قصة ايروتيكية فوزية الزواري - رجالكنّ حرث لكنّ

حلّ الليلُ دون سابق إنذار. رأيت القمر بعيدا، يرتفع سريعا وخيّل لي أنّه يسمع هفهفة النّجوم التي ترافق موكبه.
عندما نمت حلمت هذا الحلم الغريب.
الوقت وقت عاصفة. تندفع نحو الغرب سحب متراكبة كثيفة كأنّها مواكب رجال قريتي الجنائزيّة وهم يتقدّمون إلى المقبرة، أو كأنّها نّساء أخرجهنّ مصاب من ديارهنّ جاريات يتعثرن في جلابيبهنّ..
ينصبّ غضب الله مطرًا مدرارًا فالطّبيعة نبع ظلمات. ولم يعد لقريتي التي التهمها الليل من وجود إلاّ على خريطة من خيال. بعيدا، تهوي رؤوس قمم الجزائر الجبليّة ويظهر في حقل نظري طيف رجل. يثير سلوكه فضولي. الرّجل يدور حول المنزل منحني الظّهر حينًا ممدود العنق إلى الأمام أحيانا وعيناه تبحثان في الظّلام.
وإذ أندفع خارجة لأعرف هويّة زائري أجدني طفلة صغيرة لا يتجاوز عمرها سنوات عشرا. أنتقل في لمح البصر إلى وسط الحقول قرب نبع يخرج من مكان لا يبعد غير أمتار قليلة عن مقام سيدي الميزوني. أرى نفس الطّيف ينحني فوقي. إنّها قسمات زوج أختي توفيق. يدفعني بين سنابل القمح. أنا تحت قدميه. حيوان مرتجف مذعور. يثـبّت، بيد، جسمي فوق الأرض ويرفع ثوبي ويعرّي بطني وفخذيّ. يفكّ باليد الأخرى، قـفل سرواله. ها هو فوقي يسحقني ثـقله. لم أعد أرى، غير ركن في السّماء ملطّخ بالدم، وعينيه المغلقتين على خيبتي.
في هذه اللحظة يسمع ضجيج تنـفّسُ. أتعرّفُ نبرات “كيكي” الصوتيّة. تتصاعد في يديّ قوّة خارقة فأرفع كتلة مغتصبي الضّخمة وأفلح في التخلّص منه. وإذ يرى مجنون “إبّه” رأسي يطلّ من بين السّنابل يفرّ صائحا:
ـ عفريت ! ساحرة !
أعدو خلفه دون تفكير. وكلّما أسرعت لألحق به وأنا أعرف أنّ ذلك أفضل وسيلة للفرار من الرّجل الذي هاجمني في الحقول، ازداد “كيكي” هلعا. فهو يجري واضعا يديه فوق رأسه وقد برزت عيناه من محجريهما وأنا على أعقابه كالرّيح، مطيّتي خوفي هكذا ندخل القرية. أتلفتّ. لا أرى لمغتصبي أثرا.
ثمّ أراني أدفع الباب من جديد وأخرج من المنزل، كما لو أن الأمر يتعلّق بإعادة المشهد نفسه. غير أنّني أعود من جديد إلى سنّ الكهولة. أبتعد دون نأمة. في الخارج الديكور هو ذاته: “إبّه” وحقولها. العاصفة والليل.
ينغلق الباب ذو المقبض النحاسيّ دون صرير. أمشي، تتقدّمني يداي لأفتح لي مسلكا في الظلام. أولّي وجهي شطر المقام مستسلمة لغريزتي ذاهبة إلى وجهة قاتلة كثور الأضحية.
يتعقّبني زوج أختي “توفيق”. أعرف ذلك، لا من صوت ما، لكن بصدى أفكاره في أفكاري.
ولا ينتابني هذه المرّة خوف ولا ضيق.
وإذ أجلس بالقرب من مقام سيدي الميزوني يقترب منّي وئيدا في حذر دون أن ينبس بكلمة.
أتلفت نحوه وبعنف أمسك به. نفس القوّة التي كانت لي وأنا صغيرة في الحلم السّابق، صلّبت أصابعي التي طوّقت عنقه. لم يعد زوج أختي سوى شيء أعرّيه وأعنّفه وأمزّق جلده. مزّقت بأسناني قميصه الذي ينفتح أخيرا. يغمض عينيه ولا يكاد يدافع عن نفسه وقد أخفى وجهه بين يديه وضمّ رجليه إلى صدره. ها هو عار. أنثر ملابسه حولي فيجثو كحيوان جريح. أركبه، مثبّتة يديه إلى الأرض، نازلة بكلّ ثقلي على حوضه.
