وليد يوسف عطو - تاثير الجنس في الحركات الاسلاموية التكفيرية

يقول عالم الاجتماع المغربي د.عبد الصمد الديالمي في كتابه :
(المدينة الاسلامية والاصولية والارهاب :مقاربة جنسية ) - ط 1 -2008 – دار الساقي بالاشتراك مع رابطة العقلانيين العرب – بيروت – لبنان :

( ان تفجير الذات هجرة غير مشروعة , او (حريك )كما يقول المغاربة . وهي المفردة المتداولة لتسمية كل هجرة سرية نحو الشمال في قوارب الموت من شمال المغرب الى شواطيء جنوب اسبانيا . وتاتي هذه الكلمة من فعل (حرق) . بمعنى ان المهاجر السري يحرق ماضيه ويحرق كل اوراقه متطلعا الى اكتساب هوية جديدة . واذا كان هذا( الحريك ) نحو اوربا افقيا , من قارة الى قارة , فان ( حريك الارهابي) المفجر لذاته ( قبل تفجيره للاخرين )( حريك عمودي ) , من الاسفل نحو الاعلى , من الارض الى السماء , من جحيم الحياة الى جنة الله حيث تنتظره الحور .
انه حريك نحو الجنة .انها هجرة غير مشروعة اذا نظرنا اليها كانتحار , لكنها اكثرمن مشروعة من وجهة نظر الارهابي الذي لاينظر الى نفسه كارهابي ,وانما كاستشهادي يجاهد في سبيل الله ضد المرتدين والكفار .
ان التواعد بالالتقاء في الجنة , مكان السعادة الجنسية الابدية , لمؤشر له اكثر من دلالة على الحرمان الجنسي... ) .

واذا كان الفعل الارهابي ينبثق عن عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية ونفسانية , فلا بد من وضع كل تلك العوامل في ايديولوجيا معينة ,وهي الوهابية في هذه الحالة .

الجنس والمدينة العربية

ان المدينة العربية – الاسلامية تهدف الى تجاوز التجزئة القبلية , فهي مكان لاندماج الخصوصيات القبلية المختلفة باسم الايمان المشترك ,ذوالنزعة الكونية , اندماج في هوية جديدة , اسلامية , موحدة , ولكن في نفس الوقت ان الهوية الانقسامية لاتندثر في الواقع بشكل نهائي , الا داخل المجتمعات الفردانية الليبرالية . لذا نجد مؤسس المدن العربية – الاسلامية يحترمون في تقسيمها الطابع الاثني والقبلي , الى درجة تخصيص حي لكل قبيلة .
ليس للمدينة العربية الاسلامية مفعول ادماجي تحويلي مباشر . انها تجميع مركز لهويات اجتماعية مختلفة متصارعة في فضاء ( مجال) محدود .ولا بد لذلك التجميع من ان ينسف الهويات الانقسامية داخل هوية جديدة , واحدة , مدينية . لكن الهوية العربية القديمة القائمة على القبلية ورابطة الدم تقاوم النظام والهوية الجديدتين , مثل الزواج الداخلي.
ان التشبث بالقبيلة تشسبث شبه لاشعوري , في حين ان الاندماج الاسلامي ضرورة شعورية رسمية .

المدينة بين القبيلة والامة

كيف تمت مقاومة العقل القبلي للشمولية الاسلامية داخل المدينة وبها ؟وكيف تم الابقاء على نقاء النسب ؟.
لقد تم تحقيق ذلك بالمعمار الخاص بالمدينة العربية , حيث اصبح تنظيم العمارة العربية تنظيما معماريا انطوائيا للفضاء (المجال ) .فالمعمار الانطوائي ( غياب الشرفة , غياب النوافذ , الدرب اللامخرج ) ,او معمار البيت الشرقي في العراق ( والكلام لكاتب المقال ) حيث يقوم الفضاء على حوش داخلي تشرف عليه جميع فعاليات ونوافذ الدار وباستعمالات متعددة .
المعمار الداخلي الانطوائي ,هو معمار دفاعي يعبر عن ارادة الحفاظ على رابطة الدم والقرابة والاحتفاظ بكل فتيات العائلة لفتيان العائلة من اجل الحفاظ على وحدة الملكية العائلية , وحدة التملك ,اي الحفاظ على الاساس الاقتصادي .
لقد اضطرت المدينة ان تقننن استهلاك المراة للفضاء وان تضبط زواج المراة : انه دوران حاسم من حيث قدرته على مناقلة الثروة . الاسلام قائم على الوحدة الشاملة , في حين رابطة القرابة قائمة على الانعزال . ومن هنا نتفهم تفضيل الزواج الداخلي والميل الى معمار يحافظ على نقاء العائلة وانطوائها على ذاتها .فوراء الحفاظ على شرف العائلة تكمن في الواقع ارادة بقاء الوحدة الاقتصادية لكل نسب .
ان المعمار الانطوائي يعكس ارادة الزواج الداخلي , اي ارادة الاحتفاظ بصفاء النسب وبوحدة الملكية العائلية وتوارثها في الخط الابوي .

