عبد الرزاق الجبران - مبغى المعبد.. جمهورية النبي

(1)
ليست مشكلة الكاهن هي؛ انه (يُحرِّم) الزواج بين اُناس لا تجتمع (أديانها). مشكلته هي؛ انه (يحلّل) الزواج بين اناس لا تجتمع (قلوبها)!!.. وفي هذه المشكلة للمعبد مارست البشرية زناها في الزواج اكثر من المبغى.!! هذه هي الحقيقة.. دائما مرة وقاسية، تاخرنا عليها كثيرا.. مازالت البشرية تتماهى مع خديعتها، في عقلها وفي كهنوتها على حد سواء.. الغريب في التاريخ، ان المبغى وحده كان حقيقيا، لانه وحده كان صادقا في حقيقته.. لايواري عورته.

ولكن ليس المسألة في ذلك هو زنا البشرية ولوثة أجسادها، فالقيم لاتعبأ بالاجساد. المسألة هو أن اللاهوت زنا بالزواج في حقيقته، وفي عين المعبد ومحرابه، فلم تبق الا كذبته. لذا غدا الوجود كاذبا، مزورا. لان العالم في حقيقته ليس الا لقاء الانوثة.. فتتبع صورته صورتها.. حتى وكأن القاعدة ليست هي كيفما يكون انبياءكم تكونوا، بقدر ماهي كيفما تكون نساءكم تكونوا. فالانبياء عينهم قالوا انها ثلثي الدين، ولم يقولوا عن انفسهم انهم كل الدين.. وهي المراة عينها من فعلت بدين قيس اكثر مما فعل به دين النبي.


(2)

الانسان إمراة ورجل جُمِعا تاريخيا بـ(فوضى) وجودية, مغطاة بعناوين دينية وعرفية، خرجت بـ(الزواج) من صورته الطبيعية الدالة على (الصنو) الوجودي الواقعي الى صورة فقهية تدل على (المشتري) الشرعي الديني..

هنا برزت خطيئة المفهوم (الزوجية) في تحوله؛ من مفردة وُجِدت واخذت شرعيتها من (الطبيعة وقانونها). والتي تدل في اصلها على اثنينية متوائمة ومندمجة ذاتيا وطبيعيا، وحدة حقيقية في فاعليتها وخصوبتها، الى مفردة دينية تاخذ شرعيتها من (الكاهن واحكامه). لتدل على اثنينية، أذِنَ لها الكاهن ان تكون واحدا،(وحدة اعتبارية) كاذبة، ليس لها اي حقيقة او وجود.

لذا لكثرما انفصمت هذه الوحدة المعطاة كهنوتيا، ولكثرما خانت وفجرت وتمردت وهربت وانتحرت وقتلت. لانها كانت تكتفي بحضور المعبد لانجاز المفهوم/ الزوجية وليس بحضور القلب.. دون ان يدرك الكاهن؛ ان ما لاتوحده القلوب لايمكن ان توحده المعابد، حتى ولو جيء بالانبياء عينهم، باعتراف القرآن؛ {... لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً مّآ أَلّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ...}.. وهو السبب عينه الذي جعل النبي يتخلى عن رغبته ببقاء زينب بنت جحش لزيد بن حارثة، في القصة المعروفة وقرآنيتها (امسك عليك زوجك/ الاية)..

أثنينية لايمكن لها أن تعرج؛ لا في الفراش ولا في المصائب.. والنبي اراد الزواج شريعة عروج لا فروج.. إذ لو رفض المعبد ان يزوج كل الزيجات التجارية والقبلية والمذهبية والدينية.. لما تهدم الوجود بهذا الشكل الذي نراه من الظلم والخطايا للذات وللغير. ولما ضاع حب من حبيب، لفقر او دين او مذهب او عشيرة. ولا بقي الكثيرون فرادى رغم عرسهم، لانهم جُمِعوا بما ليس منهم.. كما ان هذا الزواج الاعتباطي في حليته هو الذي منـح الكثير استغلال حصة غيره في الوجود، فتهدم وجود الاخرين لان حصصهم بيد غيرهم. اذ تماما، كما هو الحال في عالم المال وفوضاه، كذلك هو في عالم النساء.. وهو الامر عينه الذي جعل (مزدك) و(صاحب الزنج) كثائري نساء ايضا، ينتقلان بمفهوم العدل من ازمة الغني والفقير الى مسالة النساء، واقتطاعهن من ايدي ازواجهن الى مشاعية اخرى اتهمهما على اساسها الجهلاء والتنويرين على حد سواء بانهم (مشاعي جنس)، بينما الحقيقة هو انهما كانا (مشاعي عدل).

بل انهما في تلك الزاوية كانا الابعد فلسفة من كل الذين جاءوا.. وهنا عار الثقافة في التاريخ؛ ليس جلهها واتهامها العظمة لالاف السنين، وانما لتاخرها الاف السنين عن إدراك زاوية العضمة فيها([1]).

(3)

يحدُث ان تُلجأ الايام لظرف من الظروف، حسناء في العشرين، الى الكاهن لتزويجها من رجل دميم في الخمسين، حقير، وغني ـ وهما صفتان اذا اجتمعتا كان الحيوان معهما خير من الانسان ـ فيسميهما الكاهن زوجا، طالما انها حضرت معبده.

.. بعيدا عما وراءها من حكاية وعما داخلها من شخصية. ونوع وجوده ووجود.. المهم انها حضرت بقدميها, رغم انها قدمي الظروف وليس قدميها. الاقدام لاتمشي لاغلالها.

لا اهمية عند الكاهن لذلك الفارق الوجودي بين الاثنين، ولن يقول حينها انني اشرع لعبودية أخرى. لانه لا ينظر في فقهه الى اكثر من انها حضرت فحسب. وسيردد الطرفين معه زوجتك نفسي، وقبلت الزواج.. وحينها، بكل بساطة، يُشعل الاسم بينهما؛ انتما زوجان. رغم ان شعلة الزواج لايرفعها الا القلب وحده، فقط وفقط.

