضوع لم نكتب شيئا حتى الآن وما زال النص في بدايته" فقال " لنتفق اذن سأدعك تكتب وأجلس أنا في ذلك الركن اتفقنا؟" فقلت ممازحا " آه أنا اعرف قصتك مع ذلك الركن حيث قلت في قصيدة لك ..." فقاطعني حاسما " لا علاقة لك بقصيدتي أكتب نصك" ومضى فقلت " وهناك قصيدة غنتها فايزة أحمد... " " من الذي يتحرش بالآخر أنا أم أنت؟! أكتب نصك لا علاقة لك بقصيدتي ولا بفايزة أحمد لم يبق على النهار سوى ساعات قليلة" فقلت بنفس اللهجة " حسنا حسنا سأكتب المهم ألا تتدخل أنت "
لم تكن لتتأخر عن موعدها يوما مهما كانت الصعوبات, تأتي حاملة نسائم الفل وذلك الخدر اللذيذ, تتنقل بين السطور, تملأ بياض الصفحة, تتقمص الصور والكلمات, تختار لون الحبر, هي سيدة الألوان تجلس على عرش فتنتها فتحيل الصيف إلى نيسان, وبحد الفتنة تدخل أوكار العتمة فينا, تجتاح تسيطر تحتل, تقتل بلحظ وتشفي بأخرى, بتماوج البحر يختلف الرأي فيها ما بين فاتنة, ساحرة, طاغية الإغراء ومنهم من قال كيد وما أدراك أنت بكيد النساء؟!
في تلك الليلة قالت له أحبك, فاشتعل بياض الصفحة, تخطى كل الحدود, أحرق خيام القبيلة, كسر صولجان شيخ العشيرة امتطى فرسه وخرج إلى الصحراء, هو الشنفرى دعس الليل بقدم حافية يصحبه برد وخوف وعواء ذئب, قالت له أحبك فلبس الكوفية وخرج خلف نبي طريد, وعندما غالبه النعاس أسر في نفسه قائلا " وراء كل مغامرة جريئة امرأة" وأغمض عينيه ونام.
في الصباح نظر إلى الركن فوجده خاليا إلا من بقايا قهوة وسيجارة مشتعلة وديوان شعر قديم كان العندليب لم يزل يغني ذلك المقطع فأدرك أن ضيفا كان هنا كتب له نصا ورحل
وأدرك أن حلمه لم يكتمل بعد.

MODIGLIANI
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
أعلى