انها ممارسة قبلية تقاوم الثورة الاسلامية التي ( ابدلت )المراة شخصا قانونيا له حق الملكية وحرية التصرف فيها.
ان الفردانية الاسلامية بدات من المراة ,وبالمراة .

الاصولية تعبير عن حرمان جنسي

في العالم العربي ,لايزال حضور المراة في الشارع العمومي يثير سلوكيات ذكورية عنيفة, تنطلق من النظرة المدققة والملحاحة لتنتهي بالاغتصاب .
ان الفاعل الاجتماعي العربي , من خلال سوسيولوجية العفوية , يحمل المراة مسؤولية التفكك الاخلاقي والاجتماعي الذي تعاني منه المجتمعات العربية التي لاتفرض الحجاب او الفصل الصارم بين الجنسين .. بالنسبة للاسلامويون , يجسد الحجاب سلاح المعركة الحالية ضد الفتنة , اي ضد الحداثة الجنسية, فهو يحمي المراة عند تحركاتها ويحفظ جمالها .
ان خطر الاختلاط الجنسي يضبط بفضل الحجاب او الفصل بين الجنسين في الجامعة , في الشواطيء,في الحافلات . من هنا يبدو الاسلاموية لاتظل صامتة او لامبالية امام اشكالية استهلاك المراة للمجال ( الفضاء) العمومي , لكن غالبا مالاتقول باجبار المراة على البقاء في البيت .
يقول د.الديالمي انه يمكن تاسيس فرضية التر ابط بين الشخصية الاصولية المتشددة وبين الحرمان الجنسي انطلاقا من خمسة براهين :

البرهان الاول

يكمن في الترابط الذي اقامه W.Reich انطلاقا من تجربته الاكلينيكية , بين الزهد في الحياة والتصوف من جهة وبين اضطراب التجربة الجنسية من جهة ثانية . وهذا الى اعتبارالنزعة التصوفية حنيناوتطلعا لاشعوريا الى لحظة الذروة الجنسية .فكلما اضطربت التجربة الجنسية ,تم البحث عن الاتحاد بالله , بمعنى ان الاتحاد الروحي بديل عن الاتحاد الجسدي الفاشل .

البرهان الثاني

وضعه عالم نفس اجتاعي امريكي اسمه والين wallinمفاده ان تدين الزوجات الامريكيات يهدف الى تقليص المفعول السلبي لحرمانهن الجنسي على حياتهن الزوجية . انه تدين تعويضي يساعد النساء المحرومات جنسيا على بلوغ نشوة روحية غير جنسية , اعلى واسمى .

البرهان الثالث

توصل اليه اولا كينزي ثم ماسترز وجونسون . ويبين الترابط بين الاضطرابات الجنسية وبين ارتفاع الممارسات الدينية .

البرهان الخامس

يقيم عالم الاجتماع الالماني هيلموت رايش البرهان الخامس , حيث يبين كيف ان الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة تؤدي الى ظهور اخلاق جنسية متشددة ومحافظة .

كل هذه البراهين النفسانية – الاجتماعية تمكن من اعتبار الاسلاموية حنينا وتطلعا لا شعوريا الى جنسانية مُرضية وكاملة , حيث يبدو الاشباع الجنسي اكثر تعذرا في مساكن ذات كثافة سكانية مرتفعة .
ان العجز الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي يعاني منه المسلم المقهور اليوم , والذي يمنعه من التحكم بالنساء , يقوده الى التشبث بقوة باسلام يحفظ له امتيازاته الذكورية بغض النظر عن اوضاعه المادية المزرية , ويحفظ له حقه في متعة جنسية متعددة انطلاقا من ضرورات فحولته المزعومة .وبالامكان ان نرى في الاسلاموية ,والكلام للديالمي ,مطالبة بجنسانية تستهدف الانجاب (عوض المتعة ) , وتقوم على تعدد الزوجات لانها ترفض الحداثة الجنسية . ولان الحداثة الجنسية تكمن في المتعة وفي الزواج وفي الربط بينهما .فالاسلاموية , كمشروع سياسي لاتزهد لا في السلطة ولا في الجنس , تسعى ايضا الى استعادة الرجل المسلم لامتيازات التعددية التقليدية , وتحاول مقاومة تحديث هذه العلاقات بين الجنسين وتحديث العلاقات الجنسية .


مقالتنا : (الجنس بين الاثارة وشحة الامكنة ) ,
 
أعلى