بل الفقه يزوج بكل بساطة فتاة، يعرف فقيه حارتها انها تكره الخاطب وتحب غيره حد العشق..

لاأعرف، كم لعنت النساء الكهنة. ولاأعرف كم اصبحت من النساء غانيات ببركتهم.

هكذا هي صور البشرية في الزواج!.. بحيث، لطالما اجد في الشارع زوجين العن الكاهن الذي زوجهما..

لذا اجد نفسي في الشرق داعية طلاق بجدارة.. ولو كان لي امره، لا استبدلت كثيرا من الازواج بعضهما ببعض، بدون طلاق او عقد. وهو منطق النبي في آية (لاهن حل لهم، ولاهم حل لهن..) كما سياتي لاحقا.. ولان الحقيقة تعقد لنفسها وتطلق نفسها. والله لاينتظر من الكاهن ان يرفع اوراقه في اثنين تزوجا ام لا.. هو ينتضر الحقيقة فيهما؛ ان تكون متزوجة بينهما ام لا.. ما يقوله القلب يكتبه جبرئيل والباقي هراء.

.. لذا بكلمة واحدة؛ القصة هي: ما أكثر الزواج.. ومااقل الأزواج..




(4)

.. بهذه الحلية الاعتباطية في التزويج، اصبح الزوجين زناة في عين زوجيتهما..

ولكن ليس المسالة هو ان معظمنا زناة في عين زواجنا، المسالة هو ان معظمنا كاذبون فيه. والكذب لايقارن بالزنا في منطق القيم والجمهورية ونبيها. لذا لديه لايضر زنا مع صدق، ويضر كذب مع عفة (كما هو الحديث المعروف، ومثاليته الكبرى)([2]). علما ان العفة هي عين الصدق في مفاهيم النبي.

النبي كان يخشى كثيرا على جمهوريته من ذلك الزواج واعتباطياته، لذا لم يتوانى ان يقول أحد تلامذته لاب اراد ان يفعل مايشابه فعلة الكاهن تلك بابنته؛(.. فانك إن زوجتها فكأنما قدت الى الزنا)..

هذه الكلمة النبوية لاتتجه في قسوتها إلى ان (معظم الازواج ليسوا ازواجا)، وان كثيرا ممايسمى زواجا هو في حكمة النبي ليس الا زنا. وانما تتجه في قسوتها الى مفردة (قدت)، التي تقع على الاب والولي وليس الزوجين.. فالازمة القيمية هنا هي مع هذه المفردة، لانها تجعل مفردة الزنا وازمتها هامشية في النص النبوي، لتتعدى هنا المسالة من عهر الزواج الى عهر الاب. لانها مسالة قيمة وليست مسالة جسد.. مسألة معنى وليس حلال وحرام.. وبالتالي مسألة شرف لا دين. رغم انه ليس الدين الا الشرف مع الناس ومع الله.


(5)

(الجسد إزاء المال).. هذه الازاءية هي الفلسفة التي كثيرا ما يشترك فيها المعبد والمبغى على حد سواء، وهي اللازمة التي تتكرر معهما على طول التاريخ. رغم ان الخصام بينهما ليس خصاما لاهوتيا، وانما هو خصام اخلاقي يتعلق بالجسد وسبيله؛ خصام البراءة والفسق. كما يدعي الكهنوت. ولاكذبة للمعبد اكبر من ذلك؛

فالمهر الذي تأخذه الفتاة أو ابيها في الزواج التجاري، والمال الذي يأخذه الكاهن لعقده، لايختلف في جوهره عن المال الذي تأخذه امراة الليل، والمال الذي يأخذه من يقودها في المبغى..

الصورة فقط تختلف، بينما الاعماق في حقيقتها هي هي في قبحها بين الاثنين. و منطق النبي هو (إن الله لاينظر الى صوركم ولكن ينظر الى قلوبكم).. فالذي جمع الجسد في الصورتين هو المال لاغير. ودون حقيقة وجودية روحية تربط بين الجسدين يبقى الامر زنا، سواء في المعبد او في المبغى. و لا فرق حينها، بين كاهن معبد وكاهن مبغى. إذ ليس الكاهن من يجعل المكان دينيا، وانما المثل هي من تجعل الاحجار معبدا، سواء كانت هذه الاحجار للخمر او للصلاة.. ولطالما مر جبريل على المبغى وهرب من المعبد.

.. بل يحدث ان تكون بعض حالات المبغى وجعا وجوديا يمثل ماهو اكثر من الزواج..

في هذه الفلسفة المشتركة تظهر حقيقة المعبد تاريخيا وفضيحته، على اعتبار ان دعوى خلافه مع المبغى هي دعوى اخلاقية في الجسد وبيعه.. بل يجعل من المبغى في دعواه هذي هو المبنى المقابل له وجوديا واخلاقيا ولاهوتيا. ولكن الحقيقة هو ان المبغى وحده كان صادقا في بناءه.. كل الابنية تكذب الا المبغى.

.. بل سيكون المبغى اهون بقياس هذه الفلسفة، لان الغانية تملك حريتها في اختيار ضجيعها، كما تملك حريتها في المال، على عكس زوجة المعبد.

..هنا تهون مصيبة المبغى وخجله امام الله, حينما يعرف مصيبة المعبد وعهره..


(6)

يمكن التحديق في زاوية من رواية ماركيز (الحب في زمن الكوليرا) لفضح تلك الازائية (الجسد إزاء المال) وتمام حقيقتها بين المبغى والمعبد، في المجتمعات وزواجها.

