هادي بن رمضان - العقل العربي والجنس : رافائيل باتاي

يتناول رافائيل باتاي السوسيولوجي الأمريكي اليهودي في كتابه "العقل العربي" فصل "مملكة الجنس" , العلاقة بين العربي والجنس على أنها علاقة تشوبها حالة من الفصام والإضطراب . إذ يعرض الكاتب الإرتباط الوثيق بين الجنس والشرف والعار والإذلال في ذهن العربي , ليستخلص في فكرته العامة أن المجتمع العربي يتصور الجنس أداة للإذلال والهيمنة وبالتالي إرتباطه الوثيق بمفهوم الشرف وما ينتج عنه من إستهداف للمرأة , فهي مركز قضية الجنس . يسرد الكاتب في مقدمته قصة قديمة يشير بها إلى العلاقة بين العربي والجنس , وهي أن أحد الخيميائيين قد طلب من تلميذه أن يشرع في تطبيق ما تعلمه لتحويل المواد إلى ذهب ثم وجه له نصيحة أخيرة : "إن أهم ما في العملية كلها أنه يتوجب عليك ألا تفكر في الفيل الوردي !"

من يمكن أن يفكر في فيل وردي !؟

يشرح رافائيل باتاي سبب سرده لقصة الخيميائي والفيل الوردي :

- يرمز الفيل الوردي في خيمياء الحياة العربية إلى المحظورات الجنسية . فالولدان وبقية أفراد العائلة يملؤون ذهن الطفل العربي بأن الجنس خطيئة . كما تقوم الثقافة ككل بإحاطة الفرد بجو يذكره دائما بهذا المفهوم . إن فصل الجنسين , وتحجيب المرأة حيثما يمارس , وكافة الأعراف الدقيقة التي تحكم وتقيد التواصل بين الرجل والمرأة ذات تأثير يجعل الجنس أولوية تشغل عقل العالم العربي . فالمحظور الجنسي نفسه هو الذي يصنع نوعا من التمسك به .- ثم ينتقل الكاتب إلى عرض الإرتباط الوثيق بين الجنس والشرف في الذهن العربي , فمفهوم الشرف المرتبط بالأداء الجنسي للمرأة شائع بين الغربيين , الخيانة الزوجية أو ممارسة الإبنة للجنس وما يترتب عن ذلك من حرج وألم نفسي للزوج أو الأب , ينتهي كل ذلك بالطلاق أو العقوبة المعنوية أو تفهم ما أقدمت على ممارسته الأنثى . فالفرد في الثقافة الغربية لا يعتبر مسؤولا قانونيا أو أخلاقيا عن تصرف شخص اخر . مفاهيم العار وفقدان ماء الوجه التي إرتبطت بالزوج واثارها النفسية والإجتماعية لا بد أن تزول بالطلاق والإنفصال . أما في الثقافة العربية فالأمر يختلف إختلافا جذريا , فالروابط العائلية قوية بحيث أن كل عمل شائن لأحد الافراد يعود بالعار على العائلة بأكملها , والعقل العربي يميز بين العمل الشائن المرتكب من قبل الأنثى على ما قد يرتكبه الرجل , فـأسوأ ما يمكن أن يحدث في الثقافة العربية هو أن ترتكب الزوجة أو الإبنة سلوكا جنسيا مشينا .

-ويضيف باتاي أن أقوى موانع الثقافة العربية للحؤول دون ممارسة الجنس بطريقة غير شرعية هي المساواة بين شرف العائلة والسلوك الجنسي لبناتها عازبات أم متزوجات . فإذا ما إرتكبت الأنثى مخالفة جنسية فإن أباها وإخوتها يفقدون شرفهم . شرف لا يمكن أن يستعاد إلا بمعاقبة المرأة المذنبة : أي بالحكم عليها بالقتل . إن شرف الرجل في الثقافة العربية يتوقف بشكل كامل تقريبا على عرض النساء في عائلته .-

