نهلة سوسو - بعيداً عن العيون

لماذا ما زالت غرفة النوم تحظى لدى الإنسان بخصوصية فائقة ومنها القفل والمفتاح ، مهما كان مستوى صاحبها المادي ؟ يكون القصر فارهاً ، وفيه جناح للنوم ، ويكون المنزل بثلاث غرف ، فتعزل منه غرفة واحدة للنوم ، وتستخدم غرفتاه الباقيتان لكل شؤون الإقامة :

الجلوس، والمعيشة والاستقبال ، ويكون المنزل بغرفتين فيقسم إلى واحدة للنوم ، وأخرى للمعيشة ، ويكون غرفة واحدة فيعزل منه قسم بستارة ، ليعطى تلك الخصوصية الموروثة منذ خلق آدم وحواء ، ربما حتى لغيرهما من الكائنات ( أما يقال دخلا عش الزوجية حتى اليوم ؟)‏

إنه إرث إنساني ، لم تصنعه الأعراف والتقاليد بقدر ماصنعته غريزة الحياء والخصوصية البالغة لاثنين يتشاركان أمراً لايدخله ثالث على الإطلاق وإن دخله ، ولو طيفاً ، أحدث الخراب في تلك الحميمية ، لافرق في ذلك بين الكهف ، في عصر الكهوف ، الذي فرش بأوراق الشجر ، وزين بالازهار البرية ،وبين غرفة نوم القرن الواحد والعشرين ، التي تعزل بالستائر ، وتفرش بالملاءات المطرزة ، وتكون أول اهتمامات العاشقين واخر محطاتهم ، بعد الانجذاب ، والرغبة والإعجاب ، وقبول الرائحة ، وثورة الخيال التي تفضي إلى امتزاج الاثنين في واحد ، ومغامرة استمرار الحياة بولادة طفل ...‏

والحب هو مجموع كل هذا بالاضافةإلى أشياء أخرى ، عصية على الكشف ، وما الجنس إلا جزء من هذا التكوين المعقد ، الذي يحاول الإنسان كشف أسراره منذ الأزل عبر تكوينات الفن البديعة ، مرة بالنحت لتأمل تكوينات الجسد ، ومرة بالرسم للتوقف عند ينابيع الجمال الحركي ، ومرة بالشعر لاختزال براكين المشاعر ، ومرة بالرواية لكسر قيود الزمن ، ورصد مشكلة التملك والغيرة ، والزوال ( رعب الإنسان الوجودي عبر كل العصور ) .‏

الفن عظيم بمقدار ارتقائه إلى التعبير عن قدر الإنسان على هذه الأرض ، وهو وحده ، من حفظ تاريخ الخليقة الحقيقي ، وهو نفسه غدا اليوم، طيعاً في يد قوى الهيمنة على الثقافات ، للإجهاز على كل وتد يحمل خيمة في المجتمعات مستلبة الوقار ، ملتمسة نرجسية الكاتب أو الفنان ، اللاهث وراء الشهرة بأي ثمن ، وتقديم جائزة الترجمة له على طبق من ذهب ، شرط أن يتنكر لقيم شعبه ، ويشتم معتقداته الدينية ، ويهجو قيم أمته الأخلاقية ، ويحطم المألوف في بديهياتها ( كما فعلوا بكل رموزهم المحترمة ) ولا بأس أن يأتي إلى أحضانهم دون أي أداة من أدوات الفن ، مهما كانت بسيطة ،ومنها اللغة ، ووجع الكتابة ، والرؤيا التي لابد لكل فن من بوصلتها ...‏

إن كانت الحشمة مقدسة لدى أمة الفنان « الصرعة » فلا بأس أن يخلع ملابسه ويأتي عارياًإلى حفلة الرقص حتى لو كان الباليه ، أو الفالس وبعد ذلك يأتي الشذوذ و«حرية»التنقل من شريك إلى آخر ، والحفلات الجماعية ،والحديث عن الفرادة والتخلف والبدائية ... والهمجية .. ولاضير في اختفاء تنوع الثقافات ، وسيادة هذه الثقافة ، ما دام ... اقتصاد الشركات الكبرى يلغي كل أشكال الاقتصاد الأخرى . من هذا المناخ يخرج الفن المعاصر ، وفيه روايات لاتستحق الذكر ، وأسماء تلمع ، ومع ذلك لامكان لها في هرم الإبداع الإنساني ،حيث أعمال الخالدين، الذين لم تكن لهم عين واحدة تتلصص على بقعة صغيرة من الوجود ، هي الفراش. وحيث لاامتداد زمنياً يستحق أن يستأثر باهتمام المبدع ( إنه مجرد إحدى عشرة دقيقة ،كما رأى باولوكويللو ) !‏

بينما تغلي المجتمعات بالكثير من القضايا والهموم ، التي عليها عاش فن الخالدين .. وأي معادلة في الوجود قامت على عنصر واحد ، أو جزئي مهما كان هاماً ، أو أساسياً ؟‏


.


صورة مفقودة
 
أعلى