كانت الراهبة قد طردت الفتاة (داثا) ايام صباها من المدرسة الكاثوليكية لانها وجدتها تكتب رسائل حبها، فاعتبرتها خطيئة، فقط لاجل ذلك لاغير.. وبعد ان بلغت داثا جمالها الكامل وبدأ جنون الارستقراطيين يدور حولها.. كانت داثا ترفض زواج احد هولاء الارستقراطيين وشخصيته التي كانت قذرة في كثير من الزوايا، اضافة الى شكله وعمره اللذان ينفران داثا..

بعد عشر سنوات من حادثة الطرد، جاءت عين تلك الراهبة التي طردتها تتوسط للارستقراطي عند داثا، وتحاول بكل السبل لتجعلها توافق، حتى تسميه في معبدها زواجا رغم نفرتها عنه، بينما كانت تعتبر رسائل داثا لحبيبها خطيئة..

اذن ارادت الراهبة ان تجمع جسدين فحسب في توسطها على زواج داثا من الارستقراطي، طالما انها تعرف ان روح داثا تنفر منه بشدة، وترفضه ولايمكن ان تكون له بعرف الطبيعة والحقيقة، وضمن كل المقاييس..

المهم ان وسيلة الاقناع لدى الراهبة كانت هي المال الكثير الذي سيقدمه ذلك الارستقراطي، تماما كما هي وسيلة المبغى في اقناع غانية متكبرة قليلا .. هنا المبغى اهون من المعبد، ليس لانه لايدعي الله وقيمه، وإنما لانه لاتقوم شروطه على تؤائم وجودي، وانما على حقوق مادية([3]).

حينها ذكّرت داثا الراهبةَ بالحادثة القديمة حين طردتها فقط لاجل رسائل حبيبها.. وسألتها الفرق بين الامرين.. رغم كره داثا للثاني وعشقها للاول.. لتخصم داثا الجواب بنفسها؛ بان الفرق هو (المال).. فغدت الراهبة حينها ليست الا قوادة من النوع الرديء. هنا المعبد رفض جماع العشق بينما ناضل من اجل جماع المال..


(7)

مشكلة الكاهن هو انه لايعرف الحب، لذلك لايمكن ان يعرف الزواج، وهذا اهم اس بدهي يكفي لطرد الكاهن من ناصية الزواج.. وهو مانبه عليه الرومي بقوله:

وفي تلك الناحية التي زار فيها العشق الالم.... لم يدرس الشافعي ولا ابو حنيفة([4])..

فكيف إذا عرفنا ان الكاهن ليس فقط لا يعرف الحب، وإنما يحرمه ايضا([5]).. وبالتالي؛ إذا كان الاس الاول للزواج محرم اصلا، فكيف سينجب الزواج حلالا؟.

وهنا مشكلة مجتمعات الاديان؛ انها تجعل اجهل الناس بشيء مشرعا له..

لذا فالكاهن حينما جعل شرعة الزواج صلاحية معبد لا قلب([6])، كان مشركا بالحقيقة ومخمورا بالحمق. لانه كان مؤسسا للطلاق في عين عقده لزواجهما، وساقيا بكأس الزواج عينه مفاهيم الخيانة والغدر والانانية والحقد والكبت والعبودية والفوضى والعهر والتيه.. بل حينها لم يجعل الزنا شرعيا الا الكاهن, باسم ذلك الزواج عينه..

ولكن الاكثر ايلاما وغرابة من ذلك، هو انه؛ لم يعتبر الحب زنا الا ذلك الكاهن عينه. رغم انه (لا كاهن للزواج الا الحب)..

ان (يغدوا الزنا متدينا)، وان (يغدوا العشق زنديقا)، تلك هي المشكلة الكبرى في انقلاب الحقيقة.. تماما كما يغدوا مثلا (المقتدر العباسي) إماما وخليفة، ويغدوا (الحلاج) مرتدا وزنديقا. بعد ان يقتل الاول الثاني، في صلب لم يره المسيح عينه.

بينما في جمهورية النبي ودينه؛ ان تتزوّج غانية على حب، أشرف من ان تتزوّج شريفة على حسب..

إذ ذاك المنطق عينه من يحيل الغانية لك شرفا، ويحيل لك الشريفة عهرا.. فليس المشكلة هو انها ابنة مبغى او ابنة حسب.. المشكلة هو انها زوجة حب ام زوجة حسب؟.. الحسب لا يخلق قلبا. كما انه لا حسب للقلب الا حبه.


(8)

تاريخيا، المشكلة الاخلاقية لدى الكاهن مع المرأة هي (جسدها) فحسب، بينما كانت مشكلة المراة معه هو (قلبها).. هذا هو الغباء الاول في الرؤية الكهنوتية لفلسفة الاخلاق، وهي الازمة التي عاناها التشريع في خطاياه. وعنها تورط الوجود بالكثير من التراجيديات في تاريخه.. وبسبب هذا الاستبدال الغبي بين سؤال القلب و سؤال الجسد، لم تستطع (العفة والكهنوت) ان يلتقيان، على طول التاريخ.. وعنه ايضا، غدا جُماع العشق زنا. رغم ان العشق هو العمق الالهي والطبيعي الوجودي الموجّه لصفة الزواج والمحدد لأسمه الحقيقي.

وبالتالي كانت مشكلة الكهنوت مع الزواج في اهم زوايها هو انها تعود الى نسف العلاقة بين (الجسد والقلب)([7]) في تشريع الزواج. وإختصارها مع الكاهن بعلاقة (الجسد والمعبد)، وجعل شرعها هو؛ حضور الجسد للمعبد، وليس حضور القلب للجسد.. وبالتالي فهم يقولون بإذن المعبد وكاهنه لا إذن القلب وعشقه.. وكأنهما يريدان الصلاة وليس الزواج.

لذلك فالكهنة اعتبروا المرأة مخلوق فرج، وان وجودها في بضعها فحسب، حتى احال البعض من الفقهاء بل والفلاسفة المسلمين حكمة وجود المراة الى الركوب، ليصل الامر ان جعلوا المراة داخلة في آية {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}(8) النـحل..