هذه العلاقة الوثيقة بين الجنس وهالة التحريم التي أحيطت به وبين مفاهيم الشرف والعرض والرجولة والشهامة , رسخت في الذهن العربي أن الجنس أداة لممارسة الإذلال والهيمنة .
في الثقافة العربية الذكورية , عند الحديث عن الجنس , فالذكر دائما هو الفاعل والأنثى المفعول بها . هو الممارس للإتصال الجنسي وهي من وقعت عليها الممارسة . ولا يمكن أبدا للذهن العربي الذكوري أن يضع الذكر في مرتبة المفعول به . بينما على العكس من ذلك في الثقافة الغربية نلاحظ إمكانية تصوير الأنثى لغويا أو دراميا في مرتبة الفاعل والذكر في مرتبة المفعول به ونجد مصطلحا رائجا بين الغربيين وفي الأعمال السينيمائية الغربية وهو المصطلح الأنجليزي : " She Fucked Him " في إشارة إلى أن الأنثى من أرادت وفرضت رغبتها الجنسية على الذكر . بينما لا نجد مرادفا لمعنى هذا المصلطح رائجا بين العرب .

علاقة العقل العربي بالجنس كما وصفها رافائيل باتاي , المرأة يقع تشبيهها بالضحية , بالموطوءة . ومصطلح "الوطأة" كمرادف لمصطلح "الدوس" يستعملان لوصف الجنس . فالجنس مرتبط بالإذلال والهيمنة , ولهذا يمتلك العربي حساسية شديدة من أن تمارس أخته أو قريبته الجنس خارج الزواج لأنه مرادف للإذلال وفقدان الشرف . ولا يمكن للذكر في الثقافة العربية أن يكون في موضع إذلال أمام الأنثى ولهذا لا بد أن يكون دائما هو في محل الفاعل وهي في محل المفعول به .

رسخ الإسلام هذه العلاقة بين العربي والجنس بشكل صارم , فقد أجاز أن يتزوج الذكر المسلم من غير المسلمة الكتابية (من أهل الكتاب) . بينما حرم زواج الأنثى بغير المسلم . هذا التصور العربي للجنس , بكونه أداة للهيمنة والإذلال , دفع بالمجتمعات الإسلامية المحافظة في البلدان العربية ذات التعدد الطائفي إلى ممارسة شتى أشكال التهديد والملاحقة ضد الأنثى المسلمة التي إختارت شريكا من غير طائفتها (وهو أمر رائج أيضا بين مختلف الطوائف الأخرى) , يمكن أن نلاحظ في سوريا مثلا رفضا سنيا عنيفا للزواج المدني , يجيز القانون السوري للمسلم الزواج من غير المسلمة , بينما يحرم على المسيحيين أو الدروز أو غيرهم الزواج بالأنثى المسلمة دون أن يسبق الزواج إعتناق الإسلام . تفرض الشريعة الإسلامية الطائفية إذا نفسها على الاخرين , وبينما تكتفي الأقليات الأخرى بالملاحقات الفردية للأنثى في صورة إختيارها لشريك من غير طائفتها , فالدولة هنا تلعب ذلك الدور لصالح ما أقرته الشريعة الإسلامية .

أمكن للمؤلفين والمخرجين السينيمائيين في البلدان الإسلامية المحافظة ذات التعدد الطائفي في أعمالهم الفنية تصوير الذكر السني مثلا في مظهر المجرم أو اللص دون أن تلقى أعمالهم الفنية رفضا عنيفا من قبل الطائفة السنية , بينما إستحال على هؤلاء عرض علاقة غرامية يكون الطرف الأنثوي فيها مسلما عكس الطرف الذكوري تجنبا لردة فعل متطرفة لطبيعة العقل الديني وحساسيته تجاه الجنس , بينما أمكن عرض علاقات غرامية جمعت بين طرفين من طائفتين مختلفين يكون الطرف الذكوري فيها مسلما , وإنطلاقا من تشخيص ميخائيل باتاي للعقل العربي فقد ساهمت هذه الأعمال الفنية في تثبيت وتعزيز نرجسية العقل الديني دون أن تعمل على تقويضه وإخضاعه تجنبا لأي ردود فعل .

