ت. س. إليوت - أغنية العاشق (جي ألفريد بروفرك).. ت: حسن الصلهبي

لنذهبْ إذن, أنت وأنا,
إذ يتمدّدُ هذا المساءُ فوق السّماءْ
كمثل مريض مخدر على منضدة,
لنذهبْ, خلال الأزقة نِصْفِ المَهْجُورةِ,
تمتمات التردد
لليالي القلقة في الفنادق الرخيصة ذات الليلة الواحدة
ومطاعم النّشارة ذات المحار:
الدروب التي تتلاحق مثل نقاش مملّ
لنية خبيثة
لتقودك نحو سؤال ساحق...
آه, لا تسأل, ما هو؟
لنذهبْ ونؤدي زيارتنا.
..........
في الحجرة النّساء يَجئنَ ويَذْهبنَ
يتحدثن عن مايكل أنجلو.
..........
الضّباب الأصفر الذي يدلّك ظهره في زجاج النافذة،
الدّخّان الأصفر الذي يدلّك أنفه في زجاج النافذة
لعق زوايا المساء
تسكع فوق البرك الراكدة,
ترك السخام الذي يتساقط من المداخن يستقر على ظهره,
انزلق إلى الشرفة, قفز فجأة,
وحين رأى أنه في ليلة أكتوبرية معتدلة,
التف مرّة حول البيت, ونام.
..........
وحتما هنالك وقت
للدّخّان الأصفر الذي ينزلق بطول الشّارع,
فاركا ظهره على زجاج النافذة,
هنالك وقت, هنالك وقت
لإعداد وجهٍ يقابل الوجوه التي تقابلها,
هنالك وقت للقتل والخلق,
ووقت لكلّ أعمال وأيّام الأيدي
التي رفعت وحطت سؤالا على طبقك,
وقت لك، ووقت لي,
ووقت كذلك لمئة حيرة
ولمئة تصور وتعديل,
قبل تناول خبز التوست والشّاي.
..........
في الحجرة النّساء يَجئنَ ويَذْهبنَ
يتحدثن عن مايكل أنجلو.
..........
حتما هنالك وقت
للتّساؤل, هل سأجرؤ؟ هل سأجرؤ؟
ووقت للتراجع ثم نزول الدرج,
ببقعة صلع في وسط شعري
[سوف يقلن: ما بال شعره هزيل!]
معطفي الصباحي, ياقتي المشدودة بإحكام إلى ذقني,
ربطة عنقي الأنيقة والمتواضعة, لكنهاّ مثبتة بدبّوس بسيط
[سوف يقلن: لكنّ ذراعيه وساقيه نحيفان!]
هل سأجرؤ
أن أزعج الكون؟
في دقيقة هناك وقت
لاتخاذ القرارات أو للتراجع عنها والتي ستقلبها دقيقة.
..........
لأني بالفعل قد عرفتهم جميعًا, عرفتهم جميعا:
عرفت المساء, الصّباح, الظّهيرة,
قست حياتي بملعقة قهوة,
أعرف الأصوات التي تموت بسقوطها المحتضر
تحت الموسيقى من غرفة أبعد.
فكيف سأجرؤ؟
..........
وفعلا عرفت العيون, عرفتها جميعًا
العيون التي تؤطرك في عبارة,
وحين أُصَاغ, أمدد على دبّوس,
وحين أُعلقُ أتمايل فوق الجدار,
وكيف سأبدأ
لبصق كلّ أعقاب أيّامي ودروبي؟
كيف سأجرؤ؟
..........
وفعلا عرفت الأذرع, عرفتها جميعًا
الأذرع ذات الأساور والبيضاء والعارية
[لكنّ في ضوء المصباح, تخفت بشعر بنّيّ فاتح!]
أهو عطر من ثوب
ذلك الذي يجعلني استطرد كثيراً؟
الأذرع التي تستلقي على طول المائدة, أو يلفها شال.
هل عليّ حينها أن أجرؤ؟
وكيف عليّ أن أبدأ؟
..........