المهم انهم اختصروا المراة وعرضها بالبضع، فحللوه وحرموه، ولم يحرموا ويحللوا قلبها.. لانهم فهموا الزواج جُماعا وليس إجتماعا.

إختصار المراة بالبضع هو الذي جعل المرأة في الشرق كثيرا ما تتزوج لاجل ذهاب بكارتها، حتى تستطيع ان ترتكب خطيئتها، بما لاتستطيعه قبل البكارة..

الغريب ان الكاهن الذي كان يرجمها لانها لم تستر جسدها، هو عينه الذي جعلها عارية، حينما شرع طرقا لجسدها، لم تكن تعرفها البشرية من قبل. وحكاية الجواري تتبع هذه الازمة، لانها صناعة كهنوتية، تورثتها الارستقراطية عنها. والاسوء هي التشريعات الفرعية في جسد الجواري.. سيما اذا كنا بيد السلطان، بل حللوا لهم ما لم يعرف قديما ولاحديثا لاكهنوتيا ولابدائيا([8])

لم تؤسس المرأة شيئا في الشرق، لانها لم تكن الا فرجا.. ولانه لم يكن لها في العمر الاسلامي تاريخا الا في جسدها، لذا كان تاريخها مع الغرب افضل نسبيا من الشرق الكهنوتي.. سواء مع ملكوهم او مع كهنوتهم او مع مجتمعاتهم.. فلابأس ان تكون هناك الف جارية لامير ما.. وان احداهن لا ترى الامير الا مرة واحدة في حياتها ـ هذا إن وافاها الحض([9]) ـ وتبقى طول عمرها في سجن الحريم.. فإذا طلب جسدها وغريزتها واحدا من الخدم والعبيد اعتبرت عند الكاهن زانية.. فاقيم عليها الحد وخصي العبد.. حتى أن ضاهرة الاخصاء لم تكن في الحضارات بهذا القدر مع التاريخ الاسلامي، ولم تنبلج الا مع ذلك الظلم للمراءة وطلبها لحاجة جسدها الوجودية. حتى بلغ عدد الخصيان لدى المتوكل العباسي وحده ثلاثة الاف.

ثانيا الزيجة في الشرق الاسلامي لا ترقى على زيجة الغرب العلماني. كما ان العفة في الشرق الروحي لا يفوق تاريخ العفة في الغرب العلماني. بل حتى باقي القيم الاخرى في الوجود.. الجميل في التخلي عن عناء هذا الراي واقناعه، هو ان عين التراث حينما يتحدث عن عالم الجواري والنساء في اسواق المسلمين واصنافهن وميزة بعضهن عن بعض حسب شعوبهن، يصنف الرومانية بانها تشترى لوفاءها، بينما تشترى المكية للجنس فقط.


(9)

مايجعل ازمة المعبد مع الزواج ازمة كبرى؛ هو رغم ان القضية الوجودية الاكبر للانسان هي قضية المرأة والرجل في اجتماعهما، في شكل الزوجية بالذات، باعتبارها اهم محطة لتأسيس الوجود او نـحره، وانها المحدد الاول للمصير الفردي([10])، الا انها كانت عينها ذات الحصة الاكبر في التزوير الديني بإسم القيم والعفة والله. وان الزواج في تشريعه كان ابرز خطايا ذلك الكهنوت، ولا يغدوا في حقيقته الا خطئية الدين نفسه. بما انتهى اليه من احكام مضادة لما رسمه النبي من ملامح وجودية حقوقية انسانوية مثالية وجمالية للزواج.. المشكلة هي انها ليست ضدية جهل، بقدر ما انها ضدية كذب غالبا. وهذا هو المؤلم؛ حينما يجد الباحث ان هنالك صفاقة وقحة بكل معنى الكلمة في المعرفة الدينية والاجتهاد؛ بالخروج على المادة النبوية رغم وضوحها التشريعي. بل ان تلك المادة النبوية ومعطياتها التشريعية، يمكن تلمسها بقلب مزارع دون العناء لعقل فيلسوف او فقيه.. وهو مايترك مسبقة منهجية في صفة التراث، بانه؛ تراث عاهر.. قبل ان يترك له صفة انه؛ تراث عاقر.

كما ليس الامر في ضدية الصورة النبوية للكهنوت هو ما تضع (قرَفه) فضائح الفقه وفتاويه في خصوص علاقة الرجل بالمرأة، وانما (قرف) الاجتهاد التشريعي في طريقته المعرفية مع المادة النبوية والكتاب الديني.. كما سنرى لاحقا من صور مؤلمة لحقيقة هذه المعرفة.. بحيث لا يكون الامر مع هذه الحقيقة هو انها تفضح (وحشية) الفقه الكهنوتي، في انه لا يمت الى النبي بصلة. وإنما لفضحها (علمية) الفقه الكهنوتي، في أنه لا يمت الى المعرفة بصلة.

كثيرا ماتُتجاوز الحقيقة مع المعرفة الكهنوتية، سواء لخجل التقليد او للؤم الايديولوجيا، مع ازمة الخروج على الاستاذ وعصبية الحزب والمذهب ومبغى المصلحة.. كما انه يمكن رؤية انه لاتوجد أي مشكلة معرفية في النص والخبر الديني، ولكن الفقيه يذهب الى ان يجعلها مشكلة.. إذ كما يشاع عادة في مسالة الاجتهاد؛ بان هنالك ازمة معرفية في تنقيب الحقيقة الدينية تُتعب الفقيه، بينما الازمة تكمن في النقاب الايديولوجي والنفسي للفقيه فحسب.. أي ان المشكلة ليس في النص، وانما في الفقية ليس الا.. فالنص دائما واضح سواء في دلالته او في كذبه.. الفقيه هو الذي يصارع الدلالة من اجل كذبته.. هنا المشكلة.