إن إرتباط الجنس بالهيمنة والعار والإذلال هو الدافع الرئيسي لأن يتخذ المحافظون والمتدينون موقفا متطرفا من علاقات غرامية في غير شكلها الديني , فإذا كانت الأنثى في العقل العربي تشكل شرف وعرض كل أفراد عائلاتها فهي أيضا تشكل شرف وعرض كل أفراد مذهبها الديني أو القبلي أمام الأجنبي . هذا التصور الثقافي للجنس عزز تصورا ذهنيا للعقل الديني الطائفي بأن زواج ( بما هو جنس أي أداة إذلال وهيمنة ) المسلمة من غير المسلم هو دوس على عرض وشرف وكرامة الأمة الإسلامية جمعاء !! بل يرمز حتى إلى الحروب الصليبية ! فإذا كان الجنس في الثقافة العربية مرادفا للدوس والوطأ فهو دوس و وطأ على الإسلام والمسلمين .

ما سبب الموقف العنيف من الأداء الجنسي المشين للمرأة مقابل التسامح مع الأشكال الأخرى من السلوكات المشينة ؟

-يلاحظ باتاي ما ينعكس على اللغة من الوضع الخاص الذي يستأثر به السلوك الجنسي للمرأة على ظاهرة الشرف والعار . فكلمة "الشرف" تشير إلى مفهوم عام أما إذا أردنا تخصيصها بالمرأة وسلوكها الملائم فالكلمة المستعملة هي "العرض" . وللشرف -بالنسبة للرجل- مفهوم مرن فهو يعتمد على سلوك الرجل وطريقته في الكلام والتصرف . وهذا الشرف -بالنسبة للرجل- قابل للإكتساب والتقوية والتقلص والضياع والاستعداة ... وعلى العكس منذ ذلك - للعرض مفهوم صارم : فلكل امرأة عرضها الخاص بها وهي تولد وتنمو معه ولكنها لا تتمكن من تعزيزه لأنه مفهوم مطلق ورغم ذلك يجب عليها المحافظة عليه . واذا تعرضت لإساءة جنسية , مهما كانت ضئيلة , فإنها تفقد عرضها وإذا ضاع العرض مرة فلا سبيل لاسترجاعه مجددا . يضيف باتاي بأن شرف الرجل يتوقف بشكل كامل تقريبا على عرض النساء في عائلته . صحيح أن الرجل ربما يفقد شرفه كليا أو جزئيا إذا ظهر منه تقصير في موقف يقتضي الشجاعة أو الكرم , ورغم ذلك , فإن نسبة حدوث مثل هذه المواقف ضئيلة لأن الرجل يتعلم منذ بدايته على أن يحافظ مهما كانت التكاليف على مظاهر الشجاعة والكرك . ومع هذا فإن من يخرق هذا القانون بصورة علنية يخسر شرفه لكنه لن يتعرض لعقوبة جسدية تفرضها العادات والتقاليد . وقد يختلف العرب حول الجرائم التي تقع خارج نطاق الأعراف الأخلاقية كالقتل والسرقة وخيانة العهد وأخذ الرشوة وسوى ذلك من الأفعال الخاطئة , فمنهم من يرى أنها تؤثر على الشرف ومنهم من لا يرى ذلك . لكنهم يتفقون جميعا على أن إنتهاك عرض المرأة يدمر شرف رجال عائلتها . وهذا دفع أحد دارسي الأخلاقيات العربية إلى إستنتاج يرى بأن من الواضح أن المكون الأساسي لشرف الرجل هو حماية أعراض قريباته من النساء , ويمكن أن نضيف لهذا الإستنتاج أن هذا الموقف هو من صفات العالم العربي ككل . وأن إنتهاك العرض سواء أكانت المرأة هي من تسبب به أم عشيقها هو الجريمة الوحيدة التي يعاقب عليها بالقتل في العرف الأخلاقي العربي .-

لازال رائجا اليوم في المجتمع العراقي العشائري القبائلي عند حدوث نزاع بين عشيرتين , أن تزوج العشيرة المتسببة في حدوث النزاع بعض إناثها إلى العشيرة الأخرى , كعلامة على الخضوع وطلب الصفح , مادام الأداء الجنسي للمرأة جالبا للذل والعار , في تجسيد واضح لصدق كتابات رافائيل باتاي عن العقل العربي وعلاقته بالجنس .



- ترجم الكتاب إلى العربية "علي الحارس" -

* الحوار المتمدن


.

صورة مفقودة
 
أعلى