تصّاعد أغنية في أعماقي وترتدّ في الوادي. لا أعلم أخرجت من صدري أم من هضبة للّا شاردة.
لتكن النّجوم شهودي ! يعتريني شعور أنّني سيّدة الليل وربّة القرية. عشيقة سيدي الميزوني.
أرمق العالم بعيني جنيّة بريئة. وأجلس بفرجي فوق إير رجل خاضع.
يستسلم توفيق لي. لا أرى قسمات وجهه المخفيّ وراء يديه وقد استطاع أن يخلّصهما من قبضتي. لا أسمع سوى حشرجته التي لم يعد يخفيها. أمتطيه كما أرغب. أجعل من جسده المنتصب كضوء في الظّلام وشعره الذي يسيل عرقا ومطرا، مضجعي. قدّر جنونَ حركاتي التي تلصقه بالعشب المبلّل فيصدر نفس صوت الفقاقيع المنفجرة التي يصدرها حذاء بيّة الرّياضي. أين “بيّة” ؟ لتشهد انتصاري الليلي.
ترتفع الأغنية من جديد: لتكن النّجوم شهودي ! يعتريني إحساس السّعالى التي لا تعرف الشّعور بالذّنب ولا تعتنق المبادئ. يعتريني شعور غريب وأنا أحرث هذا الرّجل تحتي بأنّني أتصالح وهذه الأرض وأوقّع على عودتي إلى أهلي. وبأنني أجد، في هذا القلب الرّجالي الذي يدقّ مذعورا، الإيقاع القديم الذي كاد البعد أن يعطلّه فيّ. لا بدّ لي أن أظفر في هذا الليل بجسد عدوّي لكي أتصالح مع أهلي.
لقد دفعتِني في الختام، يا أمّي إلى الاقتناع بأنّ اللذة مرجل فيه يدفع الشّيطان بالهالكين، وأنّ أبسط حركة تأتيها المرأة نحو الرّجل قد تكّلفها الطّرد من الجنّة التي وضعها الله تحت قدميك ! وهذا الّذكر حبيس جسدي يشبه شبها غريبا ذاك الذي اعتدى على جسمي الغضّ في حلم سابق وسط الحقول التي لو كانت تستطيع كلاما لحدّثت بما وجدته من شعور كبير بالعار.
هكذا أسبّح نشيدي. يردّ صوت عليه كأنّ معجزة حصلت: منذ ذاك اليوم ما استطعت لرجال بلادك نظرًا دون أن تنتابك خشية على عفّتك. كما لو كانوا وحدهم مكلّفين بانتهاكها.
كانت معرفة الرّجال تعني عندك أن تغامري بعيدا عن الدّار وأن تفتحي أبواب الخطيئة على مصراعيها وأن تخاطري بارتكاب معصية. كان لابدّ لك من أجنبي، كسارق الليل يحتاج أجنبيّا، لتحبّي دون أن يقبض عليك متلبّسة ودون أن تظلّ صورة الخطيئة الأولى ماثلة بين عينيك.
أيـّتها الهضاب والوهاد. لو كنت قادرة على أن تشهدي ! ها أنا ملطّخة بالطّين والعشب وحيوانات صغيرة. أنا جزء من هذه الأرض، خفيفة كغبار نجم، سريعة كالجدول.
يزداد المطر عنفا ويرتفع هدير الوادي. إنّ الفيضان لوشيك والفجر لقريب. يدفع الماء سور سيدي الميزوني حتّى يبلغ قبره، وفجأة يطلع من القبر رجل له قسمات منصف. ألتفت فيختفي توفيق. وإذ أنهض لأتقدّم نحو ولد مسعودة يهتزّ جسمي كلّه وأفيق من نومي.
السّاعة الثّالثة فجرا. صفّر القطار ومن نافذته التي ظلّت مفتوحة يسيل قبس من نور أسهر على صمت النّجوم عاجزة عن النّوم من جديد.


.




.
صورة مفقودة

Share on Facebookللفنان فيديريكو اندريوتي الرقص
 
أعلى