لذا فمعظم التشريعات الاسلامية ماهي الا كذبة كبيرة على النبي، وانها لاتمت اليه بصلة، وان بينها وبين النبي خصام ايديلوجي تام وليس انـحراف او خلل ما.. وهذا مايلح على ان الفكرة الاصلاحية فكرة انقلابية لا تجديدية.


(10)

على ما كان من حال المرأة تاريخيا مع الكاهن وتشريعه لجسدها، يبدوا ان الكاهن أسس (للجسد وسقوطه) تاريخيا أكثر من المبغى، بعد أن اسس (تشريعا ساقطا) للزواج في كهنوته. كل من دخله سقط دينه وجسده على السواء.. إضافة الى انه شرّع في زوايا أخرى طرقا للجسد تأباها المباغي لنفسها، سيما زاوية الجواري؛ زاوية قَبِل بها ان تؤخذ من يد زوجها، وان يجمع بين الاختين في بعض الفتاوى، واستئجار جسدها، وجواز جُماع القاصر منهن، وغيرها الكثير.. وماشرعه في ذلك الا سبيهن في حروب دينه. ليتها كانت حروب وطنه، لكان الاسى اقل قبحا. وخزي ذاك هو اننا لانراه خزيا..

هذا اخر مايتردى به الانسان. إذ لا تستشعر كتب الامة عاره و حقارته ناهيك عن ظلمه. بل المشكلة هو أن الاجيال الدينية؛ لا تتحرج من ان تراه نبويا، رغم ان منطق السبي وتشريعات الجسد فيه هو مما لا تقبله الغانية نفسها، وليس النبي. وفي هذا كرامتها قبل قيمتها. لذا لم تكن الغواني جواريا في التاريخ.. للحريم نساءه وللمبغى نساءه..

بل اعتقد أنه لطالما غبطت الجاريةُ الغانيةَ على وجودها.. وهو ما يُحتِّم على الكاهن ان يتعلم كثيرا من الغانية في قيمها، لانها ببساطة؛ كانت تأبى مالم يأباه.. كما انه يحتم إدراك؛ ان الغانية لطالما كانت اقرب الى القيم الوجودية من الكاهن نفسه.. ولاغرابة في ذلك. الغرابة فيما سياتي من فعل الكاهن معها.. مع القيم، مع النبي، مع الله.

ليس هنالك مبالغة في الامر في تفضيل الغانية على الكاهن. التشريع الكهنوتي من بالغ في القبح فحسب، لان هذا القبح حقيقة مثَّلها واقع تاريخي في حقب كثيرة رافقت المدينة الاسلامية ، والتي ظهرت فيه وكأنها حقب جنس لاحقب دين او حقب حضارة.. لاباس يمكن قبول أنها حضارة جنس.. بل هي الحقيقة المقررة؛ بانها أكبر حضارة جنسية، ولكن الصحيح هو انها اكبر مجزرة جنسية في التاريخ، طوت به في عام ماطوته المباغي في الف عام.

ولكن الالم متوجه هنا ليس الى القبح التاريخي مع تشريع الجواري، وانما مع عين الزواج في سيرته الكهنوتية، بذلك التشريع المريع والاكثر مرارة من بؤس الجواري.. وناتج ذلك فيما يظهره الواقع الحياتي الذي تسرده قصص الزوجية وبؤسها القائم على ذلك التشريع، قصص الظلم والاستعباد. وهي القصة الشرقية للزواج بامتياز..

حتى ان الحسرة النبوية في الزواج الاعتباطي ليست هي سيرة الخيانة فيه، بقدر ماهي سيرة الظلم والاستعباد ذاك.. ففي اسوار الجمهورية؛ ان تخون المراة زوجها اهون من ان يظلم الرجل زوجته([11])..

لذا الاسترجاع للنبي ومثله ينبغي ان يكون بشكل انقلابي وثوري تماما. لان الاسترجاع ليس لاجل (مثالية) في ثنائية الرجل والمراة، وتجديد الزواج في مفهومه، بمبرر ان؛ (معظم الازواج ليسوا ازواجا).. وانما لاجل (ثورية) على العذابات التي فرضها ذلك الزواج.. أي هنا الازمة لاتحتاج (معلما) لمثالية في الزواج، وانما تحتاج (ثائرا) على العبودية فيه..

انساق تلك الحقائق في الزواج ومظالمه الاكثر بؤسا في الحياة، هي التي تجعل الفقه خطيئة معرفة وخطيئة دين وتاريخ على حد سواء.. وهنا سخرية التاريخ؛ بان لا يحمل الخطيئة الا الدين نفسه، رغم ان الدين هو الايديولوجية الوحيدة التي تضع نفسها ازاء الخطيئة، وتحيل معاناة الوجود لها.. او لنقل ان؛ خطيئة التاريخ هو الدين نفسه، بل، يمكن القول بلغة مبالغة شعرية؛ كأن الدين هو خطيئة السماء.




(11)

مشكلة الجُرح الذي يعاني منه مفهوم الزواج؛ هو انه كان (جرحا كهنوتيا) قبل ان يكون جُرحا طبقيا او قبليا.. فالكهنوت كان الاكثر خروجا على الزواج من القوانين القبلية والطبقية وخطوطها الحمر في الحسب والنسب. سيما ان تلك القبلية والطبقية ساهم في تاسيسها الكهنوت نفسه حينما شرع لها وامضاها([12]).