هل أقول: ذهبت خلال الشوارع الضيقة في الغسق
وأبصرت الدّخّان الذي يتصاعد من غليونات
رجال وحيدين بقمصان ذات أكمامِ، يميلون من النوافذ ؟...
..........
كان عليّ أن أكون زوج مخالب حادة
يعدو على سفوح البحار الهادئة.
..........
وبعد الظّهر,وفي المساء, ينام بهدوء!
تلاطفه الأصابع الطّويلة,
نائما.. تعبا.. أو يتمارض,
يمتد على الأرضيّة هنا بجانبك وبجانبي.
هل, بعد الشّاي والكعك والحلوى,
أمتلك القوّة لدفع اللحظة إلى ذروتها؟
لكنني رغم أني بكيت وصمت, بكيت وصلّيت,
رغم أني رأيت رأسي [أصبح أصلعا قليلاً] مقدما على
طبق كبير,
لست قديساً، وهذا ليس بذي أهمية,
رأيت لحظة عظمتي ترفرف,
ورأيت الخادم الأبديّ يمسك معطفي, ويقهقه,
باختصار, كنت خائفًا.
..........
هل كان ذا يستحق, بعد كلّ شيء,
بعد الفناجين, المربّى, الشّاي,
بين أطباق الخزف, بين حديث لي ولك,
هل كان ذا يستحقّ,
أن أقطع الأمر بابتسامة,
أن أضغط الكون في كرة
لكي أدحرجها نحو سؤال ساحق,
لكي أقول: أنا لازاروس, أجيء من الموتى,
عدت لأخبركن جميعا, سأخبركن جميعًا
إذ إحداكن تهيئ وسادة برأسها,
ينبغي أن أقول, ذلك ما لم أعنه على الإطلاق.
ذلك ليس هو, على الإطلاق.
..........
وهل كان ذا يستحق, بعد كلّ شيء,
هل كان ذا يستحقّ,
بعد الغروبات والأفنية والشوارع المرشوشة بمطر خفيف,
بعد الرّوايات, بعد الفناجين, بعد التنانير التي تمسح
الأرضية
هذا, وغيره الكثير؟
مستحيل أقول الذي أعنيه فقط!
لكنّ كما لو أن فانوسا سحريا ألقى الأوتار أشكالا على شاشة:
هل كان ذا يستحقّ
لو أن واحدة, تسوي الوسادة أو تخلع الشال,
وفي استدارتي نحو النّافذة, ينبغي أن أقول:
ذلك ليس هو على الإطلاق,
ذلك ليس ما عنيته, على الإطلاق.
..........
لا ! لست الأمير هاملت, ولا حق لي أن أكون,
أنا الأمير المرافق, الذي سيعمل
لتضخيم الجولة, يبدأ في مشهد أو مشهدين
ينصح الأمير, بلا شكّ, أداة سهلة,
موقّرة, سعيد لأن يكون مفيدا,
حكيما, حذرا وداهية,
ممتلئا بالجملة العالية, لكن بليد نوعاً ما,
وفي أحيان, بالطّبع, سخيف
تقريبًا, أحيانًا, الأحمق.
..........
أَشيخُ... أَشيخُ...
سألبس مؤخرة بنطلوني ملفوفة.
..........
هل أُفرقُ شعريَ للخلف؟ هل أجرؤ أن آكل خوخة؟
سألبس بنطلون الفانلّة الأبيض, وأمشي على الشّاطئ.
سمعت حوريات البحر يغنين, واحدة تلو الأخرى.
..........
لا أعتقد أنهن سيغنّين لي.
رأيتهن يمتطين ثبج البحر
يمشطن شعر الموجات الأبيض
عندما تعصف الرّيح الماء أبيضا وأسودا.
..........
بقينا في غرف البحر
عند الحوريات اللائي كللن رؤوسهن بالطحالب الحمراء والسمراء
حتّى توقظنا الأصوات البشريّة, ونحن نغرق.


.


صورة مفقودة


.
 
أعلى