تبدا قصة الجرح هذا، ساعة أن بدأ الكاهن يجد لعبته في (الحلال والحرام). وتديين الاشياء وتقييدها بالمعبد، وبالتالي نسف الوجود وتحويله الى دائرة كهنوتية. حيث هنا تورط الزواج بثوبه ومفهومه، وهنا كان ضياعه، مع هذه الصناعة، بعد أن احيل عليها لتتورط محدداته بقوانينها في منطق يختصر امره بـ(الحلال والحرام)، بينما ازويت محدداته الوجودية الطبيعية التي تختصر امره بـ(الحقيقي والمزيف).. فتحول الاسم من منطق الطبيعة التي تراه اسما يعبر عن الاندماج الحقيقي للاثنين في الواحد، ليغدوا مع صناعة الفقه اسما يعبر عن الحضور الشكلي للاثنين في المعبد.. تحولا كان مداه؛ من عيون الطبيعة الى عمامة الكاهن.. وفي هذا المدى تشوهت معظم القيم الجمالية والاخلاقية والحقوقية التي رسمها النبي للزواج.. لينتقل المفهوم بيد الكاهن في حرفته الفقهية (صناعة الحلال والحرام) من (المعاني الكبرى) للنبي في وجوديتها، الى (الكتب الكبرى) في فقهها، وإلى (القصور الكبرى) في حريمها، وإلى (القبيلة الكبرى) في ذكوريتها..فتحول على اثرها؛ من حقيقة (سكن) الى شريعة (فروج)، ومن (مفهوم قراني) ملؤه الوجودية، الى (طبع قرشي) ملؤه الذكورية.. ومن كفؤية ذاتية الى كفؤية دينية وقومية وطبقية.

هذه هي مشكلة المسلمين؛ هو انه فيهم من قريش اكثر مما فيهم من الاسلام.. وفيهم من ابو سفيان اكثر مما فيهم من النبي.. لذا النبي الحقيقي للمسلمين اليوم هو ابو سفيان صخر ابن حرب وليس محمد بن عبدالله، لان احكام فقههم تنتمي الى الاول لا الثاني.. الفارق هو اننا نصلي ونصوم ونـحج. ولكن أيضا بعقل ابي سفيان وليس بقلب النبي.. وان تكون ملحدا بقلب سليم، خير عند النبي من ان تكون متدينا بعقل عقيم..

فالله لا يبحث عن انسان يعظم عبادته، وانما يبحث عن انسان يعظم عباده..

ولهذا السبب عينه كان بؤس الفتوحات وصيتها السيء بين الشعوب، لانها سارت بعقل ابي سفيان لا قلب النبي، ولو كان لذلك وجود، لسار التاريخ في درب آخر، ولكانت له حكاية اخرى. لذا لابد ان نعيد الرؤية الى حقيقة تاريخية تبدوا غريبة بعض الشيء، وهي؛ ان ابا سفيان لم يخسر الحرب مع النبي كما نعتقد([13])..


(12)

هنا الارتداد على تلك الكتب واسلامها و نوع زواجها يكون (نبويا) بكل معنى الكلمة، لانه ارتداد الى حائط النبي. بل ان عين الذهاب الى أي ايديولوجيا اخرى، وان لم تكن دينية، هو نبوي ايضا، اذا ما كانت تتوفر على حقيقة الزواج واعماق اسمه. ليس لانه زواج عانت الكلمة فيه كثيرا من كذبة وجودها فحسب، وإنما لان المتزوج عينه خسر وجوده وعشقه وجسده بذاك الزواج.. بينما كان فن النبي في الزوجية هو خلق وجود في الوجود، ووصال للمعنى في وصال الجسد.. لحضة وجود تتاسس فيه الروحُ بالجسد.


(13)

البديهة الاولى التي على الاسلامويين الاعتراف بها، هو ان سيرة الزوجية في الاسلام التاريخي، لم يكن تاريخا (للعفة) قط، وان الغرب بكل ماهو عليه كان اقرب اليها منه.. ليس بسبب تلك القصة المريعة من تاريخ الجواري والحريم في ازمانه، والتي جعلوا بها من التاريخ الاسلامي تاريخا (للجنس) بكل جدارة ([14])، وانما لان عين الزواج فيه كان يقوم على منطق صوري، قائم على بنية الزنا اكثر من بيوت البغاء ـ لما يتوفر عليه البغاء احيانا من حقوق ووجوديات تبدوا افضل بكثير من صور الزواج في الكهنوت التاريخي([15]) ـ صور كانت تضع المرأة كـ(بضع) تشتريه المهور، وكـ(بضاعة) بيد غيره، وهما عنصرا العبودية لاغير..

لذا ليس مشكلة المرأة مع الكاهن في التاريخ هو انه (حلل استعبادها باسم جارية), وانما مشكلتها الاكبر معه هو انه (حلل استعبادها باسم زوجة)..

كما انها كانت صورا لاسس تحريم الاديان بتحريم الزواج بينها، وتاريخا للعنصرية والطبقية بدخول العرق والدين والطبقة والنسب والحسب كمحددات قبول، وإسا للذكورية والبطريركية البدائية وضاهرتها العربية في ازمة الجسد والشرف وما ترتب على ذلك في عناوين كثيرة من الاحكام..


(14)

إذن، لم يكن ذلك التشريع الزائف، إلا لان الكهنوت لم يأخذ من مفهوم الزواج حقيقته (عمقه الوجودي)، وما يرتبط به من (معنى) يؤديه للذات في وجودها.. معنى لا يؤدي وجوده في الزواج الا بروح تلك الأعماق التي يحملها هذا المفهوم، ويحقق فيه غاية الوجود الانثوي للمراة عند الله، والا سيكون عدم خلقها خير من مرافقتها للانسان في الوجود وتورط الخلق بها في اليوم السابع والاخير للخليقة، وهو يومٌ، يبدوا أنه كان محددا للنهايات الانسانية في كل زواية التاريخ، واعتقد أن هذا يقف وراء حكمة؛ أن لا تأتي المرأة إلا آخر الخلق، بعد كل العوالم وبعد عالم الرجل عينه.. بل عين انها لم تخلق في نفس وقته هو دليل على انها من غير عالمه. لذا، عادة؛ وراء كل تاريخ إمراءة. سيما التاريخ الاحمر، في خمره وفرجه ودماءه. لذلك نرى الرجل يقوم وجوديا بالمراة قبل أي شيء اخر.. لا بل ان صورة الوجود قائمة على صورة وجودها مع الرجل.. وبالتالي فصورة الوجود يقوم على صورة وجود المرأة..

صحيح أن المراة تبقى مصيبة. ولكنها مصيبة وحدها تحيل الوجود الى عبقرية، وضلع يحيل العدم الى وجود، وجنون غلب العقل في دروبه، ودرب لمَّ كل الدروب اليه.

صحيح انها ام الجمال، ولكنها عاهرته.. صحيح انها ام الجسد، ولكنها كفنه.. عهر المرأة لم يكن في جسدها، عهرها كان في غدرها.

الجريمة اسم إمراة وليس رجلا..

..هي أم التاريخ وأم المصائب على حد سواء. لذا كانت الولادة للمراءة وليس للرجل. وليس في ذلك عقابا كما ترى التوراة([16])، وإنما لانه لن ينجب الرجل وجوده وعبقريته الا بها.. بحيث تضهر هذه الصفة التكوينية فيها كإشارة إلى حقيقة وجودية، وهي؛ ان مهمة المراة ليس ولادة الاطفال من رحمها، وأنما ولادة الرجال من رحم الحياة؛ من العدم الى الوجود.. وهذا عينه ما يجعل مفهوم الولادة والخلق مفهوم وجودي لا تكويني.. مفهوم نفسي لا مادي.. بل ان خروج الرجل لرجولته لايتم الا بالانوثى، وهو امر تتأكد واقعيته بعين التضاد الوجودي فيه؛ ان لا ولادة للرجولة الا بالانوثى.

وتبقى الاشارة اكثر من العبارة، هو انها ام الابداع والخلق.. ولا يمكن ذلك الا بالالام وحدها.

صحيح ان الرجل انجب المرأة من ضلعه، ولكنها انجبته من عيونها. ولا تقبل المراة دين ضلعه بعيونها. رغم ان ضلعه اكثر دفئا، ولكن المشكلة ان عيونها اكثر سحرا.. لذا لم ينتصر عليها يوما في عشقه.. مخافة ذلك جعل بوذا يقول لتلميذه؛ كن منهن على حذر ياأنناندا.

ولانها لم تقبل بعوض ضلعه، كانت قصة المرأة مع الرجل هي؛ انه إعطاها ضلعه فسرقت قلبه..

لذا لم يكن هنالك لص في التاريخ كما المرأة ورجل الدين.. هي لسرقة القلوب وهو لسرقة الله..


(15)

.. تبقى الحقيقة المرة؛ هي انه لم يتقن العهر الا المرأة، لانها في عقيدتي، هي الجمال الذي ادمن العهر، والمعبد الذي ادمن الزور.

لذا أوجدت البشرية في لغتها عاهرة، ولم توجده للرجل، لانها وجدته فنا نسويا فقط([17]). سيما ان البشرية تطرحه كمفهوم جسدي اخلاقي، بينما هو مفهوم قيمي يرتبط بالحياء لا غير، والحياء مفهوم إمراة لا رجل.. الرجل يحصره في رجولته مفهومي الشجاعة والجبن فحسب في مفهومهما العام. بينما المراة محصورة ماهويا بين مفهومي الحياء والعهر..

لذا ليس العهر الا الخروج على الحياء.. سواء مارسه الكاهن او المراة او السياسي.

بكل الاحوال.. الرجل سيجد له عذرا امام الله قويا، هو انه مبتلى بالمراءة. بينما لا عذر للمراة بالرجل.. عذرها أن زوجيتها مبتلاة بالكهنة فحسب.

لم اجد مخلوقا غريبا كألمراة، في قضيتي القبح والجمال.. مخلوق غريب، وغرابته هذه عينها من جعلته يمثل الحيرة المعرفية في وجودها مع الحكماء الى يومنا هذا، بينما لم يكن ذلك معهم في وجود الرجل. لذا كل الشعوب سيما في مدوناتها الكهنوتية فتحت عنوان الاسطورة في خلق المراة واصل خليقتها، ولم يكن لها ذلك مع الرجل..

مخلوق متعب ومهلك.. ارهق السماء قبل الارض.. كيدها تزول منه الجبال، وكيده قد تزول منه نخلة.

هذا عينه الذي انجب مقولة اهم حقوقي في الوجود؛ وكونوا من خيارهن على حذر.. الرجل لايُحذر منه، في طبيعة رجولته التي تفرض عليه ذلك.. سيما انها كائن ليل وهو كائن نهار.. الغريب ان التاريخ تحرك في الليل اكثر مما تحرك في النهار.

الرجل خلق من طين، وهي خلقت من عظم.. اذن هو خُلق طريا، فجعلته هي يابسا. ولد قابيل طريا ومات قاتلا بسبب امراة. لذا مقولة الرقة معها وهم وجودي..

اليس غريبا ان يكون اول صراع في التاريخ هو بسبب امراة..

خُلقت من فوق قلبه، وعاشت لتدوس عليه.. اعطاها ضلعه، فسرقت قلبه.. ينام هو على ضلعها، وتنام هي على قلبه.. مسكين..

لاغطاء لقلبه لذا هو يعطيه بسرعة، ولا غطاء لفرجها لذا هي تعطيه بسرعة..

الضلع الذي سرقته كان في جهة قلبه، وهذا لا محالة يترمز بوضوح الى انها لا تاكل الا قلبه..



الهوامش



[1] ينتمي النص هنا الى مشروع جمهورية النبي في جزءه الثاني ( مبغى المعبد) والمتعلق بقضية الرجل والمراة في علاقتهما الوجودية، ولعبة التشريعات الكهنوتية معهما في طريق الخيانة. لانتشال الحقيقة النبوية في هذه القضية خارج جدران المعبد بعودة وجودية للحقيقة مع النص والوجود والتاريخ على حد سواء، مقارنة باليوتوبيات والايديولوجيات والاعراف الاخرى التي رافقت تلك الخيانة وزادت في بؤس الحقيقة حصرا"... الكاتب


([1]) حتى قبل وعيي ذلك معرفيا، كنت اتنفس الصعداء، وانا اقراء ماقام به مزدك وصاحب الزنج، وهما ياخذون زوجات السيد ليزوجوهن للعبيد في يوم وليلة. وانزف كثيرا من غضبي على السادة..

لم يكن يريدون ان يتحولوا من عبيد الى سادة، وانما كانوا يريدون ان ينقذوا الوجود من السادة.

([2]) حينما سئل النبي؛ المؤمن يزني وهو يزني قال: بلى.. المؤمن يسرق وهو مؤمن، قال: بلي.. المؤمن يكذب وهو مؤمن، قال: لا.. الحديث الثاني.. ايضا سئل فيه؛ ايكون المؤمن جبانا قال : نعم.. ايكون بخيلا. قال : نعم.. ايكون المؤمن كذابا. قال: لا..

([3]) لذا يحدث ان لايعطي احدهم مال الغانية بعد انتهاء حاجته.. حينها يكون للنبي الما على حق هذه الغانية مبتعدا عن مرجعية ذلك المال وعن فعلها.. حكم النبي هنا وغضبه هو على حق تلك الغانية.

([4]) احيانا ينسب هذا البيت الى سناءي وفريد الدين العطار؛ المتصوفة الجماليين في فارس، وهما من مدرسة الرومي نفسه بنسبة ما.

([5]) يرفض الكثير من الفقهاء كلمة النبي الابلغ وجوديا؛ (من عشق فعف، فمات، مات شهيدا..)، فابطلوه واعتبروه مدسوسا، سيما من ابن تيمية ومدرسته... الغريب في تراث الكهنوت هو انهم يرفضون احاديث الحب والتسامح ووحدة الاديان، بينما يقبلون احاديث السيف والتوحش.

([6]) الكفر بالقلب هو الكفر الحقيقي .. ليس لان القلب بقية الله وحديثه.. ولكن لانه كفر بالحقيقة.. وحقيقة الانسان تربض في قلبه

([7]) التي ترى ان الجسد لايصغي دون قلب، وبالتالي لايكون شرعيا بدونه..

([8]) كل من سموا بالخلفاء في الدول العباسية والاموية والعثمانية وماينضوي تحتهما من سلطنات ودويلات، كان لهم ذلك من الفقيه، وكان لهم ذلك الحكم الشرعي، بل هنالك من الغرائب في الفتوى في ايام الدولة العثمانية في خصوص السلطان والمراة، مالا تقبلة الغانية نفسها إذا منـحت حق الفتوى.. مثلا كان للسلطان عبد الحميد الثاني اثنتا عشرة زوجة بدرجة اقبال وهي الدرجة العليا لزوجاته، واخريات بدرجة ادنى (قادين) ناهيك عن مئات الجواري التي تجدد مع الفاكهة التي تاتيه يوميا..

([9]) في حريم الدولة العثمانية كانت من تحضى بليلة مع السلطان تعتبر قد جاءها الحض من وراء سبع بحار..

([10]) وهو مايوجهه التحديد النبوي بان؛ (من تزوج احرز ثلثي دينه). ثلثي وجوده. إذن المراة هي ام المصير.

([11]) يمكن لاحقا المقارنة في ذلك بين حادثة النساء المغيبات مع النبي، وبين حادثة دفن سعد بن معاذ، وما يلاقيه هذا الرجل حينها لانه كان زوجا سيئا.. رغم ان موته كانت نتيجة جراح في سبيل الله.

([12]) جعل الكهنوت من شروط الزواج هو كفؤية النسب والحسب واضاف كفؤية العرق والدين.. بحيث كان الكهنوت يفرق بالقوة بين الاعجمي والعربية ان تزوجا.. ودون طلاق حتى.. وهو حكم كان يتفق عليه معظم الفقهاء القدامى سيما ايام الدولة الاموية.. حيث قصة الموالي والعرب.. وكان الاسلام فيه درجات واصناف..

([13]) .. قد يكون خسر عشرة اعوام ولكنه انتصر لاكثر من الف واربعمئة عام.. والمفروض ان هذا ليس غريبا، لانه ينتمي الى نظرية عليها ان تتاكد الان ايضا؛ هو ان الانبياء في الحروب هم الخاسرون.. ومن الخطأ، ومن غير النبوة؛ ان ينتصر الانبياء في الحروب.. شانهم شان كل المعلمين..

([14]) في بداية القرن الثانس الهجري كان الحال في مانقله محمد بن يحيى المدني (ت 121 هـ) عما وصل اليه المجتمع الاسلامي بقوله؛ كان الرجل يحب الفتاة فيطوف ببيتها او خيامها حولا كاملا، فيفرح إن راى من رأها، او سعد منها بنضرة او ظفر منها بمجلس فيتشاكيا ويتناشدا الاشعار، بخلاف اليوم؛ الذ ي صار فيه الفتى يشير الى الفتاة وتشير اليه، فا التقيا لم يشكوا حبا ولاهياما ولم يتناجيا او يتناشدا شعرا، وقام اليها كالثور الهائج ويولج فيها كانه اشهد على نكاحها اباهريرة واصحابه..

([15]) بل اني لم استطع ان اميز مفهوم الزنا بمثال المبغى، وانما تميًز معي عن طريق مفهوم الزواج عينه في خطاياه الداخلية.

([16]) (ساضاعف الامك، واحزانك مظاعفة كبيرة، وستلدين الاطفل بالالام وحدها).

([17]) الخيانة والغدر والعهر.. مفاهيم لم ينجز ادائها المعجمي، ولم يتطور المعجم الا بالمرأة.
 
أعلى